تراجع السياحة في تونس للنصف.. ما تأثيره على العملة المحلية وارتفاع الأسعار؟
أدى انتشار جائحة كورونا إلى تقويض النشاط السياحي في تونس، ما أثر بالسلب على عائدات القطاع بأكثر من 50 بالمئة خلال عام 2021، في وقت تعيش فيه البلاد حالة من الاختلال الاقتصادي والمالي.
وتراجعت العائدات السياحية بنحو 52 بالمئة، خلال الأربعة أشهر الأولى من 2021، لتبلغ قيمتها 476 مليون دينار (174.8 مليون دولار)، مقارنة بالتاريخ ذاته من 2020، بحسب إحصاءات نشرها البنك المركزي التونسي.
ويمثل القطاع السياحي التونسي نحو 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعتبر مصدرا رئيسا للنقد الأجنبي في البلاد.
يأتي هذا التراجع في العائدات السياحية عقب انكماش اقتصادي شهدته البلاد في 2020 بلغ نحو 8.8 بالمئة، ما دفع الحكومة للبدء في محادثات مع صندوق النقد الدولي خلال مايو/أيار 2021، لطلب حزمة من المساعدات المالية في محاولة لإعادة التوازن الاقتصادي للبلاد.
وتشهد البلاد ضائقة اقتصادية غير مسبوقة مع عجز مالي قدره 11.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020.
تداعيات الأزمة
وتعد السياحة في تونس من أبرز مصادر النقد الأجنبي الواردة إلى البلاد، وتشكل حصة رئيسة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد الذي يواجه منذ عقد تحديات سياسية واقتصادية واستثمارية، مما يعني أن تداعيات هذا التراجع ستكون مؤلمة.
وبحسب الخبير الاقتصادي والمتحدث باسم حزب قلب تونس، صادق جبنون، فإن القطاع السياحي في تونس مهم، مشيرا إلى أنه يحتل مكانة رئيسة داخل قطاع الخدمات الذي يمثل نحو ما يزيد عن 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى أنه أضر بمداخيل العملة الصعبة للبلاد.
وأضاف جبنون لـ"الاستقلال"، أن قطاع السياحة يشغل بصفة مباشرة وغير مباشرة ما يقارب 1.5 مليون تونسي وذلك دون احتساب ما يضيفه هذا القطاع من تشغيل لقطاعات أخرى مرتبطة به مثل قطاعي الصناعة والزراعة.
وبالتالي فالسياحة في تونس هي قطاع رئيس بالنسبة للتشغيل.
فمع تراجع الإقبال السياحي في تونس في ظل أزمة كورونا أغلقت نحو 90 بالمئة من الفنادق أبوابها في انتظار إشعار آخر، بالإضافة إلى أنه تم تسريح نحو ما يزيد عن 45 بالمئة من العمالة في الوكالات السياحية، مع توقعات بتفاقم هذا الرقم وإفلاس بعض الوكالات.
وفق آخر المعطيات أعلن المعهد الوطني للإحصاء، عن ارتفاع نسبة البطالة في تونس إلى حدود 17.4 بالمئة خلال الثلاثي الرابع من سنة 2020، مقابل 16.2 بالمئة خلال الثلاثي الثالث من نفس السنة.
من جانبه، أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة قرطاج، رضا الشكندالي، أن تداعيات كورونا على تونس كانت قاسية جدا وبخاصة على القطاع السياحي الذي تراجعت عائداته بصورة كبيرة.
وأشار في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن هذا سيؤثر على احتياطي العملة الصعبة بالبنك المركزي، وبالتالي سيؤثر بالسلب على قيمة الدينار التونسي.
ولفت الشكندالي إلى أن تراجع الدينار التونسي جراء شح السيولة من العملة الصعبة لدى البنك المركزي، سيؤثر سلبا على التضخم المالي.
وبالتالي سترتفع الأسعار تباعا، نظرا لأن تراجع قيمة العملة المحلية تؤثر على قيمة الواردات المتمثلة في التجهيزات والمواد الأولية التي تستعملها شركات الصناعة والزراعة.
وأظهرت بيانات المعهد التونسي للإحصاء (حكومي)، انخفاضا طفيفا بمعدل التضخم في تونس إلى 4.8 بالمئة في مارس/آذار 2021.
زيادة الاختناق
ويأتي تراجع عائدات السياحة مصحوبا بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي التونسي بنسبة 3 بالمئة خلال الثلاثي الأول من سنة 2021، مقارنة بنفس الفترة خلال العام 2020، وفق معطيات نشرها المعهد الوطني للإحصاء.
كما يأتي هذا الانكماش بالناتج المحلي الإجمالي مع تعطل قطاعات رئيسة في البلاد، واستمرار المخاطر الصحية حول العالم، وتباطؤ قطاعات كالإنشاءات والخدمات.
ويرى جبنون أن الناتج المحلي الإجمالي تراجع بأكثر من 12 نقطة نتيجة لتراجع قطاع السياحة، إضافة إلى توقف التصدير والقطاع الصناعي مما تسبب في فقدان الأخير نحو أكثر من 5 نقاط.
وتراجع حجم الإنتاج الصناعي في تونس، خلال سنة 2020 بنسبة 5.2 بالمئة مقارنة بسنة 2019، وفق بيانات نشرها المعهد الوطني للإحصاء في 18 فبراير/ شباط 2021.
وعزا المعهد التقلص الحاصل نتيجة تراجع في قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية بنسبة 12.9 بالمئة وقطاع النسيج والملابس والجلد بنسبة 16.8 بالمئة وقطاع مواد البناء والخزف والبلور بنسبة 11.6 بالمئة.
بدوره، قال الشكندالي إنه لأول مرة في تاريخ تونس يتراجع الناتج المحلي في تونس خلال الثلاثي الأول من كل عام، مشيرا إلى أن هذا قد يؤثر بالسلب على نسبة النمو المقدرة في الدولة لهذا العام.
وبالتالي سيؤثر على الموارد الجبائية التي ستتقلص، مما يعني تزايد الاختناق المالي في موازنة الدولة واللجوء إلى التداين الخارجي.
وأشار إلى أن قطاعي الزراعة والصيد البحري لأول مرة منذ خمس سنوات يسجلا نسب نمو سالبة، على الرغم أن قطاع الزراعة سجل في عام 2020، الذي تراجعت فيه جميع القطاعات، نموا إيجابيا.
وتتوقع الحكومة التونسية تسجيل نمو نسبته 3.9 بالمئة في 2021، فيما يتوقع صندوق النقد الدولي نموا بـ 3.2 بالمئة لتونس، مقابل انكماش بـ 8.8 بالمئة في 2020.
تراجع "الأجنبي"
لم تقف خسائر قطاع السياحة عن هذا الحد، حيث طال الاحتياطي الأجنبي للبلاد والذي بلغ في 17 مايو/أيار 2021، قيمة 20.8 مليار دينار (7.65 مليار دولار).
أي أنه تراجع بقيمة 900 مليون دينار (330.8 مليون دولار)، مقارنة بعام 2020 والذي كان حينها 21.6 مليار دينار (7.94 مليار دولار).
وأرجع جبنون أسباب تراجع الموجودات من العملة الصعبة إلى عدة أسباب، وهي ضعف القطاع السياحي وعودة حركة التصدير والتوريد تدريجيا إلى مستوياتها المعهوده، كذلك خلاص الديون المستحقة على البلاد.
وأشار إلى أن العامل الإيجابي الوحيد الداعم للنقد الأجنبي هو ارتفاع تحويلات العاملين بالخارج إلى 2.7 مليار دولار في نهاية عام 2020.
ويقدر سداد الديون المستحقة هذا العام عند 16 مليار دينار (5.9 مليارات دولار) ارتفاعا من 11 مليار دينار (4 مليارات دولار) في 2020.
فيما أوضح الشكندالي أن العملة الصعبة المتأتية من الاقتصاد التونسي تأتي من خلال ثلاثة قطاعات قطاع السياحة، وقطاع الفوسفات الذي سجل خلال الثلاثية الأولى من 2021 تراجعا بنحو 30 بالمئة، وكذلك القطاع الفلاحي الذي سجل نموا سالبا خلال نفس الفترة بنحو 6.7 بالمئة.
ما يعني أن النقد الأجنبي سيتراجع، وبالتالي قد يمثل خطرا كبيرا على مستوى التوازنات المالية خاصة وأن تونس خلال الأشهر المقبلة مطالبة بسداد ديون بمبالغ كبيرة جدا.
وتتوقع ميزانية تونس 2021 أن يصل الاقتراض إلى 7.2 مليارات دولار، بما في ذلك حوالي 5 مليارات دولار في شكل قروض خارجية.
ومع تلك المعطيات الاقتصادية التي تشهدها تونس، فإن المشهد يزيد من حالة الضبابية.
يتضح ذلك في تصريحات محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، في 21 مايو/ أيار 2021، التي وصف فيها الأوضاع الاقتصادية في البلاد بأنها "الأصعب" على الإطلاق.
واعتبر العباسي، في مداخلته أمام البرلمان، أن "مناخ الأعمال في تونس مترد جدا رغم توفر الفرص، ومن المتوقع تراجع الاستثمار بنسبة 14 بالمئة عام 2021".
وفي 23 فبراير/شباط 2021، أجرت وكالة التصنيفات العالمية "موديز" بآخر مراجعة الوضع الائتماني لتونس، وخفضت تصنيف البلاد من B2 إلى B3، مع الحفاظ على نظرة مستقبلية سلبية.