برجوازية واستبداد.. الإندبندنت تكشف خفايا "الإصلاح الضريبي" بكولومبيا
سلطت صحيفة الإندبندنت البريطانية الضوء على الاحتجاجات المتواصلة في كولومبيا منذ 28 أبريل/نيسان 2021، رفضا لمشروع قانون "الإصلاح الضريبي"، الذي قدمته حكومة الرئيس إيفان دوكي إلى الكونغرس.
وتشهد كولومبيا منذ ذلك الحين، احتجاجات وأعمال تخريب، تخللتها اشتباكات بين الشرطة والمحتجين في عدة مدن، ومن بين النقاط التي أثارت الجدل الأكبر، زيادة ضريبة القيمة المضافة على الأغذية الأساسية والخدمات العامة وخدمات الجنائز.
وتساءلت النسخة التركية للصحيفة في مقال للكاتب أوزغور أويانيك: "هل هناك عنف جماعي أكبر من قيام نظام بزيادة الضرائب ورفع أسعار الخدمات والسلع الأساسية في ظل جائحة كورونا؟ وهل يمكن أن يكون هناك ظلم أكبر من إصدار قرار محكمة بحق شعب متروك لمصيره لم يجد بدا من الخروج للتظاهر في ظل انتشار المرض والفقر لمنعه من التظاهر؟".
وأضاف أويانيك: "ماذا يعني قمع الشعب باستخدام الجيش عند عدم تمكن النظام من منع الاحتجاجات، إن لم يكن الدناءة والاستبداد؟ لكن النظام الأوليغارشي الغارق حتى أذنيه في الفساد وأموال المخدرات لم يتمكن من إيقاف الشعب هذه المرة".
معادلة البؤس
وقال أويانيك: "بعد عام من انتشار الوباء تظهر كولومبيا صورة سيئة للغاية، حالها حال البلدان الفقيرة الأخرى، فقد جعل حظر التجول العنف ضد المرأة ممنهجا، فيما يبيع القرويون منتجاتهم بخسائر كبيرة، في الوقت الذي ترتفع فيه نسب البطالة والعمل غير الشرعي، بينما يموت الأكثر فقرا تأثرا بالمرض أو الجوع".
وأردف: "وفي ظل مثل هذه الظروف أعلنت حكومة دوكي اليمينية المتطرفة إصلاحا ضريبيا نيوليبراليا مضادا للشعب؛ وذلك لاستنزاف الشعب أكثر فأكثر وإشباع أتباعه من الأوليغارشيين ومواصلة حربه وسداد ديونه الخارجية".
ومثلها مثل جميع الممارسات المضادة للشعب والتي يطلق عليها اسم "الإصلاح"، فإن هذه الحزمة تزيد من ضريبة القيمة المضافة بنسبة 19 بالمائة على العناصر المختلفة، من مواد الاستهلاك الأساسية إلى الوقود ومن المصروفات الزراعية إلى الخدمات العامة.
وسيتم تطبيق هذا من خلال خطة ماكرة، حيث سيتم تحصيل ضرائب إضافية من الرواتب التي تصل لـ 1000 دولار شهريا في 2022، ثم من التي تصل إلى 700 دولار في 2023، ثم من التي تصل إلى 450 دولار في 2024 بطريقة تدريجية.
كما سيتم رفع ضرائب التقاعد والجنائز ورفع أسعار المرور والوقود إلى جانب تجميد رواتب الموظفين الحكوميين لمدة عامين، يوضح الكاتب التركي.
ولفت أويانيك إلى أن "الإصلاح الضريبي الجديد لا يفرض مزيدا من الضرائب على من يملكون المزيد، بل هو على العكس من ذلك، يضمن إعطاء الأموال التي سيتم جمعها من الطبقات الفقيرة إلى الشركات الكبيرة كحوافز، كما يخطط لخفض التكاليف على الشركات من خلال خفض أجور العمال".
وتابع: "وفوق كل ذلك، أضافت حكومة دوكي (إصلاحا صحيا) إلى حزمة الإصلاح الاقتصادي على الطريقة الأميركية، حيث سيتعين على المواطنين بحسب هذا أن يغطوا تكاليف علاجهم بأنفسهم على أساس أنه يجب على كل العناية بنفسه وصحته، وستتوقف البلديات عن التطعيم الإجباري وسيتعين على مرضى السرطان أن يغطوا نفقات علاجهم بأنفسهم".
وستصبح المستشفيات تابعة للإدارة المالية تماما مثل الشركات الخاصة، وسيتم إغلاق حوالي 1000 مستشفى كونهم لا يحققون أرباحا كافية، وتسوق الحكومة عجز الموازنة عذرا لما تفعله، لكن الحكومة نفسها جعلت من كولومبيا خلال الوباء، ثاني أعلى دولة في الإنفاق العسكري في دول أميركا اللاتينية، وفقا للكاتب.
وأوضح قائلا: "فقد اشترت 24 طائرة من نوع F-16 بمبلغ 4 مليارات دولار وهو ما يعادل نصف ما تخطط الحكومة لتحصيله من أفقر الطبقات المجتمعية، كما تم شراء مجموعة من العربات المدرعة لأجل الرئيس بقيمة ملياري دولار، لكن العنف تزايد في كولومبيا منذ 11 سبتمبر/أيلول 2020 بالتوازي مع تزايد الإنفاقات العسكرية".
فساد حتى النخاع
ولفت أويانيك إلى أنه "تم الكشف في هذا العام بأوراق المحكمة عن إعدام 6402 مدني برصاص الجيش والقول بأنهم كانوا إرهابيين خلال عهد ألفارو أوريبي الذي استمر حكمه لعشر سنوات، وكان أوريبي هو من أحضر دوكي من أميركا وأجلسه على كرسي الرئاسة بعد أن كان يعمل لوبيا ماليا في بورصة وول ستريت".
وعلى صعيد آخر، فإن الزيادة في الإنفاق العسكري للحكومة الكولومبية ناتجة عن رغبتها في تصعيد الحرب الداخلية، فقد تزايدت الاشتباكات المسلحة في جميع أنحاء البلاد، وسجلت منظمة "هيومن رايتس ووتش" 90 مذبحة عام 2020، أما في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام فقد قتل 57 "قائدا مجتمعيا" أثناء 33 مذبحة.
وعندما قتلت عصابة رئيسة بلدية كالدونو ساندرا ليليانا بينيا تشوكو، في 20 أبريل/نيسان 2021 وقاوم المواطنون العصابة، تم إطلاق النار عليهم وجرح 33 منهم واعتقلت الحكومة 23 مواطنا بدلا من ملاحقة العصابة.
وتابع أويانيك: "حكومة دوكي التي لم تبذل أي جهد لوقف المذابح والمجازر في البلاد، لم تتردد في استخدام قوات الجيش ضد الشعب الذي خرج للاحتجاج على الحزمة الاقتصادية، ليقتل 21 متظاهرا من 28 أبريل/نيسان إلى 1 مايو/أيار، وبينما تم اعتقال 672 شخصا بلا أدنى سبب خلال الأربعة أيام، فقد العشرات أبصارهم نتيجة القنابل المسيلة للدموع".
وإذا نظرنا من أعلى قليلا، سنرى أن غضب الشعب ليس منحصرا بالحزمة الاقتصادية التي تم الإعلان عنها، فهم غاضبون من جميع الإداريين والمسؤولين المحليين أيضا، إلى جانب أن نسبة الوفيات بكورونا في كولومبيا هي الأعلى في أميركا اللاتينية بعد المكسيك، بحسب الكاتب التركي.
وأضاف: "وبعد 4 أيام من العنف استسلم دوكي أمام غضب الشعب وطلب سحب القانون الذي كان ينتظر موافقة المجلس، وربما كان الإصلاح الضريبي القشة التي قصمت ظهر البعير، لكن الانفجار الاجتماعي كان يخفي خلفه عدم الرضا المتراكم منذ سنوات، وكان انفجارا تم تأجيله منذ فترة طويلة".
ولفت أويانيك إلى أن "دوكي كان يستمر على نهج سلفه أوريبي الذي بنى نظامه على قطاع الأعمال إلى جانب القوى التي تتغذى بتهريب المخدرات، لكن هذا النظام لم يبن بموافقة كولومبيا أو رغما عنها، فقد كانت هذه الدولة الكاريبية موطنا للحركات الجماهيرية الكبرى، مثل حركات العمال والفلاحين والمواطنين المحليين والشباب لمدة 60 عاما".
وذكر أن "الولايات المتحدة دعمت دائما القوات شبه العسكرية في كولومبيا بعد الإضرابات التي قام بها عمال الموز ضد الشركات الأميركية في مطلع القرن، الأمر الذي أدى إلى خلق (برجوازية مجرمة) لقمع الشعب المتمرد والسيطرة على كولومبيا".
وأكد أن سقوط دوكي "يعني سقوط نظام أوريبي، ولقد قرر الشعب الكولومبي بالفعل الإطاحة بالنظام الفاسد الذي يمتص دماء الشعب".
وختم أويانيك مقاله قائلا: "لقد شهدنا العام الماضي احتجاجات ومظاهرات مماثلة في تشيلي والإكوادور ولم تتخط هذه الحركات حدود الدول التي بدأت فيها، لكن التغيير في كولومبيا سيؤثر على المنطقة بأكملها، خاصة على الدول الشقيقة مثل فنزويلا والبرازيل والإكوادور".