"مغامرة دبلوماسية".. ماذا يريد المغرب من التصعيد مع ألمانيا؟
بعد مرور شهرين على تجميد المغرب الاتصالات مع السفارة الألمانية على أراضيه، استدعى في 6 مايو/أيار 2021 سفيرته لدى برلين للتشاور، لكن على عكس المرة الماضية، جاء بيان وزارة الخارجية المغربية مفصلا، وحدد أسباب الأزمة الدبلوماسية بين البلدين في 3 نقاط.
اعتبر بيان الخارجية، أن ألمانيا "ضاعفت الإجراءات غير الودية والأعمال التي تمس بالمصالح العليا للمملكة"، وأن "نشاطها العدائي بعد الإعلان الرئاسي الأميركي الذي يعترف بسيادة المغرب على صحرائه، هو عمل جاد لا يزال قائما وغير مفسر حتى الآن".
واتهمت الرباط برلين بالتصرف بتواطؤ مع مواطن مغربي حامل للجنسية الألمانية جرى اعتقاله سابقا في ملف الإرهاب، وذلك من خلال "إفشاء معلومات حساسة له كانت تنقلها" الأجهزة الأمنية للرباط إلى نظرائها في برلين".
واعتبرت الرباط أن برلين تحاول "تقزيم دور المغرب الإقليمي في ليبيا، من خلال محاولة استبعاد المملكة بشكل غير لائق من بعض الاجتماعات".
إقصاء من ليبيا
في 19 يناير/كانون الثاني 2020، عبر المغرب عن استغرابه لإقصائه من مؤتمر برلين الذي انعقد حول ليبيا، حسب وزارة الخارجية.
وقالت الوزارة، في بيان وقتها، إن "المملكة المغربية كانت دائما في طليعة الجهود الدولية الرامية إلى تسوية الأزمة الليبية".
ولفتت إلى أن "الرباط لا تفهم المعايير ولا الدوافع التي أملت اختيار البلدان المشاركة في هذا الاجتماع".
وأضافت الوزارة أن "المغرب اضطلع بدور حاسم في إبرام اتفاقات الصخيرات، التي تشكل حتى الآن الإطار السياسي الوحيد، الذي يحظى بدعم مجلس الأمن وقبول جميع الفرقاء الليبيين، من أجل تسوية الأزمة".
و"اتفاق الصخيرات" جرى توقيعه تحت رعاية أممية في مدينة الصخيرات المغربية، في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، لإنهاء الصراع في ليبيا.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، رفض المغرب على لسان وزير خارجيته، ناصر بوريطة، المشاركة في "مؤتمر برلين 2" حول الأزمة الليبية، دون الكشف عن الأسباب، فيما رجحت تقارير صحفية أن يكون السبب هو إقصاؤه من النسخة الأولى للمؤتمر.
وفي الشهر نفسه، استضافت مدينة بوزنيقة المغربية جولة ثانية من الحوار بين وفدين من المجلس الأعلى للدولة الليبي، ومجلس نواب طبرق (شرق)، الموالي للجنرال الانقلابي خليفة حفتر، وكانت الجولة الأولى من الحوار الليبي قد انعقدت بين 6 و10 سبتمبر/ أيلول 2020.
وتوصل طرفا الحوار إلى اتفاق شامل حول آلية تولي المناصب السيادية، واستئناف الجلسات لاستكمال الإجراءات اللازمة بشأن تفعيل الاتفاق وتنفيذه.
شاركت في النسخة الأولى من مؤتمر برلين العديد من الدول بينها روسيا وتركيا والولايات المتحدة والصين وإيطاليا وفرنسا و"الغريم التقليدي" للمغرب، الجزائر.
وكانت الرحلة هي الأولى إلى دولة أجنبية للرئيس عبد المجيد تبون منذ انتخابه في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019.
وفي النسخة الثانية من الاجتماع، اعتبر تبون أن التحركات الدبلوماسية بشأن الأزمة الليبية "كمن يعطي مهدئات لجسد متقدم في المرض، وأن الحل في إجراء انتخابات تبني مؤسسات جديدة، ودستور يضمن التوازنات السياسية".
سبب الاستياء
رفضت ألمانيا السير على خطى الولايات المتحدة بشأن قضية الصحراء الغربية بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 11 ديسمبر/كانون الأول 2020 الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء.
أيام بعد ذلك، أعاد الطرف الألماني التأكيد على تمسكه بضرورة "التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول للطرفين بوساطة الأمم المتحدة"، قبل أن يطلب بعد أسبوع عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي لمناقشة هذا الموضوع.
وأكد بيان أصدره الممثل الألماني لدى الأمم المتحدة، كريستوف هيوسجين، على مركزية عملية الأمم المتحدة، نأى بموقفه عن المبادرة الأميركية.
وذهب هيوسجين، إلى اعتبار "المغرب مسؤولا عن فشل عملية الاستفتاء التي اعتمدتها منظمة الأمم المتحدة في أوائل التسعينيات، عبر نقل المغاربة إلى الصحراء الغربية للانضمام إلى الناخبين"، وهو بالنسبة لبرلين أصل الجمود الذي أصاب عملية الاستفتاء المتوقفة.
في مقال له نشره موقع "أوريان" في 31 مارس/آذار 2021، قال الصحفي المغربي المعارض، أبو بكر الجامعي: "فيما يتعلق بالحكم الذاتي للصحراء، تحمل الدبلوماسية الألمانية خطابا أكثر دقة من باقي الدول الأوروبية التي لديها علاقات جيدة جدا مع المغرب".
وفي مقابلة بثت عبر "يوتيوب" في 12 يناير/كانون الثاني 2021، أوضح سفير ألمانيا بالمغرب، غوتس شميدت بريمي، أن نزاع الصحراء "استمر لفترة طويلة جدا، وأن الحل القانوني ضروري حتى تتمكن برلين من تشجيع ودعم الشركات الألمانية على الاستثمار في الصحراء دون تعريض نفسها لدعاوى جبهة البوليساريو القضائية أمام محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي".
وحرص الدبلوماسي على التوضيح أنه يجب أن “تحصل جبهة البوليساريو على شيء ما” وأن يقبل الطرفان الحل. وفي حين تعتبر برلين أن خطة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط هي حل “واقعي وعملي”، يقول الدبلوماسي أنها لا ترضي بلاده تماما.
وذهب الجامعي إلى أن المقابلة هي التي تسببت في استياء الرباط، إذ تحدث السفير بـ"كلام بعيد عن الخطاب الدبلوماسي بشأن أوجه القصور في سياسة الجهوية".
وتفاقم التوتر بعدما أقدمت برلين على إلغاء مذكرة اعتقال في حق مغربي حامل للجنسية الألمانية تتهمه الرباط بالإرهاب.
مغامرة دبلوماسية
في تقرير نشره موقع "أحداث أنفو" المملوك للمخابرات المغربية، في 6 مايو/أيار 2021، أوضح أنه سبق للمخابرات المغربية قبل 4 سنوات تقريبا أن أبلغت نظيرتها الألمانية بوجود تهديد إرهابي وشيك فوق التراب الألماني، مضيفا أنه "مع تهاونها في التعامل مع هذا التحذير وتسرب ذلك إلى الصحافة الدولية، وجدت المخابرات الألمانية نفسها في وضع محرج".
واعتبر المصدر ذاته، أن "الأجهزة الاستخباراتية الألمانية تعاونت مع المتطرف والمعتقل السابق على خلفية الإرهاب محمد حاجب، الذي يحتمي ببرلين للتحريض ضد المملكة ومؤسساتها"، مشيرا إلى أن "المخابرات الألمانية نقلت المعلومات التي تلقتها من نظيرتها المغربية، وأبلغت حاجبا بعدم السفر في نفس التوقيت الذي وضع فيه المغرب مذكرة دولية ضده لدى الأنتربول".
بالنسبة للمغرب، يقول تقرير "أحداث أنفو"، "لا يريد من خلال هذا التصعيد مع برلين سوى إبلاغها أنه يريد علاقة متوازنة لا يهيمن فيها أحد على الآخر".
وأضاف: "مهما كان هذا التقدير مقنعا بصوابية التصعيد المغربي، يعتقد كثيرون أن المغرب ربما يغامر دبلوماسيا أو أنه يتصرف بأكبر من حجمه. إنه سؤال جدي: كيف يمكن فتح جبهتين واحدة مع ألمانيا وثانية مع إسبانيا في نفس التوقيت؟".
قبل أن يفيد بأن الدبلوماسية المغربية تعتقد في مقاربتها الجديدة أن المغرب لديه كثير من المشاكل، لكنه تخلص من مركبات النقص بالنظر للإمكانات التي صارت لديه، وخلص إلى أن "البلد باختصار لم يعد يرغب في أن ينظر إلى نفسه على أنه دولة صغيرة".
ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدر بالخارجية الألمانية تأكيده أنه لم يتم إبلاغ برلين مسبقا باستدعاء السفير، مضيفا أن الجانب الألماني لا يستطيع فهم الاتهامات الواردة في البيان الصادر عن الوزارة المغربية.
وأكد المسؤول نفسه أن الخارجية الألمانية تريد تفسيرات حول الاتهامات الواردة في بيان الرباط، وقال: “لقد فوجئنا بهذا الإجراء لأننا نبذل جهودا بناءة مع الجانب المغربي لحل الأزمة”.
تصعيد محتمل
يعتبر استدعاء السفير تصعيدا مغربيا، فيما أشارت تقارير صحفية إلى أن قنوات الحوار فشلت بين برلين والرباط خلال السنة الأخيرة ولم تتوصل إلى تفاهم حول كيفية إعادة تنظيم العلاقات الثنائية.
لكن هشام برجاوي، الأستاذ بجامعة "القاضي عياض" في مدينة مراكش، يرى أن المغرب اعتمد التريث والتدرج في تعاطيه مع استهداف ألمانيا لمصالحه الحيوية، وفي مقدمتها قضية الصحراء، و"هذا ما يثبت أن نوايا المغرب سليمة، وأنه حريص على إيجاد حل ودي، بعيدا عن السكيزوفرينيا المصطنعة"، وفق المتحدث.
ويستفاد من تصريحات وزير الخارجية المغربية بوريطة، يوضح برجاوي لـ"الاستقلال"، أن "الرباط أعاد تعريف مفردات علاقاته مع الدول الأوروبية، بحيث أضحى يرفض الغموض، لذلك، فهو يطلب من شركائه الأوروبيين اتخاذ موقف واضح من قضية الصحراء، وبالتالي، الخروج مما أسماه الوزير بوريطة: منطقة الراحة".
وكان المغرب قد طلب من دول الاتحاد الأوروبي ضرورة اتخاذ "موقف واضح" بشأن سيادته على الصحراء وعدم اقتصار التفاهم في ملفات مثل الهجرة ومكافحة الإرهاب.
لكن، يبدو أن بعض الدول الأوروبية، ومن ضمنها ألمانيا، يقول أستاذ العلاقات الدولية: "لم تستوعب، بعد، أن منطق الباب الموارب لم يعد مقبولا، وأن المغرب يروم علاقات تعاون قائمة على شراكة ثقافية واقتصادية وأمنية عادلة".
ألمانيا ليست الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي يدخل معها المغرب في أزمة، إذ استدعى في 25 أبريل/نيسان 2021، سفير إسبانيا لديه، ريكاردو دييز رودريغيز، استنكارا لاستقبال مدريد، زعيم جبهة "البوليساريو"، إبراهيم غالي.
جاء هذا التطور في وقت تشهد العلاقات المغربية الإسبانية تعاقبا في الأزمات بسبب ملف الصحراء الغربية التي يتنازع عليها المغرب وجبهة "البوليساريو" المدعومة من الجزائر.
المصادر
- الهجوم الدبلوماسي المغربي على ألمانيا
- كواليس وخلفيات توتر مغربي ألماني
- ألمانيا ترد على المغرب: نريد تفسيرا للاتهامات
- ليبيا.. الرئيس الجزائري يدعو لانتخابات ودستور جديد لتسوية الأزمة وقطر ترحب بتفاهمات المغرب
- المغرب يستدعي سفيرته في برلين للتشاور ويتهم ألمانيا بمعاداته في الصحراء وتقزيم دوره الإقليمي
- المغرب يرفض المشاركة في مؤتمر "برلين2" حول ليبيا