تمديد ولاية رئيس الصومال.. ما تداعيات القرار على الوضع السياسي؟

12

طباعة

مشاركة

بعد مسلسل طويل من التجاذبات بين الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو وقوى المعارضة السياسية على خلفية الانتخابات وموعدها والإجراءات المتعلقة بها، جاء قرار البرلمان بتأجيل الانتخابات لعامين ليثير عاصفة من الجدل السياسي والشعبي في البلاد التي تشهد استقطابا سياسيا حادا.

كان الرئيس فرماجو قد تعهد عند انتخابه في 2017 باتباع نظام الصوت الواحد عبر الاقتراع العام، وهو ما تم التخلي عنه في 17 سبتمبر/أيلول 2020، بموجب اتفاق بينه وبين قادة الأقاليم الخمسة في البلاد.

الاتفاق الجديد أكد استمرار العمل بنظام انتخابي مركب يختار فيه مندوبون خاصون النواب الذين يختارون بدورهم الرئيس، ويكون للانتماءات القبلية دور محوري في هذه العملية.

وأعلنت لجنة الانتخابات أن الاستحقاق الرئاسي سيعقد في فبراير/شباط 2021، تسبقه انتخابات مجلس الشيوخ في الفترة بين 7 و14 يناير/كانون الثاني 2021، وهو ما لم يتم تنفيذه حتى الآن نتيجة خلافات بين الأطراف السياسية.

ولاية الرئيس فرماجو انتهت في 8 فبراير/شباط 2021، فيما انتهت ولاية البرلمان 12 أبريل/نيسان 2021، وشهدت البلاد نتيجة كل هذا حالة من الصراع السياسي الحاد انتقل من غرف المفاوضات إلى تظاهرات في الشارع تصدى لها الأمن وسقط خلالها قتلى، ما زاد من حالة الاحتقان.

قرار خطير

وفق الصحفي والمحلل السياسي الصومالي محمد موسى حسان فإن "القرار المثير للجدل الذي اتخذه مجلس النواب في 12 أبريل/نيسان 2021، بتمديد فترة فرماجو الرئاسية فاجأ الكثير من شرائح المجتمع".

حسان قال لـ"الاستقلال": "الهدف المعلن من هذا القرار الخطير وغير المسبوق إدخال البلاد إلى مرحلة تستعد فيها لانتخابات عامة مباشرة، بعد فشل الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية في التوافق على آلية لإجراء انتخابات غير مباشرة".

واستطرد حسان: "رفض القرار  بشدة البرلمانيون المعارضون ورؤساء الأقاليم الفيدرالية وبعض التيارات السياسية الأخرى، ويرونه محاولة من الرئيس المنتهية ولايته وحلفائه في مجلس النواب للاستمرار في السلطة لأطول فترة ممكنة بطريقة غير قانونية، وهو تعبير عن مخاوف الرئيس من خسارة الانتخابات القادمة".

وفيما يتعلق بدستورية القرار أوضح حسان أن "عددا من خبراء القانون اعتبروا الخطوة التي أصدرها مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) غير دستورية، لأن التشريعات والقرارات المهمة والمصيرية التي يتخذها يجب أن تناقشها الغرفة الثانية للبرلمان (مجلس الشيوخ) وتصادق عليها".

مصدر حكومي رفض الإفصاح عن اسمه اتفق مع حسان بأن القرار كان نتيجة للفشل في الوصول إلى تحديد موعد الانتخابات، لكنه خالفه في كون القرار "غير مسبوق".

المصدر قال لـ"الاستقلال": "هذا القرار ليس تمديدا للرئيس، وإنما كان تمديدا لتفويض الهيئات الدستورية الموجودة لمدة سنتين، تستعد خلالهما المفوضية المستقلة للانتخابات لتنظيم انتخابات مباشرة  تتسلم بموجبها الهيئة المنتخبة المهام، حتى لا يحدث فراغ دستوري في البلاد".

مضيفا: "تم تثبيت هذا التعديل في الدستور في عهد الرئيس حسن شيخ محمود، ومدد للبرلمان حينها من يونيو/حزيران 2016 إلى فبراير/شباط 2017، وهو ما يحدث الآن أيضا".

واستطرد المصدر أن "هناك حملة دعاية كبيرة وتسويقا سياسيا للقرار على أنه تمديد للرئيس وأنه لا سابقة له، مع إهمال أي معالجة موضوعية لحيثيات القرار وجوانبه القانونية، نتيجة حالة الاستقطاب السياسي الحادة جدا في البلاد".

https://cdn.pr.trt.com.tr/thumbnails/10260257_36f8c519-9929-452e-a8e6-a7fcb94ae989_720.jpeg

صفيح ساخن

تمرير قرار التمديد من قبل البرلمان دون توافق مع أطراف المعارضة أثار المخاوف من تأثيرات خطيرة على البلاد، التي تعاني هشاشة سياسية وأمنية منذ عقود.

"من المتوقع أن تواجه البلاد أياما صعبة بسبب ذلك القرار"، هكذا بدأ الصحفي الصومالي عبد القادر  وارسمي حديثه مع "الاستقلال"، مضيفا: "هذا القرار يخلق أزمة سياسية خانقة، وستتأثر مكانة الرئيس السياسية وشرعيته الدستورية يوما بعد يوم، وفي آخر المطاف يضطر إلى قبول التسوية السياسية والعودة إلى المفاوضات وبلا شروط، هذا إذا لم تنزلق البلاد إلى الحرب التي يحذر منها الجميع".

وعن التأثير على مؤسسات الدولة يقول وارسمي: "قد يكون للقرار ارتدادات غير حميدة على تماسك الجيش، وقد رأينا بدايتها بتمرد قائد شرطة العاصمة الذي أثار استهدافه من قبل الحكومة نعرات قبلية ومشكلات سياسية كادت أن تؤدي إلى نوع من الانفلات الأمني في العاصمة".

وعزل قائد شرطة العاصمة السابق الجنرال صادق عمر حسن إثر إعلانه منع عقد جلسة البرلمان ورفض الشرطة للتمديد، ما أدى إلى اشتباكات سمع فيها إطلاق نار حول منطقة شيركولي حيث منزل صادق الذي تحصن فيه بحماية أنصاره.

سيناريوهات متوقعة

وفيما يتعلق بالسيناريوهات المتوقعة لكل من الرئيس والمعارضة يرى وراسمي أن فرماجو لا يملك رؤية سياسية واضحة لإخراج البلاد من هذه الأزمة، وأن انسحابه المفاجئ من المفاوضات ولجوءه إلى البرلمان يؤكد أن التمديد كان هدفا بحد ذاته ولم يكن عامل ضغط سياسي.

أما في ما يتعلق بموقف المعارضة فإن وارسمي يعتقد أنها وقعت بين فكي كماشة، "بين شعب يلومها بإشعال حرب أهلية إذا تحركت للمطالبة بحقها السياسي بسبب الآلة الدعائية التي نجح النظام الحالي في توظيفها، وبين نظام يتهمها بالعمالة للخارج ومع ذلك أغلق عليها كل أبواب التفاوض السياسي".

موضحا أنه لا يستبعد "أن يلجأ كل واحد منهم إلى عشيرته وتتحول العاصمة إلى كانتونات منفصلة وتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه أواخر أيام أمراء الحرب في مرحلة اللاحرب واللاسلم، وعليه سيتقلص نفوذ الحكومة، هذا إذا سلمنا من الاحتراب الداخلي الذي بدأت نذره تلوح في الأفق في الأيام السابقة" وفق تعبيره.

https://cdn.pr.trt.com.tr/thumbnails/10383573_a2929fd1-3960-48de-9879-74104bb60005_720.jpeg

أصداء القرار

من اللافت أن قرار البرلمان كان له ارتدادات خارج الإقليم وفي بعض عواصم القرار الدولي، وهو ما فسره مصدر صومالي حكومي لـ"الاستقلال"، أنه "ربما يكون لجيبوتي بعض التحفظات، لكن إريتريا وإثيوبيا والسودان لا أعتقد أنها رافضة للقرار، أما بالنسبة إلى كينيا فرغم توتر علاقاتها بالصومال ومتابعتها لما يجري فيه فإنه يبدو أن الرئيس الكيني مشغول بالانتخابات القادمة في بلاده".

وفيما يتعلق بالمواقف خارج الإقليم يرى الصحفي والمحلل السياسي محمد موسى حسان أن "الدول الغربية تصدت بحزم لقرار تمديد ولاية فرماجو الرئاسية، وأصدرت سلسلة من البيانات التي تطالب فيها بالتراجع عنه فورا والعودة إلى طاولة الحوار السياسي، وهددت بإعادة النظر في الدعم المالي والمساعدات التي تقدمها للحكومة الصومالية، وفرض عقوبات وحظر للسفر على مسؤولين صوماليين كبار".

مضيفا أن هذا "في الواقع ما سيدفع فرماجو إلى اتخاذ خطوة إلى الوراء والقبول بانطلاق جولة جديدة من المفاوضات مع حكام الأقاليم والقوى السياسية الأخرى".

ووفقا لحسان فإنه "يبدو جليا أن الرئيس المنتهية ولايته يراهن في الوقت الراهن على إثيوبيا وإريتريا وروسيا والصين للخروج من الأزمات والتحديات السياسية المتزايدة التي تواجهه، لكن تبقى الدول الغربية الداعم الرئيس والشريك التنموي الأساسي لحكومته، ولن يجديه نفعا تجاهل بياناتها وتهديداتها، وترديد شعارات السيادة والوطنية والاستقلال".

في حين يرى المصدر الحكومي الذي رفض التصريح باسمه أنه "فيما يتعلق بموقف واشنطن فيبدو أن وزير الخارجية الديمقراطي أنتوني بلينكن متأثر بقاعدة الحزب الديمقراطية من الصوماليين الأميركيين، على رأسهم عضوة مجلس النواب إلهان عمر ذات الموقف الرافض للتمديد". 

مضيفا أنه فيما يتعلق بالأوروبيين "فإن الاتحاد الأوروبي كمؤسسة أصدر بيانا عبر فيه بدبلوماسية عن موقفه من التمديد، لكن على مستوى الدول فالأمر مختلف، حيث إن بعض الدول الأوروبية لم يصدر عنها إدانة أو نقد، وما تزال تتعامل مع الحكومة الصومالية بشكل طبيعي".

أما بالنسبة إلى المتوقع من الجهات الدولية الرافضة للتمديد فيرى المصدر الحكومي أن استمرار الوضع على ما هو عليه قد "يدفع هذه الجهات إلى التصعيد، الذي قد يتمثل، إن تم، في ضغوط مرتبطة بالمعونات الاقتصادية التي تشكل جزءا كبيرا من ميزانية البلاد".

ووفقا للمصدر، "بالنسبة إلى الحكومة ما تزال المشاورات مستمرة لمواجهة الوضع الحالي، وفي حال التصعيد فوزير المالية ذو علاقات واسعة ومتينة بالصناديق المالية العالمية، وأعتقد أنه سيتحرك في إطار تخفيف آثار العقوبات إن وجدت".

https://cdn.pr.trt.com.tr/thumbnails/10315679_9cd6d314-44ef-49a4-84c9-0c21bcdc5b52_720.jpeg

كانت الخارجية الأميركية أصدرت بيانا في 13 أبريل/نيسان عبرت فيه عن "خيبة أمل عميقة" من قرار الحكومة تمديد تفويض البرلمان والرئيس، وأوضحت أنها لا تدعم تمديد التفويض بدون دعم واسع من أصحاب المصلحة السياسية في الصومال، داعية الحكومة الفيدرالية وقادة الأقاليم إلى العودة للمحادثات والاتفاق على طريقة للمضي قدما لحل الأزمة الانتخابية، وتجنب تأجيج التوترات.

كذلك أصدر جوزيب بوريل مسؤول الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي بيانا في اليوم نفسه يعرب عن رفض التمديد "دون موافقة الأطراف في اتفاق 17 سبتمبر/أيلول 2020 الانتخابي".

موضحا مخاوفه بأن تمرير هذا القرار سيقسم الصومال، داعيا إلى العودة الفورية للمحادثات بين أطراف العملية السياسية، وإلا فسوف ينظر "في اتخاذ المزيد من الإجراءات الملموسة".