ورقة المعتقلين بالجزائر.. كيف يناور بها تبون لتمرير استحقاق البرلمان؟

12

طباعة

مشاركة

تحول إطلاق سراح المعتقلين إلى المطلب الأبرز للحراك في الجزائر، وحمل المحتجون في الجمعة 113، التي صادفت 16 أبريل/نيسان 2021، شعار "الحرية لجميع معتقلي الرأي.. التظاهر سلميا ليس جريمة"، مع صور للمعتقلين.

يطالب الحراك بإطلاق سراح 23 ناشطا اعتقلوا خلال مسيرة الحراك في 3 أبريل/نيسان 2021، بالجزائر العاصمة، واعتقلوا في سجن الحراش بعد أن وجهت لهم تهمة "المساس بسلامة وحدة الوطن والتجمهر غير المسلح".

وفي 7 أبريل/نيسان 2021، بدأ المعتقلون إضرابا عن الطعام وفق "اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين"، وعبرت منظمات حقوقية عن قلقها من تدهور صحة المعتقلين، فيما عبر ناشطون عن مخاوف من تصعيد السلطة نحو قمع الحراك، وإن كانت تناور بطرق أخرى لتوقيفه، مثل الإعلان عن انتخابات مبكرة.

مناورة سياسية

بعد عام على توقف الحراك الشعبي على خلفية انتشار جائحة فيروس كورونا، عاد الناشطون إلى الشارع منذ 22 فبراير/شباط 2021، تزامنا مع الذكرى الثانية لانطلاق الحراك، بشعارات أقوى أبرزها "التغيير الجذري للنظام".

السلطة واجهت عودة الحراك بشن حملات اعتقال في صفوف الناشطين، مستغلة إجراءات الوقاية من كورونا في محاولة لوأد الاحتجاجات التي تحاول استعادة زخمها، بعد أشهر من الفتور.

ودعا الرئيس عبد المجيد تبون إلى انتخابات تشريعية مبكرة في محاولة لحلحلة الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو ما قابله المحتجون بشعار "المشكلة في الشرعية وحل البرلمان مسرحية"، للتعبير عن رفضهم الانتخابات المبكرة.

وفي حين يضغط الحراك من أجل تغيير جذري للنظام الحاكم، اتجه تبون نحو انتخابات نيابية مبكرة، ماضيا بذلك في تنفيذ "ورقة الطريق" السياسية، التي أعلنها منذ حملته الانتخابية.

رسميا، تأكد تنظيم هذه الانتخابات في يونيو/ حزيران 2021، بعد أن نشر في الجريدة الرسمية مطلع مارس/ آذار 2021، مرسوم رئاسي تضمن حل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، المنتخب في عهد النظام السابق.

تزامن قرار تبون بحل المجلس مع الذكرى الثانية لمسيرات شعبية سلمية، اندلعت في 22 فبراير/ شباط 2019، رفضا لترشح الرئيس آنذاك، عبد العزيز بوتفليقة، لفترة رئاسية خامسة.

وفي أول تعليق له على عودة مسيرات الحراك الشعبي، قال الرئيس تبون في فبراير/شباط 2021، "إنها لا تشكل مصدر إزعاج أو قلق" بالنسبة له. وأضاف، في حديث للصحافة المحلية: "هناك من خرج (الحراك) للتذكير بالمطالب، وهناك من خرج لأغراض أخرى".

تبون أكد أنه ما زال عند كلمته في التغيير المؤسساتي لنظام الحكم، "مهما كلف الأمر"، مشددا على التزامه "مع 10 ملايين ناخب توجهوا إلى صناديق الاقتراع في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019 لإنقاذ الجمهورية"، في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها.

وتابع أن "أغلب مطالب الحراك الأصلي المبارك تحققت، بدءا من إسقاط العهدة الخامسة، إلى رفض التمديد ومحاربة الفساد". ومضى قائلا: "الشعب اختار التغيير المؤسساتي (على حساب المرحلة الانتقالية التي تعني البداية بمجلس تأسيسي)، وتوجه إلى التصويت للخروج من الأزمة".

اللجوء للقمع

في 3 أبريل/نيسان 2021، قررت السلطة في الجزائر اللجوء إلى المقاربة الأمنية بدلا عن المناورة السياسية، وأوقفت 23 شخصا بتهمة "المساس بسلامة وحدة الوطن والتجمهر غير المسلح". 

وقالت اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين على صفحتها في فيسبوك 10 أبريل/نيسان 2021: "يخوض 23 معتقلا لليوم الرابع إضرابا عن الطعام في سجن الحراش (في العاصمة) انطلقوا فيه منذ الأربعاء 7 أبريل".

تحاول مجموعات صغيرة من الناشطين التظاهر بشكل متفرق، وغالبا ما تفرق الشرطة هذا النوع من الاحتجاجات بسرعة، وأوقف ناشطون آخرون، لا سيما في القصبة (المدينة القديمة) وحي باب الوادي الشعبي الذي يمثل معقلا للحراك، وفق اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين التي لم تحدد عددهم.

وأحصت اللجنة وجود 60 ناشطا من الحراك وراء القضبان، كان قد أفرج في فبراير/شباط 2021، عن نحو 40 موقوفا على خلفية الحراك بموجب عفو من الرئيس.

وفي 16 أبريل/نيسان 2021، أعربت منظمات حقوقية جزائرية عن قلقها إزاء تدهور صحة المعتقلين، وحملت المنظمات السلطات "مسؤولية أي تطور خطير"، وطالبت بـ"الإفراج الفوري وغير المشروط" عن الموقوفين.

وقالت المنظمات في رسالة مفتوحة إلى الرأي العام الوطني والدولي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، "لا تدعوهم يموتون، بدأ بعضهم يعاني مضاعفات خطيرة.. دعونا نتحرك قبل فوات الأوان".

وأضافت "ننبه الرأي العام الوطني والدولي لخطر الموت الذي يواجهه المضربون عن الطعام"، ومن بين أبرز المنظمات الموقعة "لجنة مناهضة التعذيب وظروف السجن اللا إنسانية" و"الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان".

تصعيد أم تراجع؟

الناطق الرسمي باسم حركة "عزم"المؤطرة للحراك في بدايته، الدكتور حسام حمزة، قال إن السلطة تخبئ ورقة المعتقلين لوقت الحاجة، مثلا قبل موعد مصيري مثل الانتخابات لتخفف من حجم الاحتقان وتهدئ الأوضاع ظرفيا ريثما يمر الاستحقاق أو الحدث الذي تحتاج تمريره. 

وأضاف لـ"الاستقلال": "حاليا يشكل الحراك ضغطا لكنه لا يرقى إلى الحجم الذي يجعل السلطة ترضخ بسرعة، وعليه فإن الإفراج عن المعتقلين سيكون بطريقة انتقائية وفي التوقيت الذي تختاره السلطة حسب رأيي".

ورجح المتحدث إمكانية إطلاق سراح البعض منهم قبل موعد الانتخابات التشريعية قياسا إلى عادة السلطة في التعامل مع هذا الملف.

ذهب حسام حمزة إلى القول، إن ما يمكن أن يدفع السلطة إلى التراجع عاملان هما: ضغط داخلي قوي، موحد ومتواصل، أو ضغط خارجي من حكومات ومنظمات دولية، بشرط أن تكون القضايا المرافع من أجلها قضايا رأي فعلا لا قضايا من طبيعة أخرى. 

في الوضع الحالي، استطرد المتحدث، "فإن إمكانية رضوخ السلطة مرتبط بحجم الضغط عليها من الخارج، أو حتى ابتزازها، ومدى عدالة قضايا الموقوفين".

وأوضح حمزة قائلا: "إذ لا يجب أن ننسى أن قضايا الرأي حين توظف من طرف المنظمات الدولية، فإنها كثيرا ما تكون أداة للابتزاز من طرف حكومات أجنبية بطرق غير مباشرة".

واعتبر عضو "عزم"، أنه في الحالة الجزائرية، لا يستبعد أبدا التحرك الفرنسي في كواليس المنظمات الحقوقية الدولية لتأليبها ضد الحكومة الجزائرية، مضيفا: "بعض التنظيمات الحقوقية المحلية ذات الصلة بالسفارة الفرنسية يمكن أن تستخدم في ذات الصدد".

وأفاد المتحدث للاستقلال، بأنه: "ليس هناك عنف ظاهر بالمعنى التقليدي، أي القمع باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، بل هناك بالأحرى تضييق وحتى عنف بنيوي، الهدف منه محاصرة التحرك الشعبي في الشارع والتضييق عليه إلى أقصى حد ممكن خاصة في ظل حالات الاختراق الأجنبي لبعض المسيرات التي تحدثت عنها السلطة".

وختم بالقول، إن ضمن هذا التصور، "لا يستبعد استغلال إجراءات الحجر الصحي الخاص بكورونا من أجل تحقيق هدف التضييق والمحاصرة".