فيدل كاسترو.. زعيم أخرج كوبا من فك الإمبريالية وحكمها لـ5 عقود
في 16 أبريل/نيسان 1961، أعلن زعيم الثورة الكوبية فيدل أليخاندرو كاسترو، رسميا قيام دولة كوبا الاشتراكية، منهيا حقبة الديكتاتوريات تحت قيادة "فولغينسيو باتيستا"، ومعلنا بداية عهد جديد تخلت فيه كوبا عن الهيمنة الأميركية، وأصبحت من أكثر دول العالم معاداة للإمبريالية.
وقد كانت كوبا دائما جزيرة التطرف، وبوتقة كبيرة من قانون الثواب والعقاب، والثقافات والصراعات، فلأكثر من 500 سنة كانت كوبا ترزح تحت الفقر والاضطهاد، لكن الشعب الكوبي لم يتخل أبدا عن حلمه بالحرية"، وفق سلسلة الأفلام الوثائقية "قصة تحرير كوبا" التي أصدرتها شبكة "نتفليكس" العالمية في 8 ديسمبر/كانون الأول 2016.
هذه الحرية كان وراءها كفاح زعيم تاريخي اسمه كاسترو، حين جمع رفاقه وحقق حلمه بإشعال الثورة وإسقاط النظام، ليحكم كوبا لـ5 عقود من الزمن.
متمرد صغير
ولد كاسترو في 13 أغسطس/آب 1926، بمقاطعة أورينت جنوب شرق كوبا من أب مزارع من أصل إسباني، وأم كانت خادمة لزوجة والده الأولى، وكانت عائلته من الأثرياء المعدودين في البلاد آنذاك.
ومنذ صغره كان كاسترو متمردا، وصدم بالتناقض الكبير بين رغد العيش في ظل عائلته وبين قسوة العيش والفقر في الأحياء الفقيرة المحيطة به داخل مجتمعه.
ثم تلقى تعليمه الأولي في المدرسة الكاثوليكية التحضيرية، وكان مجتهدا في دراسته ومنح لقب أفضل رياضي شاب عام 1944، وفي عام 1945، التحق بجامعة هافانا حيث درس القانون وتخرج منها عام 1950.
عمل كاسترو محاميا في مكتب محاماة صغير بالعاصمة هافانا، وحمل قضايا الفقراء والمهمشين على عاتقه، وكان لديه طموح في الوصول إلى البرلمان الكوبي لكن الانقلاب العسكري الذي قاده الكولونيل فولغنسيو باتيستا، في 10 مارس/آذار 1952، حطم أحلام كاسترو وغيره من أبناء شعب كوبا.
سرعان ما اعترفت الولايات المتحدة بحكومة باتيستا، الذي انقلب على الدستور، وألغى حق الإضراب والانتخابات، وقام بحل الأحزاب السياسية، وجعل باب كوبا مفتوحا أمام الشركات الأميركية.
باتيستا الذي أصبح عدو كاسترو الأول، شكل مزيجا بين العسكرية وفلسفة القمع، وكان خاضعا تماما للولايات المتحدة وسافر إليها مستقرا لمدة من الزمن، وقام بتأليف كتاب الظلال الأميركية عام 1946.بعد انقلاب باتيستا العسكري، حكم البلاد بالحديد والنار، وشكل قبضة قاسية، أطلق من خلالها المحاكمات وأحكام الإعدام بالجملة، وسادت لغة القمع والتعذيب، والتحكم في الإعلام الذي أدى إلى إخماد المعارضة لفترة من الزمن.
كردة فعل احتجاجية، شكل كاسترو قوة قتالية وهاجم إحدى الثكنات العسكرية، ذلك الحدث الذي عرف تاريخيا بهجوم "مونكادا" عام 1953 وأسفر عن سقوط 80 من أتباعه وإلقاء القبض على كاسترو، الذي قضت المحكمة بسجنه 15 عاما، لكن أطلق سراحه بعفو عام في مايو/أيار 1955، واختفى بعدها في المنفى بين المكسيك ومجموعة من الدول.
في المكسيك باشر كاسترو الاستعداد للثورة، وفيها التقى الثائر الأرجنتيني "تشي غيفارا"، وهناك بدأ حركته التي انتقلت بعد ذلك لمرحلة رفع السلاح علنا والقيام بهجمات عديدة على مصالح أمنية وعسكرية واقتصادية.
في 2 ديسمبر/كانون الأول 1956، قاد كاسترو وغيفارا، يخت "غرانما" لنقل 82 من مقاتلي الثورة الكوبية من المكسيك إلى كوبا؛ للإطاحة بنظام "الديكتاتور باتيستا".مباشرة بعد وصولهم شرق كوبا، أعلنوا حرب التحرير بشكل نهائي، واعتبر هذا التاريخ يوم تأسيس القوات المسلحة الثورية، أما "غرانما" فأصبح من المعالم السياحية والتاريخية الخالدة في البلاد.
ومع بداية الحرب استطاعت قوات النظام الحاكم بقيادة باتيستا، التصدي للثوار وقتلت بعضهم واعتقلت آخرين، فيما فر كاسترو وشقيقه وغيفارا إلى سلسلة جبال "سييرا مايسترا" على طول الساحل الجنوبي الشرقي لكوبا، ومن هناك كون كاسترو مجموعة مسلحة، عبارة عن 12 مقاتلا فقط وخاض حرب عصابات ضد جيش باتيستا.
نجاح الثورة
بعدها سرعان ما توسعت حركة التمرد وانضم العديد من العسكريين لقوات كاسترو، التي حققت تقدما ملحوظا ومفاجئا، واستطاعت أن تنتصر وتتحكم في عدد من المدن والقرى.
هذا النجاح الميداني غير المتوقع، دفع كاسترو لتشكيل حكومة ثورية بديلة بالموازاة مع تواصل الحملات العسكرية على النظام حتى انهار، وفر باتيستا في الليلة الأخيرة من عام 1958 إلى جمهورية الدومينيكان.
في 1 يناير/كانون الثاني 1959، دخلت قوات كاسترو العاصمة هافانا، وتولى الزعيم الكوبي منصب القائد العام للقوات المسلحة في الجيش، فيما شكل خوسيه ميرو كاردونا حكومة جديدة، وبعد أسابيع استقال ميرو، وأدى كاسترو اليمين الدستورية رئيسا للوزراء، وأصبح الحاكم الأوحد وأقوى رجل في البلاد.
أول التحديات التي واجهت كاسترو كانت على الصعيد الخارجي، وتمثلت في الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت لها مصالح عظمى اقتصادية وجيوسياسية في كوبا البعيدة عنها بكيلومترات معدودة من سواحلها.
في البداية، سارعت واشنطن إلى الاعتراف بالنظام الجديد تحت إمرة كاسترو رئيسا للدولة وإن ظلت الولايات المتحدة المعادية للشيوعية والاشتراكية، متوجسة من ميول كاسترو.
وفعلا، بدأت العلاقات الأميركية الكوبية بالتدهور عندما قام نظام الحكم الجديد بتأميم الشركات، وتحديدا شركة "الفواكه المتحدة".
في 15 أبريل/نيسان 1959، زار كاسترو الولايات المتحدة والتقى مع نائب الرئيس ريتشارد نيكسون، واعتذر الرئيس دوايت أيزنهاور عن عدم استطاعته اللقاء مع كاسترو لارتباطه بلعبة الغولف.
وطلب الرئيس الأميركي من نائبه التحقق من انتماء كاسترو السياسي ومدى ميوله لجانب المعسكر الشرقي، وخلص نيكسون إلى أن كاسترو: "شخص بسيط وليس بالضرورة يميل إلى الشيوعية".
ومع ذلك لا يمكن إغفال أن كاسترو الذي رفض تصنيف هذه الحكومة في البداية على أنها شيوعية، قد عين مروجين للماركسية اللينينية في المناصب العليا للدولة والجيش، وكان أبرز هؤلاء غيفارا، الذي أصبح حاكما للمصرف المركزي ثم وزيرا للصناعات، وأمام تلك التحولات انشق قائد القوات الجوية بيدرو لويس دياز، هاربا إلى الولايات المتحدة.
خليج الخنازير
أعلن كاسترو رسميا قيام جمهورية كوبا الاشتراكية في 16 أبريل/نيسان 1961، وسط تحديات جمة واستعداد الولايات المتحدة وجهاز استخباراتها لتوجيه ضربة محكمة لنظام حكمه الوليد والقضاء على ثورته تماما.
وهو ما حدث في 17 أبريل/نيسان 1961، بعد يوم من إعلان الجمهورية، فيما يعرف بـ"غزو خليج الخنازير"، وهي عملية عسكرية فاشلة نفذتها واشنطن، لقلب نظام كوبا، مستخدمة مرتزقة كوبيين، وتطورت الأزمة دوليا بين أميركا والاتحاد السوفييتي.
وقد حاول 1400 من كوبيي المنفى، اجتياح "خليج الخنازير" على الساحل الجنوبي لكوبا، وواجهتهم قوات كاسترو، فقتلت جزءا منهم وأسرت الباقي.
وكان من نتائج هذا الانتصار أن الجيش الثوري الكوبي قد أسر 1179 شخصا من مجموعات الإنزال واستولى على 5 دبابات ثقيلة، وعشرات الأسلحة الفردية، والأسلحة المضادة للطائرات وسيارات نقل عسكرية وتم إغراق 4 سفن وإسقاط 12 طائرة قاذفة.
وبالتحقيق مع الأسرى تبين أنهم من أنصار "باتيستا"، وأنهم جميعا قد صرحوا بأن الاستخبارات الأميركية قد دربتهم، وكان لفشل العملية "صدمة حقيقية" لواشنطن ورئيسها جون كينيدي ذاته.
أما كاسترو فاستغل الانتصار، لتشديد قبضته على الحكم وإلغاء الانتخابات، بينما ارتفعت شعبيته بين شعبه وعلى المستوى الدولي بشكل غير مسبوق، إذ اعتبر أنه الرجل الذي واجه الهيمنة الأميركية واستطاع هزيمتها.
بعدها وفي 7 فبراير/شباط 1962 فرضت أميركا حظرا اقتصاديا على كوبا، بالمقابل قوت هافانا علاقتها مع الاتحاد السوفييتي بقبول مزيد من المساعدات الاقتصادية والعسكرية مقابل السماح له سرا ببناء مواقع لصواريخ نووية في كوبا أدت إلى الأزمة المعروفة بـ"الصواريخ الكوبية" أو عملية "أنادير" عام 1962، التي كادت أن تتسبب في حرب نووية بينهما.
إصلاحات كاسترو
في بداية حكمه عام 1959، أعلن كاسترو في خطاب شهير له أنه سينهي التمييز العرقي في المجتمع الكوبي، وكانت كوبا لقرون طويلة تعاني من التفرقة العرقية بين البيض والسود.
ووضع خطة لإعادة جمع الكوبيين البيض مع السود في مدارس مشتركة ومؤسسات أخرى، مثل النوادي المجتمعية، والشواطئ الخاصة، عن طريق تساوي الفرص.
وأممت المدارس الخاصة التي كانت سابقا يسودها الطلاب البيض وواجهت تدفقا للطلاب السود ومختلطي الأعراق.
وبدأت النوادي المجتمعية الخاصة بالبيض والخاصة بالسود أن تنحل، وأصبحت العرقية ضد الثورة وصنف منتقدو الحكومة غالبا بأنهم عرقيون.
وفي عام 1959 تم تأميم 75 بالمائة من أفضل أراضي كوبا الصالحة للزراعة، وكانت مملوكة من قبل أفراد أو شركات أجنبية (معظمها أميركية).
وكانت من أولى سياسات الحكومة الكوبية الجديدة، القضاء على الأمية وإصلاح الأراضي، وساعدت جهود إصلاح الأراضي على رفع معايير المعيشة عن طريق تقسيم الشركات القابضة الكبيرة إلى جمعيات تعاونية يرتادها الشعب الكوبي بمختلف طوائفه.
مع بداية حقبة التسعينيات من القرن الماضي، شهدت الحالة الصحية لكاسترو مراحل حرجة لكبر سنه، وقبل خضوعه في يوليو/تموز 2006 لعملية جراحية لوقف نزيف المعدة والأمعاء عين أخاه رئيسا مؤقتا للبلاد.وفي 19 فبراير/شباط 2008 تسلم راؤول رئاسة كوبا رسميا، وأقر البرلمان ذلك في الشهر نفسه بعد التدهور الكبير لصحة كاسترو.
في تلك الفترة عقب تخليه عن السلطة بدأ كاسترو بإصدار سلسلة مقالات مهمة بعنوان "أفكار الرفيق فيدل"، قام من خلالها بتحليل التطورات السياسية المهمة التي طرأت على بلاده.
وفي فبراير/ شباط 2014، غاب فيدل تماما عن الأضواء مما غذى حينها شائعات بشأن حالته الصحية وأنه على مشارف الموت، وفي 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تم إعلان وفاة الزعيم التاريخي لكوبا كاسترو عن عمر يناهز 90 عاما، حكم خلالها كوبا لقرابة 57 عاما.