فشل بإدارة قناة السويس.. كيف فضحت "إيفر جيفن" عجز نظام السيسي وكذبه؟

12

طباعة

مشاركة

فشل إداري لهيئة قناة السويس، وعجز حكومي عن مواجهة أزمة السفينة الأخيرة، وسط غياب لدور الجيش صاحب الاقتصاد والإمكانيات الأكبر في مصر، وتأخر في البيانات الرسمية الحكومية، وكذب إعلامي ومحاولة لخداع وتضليل العالم.

جميعها اتهامات طالت النظام المصري إثر حادثة جنوح ناقلة عملاقة بقناة السويس في 23 مارس/ آذار 2021، بعد تعرضها لـ"عاصفة رملية"، أثناء عبورها القناة في طريقها من الصين إلى هولندا ما أدى إلى تعطيل حركة عشرات السفن في الاتجاهين.

وأدى جنوح السفينة "إيفر جيفن" في قناة السويس، أحد أهم الممرات المائية بالعالم، إلى ارتباك حركة الملاحة حول العالم، وارتفاع تكاليف الشحن بصورة كبيرة؛ إذ يمر عبر القناة حوالي 12 بالمئة من إجمالي التجارة العالمية.

والسفينة الجانحة مملوكة لشركة "شوي كيسن" اليابانية، ومسجلة في بنما، ومستأجرة من شركة "ايفر غرين" التايوانية، ويبلغ طولها 400 متر، وتحمل نحو 220 ألف طن من البضائع.

وقد تستغرق جهود تحرير السفينة أسابيع وربما تواجه تعقيدات بفعل عدم استقرار الأحوال الجوية، مما يهدد بحدوث تأخيرات باهظة التكلفة للشركات التي تعاني أصلا بسبب قيود كورونا.

تجاهل وتزييف

الإعلام المصري، تجاهل بداية الواقعة التي اهتمت بها وسائل إعلام دولية وحللت أسبابها وآثارها على الاقتصاد العالمي والمصري ومستقبل قناة السويس خاصة بعد حجز أكثر من مائة سفينة بمدخلي القناة بالبحرين الأحمر والأبيض باليوم الأول للحادثة، وهو الرقم الذي تضاعف مع استمرار الأزمة.

ضغوط الصحافة العالمية ومواقع التواصل الأجنبية والعربية؛ دفعت السلطات المصرية للرد متأخرة مساء 23 مارس/ آذار 2021، ببيان يقلل حجم الأزمة وتبعاتها، ويحمل الأوضاع المناخية والعاصفة الترابية التي تمر بها البلاد السبب، فيما أكدت هيئة القناة أن العمل جاري لتعويم السفينة، دون الرد على الكثير من التساؤلات.

الخبير الاقتصادي خالد أبوشادي، أشار في منشور على فيسبوك إلى أن العالم كله ينظر لنا ويراقب "وللأسف الشديد الإعلام أظهر ضعفا شديدا بالتعامل مع الأزمة، وجهات مسؤولة أطلقت تصريحات وأظهرت الأحداث  على الأرض عدم صدقها"، مؤكدا أن المشكلة تكمن في عدم اتخاذ الخطوات الصحيحة وعدم إظهار الحقائق.

المثير للجدل، هو التضارب بين ما أعلنه الإعلام المصري عن نجاح قاطرات هيئة القناة في تعويم السفينة وفتح طريق لسفن الشمال القادمة من البحر المتوسط، وبين ما كشفته صور عبر "Google Earth" تؤكد زيف هذا الادعاء.

صحيفة "الأهرام" الحكومية الرسمية، أكدت ظهر 24 مارس/ آذار 2021، انتظام حركة الملاحة بالقناة، عقب نجاح وحدات الإنقاذ و8 قاطرات بتعويم السفينة البنمية. ونقلت عن رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، رسالة طمأنة بشأن انتظام حركة الملاحة بالقناة.

لكن؛ خرائط البث المباشر عبر "جوجل"، أظهرت عدم صدق تقارير هيئة القناة حول نجاح تعويم السفينة، وكشفت وجودها بموقع شحوطها واستمرار انسداد حركة الملاحة بالقناة أمام مرور السفن، وهو ما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي ما اضطر السلطات المصرية لتغيير حديثها السابق.

هيئة القناة، اضطرت صباح 25 مارس/ آذار 2021، لإعلان الحقيقة معلنة عن قرار تعليق حركة الملاحة حتى تعويم السفينة، والتأكيد على استمرار عمليات الإنقاذ بفرق مصرية دون تحديد وقت لنهايتها، أو تحديد المعوقات أمامها، ومدى استعانتها بجهود دولية لحل الأزمة.

 إلا أن مصدرين مطلعين لوكالة "بلومبيرغ" قالا إن "وزن السفينة البالغ 224 ألف طن، وصغر حجم قوارب القطر بالقناة أعاقا العمل". 

الشركة المستأجرة لسفينة الحاويات الجانحة "إيفر جرين" التايوانية، من جانبها كشفت ظهر 25 مارس/ آذار 2021، عن تكليف السلطات المصرية فريقي إنقاذ محترفين من شركتي "SMIT Salvage B.V"  بهولندا و"Nippon salvage" اليابانية لإعادة تعويم السفينة، موضحة أن النفقات يدفعها مالك السفينة، وفق رويترز.


 

جنوح السفينة لم يكن الأول بقناة السويس التي شهدت حوادث مماثلة تم حلها سريعا، مثل سحب السفينة "OOCL Japan" بعد ساعات أكتوبر/ تشرين الأول 2017، فيما أغلقت القناة 3 أيام عام 2004 بعد جنوح ناقلة النفط "Tropic Brilliance"، ما يدعو للتساؤل عن أسباب فشل تعويم الناقلة الجديدة.

الخبير الاقتصادي نايل الشافعي، تحدث عن أخطاء إدارية وفنية وقعت فيها السلطات المصرية بينها عدم انتظام عمق القناة بين 25 متر بالمنتصف، و15-11م بالأجناب، متسائلا عن عدم حفاظ كراكات الهيئة على عمق منتظم، لافتا إلى أن "غاطس السفينة 15.7م".

وأكد في منشور على فيسبوك أن هناك 20,000 حاوية بسطح السفينة، ولذا يستحيل جرها، موضحا أن الأمر يتطلب إفراغ الماء والزيت، والحاويات، لكي ترتفع السفينة، متسائلا عن أسباب عدم تملك الهيئة للمعدات التي لدى الشركة الهولندية.

قلق عالمي وخسائر

نظرا لأهمية القناة؛ فقد أربك الحادث حركة التجارة العالمية وتسبب بمخاوف دولية على الاقتصاد العالمي خاصة مع تأخر السلطات المصرية في تحريك السفينة، حيث يستوجب إغلاق القناة مرور الناقلات العالمية حول رأس الرجاء الصالح، ما يعني زيادة أمد الرحلات من آسيا إلى أوروبا أسبوعين آخرين، وتكاليف إضافية وتعطيل الجداول الزمنية.

شركة "Leth Agencies"، إحدى أكبر مزودي خدمات عبور قناة السويس، أعلنت 25 مارس/ آذار 2021، وجود 42 سفينة متجهة شمالا تنتظر إعادة تعويم "إيفر جيفن".

وتضررت 64 سفينة متجهة جنوبا، فيما انعكس هذا التعطل على أسعار النفط العالمية التي ارتفعت خلال تعاملات، 24 مارس/ آذار 2021، بنحو 6 بالمئة، وسط مخاوف من تعطل تدفقات الخام إلى الدول.

شركة "Vortexa" العالمية لتحليلات النفط، أعلنت 24 مارس/ آذار 2021، أن 10 ناقلات نفط تحمل نحو 13 مليون برميل قد تتأثر بتعطل حركة المرور بقناة السويس، وذكرت أن المعدل التقريبي للتراكم يصل إلى 50 سفينة يوميا.

خسائر متوقعة أشارت إليها وكالة بلومبيرغ الأميركية 25 مارس/ آذار 2021، مؤكدة وجود نحو 9.6 مليارات دولار من حركة المرور البحرية اليومية خسرتها قناة السويس، لافتة إلى تعطل ناقلات نفط سعودية وروسية وعمانية وأميركية وأكثر من 300 سفينة بالمدخلين الجنوبي والشمالي للقناة.

صحيفة "لويدز ليست" المختصة بأخبار النقل البحري، قدرت تكلفة غلق القناة على مصر والعالم وقطاع الشحن البحري بنحو 400 مليون دولار بالساعة الواحدة، مبينة أن حركة الشحن البحري المتجهة غربا تبلغ نحو 5.1 مليارات دولار يوميا، وتلك المتجهة شرقا نحو 4.5 مليارات دولار تقريبا. 

وقناة السويس تعتبر طريق التجارة البحري الأقصر عالميا (193 كيلومترا- 120 ميلا) والذي يربط البحر الأحمر بالأبيض، وآسيا بأوروبا، والشرق الأوسط بالأميركيتين.

وارتبط شقها عام 1869، بوقوع مصر فريسة للاستعمار الإنجليزي عام 1984، وهي أهم مصادر الدخل القومي المصري التي تراجعت إيراداتها بنسبة 3 بالمئة بسبب جائحة كورونا عام 2020، محققة 5.61 مليار دولار.

يمر بقناة السويس التي يعمل بها 25 ألف شخص، نحو 18 ألف سفينة سنويا، ونحو 12 بالمئة من التجارة العالمية و8 بالمئة من الغاز الطبيعي المسال، ويتدفق يوميا نحو 600 ألف برميل نفط خام من الشرق الأوسط لأوروبا وأميركا عبر القناة، ويتدفق من حوض الأطلنطي لآسيا حوالي 850 ألف برميل يوميا، بحسب وكالة "بلومبيرغ".

الانقلاب العسكري في مصر منتصف 2013، حمل معه ادعاءات بجني مصر 100 مليار دولار سنويا من القناة بعد حفر تفريعة شقها نظام عبدالفتاح السيسي، عام 2015، وتكلف 8 مليارات دولار، لكنها لم تحقق أية زيادة في دخل القناة أو حل أزمة انتظار السفن بمدخلي القناة، أو جذب قوافل جديدة للمرور بها.

خبراء ومراقبون تحدثوا عن وجود مؤامرة ضد قناة السويس، لصالح مشروع الإمارات إسرائيل المحتمل لنقل الغاز والنفط الخليجي عبر أنبوب بري وبحري يصل موانيء الأراضي المحتلة ومنها إلى أوروبا، وكذلك لصالح فكرة تل أبيب شق قناة بين البحر المتوسط وخليج العقبة تكون بديلا لقناة السويس.

عمل غير بريء

الأكاديمي المصري والمحامي الدولي محمود رفعت، قال إن "المعطيات لم تعد توحي بأنها سوء إدارة لأزمة السفينة الجانحة، ويجب طرح سؤال: هل نحن أمام تخريب متعمد للقناة بضوء ما تم إعلانه منذ شهور أن الإمارات ستورد النفط لأوروبا عبر إسرائيل".

عضو المجلس الثوري المصري الدكتور محمد صلاح حسنين، لا يعتقد أن "حادثة جنوح حاوية وغلق قناة السويس عمل بريء حدث بالصدفة"، متوقعا أنه "يدفع العالم لدعم الطريق البديل عبر خليج العقبة أم الرشراش (إيلات)- عسقلان، والذي تعمل الإمارات على تمويله".

الكاتب الصحفي، جمال سلطان، من جانبه قال إن "الفضيحة التي تجري الآن أمام العالم بقناة السويس، عرت الدولة، وكشفت خواءها، وبرهنت أن مصر تعوم على (فنكوش) أو بالون فارغ منفوخ بالهواء، تعيش على أوهام القدرة وخرافة الإنجاز".

وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، أضاف: "فضيحة القناة كشفت غياب الكفاءة والإدارة والاستعدادات والسياسات الرشيدة والأولويات البدهية، وحضرت بدلا منها الفهلوة والدجل السياسي والإعلامي وصناعة اللقطة المزيفة لبؤس الواقع الحقيقي".

وتابع: "الفضيحة كشفت بوضوح كامل أن هذه السلطة أهدرت عشرات المليارات في الفراغ لمجرد تضليل المشاعر الوطنية بدعوى رفع المعنويات، بينما العمل الحقيقي والجاد كان غائبا تماما، مصر - مع الأسف- على طريق الكارثة".

خبراء ومحللون اتفقوا مع حديث سلطان، وتحدثوا مع "الاستقلال"، عن آثار وتبعات كارثية للحادثة على مستقبل قناة السويس، بعد ظهور السلطات المصرية عاجزة وفاشلة وكاذبة في عيون العالم.

وحذروا من أن ذلك الحادث يفتح الباب لتحول التجارة العالمية عن القناة ويعطي الممرات والطرق الجديدة والمزمع إنشاؤها الفرصة لتأخذ مكانها، معتبرين أنها قد تكون مؤامرة لصالح مشروعات أخرى منافسة.

مصائب النظام

المستشار السياسي والاقتصادي الدولي، حسام الشاذلي، قال إن "جنوح السفينة العملاقة إحدى أكبر الحاويات بالعالم يدق جرس إنذار جديد للعالم حول مدى فاعلية إدارة قناة السويس بعهد النظام الحالي، وخاصة بعد التساؤلات التي لم تجد لها إجابة إبان حفر مشروع التفريعة 2015، والذي كلف مصر المليارات، ولم يجد المحللون تفسيرا لجدوى المشروع حتى الآن". 

وحول تأثير الأزمة عالميا، أكد رئيس جامعة كامبريدج المؤسسية، في تصريح لـ"الاستقلال"، أن "الحادث وغلق الممر المائي الذي يتحكم بـ12 بالمئة من حجم التجارة العالمية سببا أزمة دولية وقلقا اقتصاديا، وارتفاعا بأسعار البترول والمحروقات، خاصة وأن الإغلاق وتكدس السفن يأتي في وقت ينتهج العالم إستراتيجية الطلب حين الحاجة لتفادي مصاريف الشحن والتخزين ويستثمر ملايين الدولارات بالتقنيات الرقمية لهذا الغرض".

الخبير المصري، ألمح إلى أن "القلق يعود لكون الحادث كشف الستار عن عدم وجود إستراتيجية أزمات متقدمة وفاعلة تطبقها إدارة القناة، مع كون انتهاج الحكومة سياسة الصمت حتى الحل يعتبر من أهم مسببات فقدان الثقة في عالم الاقتصاد والتجارة الدولي؛ والتي باتت تقوم على شفافية المعلومة وحرفية رد الفعل". 

وقال إن "العالم يلجأ لقناة السويس كونها المسار الأكثر أمنا وجدوى مالية، ولكن لا يخفى على أحد أن الكثير من دول العالم باتت تبحث عن بديل لذلك المسار المائي مما قد يهدد مصر المتأزمة اقتصاديا بكارثة جديدة قريبة". 

وختم حديثه بالقول: "لذلك بات مهما قيام مصر بتغيير السياسة الإدارية للقناة، وتوظيف إمكانيات الذكاء الصناعي المرتبط بمراقبة التجارة والشحن والتفريغ؛ قبل أن نستيقظ على بديل جديد ينزع عن مصر دخلا قد حباها الله به بسبب موقعها الجغرافي وبسبب قناة تم حفرها قبل أن يعرف العالم نظام الحكم العسكري بمصر".

مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية بإسطنبول الدكتور ممدوح المنير، قال إن "السفينة الجانحة بقناة السويس تكشف بدون شك عن حالة العبث التي يعيشها النظام المصري في التعامل مع ممر ملاحي هام مثل القناة".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "الطبيعي والبديهي أن تكون هناك معدات للتعامل مع هذه النوعية من الإشكاليات التي تؤثر على سمعة مصر وتؤثر على الاقتصاد المصري و العالمي، فمدخولات مصر من النقد الأجنبي يعتمد على القناة بشكل رئيس والتي تصل نحو ٦ مليار دولار سنويا".

وأرجع حالة الفشل تلك لما أسماه بـ"الإهمال العبثي الذي يعتبر السمة الحاكمة لكل شيء في الوطن حاليا اللهم إلا من إرضاء السيسي وزمرته وليذهب باقي الوطن إلى الجحيم".

وأشار المنير، لوجود "تفسيرات تقول إن الحدث قد يكون متعمد لرفع أسعار النفط، ورغم أن ذلك يظل احتمال لم يؤكد بعد ولكن لا يمكن استبعاده كذلك، نظرا لأن طبيعة النظام تسمح بذلك وأكثر منه".

وتساءل: "وإلا؛ لماذا غابت معدات الجيش الهمام؟ وأين ذهبت الحفارات العملاقة التي حفرت تفريعة القناة التي روج لها السيسي كمشروع قومي عملاق؟"، ولماذا لم يستعن بحفارات السعودية العملاقة الموجودة بمدينة (نيوم)، وسهل نقلها بحرا إلى موقع الحادث" .

وأكد على وجود "علامات استفهام كثيرة تطرح نفسها على الموقف، ومن الصعب إيجاد إجابة سريعة لها في دولة بوليسية غياب وإخفاء المعلومات جزء أصيل من تكوينها".

وتوقع المنير، أن "تؤثر الحادثة كثيرا على مستقبل القناة لصالح القناة والممر الصهيوني الجاري العمل عليهما حاليا"، جازما بأن "كل خسارة لمصر مكسب لهؤلاء، ويبقى السيسي بينهما يقوم بدور السمسار لمن يدفع أكثر".