الشيخ الصابوني.. عالم أبدع "صفوة التفاسير" وثار ضد الأسد فمات بالمنفى

12

طباعة

مشاركة

بعد نحو 9 عقود من خدمة العلم وإعلاء صوت الحق ضد الظلم، توفي الشيخ السوري محمد علي الصابوني، عن عمر ناهز 91 عاما، في مدينة يالوفا التركية، صباح الجمعة 19 مارس/آذار 2021.

ونعى سوريون وعرب الشيخ الصابوني، معبرين عن خسارتهم الكبيرة لفقدان العالم الأبرز في العلوم الشرعية وعلوم التفسير القرآني على وجه الخصوص، و"الصوت الجريء في وجه الباطل والسلطان الجائر".

وقد عرف الشيخ محمد علي (اسم مركب) الصابوني بمواقفه المناهضة لنظام بشار الأسد، حيث أيد الثوار السوريين منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة، وقد وجد نفسه مجبرا على مغادرة سوريا عقب ذلك، واختيار تركيا موطنا بديلا.

غزارة الفكر

يشغل الشيخ الصابوني منصب رئيس رابطة العلماء السوريين، ويعد من أشهر المفسرين والمتخصصين في علم تفسير القرآن والحديث النبوي.

كان غزيرا في إنتاجه الفكري والشرعي، فقد بلغت مؤلفاته نحو 57، كان أبرزها "صفوة التفاسير" الذي اكتمل تأليفه مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وكان جامعا لأهم ما قاله المفسرون، بالإضافة إلى كتابته عددا من المؤلفات التي لخصت أهم التفاسير كتفسيري الطبري وابن كثير.

علاوة على ذلك، فقد سجل الشيخ نحو 600 حلقة تلفزيونية لعدد من القنوات الفضائية، وجلها في تفسير القرآن الكريم.

في 2006 أسس الصابوني بمعية آخرين رابطة العلماء السوريين، وقد ترأس الرابطة التي انتقل هيكلها الإداري إلى تركيا عقب اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد في 2011.

ولد الشيخ الصابوني في 1930 بمدينة حلب السورية، في الفترة التي كانت فيها سوريا تحت الانتداب الفرنسي الذي احتلها منذ عام 1920، عقب الحرب العالمية الأولى، وحتى جلائه في 17 أبريل/نيسان عام 1946.

وقد ولد الصابوني لأسرة مشهورة بالعلم الشرعي، حيث كان والده جميل بن مصطفى، أحد علماء حلب الكبار، وأشهر علماء المذهب الحنفي في سوريا.

كما أن شقيقه الأكبر الشيخ ضياء الدين، الذي يوصف بـ"شاعر طيبة"، من أهم علماء اللغة العربية في سوريا، ومن أبرز شعراء عصره الذين اشتهروا بقصائد المديح النبوي.

وحظي الشيخ بتعليم نوعي، فدرس العلوم الدينية والشرعية واللغوية على يد أهم علماء المدينة محمد سعيد الإدلبي ومحمد نجيب سراج وأحمد الشماع والمحمد راغب الطباخ أستاذ عالم الحديث الشهير الشيخ محمد ناصر الدين الألباني.

تلقى الصابوني عن مشايخه علوما في الفقه وأصوله والحديث ومصطلحه، والقرآن وعلومه، واللغة العربية وأنواعها من نحو وصرف وبلاغة وعروض، كما درس السنة النبوية والتاريخ الإسلامي وعلم المواريث وعددا من العلوم.

وكبقية أقرانه، تلقى الشيخ تعليما نظاميا في مدارس حلب، فدرس فيها الابتدائية والإعدادية والثانوية، وكان قد رأى أن يدرس بمدارس (الثانوية التجارية)، لكنه لم يكمل فيها دراسته بعد أن رأى أنه يميل للعلوم الشرعية.

 كما تكون لديه في ذات الوقت إشكال شرعي بتلقي المواد التي تؤصل للمعاملات الربوية في الثانوية التجارية، فتركها وعدل للدراسة في "الثانوية الشرعية"، وتخرج منها عام 1949.

وإلى جانب دراسته النظامية، درس الشيخ في كتاتيب مدينة حلب القرآن الكريم، وحفظ عدة أجزاء، ليكمل حفظ القرآن الكريم كاملا أثناء دراسته الثانوية.

رفيق الحرم

عقب ذلك ابتعثته وزارة الأوقاف السورية إلى الأزهر الشريف فدرس فيها العلوم الشرعية، وتخرج في كلية الشرعية عام 1952، حصل فيها على الإجازة (تعادل البكالوريوس) ثم واصل دراسته في القضاء الشرعي وحصل على التخصص ( تعادل الماجستير حاليا)  ثم العالمية ( تعادل الدكتوراه حاليا)، وذلك في عام 1954.

بعد إكماله التخصص، عاد الصابوني إلى سوريا، وعمل فيها مدرسا لمادة الثقافة الإسلامية في ثانويات مدينة حلب، واستمر بها 10 سنوات، قبل أن ينتقل للتدريس كأستاذ معار من قبل وزارة التربية والتعليم السورية، فعمل مدرسا بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في مكة، واستمر في التدريس هناك نحو 30 عاما.

ذاع صيت الشيخ وبرز نجمه، فكان من أدق المتخصصين بعلوم التفسير، فتم اختياره لإلقاء درس يومي في المسجد الحرام بمكة، وهي الدروس التي كانت تحظى بإقبال طلبة العلم الشرعيين في المملكة، كما كان له درس يومي في الإفتاء في الحرم المكي، فظل رفيق الحرم لعدة عقود.

وأثناء إقامته في الحرم، جرى تعيينه كأحد المسؤولين عن تصحيح أخطاء إمام التراويح في الحرم المكي في مواسم رمضان، وبقي كذلك لنحو 40 عاما، ثم انقطع عن تلك المهمة بسبب المرض.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الشيخ الصابوني أم المصلين في الحرم المكي لعدة مرات.

كان الشيخ نشيطا، وباحثا مجتهدا، كما كان غزيرا في الفكر، الأمر الذي دفع جامعة القرى لتعينه عضوا في مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، فحقق عددا من الكتب والمخطوطات، وكان، إلى جانب عضويته في مركز البحث العلمي، مستشارا في هيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة والتابعة لرابطة العالم الإسلامي.

وقد حصل في 2007 على جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، وجرى تكريمه بصفته "شخصية العام الإسلامية"، وذلك في الدورة 11 للجائزة، كما كرم في منتدى "الإثينية"، الأدبي الرفيع، الذي يقام في المملكة العربية السعودية.

داعم للثورة

أيد الشيخ الصابوني الثوار السوريين منذ اندلاع الثورة، وصرح بأن مطالبهم مشروعة، ودعا بشار الأسد إلى الكف عن إراقة الدم، كما دعاه إلى إطلاق المسجونين والقضاء على الفساد وإنهاء حالة الطوارئ.

وقد جهر الشيخ بتلك المواقف، وزادت مواقفه حدة ضد الأسد بالتزامن مع حالة القمع الذي مارسها ضد الثوار، فأصدر الشيخ فتوى قائلا: "الحاكم الذي يتجبر على شعبه وينحرف كل الانحراف عن دين الله، هو مجرم ويجب مقاومته"، واصفا بشار بـ"مسيلمة الكذاب".

وقال الصابوني في أحد اللقاءات التلفزيونية: "رأى علماء الأمة وجوب الخروج على مسيلمة الكذاب، الذي يسمى بشار الأسد، بعد أن استفحل طغيانه قتلا للبشر".

في تلك الفترة كان الشيخ الصابوني قد ناف على الثمانين عاما، وغدا في العقد التاسع من عمره، فوجد نفسه مضطرا لمغادرة سوريا، بعد الملاحقات التي نفذها نظام بشار الأسد ضد كل معارضي النظام، وبعد البراميل المتفجرة التي تلقيها الطائرات الروسية على رؤوس المدنيين.

استقر الشيخ الصابوني في مدينة يالوفا القريبة من إسطنبول، واستوطن في حي ترمال، حتى عرف الحي الذي يقطنه باسمه، وبنى فيه جامع "الأنصار" بمعية الشيخ محمد الصواف، مستشار الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود للشؤون الإسلامية.

وبعد وفاته، نعى "المجلس الإسلامي السوري"، الشيخ الصابوني، وقال إنه "كان من أوائل من وقف في وجه النظام السوري المجرم وحذر من استمراره وحرض على الثورة عليه والخلاص منه، وله جهود مشكورة في جمع كلمة العلماء السوريين في المجلس الإسلامي السوري".

من جانبه، نعى "الائتلاف الوطني السوري"، الشيخ الصابوني في بيان جاء فيه، أن "الشيخ ناصر الثورة السورية منذ يومها الأول (قبل 10 سنوات) وأعلن وقوفه مع الشعب السوري في ثورته ضد الظلم والطغيان والاستبداد، وكانت له مواقف مشهودة في مسيرة الثورة السورية".

وقال الائتلاف إن "الصابوني كان سفيرا جليلا لسوريا في العالم، بعلمه وفكره وأدبه، وله آلاف التلاميذ في كل بلاد، وكتبه مقررة في أغلب الجامعات الإسلامية حول العالم".