تشويه سمعة ووصم بالإرهاب.. لماذا يصر السيسي على الانتقام من أبوتريكة؟

12

طباعة

مشاركة

"من أشد أنواع الظلم، أن يلعب الظالم دور الضحية ويتهم المظلوم بأنه ظالم".. مقولة لعالم الرياضيات الألماني ديفيد هيلبرت، (1862- 1943)، تنطبق تماما على ما ارتكبه النظام الانقلابي في مصر من تشويه وتنكيل بحق نجم كرة القدم محمد أبوتريكة.

حالة من الغضب تسود أوساط عشاق أبوتريكة، بعد أن أيدت محكمة النقض (أعلى هيئة قضائية في مصر) 11 مارس/ آذار 2021، إدراج لاعب كرة القدم الدولي المعتزل، و1528 آخرين من بينهم قيادات بجماعة الإخوان على "قوائم الإرهاب" لمدة 5 سنوات، في حكم نهائي وبات ولا يجوز الطعن عليه.

الأثر القانوني

"النقض" رفضت طعن أسطورة منتخب "الفراعنة" والنادي الأهلي السابق وباقي المتهمين، وأيدت قرار إدراجهم في "قوائم الإرهاب، ليصبح الإدراج الثاني بحق "الماجيكو"، بعد الأول الصادر من جنايات القاهرة في أبريل/نيسان 2018.

ووفقا لقانون الكيانات الإرهابية الصادر 17 فبراير/ شباط 2015، أدرج نظام السيسي آلاف المعارضين على قوائم الإرهاب بينهم أبوتريكة، فيما تحفظت "لجنة حصر أموال الإخوان المسلمين"، التي شكلها النظام في سبتمبر/أيلول 2013، على أموال "أمير القلوب" وشركته السياحية في أبريل / نيسان 2015.

صحيفة "المصري اليوم"، المحلية تحدثت عن الآثار المترتبة على إدراج اسم أبوتريكة على قوائم الإرهاب، مؤكدة أنه بالتالي يتم إدراجه على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول، وسحب جواز السفر أو إلغاءه، أو منع إصدار جواز جديد، وتجميد أمواله كاملة دون قيود، وفقا لتعديل بقانون الكيانات الإرهابية في 3 مارس/ آذار 2020، حذف شرط ممارسة نشاط إرهابي لتجميد الأموال.

ذلك التعديل ترتبت عليه آثار جديدة منها تجميد الأموال والأصول، وحظر ممارسة الأنشطة الأهلية وجمع الأموال والتبرعات، ووقف عضويته بالنقابات والشركات والجمعيات، والأندية والاتحادات الرياضية، ومنع تحويل وتلقي الأموال.

"تاجر السعادة"

ولد تريكة، لأسرة بسيطة بقرية ناهيا بمحافظة الجيزة (وسط) في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1978، ودرس التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، وكانت بداية ظهوره الكروي بنادي الترسانة، ليخطفه الأهلي عام 2003، ويصبح أسطورة القلعة الحمراء.

"حبيب والديه"، و"تاجر السعادة"، كما كان يلقبه المعلقون، أحرز مع الأهلي 7 بطولات للدوري، و3 للكأس، و4 للسوبر المحلي، و9 بطولات إفريقية، وبرونزية كأس العالم للأندية عام 2006.

قاد منتخب الفراعنة للفوز ببطولة الأمم الإفريقية عامي 2006 و2008، وشارك بكأس العالم للقارات عام 2009، ولم يحصل على أية بطاقة حمراء طوال تاريخه، فيما حصد جائزة أفضل لاعب إفريقي 4 مرات.

وفي الوقت الذي أدرجت فيه السلطات أبوتريكة بقائمتها للإرهاب قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" اختياره في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، ليكون سفيرا لكأس العالم 2022 بقطر بين 10 من لاعبي العالم، فيما اختاره الاتحاد الإفريقي عام 2014، سفيرا للكرة الإفريقية، بعد اعتزاله عام 2013. 

ثورة يناير

"أبوتريكة زي (مثل) ثورة يناير بالظبط، كل ما يكرهونا فيها نحبها أكثر"، هكذا عبر مصريون عن حبهم لأبوتريكة، معتبرين أن ما يطاله من النظام هو تماما مثلما طال ثورة يناير 2011، التي يذكرها النظام بكل سوء. 

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، دشن نشطاء هاشتاغ "#أبوتريكه_مش_إرهابي"، معبرين فيه عن غضبهم من وضع اللاعب المحبوب بقائمة الإرهاب، متسائلين عن أسباب إصرار النظام على الانتقام من أبوتريكة، مؤكدين أنه يدفع ثمن بعض مواقفه السياسية.

البعض الآخر، ذكر مواقفه التي قد تكون السبب في انتقام النظام منه، مثل رفعه شعار "تضامنا مع غزة" عام 2008، وتضامنه مع أهالي ضحايا مذبحة جمهور الأهلي باستاد بورسعيد خلال فترة حكم المجلس العسكري 2012، ورفضه مصافحة وزير الدفاع وقتها المشير حسين طنطاوي بعد المجزرة، ورفضه الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013.

كما قارن البعض بين ما يتخذه النظام ضد أبوتريكة من إدراج بقوائم الإرهاب ومصادرة الأموال وغيرها وبين سماح نظام السيسي بعودة المخرج خالد يوسف إلى مصر في 3 مارس/ آذار 2021، رغم ما طاله من اتهامات بارتكاب جرائم أخلاقية.

مواقف إنسانية

إلى جانب أهدافه التي أمتعت وأسعدت الملايين، ظلت مواقف إنسانية وسياسية ودينية لأبوتريكة حاضرة في عقول وقلوب ملايين المصريين والعرب، حتى بعد اعتزاله اللعب.

في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وردا على إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تمسك بلاده بنشر الكاريكاتور المسيء لنبي الإسلام، دعا أبوتريكة لمقاطعة المسيئين للرسول، مؤكدا أن الرسول والديانة الإسلامية خطان أحمران.

وعبر مقطع مصور تداوله النشطاء قال أبوتريكة: "إلا النبي وإلا الإسلام، وطالما نحن نحترم الأديان الأخرى عليهم احترامنا"، داعيا لمقاطعة المنتجات الفرنسية وكل من يسيء للإسلام وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم. 

وهو ما ثمنه متابعون، ودفعهم للتأكيد على أن دفاعه عن رسول الإسلام، وتضامنه مع غزة سبب انتقام النظام منه.

إثر إحرازه هدفا في مباراة مصر والسودان بالبطولة الإفريقية الـ26 في غانا يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2008، رفع أبوتريكة شعار "تضامنا مع غزة" التي كانت تتعرض للقصف الإسرائيلي حينها، ما أثار تفاعلا عالميا مع قطاع غزة، ما دفع الشعب الفلسطيني لتقديم الدعم لأبوتريكة في جميع أزماته. 

موقف ثالث مثير كان بطله أبوتريكة، في فبراير/ شباط 2019، أكده الإعلامي مصطفى بكري، باعترافه في فبراير/ شباط 2019، عبر فضائية "صدى البلد"، أن أبوتريكة رفض مصافحة المشير طنطاوي عند استقباله لاعبي النادي الأهلي بعد مجزرة استاد بورسعيد في فبراير/ شباط 2012.

تضامن أبوتريكة، كان لافتا مع أهالي شهداء المذبحة التي أودت بحياة 74 من جماهير الأهلي في أعمال شغب أشارت أصابع الاتهام فيها لتورط السلطات الأمنية، إثر مباراة الفريق الأحمر مع فريق "المصري" باستاد مدينة بورسعيد، في عهد المجلس العسكري إبان ثورة يناير 2011. 

أبوتريكة من الرياضيين القلائل الذين أعلنوا دعم المرشح محمد مرسي رئيسا لمصر بانتخابات 2012، ورفض تسلم الميدالية الذهبية إثر فوز الأهلي بكأس "الكونفيدرالية الإفريقية" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013.

أبوتريكة رفض استلام الميدالية من أول وزير للرياضة بعد الانقلاب العسكري طاهر أبو زيد، بل إنه قرر الاعتزال بنهاية الموسم الكروي عام 2013، ورفض إقامة مباراة اعتزاله عام 2014.

 ومع بداية أزمة أبوتريكة مع نظام السيسي، دافع الكثير من الإعلاميين والرياضيين والسياسيين عنه باعتباره اللاعب الخلوق الذي أسعد المصريين، منتقدين اتهام النظام له بتمويل جماعة الإخوان المسلمين، رافضين التحفظ على أمواله وشركته السياحية، ومستغربين من أنباء منعه من السفر وسحب جواز سفره.

تلك الحالة مع مرور السنوات انقلبت من الدفاع عنه إلى شيطنته ثم التحريض عليه، حيث حذر الإعلامي إبراهيم عيسى، بفضائية "القاهرة والناس"، 11 مارس/ آذار 2021، محللي ومعلقي كرة القدم ومسؤولي النادي الأهلي والمواقع الرياضية من التعامل مع أبو تريكة الآن أو اعتباره نجم الأهلي المحبوب أو قدوة للشباب بعد إدانته بتمويل الإرهاب بحكم قضائي، وفق عيسى. 

"الاستقلال"، توجهت إلى عدد من رموز النادي الأهلي وبعض الصحفيين الرياضيين بتساؤلاتها: "لماذا يصر نظام السيسي على الانتقام من أبوتريكة؟"، و"هل مواقف تعاطفه مع غزة، وعدم مصافحته المشير طنطاوي، ودعمه ضحايا العسكر من جماهير الأهلي ومعتصمي رابعة، جميعها سبب هذا الانتقام؟"؛ إلا أن جميعهم رفض التعليق دون إبداء أسباب.

أزعج النظام

أحد الصحفيين العاملين في الحقل الرياضي، تحدث لـ"الاستقلال"، شريطة عدم ذكر اسمه، خوفا من التنكيل به، أوضح أن "سبب رفض الكثير من الرياضيين والصحفيين حتى المحبين منهم لأبوتريكة الحديث عنه بأنه رسميا أصبح مصنف من الدولة المصرية كإرهابي، وهنا لا يمكن الحديث عنه أو تقديم أي إطراء له أو الدفاع عنه في الإعلام المصري وغيره". 

لكنه أكد أن "ما يتعرض له أبوتريكة هو نفسه ما يتعرض له ثوار يناير 2011، وكل أنصار الحل الديمقراطي، وكل من أيد نتائج أول انتخابات حرة في مصر".

 وأشار إلى أن "مواقف أبوتريكة، أقلقت النظام خاصة لما له من جماهيرية كبيرة، فكان لابد لهم أن يشوهوا هذا الرمز بأحكام قضائية تجعل مجرد الحديث عن إنجازاته جريمة تستدعي بطش النظام".

ويرى أن "أشد مواقف أبوتريكة إزعاجا للنظام هي واقعة عدم مصافحة المشير طنطاوي، بجانب تأييده مرسي، وتعاطفه مع غزة"، مؤكدا أنها "المواقف التي دفعت النظام لتصنيفه بأنه من الإخوان المسلمين، وتوجيه الاتهامات له بتمويل الجماعة وأخيرا الإرهاب".

ويعتقد أن "جماهير أبوتريكة، يفهمون جيدا أهداف النظام من تلك الحملة عليه"، مضيفا: "بل إن شعبيته قد تزيد أكثر وأكثر"، مثمنا "عدم انسياق أبوتريكة في الحديث السياسي وتركيزه فقط في عمله كمحلل رياضي".

حب الجماهير

وفي رؤيته أكد الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع السياسي مصطفى عزب، إنه "رغم أن طبيعة الطغاة عموما الخوف من كل رمز نظيف يلتف الناس حوله، إلا أن الطغاة ذوي الخبرة أمثال الراحل حسني مبارك، على سبيل المثال يتروون في اتخاذ القرار، ويحاولون الحفاظ على هيبتهم، وعدم التصادم مع مشاعر الجماهير، حتى لا يؤثر ذلك سلبا عليهم".

وقال عزب لـ"الاستقلال": "لكن بعض الطغاة الجدد أمثال السيسي، على سبيل المثال، يجدون لذة مريضة في إحباط الجماهير العريضة، وإيذاء مشاعرهم، والتنكيل برموزهم، لعدة دوافع"، رصدها المحاضر الجامعي والناشط المصري في 3 نقاط. 

أولها "علم السيسي بمدى المهانة التي يتلقاها في الذهنية الشعبية المصرية، وبالتأكيد هو يعلم بألقابه الوضيعة المشهورة في الشارع، وبالتأكيد يعجز عن تغيير ذلك مهما أوتي من قوة".

أما ثانيا وفق عزب، "في نفس الوقت يبدو أنه يرى نفسه طبيبا، فيلسوفا، ومبعوث العناية الإلهية للبشرية، ولا أحد يقدر هذه العبقرية غير شلة المنافقين الذين يعلم أنهم يكذبون".

وثالثا أكد أن "السيسي، يتلذذ باستعراض قوته بفرض ما هو مرفوض وتحطيم ما هو محبوب، مثل موقفه من (تيران وصنافير)، وهدم المنازل، وإخلاء سيناء، وحبس قادته السابقين بالجيش، وقتل المعتقلين بالإهمال الطبي والتعذيب، واعتقال بعض شركاء الانقلاب، والهجوم على الأزهر، كأنه يتحدى الجميع ويقول لهم أعلى ما في خيلكم اركبوه وأروني ماذا أنتم فاعلون".

"بالتأكيد شخص بهذه المواصفات والتركيبة النفسية المعقدة العليلة يزعجه كثيرا حب الجماهير باختلاف توجهاتهم الأيدلوجية وطبقاتهم الاجتماعية لشخص مشهود له بالسيرة الطيبة وبالتفوق الفذ في مجاله، ويقول الحق، ويدافع عن المظلومين، مثل الماجيكو أبوتريكة، الذي إن ترشح يوما لأي منصب سيكتسحه بلا منازع"، وفق عزب.