دعوة الكاظمي لحوار وطني.. كيف استقبلتها القوى السياسية في العراق؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

على وقع الزيارة التي أجراها بابا الفاتيكان فرنسيس مؤخرا إلى العراق، أطلق رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، دعوة إلى "حوار وطني" يضم القوى السياسية والمحتجين، داعيا إلى ضرورة تغليب مصلحة الوطن والابتعاد عن خطاب الكراهية والتسقيط السياسي.

الكاظمي، قال في كلمة بمناسبة انتهاء زيارة البابا، في 8 مارس/آذار 2020، "على أساس هذه المسؤولية التاريخية، وفي أجواء المحبة والتسامح التي عززتها زيارة قداسة البابا لأرض العراق، أرض الرافدين، نطرح اليوم الدعوة إلى (حوار وطني) لتكون معبرا لتحقيق تطلعات شعبنا".

وأضاف: "ندعو جميع المختلفين، من قوى سياسية وفعاليات شعبية وشبابية احتجاجية، ومعارضي الحكومة، إلى طاولة الحوار المسؤول أمام شعبنا وأمام التاريخ، وندعو قوانا وأحزابنا السياسية إلى تغليب مصلحة الوطن والابتعاد عن لغة الخطاب المتشنج والتسقيط السياسي، وإلى التهيئة لإنجاح الانتخابات المبكرة، ومنح شعبنا فرصة الأمل والثقة بالدولة وبالنظام الديمقراطي".

الكاظمي، دعا في مبادرته الى "حوار وطني حقيقي عميق، وعلى كل المستويات الرسمية والحزبية والشعبية، للتوصل الى إطار الاتفاق النهائي للعلاقة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، بما يحفظ وحدة الأراضي العراقية، ويعالج المشاكل المتراكمة جذريا".

ترحيب وإشادة

ردود فعل القوى السياسية كانت متباينة حيال دعوة الكاظمي، ففي وقت رحبت فيه قوى سياسية بارزة، فإن جهات أخرى قريبة من إيران وضعت شروطا للمشاركة في أية مصالحة تعتزم الحكومة الحالية إجراءها.

وكان الجانب الكردي أول المرحبين بالمبادرة، فقد أشاد رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، مسرور البارزاني، بالمبادرة، وغرد عبر "تويتر" في 8 مارس/آذار 2021 قائلا: "باسم حكومة إقليم كردستان أرحب وأدعم دعوة رئيس الوزراء الاتحادي، مصطفى الكاظمي، من أجل عقد حوار وطني بين الأطراف العراقية لحل جميع المشاكل والصراعات بشكل جذري".

وأكد الاستعداد "للتوصل إلى اتفاق شامل ونهائي لحل كافة المشاكل بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان على أساس الدستور".

وعلى صعيد القوى السنية، أكد زعيم رئيس "جبهة الإنقاذ والتنمية"، أسامة النجيفي، خلال تغريدة على "تويتر" في 8 مارس/آذار 2021 أهمية فتح صفحة جديدة قوامها إعادة الاعتبار للهوية العراقية، وأن دعوة الكاظمي مناسبة لتفعيل حوار جاد ينسجم مع تطلعات الشعب ورغبته المؤكدة في تجاوز الأزمات والمعاناة، ويؤسس لمرحلة جديدة.

ومن جانبه، قال النائب ظافر العاني عن اتحاد القوى العراقي (أكبر ممثل للسنة بالبرلمان)، عبر تغريدة على "تويتر" في 8 مارس/آذار 2021 إن "إطلاق رئيس الوزراء مبادرة الحوار الوطني بين الحكومة ومعارضيها تأتي وسط فحيح شركاء الحكومة بإعادة سياسة الاجتثاث والإقصاء من جديد لتسميم الأجواء. خطوة الكاظمي تستحق الثناء، والأخرى تستحق الازدراء".

وكذلك، أعلن رئيس تيار "الحكمة" المعمم الشيعي عمار الحكيم، في تغريدة على "تويتر"، في 9 مارس/آذار 2021، تضامنه مع دعوة الكاظمي للحوار، مؤكدا أن "الفرصة سانحة، والأجواء مهيأة للمضي بهذا الحوار، ونجدد المطالبة بانخراط جميع القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية والأكاديمية بحوار يستوعب جميع الرؤى والأفكار البناءة، لمعالجة الإخفاقات، وتقويم السلبيات".

في السياق ذاته، قالت آيات المظفر المتحدثة باسم ائتلاف "النصر" بقيادة حيدر العبادي خلال تصريحات صحفية في 12 مارس/ آذار 2021، إن ائتلافها مع أصحاب المبادرات والدعوات لقيام مثل هكذا حوارات وطنية من أجل حل المشاكل التي يمر بها العراق.

وأضافت المظفر: "البلد يمر بمرحلة عصيبة وبتحديات كبيرة، واقتراب موعد الانتخابات البرلمانية يتطلب توفير أجواء سياسية وأمنية هادئة من أجل إنجاح الانتخابات، وأن حل مشاكل العراق ينبغي أن تكون بلغة الحوار والعقل والمصالحة، وليس بالصدام مع الأطراف المعارضة".

قبول مشروط

في المقابل وضعت أطراف شيعية شروطا للقبول بالحوار الذي أطلقه الكاظمي، وأعرب زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في 10 مارس/آذار 2021 عن تأييده لمبادرة الكاظمي، بالقول إن الجميع مطالب بتفعيل الحوار الإصلاحي بين كل الفرقاء، بمن فيهم "الجيل الشبابي الاحتجاجي".

واشترط الصدر أن يجري الحوار تحت إشراف أممي، ويستثنى منه كل من له انتماء "بعثي أو إرهابي"، لافتا إلى أن بعض الجهات السياسية تعمل على استغلال المندسين في الاحتجاجات السلمية، من أجل تصعيد أمني وسياسي، لاستغلاله في مغانم انتخابية وأغراض سياسية. ودعا الصدر الحكومة إلى القيام بمهامها، للحفاظ على الأمن وهيبة الدولة.

وعن موقف القوى المقربة من إيران، أعلن تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي" بالبرلمان في 8 مارس/آذار 2021 اشتراطه انسحاب القوات الأميركية للقبول بمبادرة رئيس الحكومة.

وفي بيان نشرته وسائل إعلام مقربة، اشترط تحالف "الفتح" تنفيذ قرار إخراج القوات الأميركية من العراق، وشروط أخرى، قبل الدخول بأي حوار.

وجاء في بيان التحالف: "نرحب بأي حوار وطني جاد، ولكننا نعتقد بأن لا جدوى من أي حوار وطني قبل تحقيق السيادة الوطنية الكاملة وخروج القوات الأجنبية بالكامل"، مشددا على أن "الأولى على الحكومة في هذه المرحلة تقديم الحلول الناجعة للمشكلة الاقتصادية، وإعادة هيبة الدولة، وبسط الأمن، وتقديم الخدمات الأساسية للمواطن، والتهيئة الكاملة للانتخابات المبكرة".

وأجرى تحالف "الفتح" اتصالات وحوارات مع "دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، وقوى سياسية أخرى، بحث خلالها بدعوة الكاظمي، قبل إعلان موقفه، وفقا للبيان.

أهداف وأبعاد

وبخصوص مدى إمكانية تحقيق دعوة الكاظمي أهدافها وإصلاح الواقع العراق، نشر مركز "روابط" للبحوث والدراسات العراقي تقريرا في 8 مارس/آذار 2021، رأى فيه أن "الدعوة وضعت جميع القوى والشخصيات والأحزاب السياسية أمام مسؤولياتها التاريخية ومدى صدق نواياها في خدمة العراق وشعبه وتعزيز مفهوم المصالحة الحقيقية بعيدا عن أساليب التهميش والإقصاء".

ورأى المركز أن "الدعوة أعطت صورة دقيقة للواقع السياسي العراقي وحددت المعاناة التي يعيشها أبناء الشعب وتحملهم أعباء الأخطاء والممارسات السياسية السابقة والمحن والمصاعب التي صاحبتها، وضرورة العمل من أجل الوطن والمستقبل الذي يليق بشعب العراق وأجياله القادمة".

ولفت إلى أن الدعوة من شأنها تعزيز البنية السياسية للأمن الوطني العراقي والحفاظ على سلامة أراضيه بتدعيم مبادئ الحوار الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية، وتحديد أولويات أساسية قائمة على بيئة مناسبة وتوقيت دقيق لإخراج جميع القوات العسكرية الأجنبية من أرض العراق، مع الاحتفاظ بعلاقة وثيقة بقيادة التحالف الدولي في إطار التعاون العسكري وتبادل الخبرات والتدريب المشترك.

وبين التقرير أن الدعوة هدفها "بناء أسس التلاحم الوطني بين جميع مكونات الشعب العراقي، وإنهاء الخلافات والمشاكل على المستويات كافة، بالتوصل الى اتفاق سياسي يساعد على إنهاء حالة الفرقة والتناحر وتمتين اللحمة الوطنية العراقية بين الجميع".

ومن أبعاد هذه الدعوة، قال المركز إنها "تمنح مفهوم الوحدة الوطنية والعلاقة الصميمية بين حكومة بغداد وحكومة إقليم كردستان أبعادها الحقيقية، ورسوخها في الميدان السياسي العراقي، بحل جميع المشاكل العالقة، وبروح أخوية أساسها الفهم والشعور المتبادل وسعيا لبناء العراق".

استغلال البابا

وعن إمكانية نجاح دعوة الكاظمي في لم تبعثر البيت الوطني العراقي، وإنهاء الأزمات الكثيرة التي تعصف بالبلد، رأى الكاتب ماجد السامرائي، خلال مقال نشرته صحيفة "العرب" في 16 مارس/آذار 2021 أن "دعوة الكاظمي للحوار لا علاقة لها بملف ما يعرف بالحوار والمصالحة الوطنية".

وأضاف: "دعوته جزء من محاولاته استثمار زيارة بابا الفاتيكان لصالح مشروعه السياسي المتواضع، فأطلق دعوته للحوار بين الحكومة وأحزابها وممثلي ثورة أكتوبر (تشرين). وهو لا يقصد الحوار مع المعارضين للنظام السياسي القائم، وهم كثر في مختلف الاتجاهات الوطنية. لأن ذلك ممنوع، فيتم تشتيت انتباه الرأي العام إلى أن المعارضين هم البعثيون (المجتثون) ومعهم الإرهابيون".

وأوضح الكاتب أن "الكاظمي قصد من دعوته إجراء حوار بين سلطة الأحزاب وشباب ثورة أكتوبر/ تشرين الثاني 2019، فلن تلقى هذه الدعوة قبولا من أبناء الثورة أنفسهم، حيث سارع بعض ممثليهم إلى رفضها قبل أن يتم إلقاء القبض على قتلة شهدائهم ومحاكمتهم. كما لن يقبل من وصفوا ثوار أكتوبر بـ(عملاء السفارات والجوكرية) الحوار معهم، لقد استهزؤوا بهم في تصريحاتهم وبياناتهم، فكيف يتحاورون معهم؟".

ولفت إلى أن "أطراف الحكم الرئيسين ومراكز القوة المعروفة تعاطوا مع دعوة الكاظمي بما يخدم برنامجهم في الحفاظ على مكتسباتهم وفوزهم في الانتخابات المقبلة. بعضهم اشترط الإشراف الأممي وإبعاد (البعثيين والإرهابيين) عن الحوار، والبعض الآخر سارع إلى التأييد في إطار صفقة تعاون مع الكاظمي في الانتخابات المقبلة. أما ممثلو المليشيات الولائية الداعين الى إسقاط حكومة الكاظمي فقد رفضوا الدعوة".

ونوه السامرائي إلى أن "الأحزاب الشيعية الحاكمة تستخف بجميع عناوين الحوار والمصالحة وتعتبرها فرصة للبعثيين الذين مزقهم وشرد أسرهم قانون الاجتثاث ليعودوا إلى السلطة. ورغم علمهم أن فرضية عودة البعثيين إلى السلطة غير حقيقية، لكن نظرية المؤامرة وصناعة العدو تبقى حاضرة لتبرير سياسات الشحن والاحتراب الطائفي وتعزيز سياسة الاستفراد بالحكم".

ورأى الكاتب أن "هناك مأزق جدي تعيشه الأحزاب الحاكمة في صراع المغانم والبحث عن وسائل لتشتيت ثورة الشباب، ومنع بعض ممثليها من الوصول إلى البرلمان. والأخطر هو تنامي قوة المليشيات المسلحة خاصة الموالية لطهران واستعداداتها لدخول البرلمان المقبل بقوة".

لافتا إلى أن "الكاظمي يعرف هذه الحقائق ويحاول الدخول من ثغرات الأحزاب الكبيرة ونقاط ضعفها ليصبح له دور سياسي مقبل، لهذا يدعو إلى التفاهم والحوار في ما بينهم".

وتابع: "بدلا عن مثل هذه الدعوات الإعلامية كان بإمكانه منذ وصوله إلى المسؤولية قبل 10 أشهر أن يتحول إلى منقذ حقيقي للبلاد في اتخاذ إجراءات جادة بحصر السلاح بيد الحكومة، ووضع التدابير العملية الصارمة لإنهاء أو تقليص هيمنة المليشيات على المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية، وإعلان أسماء قتلة ثوار أكتوبر".