أول مرة يكشف عن مطلقي الصواريخ ببغداد.. لماذا جاء الإعلان من أربيل؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم أنها لم تصدر عن الحكومة المركزية في بغداد، لكنها المرة الأولى التي يجري فيها الكشف عن الجهات التي تقف وراء إطلاق الصواريخ على القوات الأميركية بالعراق، لا سيما القصف الأخير الذي استهدف قاعدة "حرير" قرب مطار أربيل بإقليم كردستان.

في 16 فبراير/ شباط 2021، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" أن 14 صاروخا استهدفت قاعدة أميركية في أربيل تضم قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، 4 منها أصابت مبان، وأسفرت عن مقتل متعاقد مدني وإصابة 5 أميركيين من بينهم جندي.

وتبنت مليشيا عراقية موالية لإيران تطلق على نفسها اسم "سرايا أولياء الدم"، الهجوم الذي استهدف أربيل 15 فبراير/ شباط 2021، واصفة إياه بأنه عملية "نوعية" وضربة "قاصمة" ضد "الاحتلال الأميركي، حيث اقتربنا من قاعدته بمسافة 7 كيلومترات".

اعترافات مصورة

السلطات الأمنية في أربيل (عاصمة إقليم كردستان العراق)، عرضت في 3 مارس/آذار 2021، اعترافات مصورة لشخص قدم على أنه أحد منفذي الهجوم الصاروخي الذي استهدف مطار أربيل بالتعاون مع آخرين.

وظهر الشخص، ويدعى حيدر حمزة البياتي (37 عاما) وينحدر من قرية قرداغ في قضاء الحمدانية بالموصل (شمال)، وهو يدلي باعترافاته خلال مقطع مصور نشره جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان.

ووفقا لاعترافات البياتي، فإن تنفيذ الهجوم جرى بناء على توجيهات من مليشيا "كتائب سيد الشهداء" الموالية لطهران ويتزعمها أبو آلاء الولائي. قائلا: إنه تعرف في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2020، على شخص من المليشيا، وجرى الاتفاق على القيام بعملية ضد مطار أربيل الدولي.

وحسب ما جاء في الاعترافات، فقد ساعد البياتي في شراء السيارة التي نفذ من خلالها الهجوم، وتسهيل دخول أشخاص (جرى التكتم على هوياتهم) شاركوا في عملية التنفيذ.

وقال جهاز مكافحة الإرهاب الكردي، خلال بيان في 3 مارس/آذار 2021، إن "عدد المنفذين الرئيسين للهجوم هم 4 أشخاص، تم إلقاء القبض على أحدهم وهو المدعو حيدر البياتي".

وأضاف: "بعد تشارك نتائج التحقيق مع المؤسسات الأمنية التابعة للحكومة الاتحادية والتحالف الدولي، تمكنت الأجهزة الأمنية من إلقاء القبض على شخص آخر من منفذي الهجوم"، لافتة إلى أن "الأجهزة الأمنية تعمل على العثور على الشخصين الآخرين من أجل اعتقالهما، ولهذا جرى حذف اسميهما من اعترافات البياتي ولم يفصح عنهما".

وهذه هي المرة الأولى التي تعرض فيها اعترافات متهمين بتنفيذ هجمات صاروخية ضد مصالح غربية في العراق على شاشات التلفاز، إذ كانت بغداد تعلن في أكثر من مناسبة اعتقال متورطين بهجمات ضد سفارة واشنطن، لكنها سرعان ما تطلق سراحهم تحت ضغط وتهديد من المليشيات والقوى السياسية الموالية لطهران.

فصيل ولائي

"كتائب سيد الشهداء" مليشيا موالية لإيران تشكلت عام 2013 بحجة حماية المراقد الشيعية في سوريا، حيث كانت إحدى الحركات التي شكلت "الدائرة الضيقة" لكتائب حزب الله، حسبما يقول مايكل نايتس، المختص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق بمعهد واشنطن خلال تصريحات في أكتوبر/ تشرين الأول 2020.

وتتخذ "الكتائب" من معسكر الصقر جنوبي بغداد مقرا لها. وجرى نقل مقاتلين من "كتائب سيد الشهداء" إلى سوريا في إطار توسيع نطاق العمليات الإيرانية هناك، إذ كانت من "أفضل الوحدات العراقية أداء" في سوريا إلى جانب "كتائب حزب الله"، وفقا لنايتس.

وكلفت "كتائب سيد الشهداء" بالدفاع عن "ضريح السيدة زينب" الذي يقع في ضاحية دمشق الجنوبية، فيما شهدت مدن عراقية في 2013 والأعوام اللاحقة جنازات لعشرات الجثامين التي تعود لمقاتلين من "الكتائب" قتلوا في سوريا.

وتندرج "كتائب سيد الشهداء" بقيادة أبو آلاء الولائي تحت فصائل الحشد الشعبي وهو اللواء "14" الذي تموله الدولة في العراق، حيث يؤكد خلال تصريحات صحفية مطلع أغسطس/آب 2016 أن "امتثالنا في الانضمام ضمن الحشد جاء من حبنا بالدفاع عن الوطن والمقدسات".

وأكد "الولائي" الذي يمتلك قناتين فضائيتين عراقيتين "آي نيوز، والموقف"، أن "الكتائب" تشكيل عقائدي مرتبط بولاية الفقيه في إيران، ولا يتأثر بمزاجات وأهواء "تخبط" السياسيين في العراق.

وللكتائب 7 مؤسسات تعمل كأجنحة وهي: "التعبئة، النسوي، الثقافة، الشباب والرياضة، الشهداء والجرحى، الإعلامي، الاجتماعي". كما تنتشر "كتائب سيد الشهداء" في غالبية المحافظات العراقية وخاصة وسط جنوب العراق ذات الأغلبية الشيعية.

يقدر عدد مقاتلي "كتائب سيد الشهداء" بنحو 4 آلاف مسلح، وينتشرون في عدة مدن ومحافظات عراقية، ويوجدون بكثافة في مناطق "الكرخ والرصافة ببغداد، والناصرية، والعمارة، والكاظمية، والنجف الأشرف، وكربلاء، وكركوك، وواسط، وبابل، والديوانية، وذي قار، وميسان، والبصرة، والمثنى، وصلاح الدين".

كانت "كتائب سيد الشهداء" بعلاقات قوية مع القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في العراق، حيث يرى "الولائي"، أنه "لولا وجود المستشارين الإيرانيين في العراق، ما استطاعت قواته تسجيل أي انتصار".

غضب شيعي

لكن الاعترافات التي عرضتها السلطات الكردية أثارت حفيظة المليشيات والقوى الموالية لإيران في العراق، حيث نفت "كتائب سيد الشهداء" ضلوعها بالهجوم على مطار أربيل، داعية الحكومة العراقية إلى حماية تشكيلاتها.

وقالت "الكتائب" خلال بيان 3 مارس/آذار 2021 إن الشخص الذي أدلى باعترافات "لا ينتمي لنا من قريب ولا من بعيد"، مضيفة أنها "تنفي قيامها بقصف قاعدة الأميركان في أربيل، وتطالب حكومة أربيل وسياسيها ألا ينجرفوا وراء تخبطات واتهامات الاحتلال الأميركي غير المتوازن".

وحملت "الكتائب" الحكومة مسؤولية الحفاظ على أفراد تشكيلاتها، لاسيما الذين "قدموا الدماء من أجل تحرير التراب العراقي، ووجوب التصدي لحملات الاعتقال العشوائي، فإن حكومة إقليم كردستان تمارس الضغط والاعتقال على مختلف الشباب الذين تشك بانتمائهم للحشد الشعبي".

وأردفت: "مورست هذه الاعتقالات لانتزاع المعلومات والاعترافات الكاذبة بغرض إقناع الرأي المحلي والخارجي بقدرتها على النجاح في الحفاظ على الأمن في الإقليم".

من جهتها، رفضت مليشيا "عصائب أهل الحق" تلك الاعترافات، معتبرة أنها ليست دليلا يدين "الكتائب"، وقال النائب عنها في البرلمان محمد البلداوي، إن "فصائل "الحشد الشعبي" أعلنوا بمواقف واضحة أنهم ضد قصف البعثات الدبلوماسية، ورؤيتنا أن هكذا أعمال خلال هذه الفترة تضر قرار إخراج القوات الأميركية".

وأضاف البلداوي خلال تصريحات صحفية في 4 مارس/آذار 2021 أن "قضية الاعترافات التي عرضتها أربيل تحتاج إلى تحقيق وتأكيد. عليها أن تكمل التحقيقات وألا تتسرع بإعلانها".

ورأى القيادي في "العصائب" "الاعترافات وادعاء الشخص بأنه وجه من هذه الجهة أو تلك ليس بدليل، وقد يكون الأمر مدفوعا من جهة معينة لخلق أزمة معينة"، مشددا على أن "الكتائب أعلنت بشكل واضح أنها ليست وراء العملية، وهذا يكفي لبراءتها من القصف".

أما "ائتلاف دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، فشكك في تلك الاعترافات، معتبرا أنها جاءت بـ"ضغط أميركي". وقال النائب عن الائتلاف حسين المالكي، إنه "حتى الآن لا يوجد أي إثبات ضد أي فصيل مسلح بتنفيذ أي قصف على المنطقة الخضراء أو مطار بغداد أو أربيل، وأن أحدا من الفصائل لم يعترف بتلك الهجمات، والتحقيقات ما زالت جارية، وننتظر نتائجها".

وطالب المالكي خلال تصريحات صحفية في 4 مارس/آذار 2021، قائلا: "نريد تحقيقا عادلا وحقيقيا لا يبنى على أساس سياسي أو صراع محاور، وأن يتم تحديد الجهة المنفذة بشكل رسمي، وألا يكون مجرد اتهام فقط".

صمت حكومي

لكن الاعترافات التي أظهرت تورط "كتائب سيد الشهداء" بالقصف الصاروخي على أربيل، دفع بمحللين سياسيين مطالبة بغداد بعدم التردد في محاسبة هذه المليشيا كونها تزعزع الأمن في البلاد من خلال الهجمات الصاروخية التي تنفذها بين الحين والآخر.

وقال الخبير بالشأن السياسي العراقي شاهو القرة داغي إن "حكومة إقليم كردستان حددت الفاعل ونشرت الاعترافات، وأعلنت بوضوح أن الجهة التي تقف وراء العملية الإرهابية فصيل كتائب سيد الشهداء، بدون أي تردد".

وتساءل القرة داغي عبر "تويتر" في 3 مارس/آذار 2021، قائلا: "متى ستقرر الحكومة العراقية التعامل بذات الطريقة دون تردد ومكافحة المليشيات الإرهابية التي تقصف و تزعزع الأمن؟".

وعن الصمت الحكومي حيال الموضوع، قال السياسي الكرد عماد باجلان، خلال مقابلة تلفزيونية في 4 مارس/آذار 2021: "الكل يعرف أن الحكومة مغلوبة على أمرها، لأن الفصائل المسلحة أكثر من مرة تهدد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ويحاصرون المنطقة الخضراء (مقر الحكومة)".

وأضاف باجلان: "إذا أصدرت الحكومة بيانا بخصوص الموضوع، فإن الفصائل المسلحة ستطوق المنطقة الخضراء في الحال، وأن الحكومة لا تريد أن تصطدم مع هذه الفصائل المارقة الخارجة عن القانون، وتتحاشاهم".

وحتى 7 مارس/آذار 2021، لم يصدر أي تصريح رسمي عن الحكومة حول الاعترافات التي عرضتها الأجهزة الأمنية في إقليم كردستان العراق، والاتهامات التي طالت "كتائب سيد الشهداء" بالوقوف وراء الهجمات الصاروخية على أربيل.