بدلا من دعمها.. كيف تستنزف شركة الطيران الجزائرية خزينة الدولة؟

12

طباعة

مشاركة

مثل قطاع الطيران بأكمله، تمر شركة الخطوط الجوية الجزائرية (حكومية) باضطرابات غير مسبوقة بسبب جائحة فيروس كورونا، وتُظهر الشركة تراجعا بنسبة 37 بالمئة من صافي أرباحها لعام 2020، فيما يبلغ العجز أكثر من 40 مليار دينار، أي نحو 250 مليون يورو.

ومع إغلاق الحدود منذ مارس/آذار 2020، لا يزال النشاط متوقفا، إذ تم توقيف أسطول الخطوط الجوية الجزائرية، المكون من 56 طائرة، على مدرج مطار هواري بومدين بالجزائر العاصمة، ولم يستخدم إلا نادرا.

وحسب الإدارة، نقلت الشركة المملوكة للدولة 1.5 مليون مسافر في 2020 مقارنة بـ17 مليونا في 2019، ومنذ مارس/آذار 2020، لم تشتغل الشركة إلا في عمليات الإعادة إلى الوطن، خاصة من فرنسا وإسبانيا ومصر وكندا.

ملفات فساد

تعيش الشركة على وقع تحقيقات في قضايا الفساد، بعد إقالة الرئيس عبدالمجيد تبون لوزير النقل لزهر هاني، والمدير العام للخطوط الجوية الجزائرية بخوش علاش، في 9 يناير/كانون الثاني 2021، بسبب "سوء التسيير (الإدارة)".

وكلف تبون وزير الأشغال العمومية فاروق شيعلي بالقيام بمهام وزير النقل بالنيابة، كما كلف أمين مسراوة مديرا عاما للخطوط الجوية الجزائرية بالإنابة.

وجرى فتح ملف صفقات تموين مديرية الصيانة بقطع غيار الطائرات، والتي سجّلت تجاوزات بالجملة في اختيار المورّدين وعمليات إرساء الصفقات التي كبّدت الشركة مليون دولار بين عامي 2011 و2015.

ووفقا لوثائق رسمية استندت إليها صحيفة "الشروق" المحلية، سجلت مديرية الصيانة على مستوى شركة الخطوط الجوية الجزائرية، تجاوزات غير قانونية واختراقات وثغرات مالية ضخمة وتضخيم للفواتير على مستوى لجنة دراسة الأسعار للأسواق الخارجية لشراء قطع غيار ومحركات.

وشمل سوء التدبير أيضا، تسجيل عمليات تضخيم للفواتير من طرف المسؤولين بقاعدة الصيانة، كانوا على رأس إدارة، شملت أكثر من 30 مسؤولا يخضعون اليوم للتحقيق من طرف فرق التحري في قضية اختلاس تورط فيها رئيس مصلحة الشراء الخارجية ونائب مدير إدارة المخازن.

وتورط في القضية أيضا 28 مسؤولا آخرين بمختلف الصفات في العملية الشرائية لقطع غيار الطائرات، التي بلغت تكاليف اقتنائها مبالغ ضخمة.

في فبراير/شباط 2021، تلقت الشركة طلبا بفتح تحقيق في ملف تنظيف الطائرات، خاصة أن تكلفة تنظيف الطائرة الواحدة يوميا تعادل 60 ألف دينار، حيث يتم على مستوى المديرية التقنية تنظيف 4 طائرات يوميّا، وهو ما يكلف الشركة الجوية الجزائرية في ظرف سنتين 8.6 مليارات سنتيم (1 دولار يساوي 13.300 سنتيم).

ولفت تقرير نقابي، مرفوع من المديرية التقنية على مستوى شركة الخطوط الجوية الجزائرية للمدير العام الجديد بالنيابة أمين مسراوة، إلى أن مسؤولية تنظيف الطائرات كانت إلى غاية سنة 2006 من مهام المديرية التقنية للشركة، متسائلين عن سبب منح هذه الصفقات اليوم لشركة خاصة تسمى “دار الخدمات”.

وأكد التقرير أن خسائر باهظة تكبّدتها الشركة جراء تكليف الشركة الخاصة بتنظيف الطائرات، حيث تعادل تكلفة تنظيف الطائرة الواحدة 6 ملايين سنتيم يوميا.

وبإحصاء دخول ما متوسّطه 4 طائرات للتنظيف يوميا أي 24 مليون سنتيم، تكلف فاتورة تنظيف الطائرات ما يعادل مبلغ 720 مليون سنتيم شهريا و8.6 مليارات سنتيم سنويا، وفي ظرف سنتين خسرت الجوية الجزائرية مبلغ 17.2 مليار سنتيم على تنظيف طائراتها بمواد مستوردة وخدمات شركة خاصة.

تأثير الجائحة

تكبدت شركة الخطوط الجوية في ظرف سنتين خسارة 5.5 مليارات سنتيم جراء إبرام صفقة غير قانونية بين قسم قاعدة صيانة الطائرات وشركة خاصة لجرد قطع غيار الطائرات، وهي الشركة التي ثبت فيما بعد أنها لم تلتزم بما ينص عليه العقد القانوني الذي ظفرت به عن طريق التراضي، كما لم يكن معترف بها من طرف المجلس الوطني للمحاسبة (حكومي).

وفي يونيو/حزيران 2020، قالت شركة الخطوط الجوية، إن خسائرها جراء فيروس كورونا بلغت 38 مليار دينار (316 مليون دولار)، بعد إلغائها ما يزيد عن 17 ألف رحلة منذ مارس/ آذار 2020.

وفي 19 مارس/ آذار 2020، أغلقت الجزائر مجاليها الجوي والبحري أمام الملاحة التجارية، لمواجهة تفشي فيروس كورونا، وأوقفت الشركة بموجبه رحلاتها الدولية والداخلية، أما عن عمليات إجلاء الجزائريين العالقين بالخارج، فأجلت الشركة منذ مارس/آذار 2020، أكثر من 8 آلاف مواطن حول العالم.

وقالت الشركة إنها تعتزم إعادة إطلاق الرحلات بنسبة 30 بالمئة من نشاطها الطبيعي، وستكون الأولوية لأصحاب الحجوزات التي تأجلت، حيث ستبقى سارية المفعول.

وفي فبراير/شباط 2020، كشف الناطق الرسمي لشركة الخطوط الجوية الجزائرية أمين أندلسي، عن استغلال الخطوط الجوية الفرنسية، للأزمة التي تعيشها الشركة في الدخول بقوة إلى السوق الجزائرية، عن طريق برمجة رحلات بتكلفة منخفضة، لتغطية العجز الحاصل في الجوية الجزائرية.

وفي النصف الثاني من 2020، قالت الحكومة الجزائرية إنها تتعرض بالفعل لضغوط مالية بعد انخفاض عائدات الطاقة، وأن جميع القطاعات مُنيت بخسائر بسبب القيود المفروضة على الحركة وإجراءات العزل العام التي تهدف إلى الحد من انتشار كورونا.

وقال وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن خلال اجتماع مع رجال الأعمال والنقابات إن تعليق الرحلات منذ مارس/آذار 2020، تسبب في خسائر تقدر بنحو 16.31 مليار دينار بحلول أبريل/ نيسان 2020، وهو رقم قد يقفز إلى 35 مليار بنهاية العام.

إضراب مفاجئ

نهاية يناير/كانون الثاني 2020، تسبب إضراب مفاجئ غير معلن لمضيفي الخطوط الجوية، في تأخير رحلات بمطار هواري بومدين، وقالت الخطوط الجزائرية في بيان، إن إضرابا غير معلن للمضيفين بالشركة، تسبب في إرباك رحلات طيران، وتأخيرها عن الإقلاع في موعدها.

وأبلغت مصادر في نقابة المضيفين الصحافة، بأن الإضراب يعود إلى عدم تلبية إدارة الشركة لجملة من المطالب المهنية والاجتماعية، كانت قد رفعتها منذ أكثر من عامين بينها الأجور والترقية.

وذكر الناطق الرسمي باسم الخطوط الجوية أمين أندلسي، أن الشركة شكلت خلية أزمة لمواجهة ومتابعة الإضراب المفاجئ الذي لم تكن الشركة على علم مسبق به.

وصل خلاف الشركة ومستخدميها إلى محكمة الدار البيضاء، التي أدانت "عرقلة نشاط الشركة"، وأمرت بالوقف الفوري للإضراب، الذي شنه مستخدمو الملاحة، فيما هددت الشركة، بأنها ستقوم بتوقيف أي موظف، يتوقف عنوة عن العمل، دون إشعار مسبق، أو احترام للإجراءات التنظيمية السارية المفعول، والخاصة بالحق في الإضراب.

ودخل مستخدمو الملاحة التجارية، بدورهم في حركة احتجاجية، في فبراير/شباط 2020، وعددهم 62، قد تم توقيفهم بصفة تحفظية، كما اعتبر إضرابهم غير قانوني، لأنه تم دون إشعار مسبق، ما تسبب في إلغاء 40 بالمئة من الرحلات المبرمجة، أي ما يعادل 13 رحلة مبرمجة يوميا، منها 10 دولية و3 رحلات داخلية.

صُنفت الخطوط الجوية الجزائرية خلال 2020، كواحدة من الشركات الأقل أمانا في العالم، بحسب تصنيف الموقع المتخصص (تصنيفات شركات الطيران).

ونقلت وسائل إعلام محلية عن المصدر ذاته، أن الشركة الجزائرية لم تحصل سوى على نجمة واحدة من 7 نجمات تمثل السلامة داخل طائراتها، ما يجعلها من بين الشركات الأقل أمانا في العالم.

وأوضح المصدر ذاته أن الخطوط الجوية الجزائرية تعد من بين أسوأ الشركات على مستوى تأمين سلامة الركاب، ولم يضع الموقع المتخصص، في تصنيفه الأخير، أي نجمة من أصل 7 نجمات بالنسبة للشركة الجزائرية فيما يتعلق بتدبير جائحة (كوفيد-19).

واعتبر الموقع أن الخطوط الجوية الجزائرية لا تحترم المعايير الدولية المتخذة للتصدي لفيروس كورونا على متن طائراتها.

نزيف اقتصادي

"لم نعرف للخطوط الجوية الجزائرية تطورا منذ سنوات ويمكن أن نتكلم عن تطورات بسيطة جدا"، يقول بروفيسور الاقتصاد فارس مسدور، قبل أن يضيف: الإشكال في الشركة أن عدد الموظفين فيها أكبر من اللازم، فيما عدد الطائرات محدود جدا، وجزء كبير من الأسطول قديم لم يتم تجديده. 

من جهة أخرى، يزيد مسدور لـ"الاستقلال": "ورغم كل المساعدات التي قدمتها الدولة، آخرها 2 مليار دولار من أجل اقتناء عدد من الطائرات، لكنهم دائما يفكرون في الطائرات الكبرى بدلا من صغيرة الحجم، والتي ستكون أقل كلفة وتلبي احتياجات كثيرة، وهكذا استنزفت الخطوط الجوية الجزائرية أموالا طائلة من خزينة الدولة".

الضرر عاد على الاقتصاد الجزائري، وفق المتحدث، "في حين كان ينتظر من الخطوط الجوية أن تكون موردا داعما له، فإذا بها تستهلك ميزانيات عظمى مقابل خدمات رديئة، حيث لم تحقق بعض المواصفات التي تجعلها مؤسسة بالمعايير الدولية".

واعتبر مسدور أن قطاع الطيران هو جزء لا يتجزأ من قطاع النقل، وسواء تعلق الأمر بالبشر أو السلع، فهي جزء من ديناميكية الاقتصاد، والخطوط الجزائرية لا تساعد في تعزيز هذه الديناميكية الوطنية وهو أحد أهم أسباب تأخرها.

وتابع قائلا: "الضوء لا يُسلّط بشكل كاف على أزمة نقل السلع إلى أوروبا، وكان يفترض أن تتوفر الجزائر على شركة كبرى تنقل سلعها إلى إفريقيا والدول الأخرى، خاصة وأن بعض المنتجات الفلاحية (الزراعية) سريعة التلف، خصوصا وأن الطلب عليها كبير في السوق الإفريقي والأوروبي والخليجي أيضا، غير أن الخطوط الجوية لم تعمل بجدية بغية إنشاء وحدة كبرى متخصصة لنقل السلع".

واعتبر مسدور أن أزمة الخطوط الجزائرية سبب رئيس في الوجود الضعيف للجزائر في المطارات الإفريقية، في حين اقتحمها جيرانها الذين يحققون أرقاما مهولة.

لم يستبعد مسدور تأثير الوضع السياسي في الجزائر منذ بداية الحراك في 22 فبراير/شباط 2019، وانعكاسه على الوضع الاقتصادي، مضيفا: "أداء المسؤولين على المستويين المحلي والمركزي سيء جدا، وكأن هناك قوة مضادة لا تريد للجزائر أن تتطور إداريا ولا اقتصاديا، ما جعل الوضع يصبح أسوأ مما كان عليه".