لمن الحكم مستقبلا؟.. كاتب تركي يرصد تهديدات شركات التكنولوجيا للدول
.jpg)
سلطت وكالة "الأناضول" التركية، الضوء على "فاعل جديد يزيد من نفوذه وسلطته يوما بعد يوم في النظام الدولي، الذي تهيمن عليه الدول القومية الحديثة التي تأسست مع صلح وستفاليا عام 1648".
وأوضحت الوكالة الرسمية في مقال للكاتب والأستاذ في جامعة "بورصة" التقنية، علي براق داريجيلي، أن "هذا الفاعل الجديد يتمثل في شركات التكنولوجيا العالمية التي تتحكم في التحولات الكبيرة الحادثة نتيجة للتقدم التكنولوجي".
واستطرد داريجيلي: "مع أن شركتين تكنولوجيتين فقط تمكنتا من دخول قائمة الشركات الأعلى قيمة في العالم قبل 10 سنوات، إلا أنه ووفقا لبيانات عام 2019، كانت هناك 7 شركات تركز على التكنولوجيا الرقمية في هذه القائمة".
وتابع: "من اللافت للانتباه أن الشركات الأميركية تبرز بين أفضل 10 شركات تكنولوجية، حيث تندرج 5 أميركية في القائمة (أبل ومايكروسوفت وغوغل وأمازون وفيسبوك)، بينما تندرج شركتين صينيتين (علي بابا وتنسنت هولدينغ)".
احتدام الصراع
وتزداد القيمة السوقية يوما بعد يوم لهذه الشركات، التي تعمل في كل مجال تقريبا من تطبيقات التواصل الاجتماعي إلى الذكاء الاصطناعي وتقنيات السحابة، ومن التجارة الإلكترونية إلى الهواتف الذكية.
وأشار الكاتب داريجيلي إلى أن "حجم مبيعات هذه الشركات وأرباحها تتجاوز الحجم الاقتصادي للعديد من الدول القومية في النظام الدولي".
وأوضح أن "الشركات التي يزداد حجم أعمالها تدريجيا مع تسويق الإنترنت ورفع القيود عن استخدامه تجاريا في التسعينيات، والاستخدام الواسع للهواتف الذكية وتطبيقات الوسائط الاجتماعية في أعقاب العقد الأول من القرن الـ21، قد تجاوزت حجم اقتصاد 14 دولة من بين 20 أكبر اقتصاد في العالم".
وشرح ذلك بالقول: "القيمة السوقية الإجمالية لشركات التكنولوجيا المذكورة أعلاه أعلى من أرقام الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء الـ14 في مجموعة العشرين لعام 2019، وهكذا وصل الحجم الاقتصادي لهذه الشركات، التي تمارس أنشطتها التجارية بتقنيات قائمة على الإنترنت، إلى أرقام هائلة".
ويمكن فهم القوة المتنامية لهذه الشركات بشكل أفضل عند النظر إلى معدلات الناتج المحلي الإجمالي السنوية الذي يبلغ للولايات المتحدة 20.54 تريليون دولار، وللصين 13.61 تريليون دولار، وللهند 2.72 تريليون دولار، ولروسيا 1.7 تريليون دولار، ولأستراليا 1.5 تريليون دولار، ومقارنتها بالقيمة السوقية التي تبلغ لشركة آبل (1.6 تريليون دولار).
وأيضا لأمازون (1.5 تريليون دولار)، ولمايكروسوفت (1.27 تريليون دولار)، ولغوغل (1.1 تريليون دولار)، ولفيسبوك (700 مليار دولار)، ولعلي بابا (500 مليار دولار)، وفقا للكاتب التركي.
ويرى داريجيلي أن "صراع القوة لهذه الشركات التي وصلت إلى مثل هذه القوة الاقتصادية العظيمة مع الدول القومية، واضح جدا الآن، فلا يزال النقاش قائم حول ما إذا أثرت شركة تويتر على الانتخابات الأميركية بطريقة أو بأخرى بحجبها لمشاركات الرئيس السابق دونالد ترامب خلال رئاسيات 2020".
واعتبر الصراع الذي حدث في الأسابيع الأخيرة بين الحكومة الأسترالية وشركة فيسبوك "مثالا على ذلك".
وأوضح داريجيلي ذلك قائلا: "أدى مشروع قانون وسائل التواصل الاجتماعي المقدم إلى مجلس الشيوخ بموافقة الجناح السفلي بالبرلمان الأسترالي في فبراير/شباط 2021إلى مواجهة بين الحكومة الأسترالية وفيسبوك، ويتعلق القانون بحصول المؤسسات الإخبارية الأسترالية على حصة من عائدات محتواها المنشور على فيسبوك وغوغل".
وأشار ألى أن "موقع فيسبوك الذي صرح بأنه ضد مشروع القانون هذا، قام بحظر محتوى المؤسسات الإخبارية الأسترالية وبعض المواقع الحكومية اعتبارا من 18 فبراير/شباط الماضي، وانتقد رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون الوضع قائلا: لن يتمكنوا من إخافتنا".
وأضاف موريسون الذي وصف قرار فيسبوك بأنه "وقح ومخيب للآمال"، قائلا: "قد تغير شركات التكنولوجيا الكبرى في العالم، لكنها لا تستطيع أن تحكمه".
صدى واسع
وقد أحدث رد فعل فيسبوك على هذا القانون الذي أصدرته الحكومة الأسترالية "كنتيجة طبيعية لحقوقها السيادية"، والحظر الذي فرضته بعد ذلك، صدى واسعا في جميع أنحاء العالم.
ورغم اتفاق فيسبوك مع أستراليا، ورفعها الحظر فإن محاولة منع شركة دولية من ممارسة دولة لحقوقها السيادية، لتعتبر مثالا على صراع القوة بين شركات التكنولوجيا والدول القومية، بحسب الكاتب.
واستدرك قائلا: "لقد كانت إستراتيجيات ومحاولات هذه الشركات الأميركية غالبا التلاعب بالعمليات السياسية والتجارية لصالحها أو لصالح دولة أخرى، تتعرض لانتقادات من روسيا والصين".
فمثلا، استمرت المناقشات حول تركيز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الصراع على القوة والسلطة بين شركات التكنولوجيا والدول في خطابه في يناير/كانون الثاني 2021، في المنتدى الاقتصادي العالمي.
وتساءل بوتين: "أين الحد الفاصل بين أعمال عالمية ناجحة مبنية على خدمات مطلوبة تحاول إدارة المجتمع وفق تقدريها الخاص من خلال جمع بيانات ضخمة وتنصب نفسها مكان المؤسسات الديمقراطية الشرعية؟".
وأضاف بوتين: "لقد بدأ عمالقة التكنولوجيا، وخاصة الشركات العاملة في المجال الرقمي، في لعب دور متزايد الأهمية في المجتمع، وكما رأينا خلال الانتخابات الأميركية، لم تعد هذه الشركات تعمل كعمالقة اقتصاد فقط، بل تتنافس مع الدولة بالفعل في بعض المجالات"، وقد انتقدت بعض الدوائر الغربية تصريحات بوتين زاعمة أنها معادية للديمقراطية.
لكن الوضع مختلف حقا هذه المرة، لقد أصبحت دولة مثل أستراليا "في مواجهة مباشرة مع شركات التكنولوجيا العالمية"، وفق الكاتب التركي.
وفي هذا السياق، يمكن اعتبار التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء موريسون مؤشرا واضحا على أن روسيا والصين ودول أخرى في الغرب ستكون في صراع وتنافس على القوة مع الشركات المعنية في الفترة المقبلة، بحسب ما يراه "داريجيلي" الباحث في مجالات الاستخبارات والأمن السيبراني والإرهاب والعلاقة بين الأمن والتكنولوجيا.
كما اعتبر أنه "سيكون من الواقعي توقع أن تحاول الدول القومية السيطرة على الشركات العالمية المذكورة التي تنفذ أنشطتها التجارية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والخدمات التي تعتمد على الإنترنت في جميع أنحاء العالم".
وأضاف "لهذا يمكن توقع فرض عقوبات كبيرة على هذه الشركات بقوانين مكافحة الاحتكار، إلى جانب التحقيق معها بشأن انتهاكات قانون حماية البيانات الشخصية أو القضايا الضريبية الكبرى".
وتابع داريجيلي: "وفي هذا السياق، يجب أن نتذكر أنه تم رفع قضيتين قضائيتين من قبل المدعين العامين لـ46 ولاية من أصل 50 ولاية في الولايات المتحدة بالتعاون مع منطقة واشنطن وجزيرة غوام ولجنة التجارة الفيدرالية، على فيسبوك في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020 بتهمة إساءة استخدام الهيمنة في السوق الرقمي والاحتكار وقتل المنافسة".
وأكد أنه "بينما انتشرت البطالة والفقر في جميع أنحاء العالم نتيجة للأنشطة الاقتصادية التي توقفت مع جائحة كورونا عام 2020، تمكن أصحاب هذه الشركات التكنولوجية الكبيرة من تحقيق أرباح ضخمة، وقد أثارت القوة المتزايدة لهذه الشركات بعض المخاوف، ليس في روسيا والصين فحسب، بل في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضا".
وختم داريجيلي مقاله بالقول: "فيما تتزايد النقاشات حول الحماية غير الكافية للبيانات الشخصية واتهام هذه الشركات بالاحتكار، فضلا عن الادعاءات القائلة بأنها تتلاعب بالتطورات الاجتماعية والسياسية لتصب في مصالحها الخاصة، لا سيما في العمليات الانتخابية".