حركة تحرير السودان.. تنظيم مسلح ناصر حفتر وقاتل البشير وعاد بعد عزله

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

وصلت قوات جيش تحرير السودان قيادة "مني أركو مناوي" إلى الخرطوم، في موكب مهيب وترسانة عسكرية كاملة بعربات مدرعة وجنود مدججين بالسلاح، لمشاركة الحكومة في تنفيذ بنود اتفاقية السلام والترتيبات الأمنية في دارفور. 

المشهد أثار جدلا في الشارع السوداني، وطرح سؤالا عن أي رسالة أرادها قائد الحركة وقواته من وراء دخول الخرطوم بهذه الطريقة.

تزامن ذلك مع تقارير دولية تحدثت عن عدد وحجم قوات جيش تحرير السودان، التي شاركت في العمليات العسكرية في ليبيا، والتي فاقت سائر القوى السودانية المتمردة التي انخرطت في الصراع الليبي كمرتزقة داعمين للجنرال الانقلابي خليفة حفتر.

وفي 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وقعت حركة تحرير السودان، على اتفاق سلام مع الحكومة السودانية، وبناء عليه جرى ترشيح رئيس الحركة "مني أركو مناوي"، لتولي منصب حاكم إقليم دارفور، ضمن حصة الجبهة الثورية في تقاسم السلطة وفق اتفاق السلام.

ويتوقع خبراء، تعاظم وامتداد نفوذ تلك القوات وقادتها على الصعيد الداخلي السوداني، على خلفية لعبها أدوارا أخرى في دول مجاورة مثل ليبيا وتشاد.

"قوات احتلال"

كان مشهد دخول 300 عربة عسكرية مجهزة بكامل عتادها وسلاحها من حركة جيش تحرير السودان بقيادة "مني أركو مناوي"، إلى الخرطوم  يوم 17 فبراير/ شباط 2021 تمهيدا لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية، مهيبا ومفزعا للمواطنين.

البعض وصف المشهد بقوات احتلال وصلت إلى العاصمة، وهو ما دفع مناوي للرد قائلا: "من يقولون ذلك هم السبب في انفصال جنوب السودان".

واستقبل رئيس الحركة مني أركو مناوي، الفريق جمعة حقار القائد العام لجيش الحركة، وعددا من القيادات العسكرية والأمنية بمدخل أم درمان قادمين من شمال دارفور.

وفي 19 فبراير/ شباط 2021، نشرت صحيفة "الجريدة" المحلية، عن خطورة تلك القوات، قائلة: " بدأ تنفيذ المخطط التآمري بوصول قوات مناوي، وغدا ستصل قوات أخرى، وبعد غد ثالثة.. ليس لإنفاذ بند الترتيبات الفنية في اتفاق جوبا كما يزعم البعض، وإنما التمهيد لتولي الحكم في الخرطوم ضد نخب الجلابة".

وتحت عنوان "ستكون في الخرطوم وكل بقاع السودان" نشرت صحيفة "الراكوبة" المحلية، تقريرها قائلة: "ستكون هذه القوات ضمن قوات الثورة وحماتها وتنتشر في كل بقاع السودان وفج عميق وستعمل على تحطيم الدويلة النيلية، ولا يستطيع أحد أن يمنع أو يقف أمام مدافع جيش التحرير بحجة هنا الخرطوم".

مرتزقة حرب

بحسب ما نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، يوم 4 فبراير/ شباط 2021، كان جيش تحرير السودان على رأس الحركات المسلحة التي أرسلت مقاتلين إلى ليبيا لدعم خليفة حفتر. 

وقالت: "إن جيش تحرير السودان (جماعة مني ميناوي) جند 3 آلاف مقاتل منذ منتصف عام 2019، وأعد المقاتلين في دارفور وفي مخيمات اللاجئين بشرق تشاد، ثم تم إرسالهم إلى ليبيا". 

وأضافت: "دعا اتفاق سلام تم توقيعه بين الحكومة السودانية وتحالف الجماعات المتمردة (ضمنها جيش تحرير السودان) في أغسطس/آب 2020، جميع أعضاء الجماعات المسلحة إلى العودة إلى البلاد ، لكن تقرير الأمم المتحدة أشار إلى أنهم توقعوا بقاء وجود سوداني كبير في ليبيا". 

وفي 12 فبراير/ شباط 2020، كشف تقرير للأمم المتحدة، أن "مختلف الجماعات المسلحة الدارفورية توجد في ليبيا كمرتزقة، حيث تسعى هذه الجماعات إلى تقوية نفسها عن طريق كسب المال والأسلحة والمعدات". 

وذكر أن "مقاتلي حركة جيش تحرير السودان جناح (مني مناوي) يتلقى كل منهم راتبا شهريا قدره 5100 دينار ليبي (نحو 3650 دولارا)، بحيث يقوم القائد العام لمقاتلي الحركة جمعة حجار، بتحصيل الأموال من مليشيات حفتر، ثم يسلمها إلى العقيد عبده دقليس، المسؤول المالي بالحركة، الذي يسلم بدوره الرواتب لكل مقاتل نقدا". 

وأضاف: "بعد تنفيذ هجوم ناجح، يسمح للمقاتلين بالاحتفاظ بما يستولون عليه من مركبات وممتلكات كغنيمة حرب".

خلفية تاريخية

وبإسقاط الضوء على تاريخ الحركة، ففي عام 1992 قام المهندس "يحيى بولاد" الذي ينتمي إلى قبيلة "الفور" بدارفور، بالانشقاق عن الجبهة الإسلامية القومية، وأعلن تمرده على الحكومة وكون مليشيا مسلحة تحصن بها في جبل مرة.

وقتها قال يحيى بولاد مقولته الشهيرة "لقد وجدت أن العرق أقوى من الدين"، ورغم أن الجيش السوداني نجح في إخماد ثورته وقام بإعدامه، لكن شرارة التمرد انطلقت ولم تعد أبدا، ومن هنا بدأت نواة قوات جيش تحرير السودان. 

وفي عام 2002 تأسست "حركة تحرير السودان" رسميا، وشهد فبراير/ شباط 2003، إصدار أول بيان سياسي أعلنت فيه الحركة أنها تقاتل الحكومة المركزية لإنهاء التهميش السياسي والاقتصادي، وأن هدفها الرئيس تحرير كل السودان من قبضة نظام الإنقاذ برئاسة عمر البشير.

تولى قيادة الحركة عبد الواحد نور، المحامي ذو التوجهات اليسارية، وأصبح مني أركو مناوي أمينا عاما للحركة التي ضمت في صفوفها أفرادا ينتمون إلى قبائل إفريقية في إقليم دارفور على رأسها "الزغاوة" و"الفور" و"المساليت".

قامت الحركة بأكبر عملياتها العسكرية عندما هاجمت "الفاشر" أكبر مدن إقليم دارفور، التي تعد عاصمة الولاية، لتشتعل حرب ضروس بينهم وبين الجيش السوداني، خلفت آلاف القتلى، ووفقا لإحصاءات الأمم المتحدة، قتل أكثر من 300 ألف شخص في نزاع دارفور، وشرد نحو 2.5 مليون. 

تلك المعارك، بسببها أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف في حق عمر البشير بتهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي.

وفي 2006، بدأت مفاوضات سلام بين الحكومة والحركة، وقع على إثرها انشقاق داخل الحركة، إذ رفض عبد الواحد نور التفاوض، بينما انخرط مني أركو مناوي في العملية، وأصبحت الحركة حركتين، حركة جيش تحرير السودان (جناح مني مناوي)، وحركة جيش تحرير السودان (جناح عبد الواحد نور).

مني مناوي 

غدا مناوي بعد إسقاط نظام البشير إبان ثورة ديسمبر/ كانون الثاني 2018، من كبار قادة المعارضة أصحاب النفوذ، بفضل قوة جيشه وتعدده وانتشاره، وبعد مفاوضات السلام مع الحكومة الانتقالية، أصبح مرشحا لأن يكون حاكم دارفور، الأرض التي شهدت معارك حركته، وصولاتها وجولاتها. 

ولد مني أركو مناوي في منطقة فوراوية بولاية شمال دارفور يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول 1968، لعائلة من أكبر عائلات قبيلة الزغاوة، كبرى القبائل الإفريقية في دارفور، وتلقى تعليمه الثانوي في مدينة الفاشر، قبل أن ينتقل إلى العاصمة التشادية أنجمينا لدراسة اللغة الفرنسية وإتقانها. 

انخرط في السياسة وكون مع عبد الواحد نور، حركة تحرير السودان التي كان نائبا لها، وشارك في معاركها حتى عام 2006، عندما وقع على "اتفاق بوجا" لسلام دارفور، بعدها انشق وأسس جناح الحركة الخاص به، ومن ثم تولى منصب كبير مساعدي الرئيس البشير، وكذلك رئيس السلطة الانتقالية لإقليم دارفور.

وقال مناوي عن نفسه خلال تلك المرحلة: "تجربتي قصيرة، ولكن التجارب القصيرة في دولة مثل دولتنا تعطيك تجربة كبيرة، أكبر من مدتها الزمنية بكثير، فقد دخلنا معارك عسكرية كثيرة وكبيرة، وفي المعارك تتعلم الكثير، تفقد وتكسب، كما في المحطات السياسية". 

وعرف عنه قربه من رئيس جمهورية إريتريا أسياس أفورقي، وحاول أن يبني قواعد عسكرية له شرق السودان مع حركة "العدل والمساواة" بدعم إريتريا.

ويقود مناوي الآن آلاف المسلحين ويبسط سيطرته على قبائل يقدر عددها بمئات الآلاف، ومن الشخصيات المرجح أن تلعب دورا مفصليا في مستقبل العملية السياسية السودانية.