في ظل الوجود الأميركي.. هل تصمد الصين في إقليم كردستان العراق؟
نشر مركز دراسات تركي مقالا، تحدث فيه عن تعزيز الصين وجودها في العراق، من خلال الاستثمار في قطاع الطاقة منذ عام 2007، وأيضا زيادة نفوذها في إقليم كردستان شمالي العراق.
وأكد مركز "دراسات الشرق الأوسط"، في مقال الباحث سيرجان تشاليشكان، أن الصين أحد الفاعلين الرئيسين في الاقتصاد العراقي اليوم، إثر زيادة فعاليتها بعد الإعلان عن مشروع الحزام والطريق عام 2013".
وأشار إلى أن "الشركات الصينية تتمتع بحصة مهمة كونها ثالث أكبر مستورد للنفط من العراق بعد السعودية وروسيا، ليس فقط في استيراد النفط الخام، ولكن في إنتاج الكهرباء أيضا في العراق".
وتابع: "أسست شركة (شنغهاي إلكتريك جروب) الصينية محطة واسط الحرارية لتوليد الكهرباء في محافظة واسط عام 2010 والتي تلبي 20 بالمائة من احتياجات العراق، و70 بالمائة من احتياجات العاصمة بغداد من الكهرباء".
تطورات سريعة
وبحسب تشاليشكان، لم تتطور علاقات الصين مع حكومة إقليم كردستان بالسرعة التي تطورت بها علاقاتها مع بغداد، لذا تعود بداية العلاقات بين الصين وحكومة الإقليم بشكل رئيس إلى افتتاح القنصلية العامة الصينية في أربيل عام 2014.
ويعتبر اتخاذ الصين لهذه الخطوة الدبلوماسية تجاه حكومة الإقليم بعد عام واحد من الإعلان عن مشروع الحزام والطريق للجمهور الدولي مهما.
وأوضح ذلك بالقول: "فبينما كانت الصين تحقق مكاسب مالية كبيرة من خلال تسريع استثماراتها مع العلاقات الدبلوماسية التي أقامتها في الشرق الأوسط مع مشروع الطريق والحزام؛ لم تكن ترغب في التخلي عن المكاسب التي ستحققها من إقامة علاقات مع الإدارة الإقليمية في شمال العراق".
وأضاف: "من ناحية أخرى، يحمل عام 2014 معنى مهما كونه أحد الفترات التي زاد فيها تنظيم داعش الإرهابي من نفوذه في المنطقة؛ فرغم الدمار الهائل الذي أحدثته داعش وانسحاب البعثات الدبلوماسية للعديد من الدول من شمال العراق، فتحت الصين قنصلية في أربيل وأعطت حكومة الإقليم رسالة مفادها أنها "صديق في وقت الضيق".
وتهدف الصين إلى بناء أسس العلاقات الثنائية على أرضية صلبة، خاصة في الفترة الجديدة التي سيزداد فيها التواصل الاقتصادي والثقافي بين البلدين.
ولفت الكاتب إلى أنه "رغم أن هذه الأرضية تحمل بعض الرسائل والمزايا، إلا أنها تتمتع أيضا بالهشاشة في العديد من النقاط المهمة".
وأضاف "فقبل كل شيء لا تميل الصين نحو أي حركة انفصالية في السياسة الخارجية، ولا شك أن هذا يرتبط ارتباطا وثيقا بسياساتها تجاه تايوان ومنطقة شينجيانغ الأويغورية المتمتعة بالحكم الذاتي (تركستان الشرقية)".
وأوضح تشاليشكان قائلا: أن"وزارة الخارجية الصينية فقد أكدت بعد إعلان حكومة إقليم كردستان إجراء استفتاء على الاستقلال عام 2017، أنهم لا يؤيدون الاستفتاء المذكور، وأنهم مع "وحدة العراق وسلامة أراضيه، وقد تسبب هذا الموقف الواضح من الصين في بناء العلاقات الثنائية بذاكرة سلبية".
واستدرك: "لكن رغم ذلك فإن اهتمام الطرفين بمصالحهم طور من العلاقات الثنائية بشكل ملحوظ منذ عام 2014 وعزز نفوذ الصين في الإقليم، خاصة وأن العراق يملك أهمية حاسمة في مشروع الحزام والطريق، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى احتياطياته من الطاقة ومن ثم موقعه الإستراتيجي باتجاه الخليج الفارسي ومضيق هرمز".
وأردف: "كما أن للعراق أهمية جيولوجية وإستراتيجية مهمة كونه يقع على خط (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير) الذي سيربط إيران والعراق من الشرق الأوسط بأوروبا مرورا بتركيا".
وتشارك حكومة كردستان هذه الأهمية مع العراق، لذلك، فإلى جانب السياسات الأحادية الجانب تجاه الحكومة الشرعية، تهدف الصين إلى تعزيز علاقاتها مع حكومة الإقليم كردستان، التي تحتفظ بواردات النفط من الاحتياطيات المهمة في المنطقة، وفق الكاتب.
مصالح متبادلة
واعتبر تشاليشكان أن المصالح الاقتصادية لحكومة إقليم كردستان يرتبط بشكل مباشر بتطوير العلاقات مع الصين، لذا وعندما افتتحت الصين قنصليتها في أربيل عام 2014، ازدادت واردات النفط إلى الصين من حقول النفط الخاضعة لسيطرة حكومة الإقليم.
وتستورد الصين أكثر من مليوني برميل من النفط شهريا من حكومة الإقليم عبر ميناء جيهان، ورغم صغر هذا الرقم بالنسبة للصين، التي تستورد أكثر من 500 مليون طن من النفط الخام سنويا، إلا أنه يشكل مكاسب اقتصادية ضخمة لحكومة كردستان التي تعتمد في اقتصادها على النفط الذي تصدره عبر ميناء جيهان بشكل كبير، وفقا للكاتب.
كما نوه تشاليشكان إلى أن الاستثمارات التي قامت بها الصين في أربيل من أجل تعزيز وجودها في حكومة إقليم كردستان، تعد إحدى الديناميكيات الأساسية للعلاقات بين الصين وحكومة إقليم كردستان.
وقد تم التأكيد في الاجتماع الذي عقد بين رئيس وزراء حكومة كردستان مسرور بارزاني، والقنصل العام للصين في أربيل على أن بكين على استعداد تام للاستثمار في الإقليم.
ومن التطورات المهمة في هذا النطاق، قيام شركة صينية بتقديم عرض لمديرية استثمار أربيل لبناء "مدينة سياحية" في أربيل بقيمة 5 مليارات دولار في سبتمبر/أيلول 2020 والذي سيوفر 8 آلاف فرصة عمل جديدة في المدينة، بحسب تشاليشكان.
كما وضعت شركة صينية أخرى أسس أحد أكبر مراكز التسوق في مدينة أربيل في يناير/كانون الثاني 2021، وقد أكد القنصل العام الصيني في أربيل، أن المشروع سيرفع التعاون الاقتصادي والتجاري بين الطرفين إلى مستويات أعلى.
ويرى الكاتب أن استعداد الشركات الصينية للاستثمار في المنطقة في فترة تحتاج فيها حكومة الإقليم إلى مزيد من الاستثمار لزيادة وتنويع مصادر دخلها، يوفر للصين الفرصة لزيادة الاستثمار في المنطقة في الفترة المقبلة. وهنا يجب التأكيد على أن جهود الإدارة الصينية لتأسيس هذه الفرص لا يتشكل فقط من خلال الاستثمارات، بل من خلال القوة الناعمة أيضا.
فمثلا أدى الوباء إلى هز البنى التحتية الصحية في دول الشرق الأوسط بشكل عميق، وشكل صورا سلبية للغاية عن الاقتصاد فيها، الأمر الذي خلق مجالا للصين لتصبح "المنقذ" لدول الشرق الأوسط خلال فترة الوباء، وقد قدمت الصين مساعدات للعراق منذ اليوم الأول للوباء؛ من أجل تحسين علاقاتها معه.
وشرح تشاليشكان ذلك بالقول: فالصين، التي أرسلت فرقا طبية إلى العراق في البداية، أرسلت لاحقا معدات طبية مكتوبة عليها، "الصديق يعرف وقت الضيق"، كما تم إنشاء المعامل المدعومة من الصين في بغداد من أجل تسريع اكتشاف حالات الإصابة.
ولم تقتصر هذه المساعدات التي قدمتها الصين على الحكومة الشرعية في العراق، بل قدمت الصين مساعدات لحكومة كردستان أيضا منذ البداية. وقد صرح وزير الصحة في حكومة الإقليم والقنصل العام للصين، اللذان تلقيا المساعدة عند وصول المساعدات إلى مطار أربيل، أن "الصين هي صديقة حكومة كردستان وقت الضيق"، بحسب الكاتب.
منافسة أميركا
ويرى تشاليشكان أن التأكيد على فكرة "الصديق وقت الضيق" مهم في تصوير منظور السياسة الخارجية للصين تجاه المنطقة، لأنها تحاول تعزيز وجودها كمنافس أساسي للولايات المتحدة في حكومة إقليم كردستان، بما أن الإدارة الأميركية هي الفاعل المهيمن في كل من السياسة والاقتصاد وهيكلة الأمن.
وأضاف أن "القوة المتزايدة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبشكل خاص في العراق وكردستان، ستؤدي بلا شك إلى تضارب حاد في مصالح البلدين في المستقبل، لكن علامة الاستفهام الكبيرة ستكون حول مدى إمكانية استمرار الوجود الصيني من خلال الاستثمار والقوة الناعمة فقط.
واعتبر الكاتب أن "تعزيز القواعد العسكرية الأميركية في حكومة إقليم كردستان ونقل سفارتها في بغداد إلى أربيل بعد مقتل القيادي الإيراني قاسم سليماني سيعزز من وجود الولايات المتحدة، التي تعتبر تأمينا على وجود حكومة إقليم كردستان في المنطقة".
ولفت إلى أن "الموقف السلبي للصين من استقلال حكومة إقليم كردستان يشكل عامل قوة للولايات المتحدة، للحفاظ على نفوذها في إقليم كردستان ضد الصين".
من ناحية أخرى، ومع رئاسة جو بايدن في الولايات المتحدة، فإن نوع التحولات التي قد تتبعها الإدارة الأميركية في سياسة العراق لأمر بالغ الأهمية، خاصة وأن الالتزامات والسياسات الإيجابية التي سيقدمها بايدن لحكومة الإقليم ضد الحكومة الشرعية قد تعزز من موقف أربيل كـ"قاعدة" للولايات المتحدة بالعراق، فضلا عن تقييد العلاقات المتوقعة مع الصين.
لذلك يرى الكاتب أن حكومة إقليم كردستان ستحاول أن تظل حذرة بصفتها جهة فاعلة ومدركة للمنافسة العالمية بين الولايات المتحدة والصين على المدى القصير والمتوسط للاستفادة من الاستثمارات الصينية قدر الإمكان.
وسيكون هذا عاملا يمكن أن يسهل تعزيز الصين لوجودها في حكومة إقليم كردستان وتمكينها من إيجاد مساحة أكبر لنفسها، بحسب ما يراه تشاليشكان .
واستدرك: "مع ذلك، فإن سلطة الإدارة الأميركية على السياسة والاقتصاد والأمن في كردستان ستضع حدا لعلاقات أربيل مع بكين على المدى الطويل، وسيؤدي هذا الوضع إلى تساؤل الصين عن المدة التي ستتمكن فيها من الحفاظ على وجودها في كردستان بوجود عامل المال فقط بعيدا عن الوجود السياسي والعسكري، مما سيجبر أربيل على الاختيار بين لاعبين عالميين".
وختم تشاليشكان مقاله قائلا: "بناء على الظروف الحالية، يمكن القول أن التأثير الأميركي الحالي سيكون كافيا لإبقاء أربيل في صفها، لذلك، يبدو من الصعب جدا على الصين أن تصبح قوة مهيمنة في المنطقة من خلال الاستثمارات والتعاون الثقافي فقط على المدى الطويل بوجود واشنطن التي اخترقت جميع الشعيرات الدموية في حكومة إقليم كردستان".