ماتيو رينزي.. رئيس وزراء إيطالي سابق متعاطف مع "المستبدين" العرب
انتقدت صحيفة ''نيغريسيا" الإيطالية بشدة تعاون ماتيو رينزي، رئيس الوزراء الإيطالي السابق وأمين عام حزب ''إيطاليا فيفا'' مع النظام السعودي، واعتبرته شخصية شغوفة بالطغاة.
وذكرت الصحيفة أن رينزي كان أول زعيم غربي، في عام 2014، يضفي الشرعية على الجنرال الانقلابي المصري عبد الفتاح السيسي مما أثر سلبا على تطورات قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني بالقاهرة.
ووصفت رينزي بـ''المجرم المكرر''، غير القادر على إخفاء تعاطفه مع المستبدين الذين يكبلون المعاصم والأفكار.
ويؤكد ذلك ما كشفت عنه صحف إيطالية من تقاضيه لراتب سنوي قدره 80 ألف دولار مقابل عضويته في المجلس الاستشاري لمبادرة مستقبل الاستثمار السعودية الخاضعة لسيطرة نظام الرياض، أكثر الأنظمة ممارسة للقمع في العالم وفق تصنيفات منظمة العفو الدولية.
وتابعت ''نيغريسيا" بأن السياسة الخارجية غير المكترثة لرئيس الوزراء الإيطالي السابق، تجلت بشكل أكثر وضوحًا عام 2014، بعد بضعة أشهر من تعيينه (في فبراير/شباط) بإضفائه الشرعية على انقلاب السيسي.
وفي الثاني من أغسطس/آب 2014، توجه المسؤول الإيطالي آنذاك إلى القاهرة متحمسا لاحتضان من وصفه فيما بعد "الزعيم الصاعد للشرق الأوسط"، معتبراً إياه بطل "الحرب ضد الإرهاب".
انقلاب السيسي
بعد الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، أعلن السيسي في 26 مارس/آذار 2014 عن ترشحه للانتخابات الرئاسية على شاشات التلفزيون بطريقة غير تقليدية تماما: مرشح مدني يرتدي زيا عسكريا.
وفي 26 مايو/أيار 2014، أُعلن عن فوزه بالانتخابات التي شهدت مشاركة 47 بالمئة من الناخبين.
وبذلك غطت الانتخابات بسرعة على انقلاب تسبب في انتهاكات لحقوق وخلف مجازر في الشوارع بالإضافة إلى تعذيب وإعدام واعتقال آلاف المعارضين.
وكان رينزي، الذي تغاضى عن قمع وانتهاكات النظام المصري، من بين أولئك الذين استبدلوا الديمقراطية بالاستقرار، على حد قول الصحيفة الإيطالية.
وأردفت أنه لطالما برر حماسه تجاه الحكام المستبدين في الشرق الأوسط، الذين تلطخت أيديهم بالدماء، مثل السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان بذريعة تصديهم للتطرف.
وفي يناير/كانون الثاني 2021، ذكرت الصحيفة أن رينزي كانت لديه الجرأة للتأكيد في مقابلة مع صحيفة "كورييري ديلا سيرا"، أن "الرياض تصدت لهيمنة التطرف على العالم الإسلامي".
وبهذا التبرير، بينت الصحيفة أن الحكام المستبدين الذين ثارت عليهم شعوبهم في الشوارع منذ 10 سنوات على اندلاع ثورات الربيع العربي، استفادوا من دعم الغرب بعد أن قدموا أنفسهم كحصن ضد الإرهاب.
كرر رينزي نفس عبارات الثناء للسيسي أيضًا في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، بمناسبة دعوته إلى زيارة روما، بعد 3 أشهر فقط من لقائهما بالقاهرة، وصافحه بحرارة بينما كان يشن حملات قمع في بلاده.
وأكدت الصحيفة أن رينزي لم يشعر بالإحراج رغم علمه - فقط عشية وصول رئيس النظام المصري إلى العاصمة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني- بالاستهزاء الذي أجاب به النظام على طلب منظمة هيومن رايتس ووتش فتح تحقيق رسمي في مذبحة رابعة العدوية التي قتل فيها بوحشية أكثر من 2000 متظاهر في 14 أغسطس/آب 2013.
ووصفت المنظمة غير الحكومية المذبحة بأنها هجوم متعمد و"أسوأ جريمة قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث". كما طالبت بمحاكمة السيسي، قائد القوات المسلحة آنذاك، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
لكن تقرير اللجنة الحكومية "الذي قدم، قبل أيام قليلة من وصول الطاغية إلى روما" ألقى اللوم على الضحايا، تقول الصحيفة.
شغف مشترك
أشارت الصحيفة إلى أن ما وصفته بالافتتان بالسيسي استمر لفترة طويلة، وفي الفترة من 13 إلى 15 مارس/آذار 2015، توجه رينزي مبتسما برفقة نحو ممثلين عن ثلاثين شركة إيطالية إلى شرم الشيخ لحضور حفل توسيع قناة السويس.
وتابعت أن العديد من السياسيين البارزين في ذلك الوقت وأيضا اليوم، تشاركوا في نفس الشعور بالحماس لهذا النظام.
وفي هذا الصدد، اعتبر المفوض الأوروبي الحالي باولو جينتيلوني، بصفته وزير خارجية حكومة رينزي، "مصر دولة رئيسة في تحدي الأصولية".
وبدوره، قال كارلو كاليندا، وزير التنمية الاقتصادية في حكومة رينزي، في يوليو/تموز 2015 إن "المبادلات التجارية الإيطالية شهدت تقدما هائلا منذ وصول السيسي إلى السلطة، لذلك يعزز الاستقرار السياسي العلاقات الاقتصادية، شئنا أم أبينا".
واستنكرت بذلك الصحيفة الإيطالية تغليب المصالح الاقتصادية على حساب الحريات والحقوق المنتهكة.
وعلى الرغم من تحذير بعض المراقبين، مثل المؤرخ والمفكر جيان باولو كالكي نوفاتي، في مقال نشرته صحيفة إيل مانفيستو في عام 2015، أن "على الحكومة أن تبرر للبرلمان والرأي العام لماذا اختارت ديكتاتورا ليكون حليفنا الرئيس في الشرق الأوسط"، لم يصدر أي رد رسمي من الجانب الحكومي.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذه العلاقات لم تمنع تعرض القنصلية الإيطالية بالقاهرة إلى هجوم في عام 2015.
وعزت مصادر رسمية سبب الانفجار الهائل الذي سمع في أنحاء المدينة في الساعات الأولى من 11 يوليو/تموز إلى انفجار سيارة مفخخة أمام المبنى الذي كان مغلقاً.
وأسفر الهجوم عن مقتل شخص وإصابة العشرات، وكان أول مقر أجنبي يستهدف في مصر بعد الانقلاب وسرعان ما دخل طي النسيان وأخفيت حقائقه، وفق الصحيفة الإيطالية.
أوضحت الصحيفة أن هذه العلاقات الودية بين إيطاليا والنظام المصري أثرت بشكل سلبي على قضية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني الذي اختطف وعذب وقتل في القاهرة قبل 5 سنوات.
وفي 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أعلن رينزي أمام اللجنة البرلمانية التي تحقق في وفاة الشاب الإيطالي أنه يشعر بالأسف لأنه علم بوفاة ريجيني بعد أيام في 31 يناير/كانون الأول 2016.
من جهتها، نفت وزارة الخارجية الإيطالية هذا التصريح على الفور، وذكرت بأنه تم إبلاغ الأجهزة الأمنية بما حدث بعد ساعات قليلة من الاختفاء، في 25 يناير/كانون الثاني 2016.
وفي تلك المناسبة أيضًا دافع رينزي عن السيسي بطريقته الخاصة قائلا إنه: "صحيح أن التعاون من الجانب المصري لم يكن كافيا ولكنه كان موجودا".
وفي الختام، أكدت الصحيفة أن علاقة "التقدير المتبادل مع الطاغية المصري أضرت بقضية الطالب الإيطالي وأفقدت رئيس الوزراء السابق مصداقيته".
وأشارت إلى أن "الديكتاتور المصري يقايض روما بعذرية نظامه مقابل صفقات عسكرية فرعونية، يسعى رينزي إلى إبرامها على الدوام".