المعطي منجب.. ناشط مغربي وعضو بحركة 20 فبراير يواجه حكما بالسجن
في 27 يناير/كانون الثاني 2021، أصدرت محكمة ابتدائية بالعاصمة المغربية الرباط، حكما غيابيا بالسجن لمدة عام مع النفاذ، بحق المؤرخ والناشط الحقوقي المعطي منجب، في قضية تعود إلى عام 2015، لإدانته "بالمس بالسلامة الداخلية للدولة والنصب".
ظل منجب (60 عاما) ملاحقا في القضية، إلى جانب 6 ناشطين وصحفيين بعضهم خارج المغرب، بتهمة "المس بأمن الدولة، وارتكاب مخالفات مالية، على علاقة بمركز ابن رشد للبحوث"، المعني بدعم صحافة التحقيقات وتشجيع الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين.
حُكم على الناشط بغرامة قدرها نحو 1500 دولار، وظلت جلسات المحاكمة تؤجل لنحو 20 مرة دون أن تنعقد منذ 2015، وسط مطالب منظمات حقوقية مغربية ودولية بإسقاط التهم عن الملاحقين.
وسارع المؤرّخ المعروف بدفاعه عن قضايا حرية التعبير إلى تأكيد براءته، معتبرا أن "الهدف من هذه الملاحقة يتمثل في معاقبتي على تصريح صحفي، أشرت فيه إلى دور جهاز مراقبة التراب الوطني (المخابرات الداخلية) في قمع المعارضين وتدبير الشأن السياسي والإعلامي بالمغرب".
الحكم الأخير
أتى هذا الحكم غداة مثول منجب أمام قاضي التحقيق في قضية ثانية معتقل على خلفيتها، بحسب محاميه عبد العزيز النويضي لوكالة فرانس برس، مشيرا إلى أن قاضي التحقيق لم يمكن الدفاع من تصوير نسخ من ملف القضية.
وأضاف المحامي عمر بنجلون العضو الآخر في هيئة دفاع منجب لوكالة الأنباء الفرنسية أن الأخير "لم يكن بمقدوره كما محاميه التفاعل مع أسئلة قاضي التحقيق، من دون الحصول على نسخة من الملف"، معتبرا ذلك "عرقلة لحقوق الدفاع".
واستندت النيابة العامة عندما فتحت التحقيق في هذه القضية الجديدة في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، إلى معلومات "تتضمن جردا لمجموعة من التحويلات المالية المهمّة، وقائمة بعدد من الممتلكات العقارية، لا تتناسب مع المداخيل الاعتيادية المصرح بها" من طرف المتهم وأفراد عائلته.
وأعلنت النيابة تبعا لذلك فتح تحقيق معه حول "حول أفعال من شأنها أن تشكل عناصر تكوينية لجريمة غسل الأموال"، قبل أن يقرر قاضي التحقيق اعتقاله احتياطيا لمواصلة التحقيق.
بيد أن منجب الذي سبق له أن أدان ما اعتبره "ترهيبا للصحفيين والمعارضين عموما" سارع لتأكيد براءته في بيان نشره على فيسبوك، كما سبق له أن اشتكى مرارا من استهدافه "بحملة تشهير"، ووجه في 2018 رسالة إلى رئيس الحكومة يعدد فيها "300 مقال" نشرت ضده في هذا الصدد منذ 2015 وحتى ذلك الحين.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، قال 7 ناشطين مغاربة، بينهم منجب، إن سلطات بلادهم تجسست على حساباتهم على تطبيق "واتساب"، عبر برنامج "بيغاسوس" Pegasus الذي طورته شركة الهايتِك والبرمجية الإسرائيلية "إن إس أو" NSO.
وأصدر الناشطون بياناً، جاء فيه: "نحن المواطنون المعروفون بمناهضتنا للاستبداد وبنشاطنا السلمي والعلني، نعلن أنه تم إشعارنا من طرف مسؤولي تطبيق (واتساب) أو عن طريق تقرير (منظمة العفو الدولية) بتعرض هواتفنا للاستهداف بتطبيق للتجسس ينتهك حقنا في خصوصية معطياتنا الشخصية".
وبعد فحص أجهزة منجب بحثا عن أدلة على عملية الاستهداف، تمكنت منظمة العفو الدولية من التأكيد على أن منجب قد استهدف بالفعل مرارا وتكرارا من خلال رسائل نصية قصيرة خبيثة، تحمل روابط إلى مواقع شبكة الإنترنت المتصلة ببرنامج التجسس بيغاسوس.
وتربط منجب علاقات جيدة بمختلف أطياف المجتمع المغربي، بما فيهم جماعة العدل والإحسان، المحظورة والمعارضة للدولة، ولعل هذا التقارب أتى بعد إصدار كتابه "مواجهات بين الإسلاميين والعلمانيين"، الذي اعتبر فيه أن "الانقسام لا يخدم سوى قوى الاستبداد المهيمن".
موضحا أن: "هذا الأخير يستفيد من هذا التطاحن ويوظفه بما يخدم مصالحه المتمثلة أساسا في الاستمرار في السلطة والسيطرة والتحكم في النخبة السياسية وإلهائها عن معركة الديمقراطية الحقيقية، مع اعتماده على سياسة فرق تسد".
وحسب المؤرخ والمفكر المعطي منجب، فإن ذلك "يبقي مسألة الديمقراطية مجرد حلم مؤجل بعيد الأمد".
تضامن واسع
منظمات حقوقية وشخصيات سياسية ومثقفون مغاربة وأجانب طالبوا بالإفراج عن منجب وإسقاط التهم الموجهة إليه في هذه القضية، ودعت منظمة العفو الدولية السلطات إلى "وضع حد لإساءة استخدام القوانين الجنائية أو اللوائح الإدارية المتعلقة بتلقي تمويل أجنبي، كوسيلة لاستهداف جمعيات حقوق الإنسان المستقلة أو الصحفيين".
من جهتها، أعربت جمعية "فري برس أنلمتد" الهولندية التي كانت تقدم دعما ماليا لأنشطة مركز ابن رشد، عن تضامنها مع منجب، داعية هي الأخرى في بيان إلى الإفراج عنه.
وعبر تدوينة على فيسبوك، أعرب الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، عن تضامنه مع المعطي منجب عقب صدور الحكم بحقه، وعبّر عن تضامنه كذلك، مع "سجناء الرأي في المغرب".
ونشر المرزوقي، نص البيان الذي أصدرته، المنظمات الحقوقية للدفاع عن المعطي منجب، الصادر في 20 يناير/كانون الثاني 2021، والذي يدعو إلى "الإفراج الفوري عن المعطي منجب وجميع الصحفيين والناشطين معتقلي الرأي في المغرب".
وعقب اعتقاله نهاية السنة الفارطة، طالبت 3 منظمات دولية كبرى السلطات المغربية بإطلاق سراح منجب، الذي تم إيداعه السجن بشبهة جرائم كانت حينها قيد التحقيق.
وأعلنت المنظمات الدولية في بيانات أصدرتها، كل على حدة، استنكارها لما وصفته بالاعتقال "الانتقامي" لمنجب بسبب آرائه ودفاعه عن حقوق الإنسان، والمنظمات الثلاث هي "العفو الدولية"، و"مراسلون بلا حدود"، و"فرونت لاين ديفندرز".
ووصفت منظمة العفو الدولية التحقيقات التي ظل منجب يخضع لها منذ عدة سنوات بأنها "أحدث محاولة لترهيب المعطي منجب والانتقام منه بسبب موقفه النقدي تجاه السلطات وعمله على تعزيز الحق في حرية التعبير في المغرب بعد سنوات من المضايقة والمراقبة غير القانونية".
واعتبرت المنظمة منجب بأنه "سجين رأي، يجب الإفراج عنه فورا ودون قيد أو شرط"، كما أعلنت عن إطلاق حملة دولية واسعة للترافع عن منجب حتى إطلاق سراحه واستعادته لحريته ولكامل حقوقه.
وفي سياق حملتها الدولية طالبت المنظمة جميع المتعاطفين معها عبر العالم ببعث رسائل إلى الحكومة المغربية، تتضمن المطالبة بـ"الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعطي منجب، لأنه سجين رأي محتجز لمجرد ممارسته السلمية لحقوقه في حرية التعبير وتكوين الجمعيات".
وأيضا الحث "على إغلاق التحقيقات المفتوحة وإسقاط جميع التهم الموجهة إليه، والاعتراف صراحة بشرعية المدافعين عن حقوق الإنسان ودعم عملهم علنا، مع الاعتراف بمساهمتهم في النهوض بحقوق الإنسان وإنهاء تجريم تلقيهم الأموال الأجنبية لمتابعة عملهم".
من جهتها، عبرت مراسلون بلا حدود عن استنكارها لـ "استمرار الاحتجاز والمحاكمات الجديدة للصحفي معطي منجب ، المسجون منذ 29 ديسمبر/كانون الأول 2020 بتهمة غسل الأموال.
ونسبت المنظمة إلى مدير مكتبها بشمال إفريقيا، صهيب خياطي، قوله إن "الاحتجاز المطول للمعاطي منجب، الذي يتعرض لمضايقات قضائية وشرطية وإعلامية حقيقية، أمر غير مقبول". ودعا صهيب إلى "الإسقاط الفوري لجميع التهم الموجهة إلى أحد أكثر الأصوات الناقدة رمزية في المغرب".
أما منظمة فرونت لاين دفاندرز، فقالت إن اتهام منجب "جاء انتقاما لانتقاده المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، التي اتهمها بمراقبة المجتمع المدني والسياسيين المعارضين".
وذكر بيان المنظمة أن منجب "تعرض للمضايقات بشكل متكرر بسبب عمله السلمي في مجال حقوق الإنسان"، حيث مازال يتابع في قضية أخرى رفعت ضده وضد مدافعين آخرين عن حقوق الإنسان بتهمة "تهديد الأمن الداخلي للدولة" في 2015.
وقالت المنظمة إن منجب "كثيرا ما يتعرض لحملات تشهير تقودها وسائل الإعلام الموالية للحكومة (مثل صحيفتي النهار والأحداث)، والتي تتهمه بالتحريض على العنف واختلاس أموال المجتمع المدني".
وفي مواجهة هذه الدعوات، أكدت وزارة حقوق الإنسان المغربية أن اعتقال منجب "يندرج في إطار قضية تتعلق بقضايا الحق العام ولا علاقة لها بنشاطه الحقوقي أو بطبيعة آرائه أو وجهات نظره التي يعبر عنها دائما بكل حرية".
وتشدد السلطات المغربية في مواجهة انتقادات المنظمات الحقوقية دوما على استقلالية القضاء وسلامة الإجراءات.
الصوت المزعج
ولد المعطي منجب، في 6 مارس/آذار 1962 في مدينة بنسليمان بالمغرب (وسط)، هو أستاذ جامعي ومؤرخ وحقوقي وناشط سياسي مغربي يشتغل على التاريخ السياسي المعاصر وحقوق الإنسان.
حصل منجب على شهادتَي دكتوراه، الأولى من فرنسا في الشؤون السياسية في منطقة شمال إفريقيا، والثانية من السنغال في تاريخ السياسة الإفريقية، كما يجيد اللغات الفرنسية والعربية والإنجليزية.
حاز منجب على منحة فولبرايت (2005-2006) وباحث زائر سابق لكرسي باتكين في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز (2009).
قام منجب بالتدريس في المغرب والسنغال والولايات المتحدة، كما أطلق وأدار نقاشات بين الإسلاميين والناشطين العلمانيين في المغرب بين عامَي 2007 و2010، ونظّم "جائزة صحافة التحقيق" في المغرب بين 2007 و2009.
أصبح منجب محللا سياسيا وناشطا حقوقيا ومؤرّخا في جامعة محمد الخامس في الرباط، وهو أيضا منسّق فرع المغرب في جمعية مواطني الشرق الأوسط، ومؤسّس ومدير مركز ابن رشد للدراسات والتواصل في الرباط.
وجد المعطي منجب بشكل بارز في كل الوقفات والمسيرات الاحتجاجية منذ 2011، خصوصا التي نظمت ضد السلطة حتى بات يسمى بـ"الصوت المزعج".
منجب أيضا عضو مؤسس في المجلس الوطني لدعم حركة "20 فبراير"، التي سعت إلى إجراء إصلاحات في المغرب تجاوبا مع موجة الربيع العربي.
في سبتمبر/ أيلول 2015 منع من السفر للخارج بدعوى "اختلالات مالية في مركز ابن رشد"، حسب بيان وزارة الداخلية آنذاك، دخل بعدها في إضراب عن الطعام من 6 أكتوبر/تشرين الأول إلى 29 من الشهر نفسه.
فُتحت الحدود في وجه منجب بعد ذلك، لكنه واجه تهمة "المس بالسلامة الداخلية للدولة"، على خلفية "النصب والحصول على دعم خارجي".
من مؤلّفاته: "النظام الملكي المغربي والصراع على السلطة" و"سيرة ذاتية سياسية لمهدي بن بركة" و"الإسلاميون في مواجهة العلمانيين في المغرب"، ويعمل حاليا على إعداد سيرة ذاتية سياسية عن "مامادو ديا"، الزعيم السنغالي الراحل.
المصادر
- منصف المرزوقي يتضامن مع المعطي منجب
- ثلاث منظمات دولية كبرى تطالب بالحرية للمعطي منجب وتصف اعتقاله بـ “الانتقامي”
- "انتقد المخابرات".. توقيف ناشط مغربي معارض بتهم "غسيل أموال"
- محام: الحكم بالسجن عاما واحدا بحق المؤرخ المغربي المعطي منجب
- 7 ناشطين مغاربة يتهمون السلطات بالتجسس عليهم ببرمجية إسرائيلية
- التقارب الإسلامي العلماني في العالم العربي : من أجل السلم المدني في المنطقة
- المغرب: الحكم بالسجن النافذ لمدة عام بحق المؤرخ المعطي منجب