بولاية بايدن.. سيناريوهات جيوسياسية لمستقبل التطبيع العربي الإسرائيلي

12

طباعة

مشاركة

نشرت وكالة الأنباء الرسمية التركية "الأناضول"، مقالا للكاتب والأكاديمي جيحون تشيتشيكجي، تحدث فيه عن السيناريوهات الجيوسياسية لمستقبل التطبيع العربي الإسرائيلي في ظل إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن وتوقعات تقاربه أكثر من إيران.

وقال تشيتشيكجي: إن "التطبيع مع إسرائيل الذي بدأته الممالك العربية الصغيرة بقيادة الإمارات والبحرين لم يقتصر  على قلب المنطقة العربية، بل أدت أيضا إلى انفتاحها على القارة الإفريقية مع انضمام السودان والمغرب إلى الركب". 

واستدرك متسائلا: "لكن بما أن هذه العملية بدأت أساسا برعاية الإدارة الأميركية والتنازلات التي قدمتها للدول المعنية، هل يمكن للتأثيرات الإقليمية لإدارة بايدن، أن تتسبب في كسر هذا التطبيع؟".

تنظيف الأرضية

وبحسب تشيتشيكجي، فإن "كل دولة تعمل ضمن الحدود والإمكانيات التي تمنحها لها الدول الأخرى في السياسة الدولية، وبما أن كل دولة تسعى لتحقيق مصالحها العظمى، فإن هذا يجعل كل دولة تشكل ملامح ساحة لعب الأخرى".

واعتبر أن "العملية التي تسمى بالتطبيع العربي الإسرائيلي ليست خارج هذا التعريف، ويمكن تقييم سياسة ترامب الإسرائيلية الفلسطينية من هذا المنطلق".

وأضاف: "رغم أنه يمكن ذكر تواريخ وحقائق مختلفة بشأن الوقت الذي بدأ فيه الوجود الأميركي في التلاشي إلا أن هذا أصبح واضحا في ظل إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما".

وأشار تشيتشيكجي إلى أن "أهم آثار الانسحاب التدريجي، ظهر في التقسيم الفعلي لأوكرانيا، وضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا (2014)، وزيادة النفوذ الروسي الإيراني في سوريا وليبيا واليمن خلال الربيع العربي".

واستدرك قائلا: "وقد ظهرت إحدى نتائج هذا الانسحاب التدريجي كتطبيع عربي إسرائيلي، حيث إن موازنة المشاكل الإقليمية، خاصة التهديد الإيراني، من قبل الشركاء الإقليميين، كان ممكنا بإنهاء المشاكل الرئيسة في الصراع العربي الإسرائيلي".

وهكذا حاولت إدارة ترامب "تنظيف الأرضية" على وجه السرعة من خلال خلق أمر واقع لإنهاء هذه المشاكل، فقد تم إنهاء المشاكل الرئيسة باعتراف القدس عاصمة مزعومة لإسرائيل، والاعتراف بضم مرتفعات الجولان والمشاكل المماثلة بفعل أحادي الجانب، وما سمي بـ "صفقة القرن".

وأوضح تشيتشيكجي ذلك بالقول: "دخلت ممالك الخليج في عملية التطبيع مع إسرائيل وحاولت موازنة ردود الفعل السلبية المحتملة من الشعب العربي من خلال اتخاذ موقف جديد من القضية الفلسطينية ضد احتمالية منع وإعاقة عملية الضم المحتمل للضفة الغربية".

وتابع: "رغم أن التراجع النسبي للقوة الأميركية عامل مهم في العمليات المذكورة، إلا أن حقيقة أن بعض الجهات الفاعلة على المستوى الإقليمي لم تعد قوى فعالة لها دور بالغ الأهمية".

وقد كانت عملية التطبيع العربي الإسرائيلي ممكنة في جغرافيا تتكون من دول عانت من انقسامات خلال الربيع العربي، وسيقت لحرب أهلية وفقدت سلطتها المركزية مثل سوريا وليبيا، بحسب الكاتب التركي.

وأردف: "وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى أن فقدان المنافسين الإقليميين لقوتهم قد فتح المجال لإستراتيجيات تتمحور حول إسرائيل، ويمكن إضافة إدارة بغداد، التي أصبحت غير فاعلة في ظل غياب نظام صدام، الذي ألغي بعد الاحتلال الأميركي (2003)، إلى هؤلاء الفاعلين".

المستقبل الجيوسياسي

واعتبر تشيتشيكجي أن التطبيع العربي الإسرائيلي كان ممكنا في إطار الظروف الموصوفة أعلاه، لكن تغير الإدارة الأميركية وإتاحتها فرصة لزيادة إيران نفوذها على المستوى الإقليمي، خاصة على المدى القصير، قد يتسبب في توقف عملية التطبيع.

كما أن الاستعادة الجيوسياسية المحتملة للقوى "الثورية" التاريخية في الشرق الأوسط قد تقيد الإدارات الملكية من حيث إنتاج السياسات كما قد تغير السياسة الخارجية العربية على المديين المتوسط ​​والطويل.

 لهذا يقدم التطبيع العربي الإسرائيلي صورة لا يبدو استمرارها إلى الأبد ممكنا، كما أنها مفتوحة للتحول والتبدل على مستويات مختلفة، وفق ما يرى الكاتب.

كما وينوه إلى أن الاتفاقية النووية الموقعة مع إيران عام 2015، والتي تمثل أحد التطورات التي توضح القوة الأميركية  من المنطقة، سيتم العمل بها في ظل إدارة بايدن.

وفي هذا السياق، يمكن القول إن إيران ستستعيد هيبتها الدولية وشرعيتها الإقليمية التي اكتسبتها في عهد أوباما، رغم أنها محاولة لإخضاع أنشطة إيران النووية لرقابة دولية، إلا أن الدبلوماسية الإيرانية ستبذل محاولات لزيادة نفوذها الإقليمي من خلال تسويق الاتفاقية بدمجها في النظام الدولي.

وهكذا فإن اجتماع إدارة بايدن مع إيران على أرضية اتفاق جديدة يمكن أن يقوض التطبيع العربي الإسرائيلي، مما سيشكل مصدر قلق لممالك الخليج وبالتالي لإسرائيل.

وبالمناسبة، يبدو أن إلغاء الحصار المفروض على قطر منذ عام 2017 يهدف إلى ضمان الوحدة الإقليمية ضد إيران؛ فقد أدى الحصار إلى زيادة نفوذ إيران في الخليج، يشير الكاتب. 

واستدرك قائلا: "لكن يبدو أن المصالحة الأميركية الإيرانية المحتملة لديها القدرة على تقويض عملية التطبيع على صعيد آخر، فرغم مشاركة دول الخليج الصغيرة فيها، فإن موقف السعودية المتردد من التطبيع سيصبح ذا مغزى مع زيادة النفوذ الإيراني".

ويرى الكاتب أن "التنبؤ بأن إدارة بايدن ستواصل عملية الانسحاب التدريجي في منطقة الشرق الأوسط على غرار إدارة أوباما سيكون معقولا؛ حيث ستستغرق عملية إعادة تنظيم السياسة الداخلية الأميركية وقتا وجهدا". 

وأضاف "قد يُنهي هذا الوضع تأثير الدومينو في التطبيع العربي الإسرائيلي، لأنه سيفرض السيطرة على إيران من خلال الوسائل الدبلوماسية ويعزز شرعيتها الإقليمية نسبيا، كما أن إصرار السعودية على عدم المشاركة رسميا في التطبيع قد يحث الأنظمة العربية الأخرى على الابتعاد عنها".

سيناريوهات متشابكة

ولفت تشيتشيكجي إلى أن "إعادة انضمام العراق وسوريا وليبيا إلى النظام الإقليمي الدولي من خلال إنشاء هيكل مستقر ستكون مصدر قلق خطير لممالك الخليج، فما لم تدخل إسرائيل في عملية تطبيع مع هذه الدول الثلاث، يبدو أنه لا مفر من أن هذه العملية ستنتهي يوما ما وتنقلب رأسا على عقب".

وأوضح "في هذا السياق، تجدر الإشارة أن سوريا من يجب أن تكون في قلب عملية التطبيع العربي الإسرائيلي، كدولة تحارب إسرائيل مرارا وتكرارا، وفقدت أراضيها ولم توقع على معاهدة سلام (أي هي في حالة حرب مع إسرائيل بشكل قانوني)".

وتابع: "أما أن تكون الممالك الخليجية الصغيرة مثل الإمارات والبحرين جزء من عملية التطبيع فليس له أهمية تاريخية كبيرة؛ فهي لا تملك تاريخا من الصراع مع إسرائيل".

وبالنسبة إلى ليبيا فقد أدى مستوى إنتاج النفط فيها إلى ارتقائها لتصبح واحدة من الجهات الفاعلة الرئيسة في عملية تحديد أسعار النفط وجعل من الممكن استخدامه كورقة رابحة في السياسة الخارجية، وفق تشيتشيكجي.

واستطرد الكاتب قائلا: إن "البعد الإفريقي للتطبيع العربي الإسرائيلي عبر السودان والمغرب قد تم تنفيذه بالفعل دون التأثير التقييدي والتوجيهي لعامل ليبيا المهم، بسبب فقدان ليبيا لطابعها الفعال، لذا فإن إعادة اندماج ليبيا للجغرافيا السياسية وخضوعها لسيطرة حكومة مركزية قد يضر بالجو الذي يحافظ على التطبيع العربي الإسرائيلي".

وبالنسبة للعراق فإن المكانة الإقليمية التي اكتسبها نظام الراحل صدام حسين في الثمانينيات جعل منه أحد التهديدات الأمنية لإسرائيل، ورغم فقد موقفه الريادي في العالم العربي بغزو الكويت (1990)، إلا أنه حافظ على موقفه القوي في أجندة الأمن القومي الإسرائيلي ومهد الطريق لتدخل الاستخبارات الإسرائيلية بالمرحلة التي أدت إلى الاحتلال الأميركي (2003)، يشرح الكاتب.

وأضاف أن "النفوذ الإيراني في العراق اليوم أصبح بلا معنى أيضا، لذا قد لا يكون وقف التطبيع العربي الإسرائيلي ممكنا إلا مع عودة ظهور العراق كدولة عززت سلطتها المركزية واستكملت اندماجها الجيوسياسي.

وتابع: "لا يبدو أن ميلادا جديدا كهذا ممكن على المدى القصير، ومع ذلك، فإذا حدث الميلاد الجديد للعراق، فسيتعين اعتباره عاملا أساسيا، لا سيما في تحديد السياسة الخارجية للأنظمة الملكية في الخليج".

وخلص تشيتشيكجي إلى أن "التطبيع العربي الإسرائيلي قد يفشل على المدى القصير والمتوسط ​​والبعيد، فمستقبل نفوذ إيران على التوازنات الإقليمية والتكامل الجيوسياسي المحتمل وقدرات التأثير في العراق وسوريا وليبيا عوامل لديها القدرة على إحداث تغيير جذري في التوازنات عربيا".