بريت ماكغورك.. دبلوماسي اختلف مع ترامب وأعاده بايدن إلى الشرق الأوسط
يبدو أن الرئيس الأميركي المنتخب "جو بايدن" بدأ أولى خطواته تجاه الشرق الأوسط الملتهب، بإعلانه إعادة الدبلوماسي "بريت ماكغورك"، إلى منصب "كبير مديري مجلس الأمن القومي" لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
القرار الذي صدر في 8 يناير/كانون الثاني 2021، أظهر توجهات الإدارة الجديدة، خاصة أن "ماكغورك" لعب على مدار سنوات دورا محوريا في التجاذبات والنزاعات المستعرة بالمنطقة، بداية من الاتفاق النووي الإيراني خلال عهد الرئيس السابق "باراك أوباما"، وصولا إلى الحرب ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق.
وكان آخر عهد "ماكغورك" بالمنطقة، عندما قدم استقالته للرئيس المنتهية ولايته "دونالد ترامب"، احتجاجا على سحب القوات الأميركية من سوريا عام 2018، ومع عودة "ماكغورك" إلى الشرق الأوسط مرة أخرى، تثار جدليات عن طبيعة المرحلة المقبلة.
رجل القانون
ولد "بريت ماكغورك"، في مدينة بيتسبرغ، بولاية بنسلفانيا الأميركية، يوم 20 أبريل/نيسان 1973، والده هو باري ماكغورك، أستاذ اللغة الإنجليزية، ووالدته كارول آن كابوبيانكو، كانت تعمل كمدرسة للفنون.
أكمل "ماكغورك" حياته التعليمية والشبابية في مدينة هارتفورد الغربية، بولاية كونيتيكت، التي انتقلت إليها عائلته وهو ما يزال صغيرا، حيث التحق بمدرسة كونارد وحصل منها على الشهادة الثانوية عام 1991، بعدها التحق بجامعة كونيتيكت، وفي عام 1996. حصل على شهادة البكالوريوس في الفنون مع مرتبة الشرف.
في عام 1999. حصل "بريت ماكغورك" على دكتوراه في القانون من كلية الحقوق بجامعة كولومبيا، وأثناء وجوده هناك عمل كمحرر أول لمجلة "كولومبيا" للقانون.
وبعد حصوله على الدكتوراه، سلك "ماكغورك" وظائف داخل المسار القضائي، حيث عمل كمساعد قضائي لمدة 3 سنوات، وتدرج بعدها في عمل القضاء الاتحادي الأميركي.
انتقل بعد ذلك للعمل في القطاع الخاص مع مؤسسة "كيركلاند أند إليس" لدعاوى الاستئناف، وكذلك عمل أستاذا مساعدا في كلية الحقوق بجامعة فيرجينيا.
مسار دبلوماسي
في 2004. برز اسم "بريت ماكغورك" في السلك الدبلوماسي، وبدأت علاقته بالشرق الأوسط، عندما تم تعيينه مستشارا قانونيا للسفير الأميركي في العراق، وفي تلك الفترة ساهم في صياغة مسودة الدستور العراقي المؤقت، والقانون الإداري الانتقالي، كما أشرف على الإجراءات القانونية لانتقال الحكم من سلطة الائتلاف المؤقتة إلى الحكومة العراقية المؤقتة (آنذاك) برئاسة "إياد علاوي".
بعد ذلك أصبح "ماكغورك"، مديرا لشؤون العراق في مجلس الأمن القومي الأميركي، ثم شغل منصب المستشار الخاص للرئيس الأميركي ومدير شؤون العراق وأفغانستان.
كان لـ"ماكغورك" رؤية خاصة تجاه الوضع في الشرق الأوسط، والنزاعات الأميركية خارج الحدود، وكان أول من دعا بقوة إلى إحداث تغير جذري في السياسة الأميركية تجاه العراق.
روج لفكرة زيادة عدد القوات الأميركية بالعراق، الأمر الذي اعتمدته الإدارة الأميركية في يناير/كانون الثاني 2007، وبالفعل تمت زيادة القوات هناك.
وفي عام 2009. ترك "ماكغورك" منصبه الحكومي، وشغل منصب زميل مقيم في معهد "هارفارد" للسياسات، إذ أشرف على مجموعة دراسية تعنى ببحث المواضيع المتعلقة بدراسة أعلى مستويات الخطورة في المداولات المالية.
وفي عام 2012. منح جائزة الخدمة المتميزة، وجائزة ثناء الخدمات المشتركة، من قبل مجلس الأمن القومي الأميركي، لجهوده في العراق.
ومع تأزم وتطور الأوضاع في الشرق الأوسط، وازدياد نشاط تنظيم الدولة، عاد "ماكغورك" مرة أخرى بتعيينه في أغسطس/آب 2013، نائبا لمساعد وزير الخارجية، لشؤون العراق وإيران، في مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية.
خطورة وضع "ماكغورك" كرجل نافذ، وأحد واضعي السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، جعلت الرئيس السابق جورج بوش (الابن) يذكره في كتابه "نقاط القرار"، وقال عنه إنه "جزء من فرقة المحاربين الشخصية للرئيس والتي أدت إلى إحداث إستراتيجية جديدة وإعادة الحرب إلى مسارها في العراق".
ومما يدلل على ثقل "بريت ماكغورك"، أنه ظل على وضعه حتى بعد رحيل بوش، ومجيء أوباما، حيث تولى "بريت" منصب مستشار الرئيس الأميركي ومستشار سفير الولايات المتحدة في العراق.
تهدئة مع إيران
لعب "بريت ماكغورك" دورا بارزا في العلاقات الأميركية الإيرانية، لا سيما خلال عهد "أوباما"، ومن أبرز إسهاماته ما فعله بين أكتوبر/تشرين الأول 2014، ويناير/كانون الثاني 2016.
كان "ماكغورك" الرجل الرئيس في مفاوضات سرية ومكثفة جرت مع إيران لإطلاق سراح 4 سجناء أميركيين وإعادتهم إلى الولايات المتحدة، وهو ما نجح فيه بالفعل.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز"، عن تلك المفاوضات: "تلك المهمة التي استمرت لمدة 14 شهرا بالإضافة إلى العديد من المهمات الأخرى، التي قادها السيد ماكغورك عززت من سمعته كشخص قادر على تنفيذ المهام الصعبة".
لكن الأهم في مسيرة الدبلوماسي الأميركي، هو مشاركته المفاوضات المارثونية مع إيران، والتي انتهت بتوقيع الاتفاق النووي بمدينة لوزان السويسرية في 2 أبريل/نيسان 2015، حيث التوصل إلى تسوية شاملة تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، وإلغاء جميع العقوبات على إيران بشكل تام.
الاتفاق وصفه أوباما بـ"التاريخي"، وأعلن أن الدبلوماسية هي الخيار الأفضل للتعامل مع طهران فيما يتعلق ببرنامجها النووي وقال حينها: "إذا احتالت إيران فإن العالم سيعلم وإذا رأينا شيئا مثيرا للريبة، سنتحقق منه".
كان "ماكغورك" جزءا من كل هذا، ولاعبا أساسيا ضمن فريق الدبلوماسيين الأميركيين الذين عملوا في كواليس المفاوضات الصعبة، ما جعل مراقبين يعتبرون عودة "ماكغورك"، يحمل في طياته توجهات أميركية جديدة نحو طهران، بعد حقبة التوتر خلال عهد ترامب، وأن سياسات "بايدن" ستكون مختلفة، وتحاول رأب الصدع، والرجوع إلى سياسة أوباما مرة أخرى.
"تنظيم الدولة"
أدلى "ماكغورك" بشهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، حول التهديد الناشئ لـ"تنظيم الدولة في العراق والشام"، على استقرار الشرق الأوسط برمته.
كان "ماكغورك" شاهدا على الأحداث التي وقعت يوم 9 يونيو/حزيران 2014، عندما كان في "أربيل" عاصمة إقليم كردستان شمالي العراق، واجتاح التنظيم وقتها مدينة الموصل واقترب من بغداد، وسرعان ما انطلق "بريت" إلى بغداد، وساعد في الإشراف على إجلاء 1500 موظف من السفارة الأميركية هناك.
وبعد عودته إلى واشنطن، أعلن وزير الخارجية الأميركي "جون كيري" في 13 سبتمبر/أيلول 2014. تعيين "ماكغورك" سفيرا ونائبا للمبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة.
كانت أول مهمة لماكغورك، أنه التقى في البيت الأبيض بالرئيس "أوباما" وجنرال مشاة البحرية "جون ألين" لمناقشة إستراتيجية بناء تحالف دولي لمكافحة التنظيم المتمدد حينها.
وفي 3 ديسمبر/كانون الأول 2014، عقد اجتماع في بروكسل وتم تشكيل تحالف رسمي من 62 دولة لدعم العراق، ومساعدة الحكومة الجديدة برئاسة رئيس الوزراء "حيدر العبادي" في محاربة تنظيم الدولة، بالإضافة إلى وضع أطر عسكرية ودبلوماسية لدعم هذا الجهد، وكان كل ذلك بمشاركة "ماكغورك".
في ذلك الوقت قاد الدبلوماسي الأميركي المفاوضات مع تركيا لفتح قاعدة "إنجرليك" العسكرية، لاستخدامها في الحرب ضد تنظيم الدولة، بالإضافة إلى المساهمة في إعداد الدفاع التاريخي عن عين العرب "كوباني" في سوريا.
استقالته مسببة
لم تخل مسيرة "بريت ماكغورك" من الأزمات المتعددة داخل البيت الأبيض، لا سيما مع صعود "ترامب" إلى منصب الرئاسة، حيث أبدى إستراتيجية مختلفة عن سابقيه، خاصة في الشرق الأوسط وأماكن النزاع في سوريا والعراق، وتمثلت منهجية "ترامب" في سحب القوات الأميركية تدريجيا، وهو سياق مختلف عن تصورات "ماكغورك".
وفي 31 ديسمبر/كانون الأول 2018، أصدر "ترامب" قرارا مفاجئا بسحب القوات الأميركية من سوريا، حينها تقدم "بريت" باستقالته على الفور، وكتب على حسابه بتويتر: "كان اليوم آخر يوم لي في وزارة الخارجية.. أتمنى التوفيق لزملائي المدنيين والعسكريين السابقين، وهم يعملون في ظل ظروف بالغة الصعوبة لحماية مصالح بلدنا العظيم. كان لشرف لي أن أخدم إلى جانبهم".
بعدها انتقد "ماكغورك"، قرار ترامب، وكذلك انتقد التوغل العسكري التركي ضد "وحدات حماية الشعب" الكردية "ي ب ج" التي تشكل قواتها العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، المصنفة كتنظيم إرهابي من قبل أنقرة.
كما انتقد "أنقرة" لعدم تأمين حدودها الجنوبية الشرقية مع تدفق الأجانب إلى سوريا للانضمام إلى "تنظيم الدولة" في وقت سابق من الصراع، بينما اعتبرت أنقرة الدبلوماسي الأميركي، وجها لسياسة الولايات المتحدة لتسليح "ي ب ج"، خاصة وأن تلك الوحدات تمتلك، علاقات مع حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، الذي يشن حرب عصابات ضد تركيا منذ عام 1984.
Today was my last day at the State Department. I wish my former civilian and military colleagues well as they work under extremely difficult circumstances to protect the interests of our great country. It was a privilege to serve alongside them.
— Brett McGurk (@brett_mcgurk) December 31, 2018
استياء تركي
"ماكغورك" على علاقة وثيقة بحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، ووحدات حماية الشعب (YPG)، وكلاهما مصنفتين كمنظمات إرهابية لدى "أنقرة" التي خاضت ضدهما عمليات مسلحة متعددة، ومنعتهما من السيطرة على مناطق إستراتيجية على حدودها المتوترة.
لذلك استقبلت وسائل الإعلام التركية، تعيين "بريت ماكغورك"، كمبعوث خاص إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشيء من الاستياء وعدم الترحيب.
وهو ما أعلن عنه بوضوح الكاتب التركي "آيتونوتش إيركن" في مقاله بصحيفة "سوزجو" المحلية بتاريخ 9 يناير/كانون الثاني 2021، تحت عنوان: "ماكغورك.. الذي يسلح وحدات حماية الشعب ، يصبح مستشارًا لبايدن".
"إيركن" قال: "ماكغورك هو الاسم الذي شكل سياسة الإدارة الأميركية تجاه سوريا على الأرض، ولعب دورًا نشطًا في إنشاء وتسليح قوات سوريا الديمقراطية التي تضم الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب، الإرهابيتين".
الكاتب التركي في مقالته، ذكر تصريحات وزير الخارجية "مولود تشاووش أوغلو"، خلال عام 2015، ضد الدبلوماسي الأميركي، عندما قال: "بريت ماكغورك يدعم بوضوح حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب"، وعقب "إركين" على ذلك مضيفا: "الرئيس الأميركي الجديد بايدن أخرج سيفا"، في إشارة واضحة على الرؤية السلبية لأنقرة تجاه المبعوث الجديد.
الكاتب التركي نشر صور "ماكغورك"، وهو يحصل على درع تكريم من منظمة وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) خلال زيارته لهم في 1 فبراير/شباط 2016، ووقتها قدم تحية لما أسماهم شهداء الوحدات خلال خوض العمليات العسكرية، بحسب وصفه.
المصادر
- YPG’yi silahlandıran McGurk, Biden’ın danışmanı oluyor
- Brett McGurk SPECIAL PRESIDENTIAL ENVOY FOR THE GLOBAL COALITION TO DEFEAT ISIS
- بايدن يسمي بريت ماكغورك مسؤولاً عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجلس الأمن القومي
- Intel: Biden to pick Brett McGurk for top White House Middle East role Read more: https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2021/01/biden-mcgurk-isis-syria-turkey.html#ixzz6j7Y1Wzud
- كيري يعلن تكليف الجنرال جون آلن كمنسق لجهود القضاء على "داعش"
- مسؤول أمريكي يلتقي قيادات "قوات سوريا الديموقراطية" في كوباني
- Iran Negotiations Add to Special Envoy’s Reputation as ‘a Doer’
- U.S. Seeks to Maintain Fragile Anti-ISIS Alliance in Iraq
- The U.S. and Iran are competing to shape Iraq’s new government. Both are failing.
- Iraq’s Promising New Leadership