تبرئة رموز الدولة العميقة.. لماذا تراجعت الجزائر عن طريق قايد صالح؟
برأت المحكمة العسكرية بالبليدة (غرب الجزائر)، "السعيد بوتفليقة" شقيق الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، وقائدي المخابرات السابقين الجنرالين، "محمد مدين" الشهير بـ"توفيق"، و"البشير طرطاق"، من تهمة "التآمر على الجيش والدولة".
وبعد الحكم الذي صدر في 2 يناير/كانون الثاني 2021، سيغادر الجنرال "توفيق" السجن رسميا، فيما سيبقى "السعيد بوتفليقة وطرطاق" رهن الحبس لوجود أمر إيداع بحقهما في قضايا أخرى.
تبرئة هذه الأسماء، سبقها عودة وزير الدفاع الأسبق "خالد نزار"، إلى الجزائر قادما من إسبانيا على متن طائرة خاصة تابعة لرئاسة الجمهورية، في 11 ديسمبر/كانون الأول 2020، بعد إبطال مذكرة التوقيف الدولية "الإنتربول" الصادرة بحقه في 9 أغسطس/آب 2019.
فهل بدأت الدولة العميقة في الجزائر تطل برأسها، في ظل الحديث عن تسويات محتملة من أجل عودة وجوه من نظام الحكم السابق إلى الواجهة مرة أخرى؟، وهل كانت المحاكمات السابقة مجرد تصفية حسابات فقط بين الأقطاب المتنافسة ضمن النخبة الحاكمة؟.
الدولة العميقة
حين باشر رئيس أركان الجيش الراحل قايد صالح مهامه منذ عام 2018، أحدث عملية تغييرات واسعة داخل المؤسسة، وتبوأ واجهة المشهد السياسي خلال مرحلة الحراك الشعبي، فكان مصير العشرات من الجنرالات والضباط السامين إما السجن أو الفرار.
وفي أيلول/ سبتمبر 2019، أدانت المحكمة العسكرية بالبليدة "خالد نزار" برفقة نجله لطفي، ورجل الأعمال "فريد بن حمدين"، غيابيا بالسجن النافذ 20 سنة، مع إصدار مذكرة توقيف دولية بحقهم، بتهمة "التآمر من أجل المساس بسلطة الجيش والتآمر ضد سلطة الدولة".
ولم تمض شهور من المنفى الاختياري حتى عاد "نزار" في طائرة خاصة لرئاسة الجمهورية واستقبل بالتحية العسكرية، بعدها كانت إعادة محاكمة "السعيد وطرطاق ومدين"، ما اعتبر مؤشرا لافتا على وجود تسويات على مستوى هرم السلطة.
الإعلامي "زهير آيت موهوب" علق على فيسبوك، قائلا: "الآن وقد أودع السعيد سجن الحرّاش (مدني) في قضايا فساد، بات بإمكان نزار وتوفيق وطرطاق استئناف حياتهم. الدولة العميقة أعمق مما تتصورون".
واستقرأ مراقبون من عودة الجنرال وإسقاط تهمة "التآمر" عن البقية، ترتيبات داخل المؤسسة العسكرية وبين أجنحة السلطة، تستهدف ترقيع الشرخ الذي أحدثه على مدار عامين، الجنرال الراحل أحمد قايد صالح القائد السابق للجيش.
ترتيب البيت
الكاتب والصحفي الجزائري "عبد القادر جمعة" قال لإذاعة "مونت كارلو الدولية"، إن ما شهدته الجزائر في السنة الأخيرة هو وضع استثنائي بكل المقاييس، ومحاكمة "نزار" تدخل في هذه التحولات الاستثنائية، إذ جاءت ضمن موجة من التشنجات شهدتها القيادات السياسية والعسكرية في الجزائر، بعد أن حُكم على عشرات الجنرالات.
ويعدّ المحلل، أن عودة نزار هي "تعبير عن إعادة ترتيب بيت المؤسسة العسكرية"، وربطه بتبرئة الفريق "توفيق" من التهم التي نسبت له.
وأكد الكاتب أن المؤسسة العسكرية، وهي المؤسسة المحورية في بنية النظام، تسعى إلى إعادة رص صفوفها ومداواة الجراح التي نتجت عن "فترات التشنج"، كما أسماها الصحفي الجزائري.
وتابع: "الفريق الموجود الآن على رأس المؤسسة العسكرية يحاول أن يلملم أجنحة المؤسسة ويغلق هذه الملفات".
"جمعة" ذهب إلى القول: "من أدخل هؤلاء إلى السجن ليس الحراك، بل قائد الأركان الراحل الفريق قايد صالح، مع وجود جوانب شخصية في الموضوع. التهم التي وجهت لهم هي تهم سياسية، متعلقة بآراء ومواقف".
حراس الهيكل
وفي حديث للإذاعة الدولية، قال أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك بباريس، الدكتور "خطار أبو ذياب": "فريق عمل جديد قد يكون عاد لتعويض غياب الرئيس ويدعم الوضع الانتقالي في الجزائر، خاصة أن التطورات الإقليمية يمكن أن توحي بقلق على الأمن الوطني الجزائري".
وأفاد الخبير، أن "الفريق الجديد الممسك بالمؤسسة العسكرية، وهو الحاكم الفعلي في البلاد، لا يبدو أنه قادر عن الاستغناء عن حراس الهيكل"، مضيفا أن للوضع الإقليمي دور كبير في ذلك، و"بالتالي من الطبيعي أن تبحث المؤسسة العسكرية عن توحيد صفوفها وتسوية وضعها الداخلي".
توقع "أبو ذياب"، أن هذه الأسماء لن تعود إلى الصفوف الأمامية للمؤسسة، لكن الملف الليبي واحتدام الأزمة مع المغرب وأيضا الوضع الاقتصادي، كلها عوامل تحفز النظام على الإمساك بالسلطة، وهي أعذار جديدة تحاول من خلالها المؤسسة العسكرية، إنهاء الحراك الذي يعاني كثيرا.
ولعل ما يؤكد توقعات الخبير، هو تصريح "جمعة"، بأن: "نزار أبدى تأييده لتبون بعد انتخابه، وعبّر عن موقفه الداعم والمساند للمسار السياسي الذي يقوده الرئيس الحالي"، دون أن ينفي أن "من مصلحة النظام الحالي أن يأخذ بعين الاعتبار مطالب الحراك الشعبي".
وفي مقال بعنوان "خالد نزار جنرال جزائري نافذ كسب جميع معاركه"، قال الكاتب المتخصص في الشأن الجزائري، صابر بليدي، إن "عودة عرّاب الصقور تكرس ترتيب أوراق الجيش الجزائري".
وزاد: "إذ يتمتع الجيش بمكانة خاصة في النظام الجزائري المستمد من جيش التحرير الوطني، تداول الكثير من القادة والضباط السامين على قيادته، إلا أن لمسار الجنرال نزار، بصمة مميزة".
قبل أن يتابع: "فهو علاوة على أنه محسوب على رعيل "ضباط فرنسا" الذين اخترقوا جيش التحرير في السنوات الأخيرة للثورة، عايش كل الانقلابات العسكرية المباشرة وغير المباشرة التي عرفتها البلاد في عدد من المحطات.
تصفية حسابات
تساءلت مجلة "لوبوان" الفرنسية إن كانت الأحكام الصادرة عن محكمة البليدة العسكرية "تمثل تنصلاً من سياسة قائد الجيش السابق الراحل الجنرال أحمد قايد صالح، أم أنها إعادة تشكيل للتوازنات داخل النظام الجزائري".
وذهبت "لوبوان" إلى القول: "بالنسبة إلى الجنرال الراحل قايد صالح، فإن كل ما كان يخرج عن مخططه للانتقال الدستوري (الحفاظ على خطة الانتخابات الرئاسية وتجنب أي صوت يسعى إلى أشكال أخرى من الانتقال الديمقراطي للسلطة)، يعد مؤامرة، خاصة وأنه شعر أن شخصه كان مهدداً".
ويميل مراقبون، بحسب المجلة، إلى تحليل التغيرات الحالية في ضوء "التوقيت السياسي الجديد"، بما في ذلك داخل الجيش، ولفتت مصادر "لوبوان" إلى دعوة قائد الجيش الجديد "سعيد شنقريحة"، الجنرال السابق "حسين بن حديد"، إلى احتفالات عيد الاستقلال في يوليو/تموز 2020.
يذكر أن "بن حديد" كان قد قضى عدة أشهر في السجن بتهمة "النيل من الروح المعنوية للجيش"، قبل أن تتم تبرئته في نوفمبر/تشرين الثاني 2020. وتولي الجيش رعايته في فرنسا.
المؤشر الثاني، جاء مع عودة وزير الدفاع السابق "خالد نزار" من منفاه في إسبانيا على متن طائرة رئاسية. وكان قد حكم على هذا الأخير بالسجن 20 عاما بتهمة "التآمر"، وقد كان هو الآخر من أشد المنتقدين لقائد الجيش السابق أحمد قايد صالح.
ونقلت "لوبوان" عن مصدر رسمي جزائري، لم تذكر اسمه، قوله: "هذا ليس تنصلا من السياسة الراديكالية إلى حد ما للراحل قايد صالح، بل إعادة تعديل للمرحلة السياسية الجديدة".
ورأى المصدر، أن "الحراك وإدارة الحشود والحرب ضد التلاعب، كلها عوامل "دفعت أحمد قايد صالح، إلى أن يكون أكثر أكثر حزما".