مصباح يزدي.. رجل دين إيراني قبّل حذاء خامنئي وحارب النظام الجمهوري

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عن عمر ناهز الـ 86 عاما، نعت السلطات الإيرانية، وفاة رجل الدين البارز وعضو مجلس خبراء القيادة، "محمد تقي مصباح يزدي" المعروف بقربه من المرشد الأعلى علي خامنئي، حيث يعتبر من أشهر داعمي التيار المحافظ الذي يوصف بـ"المتشدد".

"مصباح يزدي" توفي مطلع يناير/كانون الثاني 2021، بعد 24 ساعة على دخوله في غيبوبة إثر مرض بالجهاز الهضمي، حيث كان يرقد منذ مدة في إحدى مستشفيات العاصمة طهران، حسبما أفادت وكالة أنباء "فارس" شبه الرسمية.

مفتي القتل

كان "يزدي" أبرز رجال الدين المنظرين للمتشددين في إيران، و"عرّاب" جماعة "جبهة الصمود" المتشددة، التي ساهمت في وصول "محمود أحمدي نجاد" إلى الرئاسة، قبل أن يتراجعوا عن دعمه في العام الأخير من رئاسته، مطلقين تسمية "التيار الانحرافي" على فريقه.

"مصباح يزدي"، الذي نعاه مكتب الرئيس "حسن روحاني"، اشتهر بأنه أبرز خصوم التيار الإصلاحي والرئيس البراغماتي الراحل "علي أكبر هاشمي رفسنجاني".

وبعد انطلاق "الحركة الخضراء" في 2009، قاد التيار المقرب من "مصباح يزدي" حملة ضد الزعيمين الإصلاحيين، "مير حسين موسوي ومهدي كروبي"، وقال: إنهما "خسرا موقعهما الهش بين الإيرانيين".

تيار "يزدي" يعتبر أن "خامنئي" "يفوق ما يستحقه الشعب الإيراني"، وأنه "السيد الخراساني"، الذي يظهر مع المهدي المنتظر، وفق الروايات الشيعية.

عرف "يزدي" بالتطرف الديني منذ صغره وبتوجهه للتفسير الإقصائي للقرآن الكريم والسيرة النبوية وسيرة آل البيت رافضا حوار المذاهب والأديان، عكس ما كان يطرحه الرئيس الأسبق "محمد خاتمي" الذي تبنى بقوة نظرية حوار الحضارات وروج إلى أن للدين قراءات متعددة.

آمن "مصباح يزدي" بفكرة "الفرقة الناجية" وأن ما يراه من تفسير للدين هو الذي يجب أن يسود، وهذا ما اشتهر به في دراساته الحوزوية مع أنه تتلمذ لفترة ما على يد "الخميني" الذي عرف عنه في بحوثه ودروسه العرفانية دعوته إلى أن الطريق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق.

وفي هذا الواقع، اشتهر "يزدي" بمعارضته الشديدة لخاتمي وعهده الإصلاحي إلى درجة أنه أفتى بقتل مهندس الإصلاحات المقرب من خاتمي "سعيد حجاريان" الذي تعرض بالفعل إلى محاولة اغتيال.

المحاولة نفذها فتى من "الباسيج" يدعى "سعيد عسكر" أصابت "حجاريان" بالشلل الدائم، حسبما ذكر الكاتب المختص بالشأن الإيراني "نجاح محمد علي" خلال مقال نشرته صحيفة "العرب" اللندنية في 2 مارس/آذار 2014.

وحسب الكاتب، فإن "مصباح يزدي" أصدر فتوى قتل الكتّاب والسياسيين في قضية "الاغتيالات المتسلسلة" عام 1999. وراح ضحيتها "محمد مختاري وجعفر بويندة وداريوش فروهر وزوجته بروانه إسكندري وبيروز دواني"، ونفذها نائب وزير الاستخبارات آنذاك "سعيد إمامي" مع شلة من النافذين لإرباك حكومة "خاتمي" وإسقاطها بحجة عجزها عن حماية المواطنين وتسببها في زعزعة الأمن والاستقرار.

وتابع: "لولا تدخل خاتمي وإصدار بيانه الشهير الذي كشف خلاله عن جرائم مسؤولي وزارة الاستخبارات، لظل إمامي وزملاؤه بفتوى مصباح يزدي يقضون على نحو 197 مثقفا وكاتبا أجاز مصباح قتلهم".

ومن إحدى فتاواه الدينية المثيرة للجدل، فتوى بحكم "الشرك" على منتقدي ولاية الفقيه، فهو يروج بأن الولي الفقيه ما هو إلا نائب الإمام "المهدي المنتظر" الغائب ويملك كل صلاحياته وصلاحيات النبي المعصوم، ولا يملك الشعب إلا الانقياد له وتنفيذ أوامره ولا يحق للشعب الاعتراض بل ولا تجوز استشارته ومشاركته في القرار.

وتأسيسا على هذه النظرية، فإنه اعترض على قرار الإمام "الخميني" بتأسيس نظام يجمع بين المشاركة الشعبية وولاية الفقيه الجامع للشرائط وظل طوال حياة "الخميني" منزويا يغمز على الانتخابات والمشاركة الشعبية برغم أنه شارك شخصيا في انتخابات مجلس الخبراء عن محافظة خوزستان وانتخب عضوا في المجلس المسؤول عن انتخاب القائد الولي الفقيه بعد وفاة "الخميني"، ومراقبة أدائه.

وصرح "يزدي" أن وظيفة مجلس الخبراء تنحصر فقط في "كشف" الولي الفقيه لتظهيره للناس، لأنه موجود أساسا بصفته نائبا للإمام المهدي المنتظر، بينما صرح "رفسنجاني" أن مجلس الخبراء ينتخب واحدا من الفقهاء الموجودين للقيادة إذا وجده مؤهلا جامعا للشرائط، وأن أعضاء هذا المجلس ينتخبون من قبل الناس، فهم إذن من يعين الولي الفقيه ومن غيره فهو لا يمتلك أية مشروعية.

تقبيل الحذاء

دفع هذا التشدد حول مقام الولي الفقيه بمصباح يزدي إلى الانحناء يوما لتقبيل حذاء "خامنئي" أثناء زيارة لافتة قام بها المرشد له في منزله، ولم يكن يفعل ذلك مع الخميني- الذي كان بالنسبة للشيعة مرجعا دينيا من الطراز الأول- قبل أن يصبح الولي الفقيه في إيران بعد سقوط نظام الشاه في فبراير/ شباط 1979.

كان "خامنئي" في حينها بمرتبة "حجة الإسلام" (أقل من آية الله) وخطيبا منبريا قبل أن ينتخبه مجلس الخبراء بعد وفاة الخميني في يونيو/حزيران 1989.

وعن حادثة تقبيل حذاء "خامنئي"، قال الكاتب الإيراني، "عطاء الله مهاجراني"، خلال مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" في 2009: "عندما ذهب آية الله خامنئي إلى قم، زار آية الله مصباح يزدي في منزله. وعندما كان آية خامنئي في طريقه إليه، كان مصباح ينتظره عند الباب، وكان حدثا فريدا. فعندما وصل خامنئي، ركع مصباح وأمسك بقدمه وأخذ يُقبّل حذاء خامنئي".

وأضاف: "أذاع معهد مصباح في فخر فيلما يصور الواقعة! ووفقا لرأي مصباح، كان ذلك كناية عن إيمانه بولاية الفقيه، فالجميع لا شيء أمام الولي الفقيه. وهو كل شيء، وجميع الناس لا شيء".

كما أن "يزدي" كان معاديا للنظام الجمهوري، إذ يقول: "ليس لدينا في الإسلام جمهورية، والإمام الخميني كان هدفه الحكومة الإسلامية، ولجأ إلى النظام الجمهوري من باب المصلحة فقط، وإن اختيار الإمام الخميني للنظام الجمهوري كان بناء على مقتضيات ما قبل الثورة".

وأخيرا شن "مصباح يزدي" هجوما عنيفا على الرئيس "حسن روحاني" واتهمه تلويحا بالكذب، وتعرض هو بسبب ذلك إلى انتقادات من جمهور واسع من الإيرانيين، لأنه ناقض نفسه عندما اعتبر "أحمدي نجاد" منصبا من قبل الولي الفقيه وتجب إطاعته فلماذا لا تسري هذه الطاعة على "روحاني" ومن قبله الرئيس الأسبق "محمد خاتمي" وكلاهما عينهما الولي الفقيه نفسه.

كما لا يتورع "مصباح يزدي" عن توجيه انتقادات قوية إلى الخلفاء الراشدين، وقد تسبب خطاب ألقاه مؤخرا وأساء فيه إلى الخليفة عثمان بن عفان في أن تقوم منظمة "جيش العدل" البلوشية المسلحة، بخطف 5 من حراس الحدود عام 2014، انتقاما لعثمان وأم المؤمنين عائشة، على حد تعبيرها.

رجل النظام

ولد "محمد تقي مصباح يزدي" عام 1934. في مدينة يزد بإيران، وبدأ دراسته في سن السابعة وبعد إتمام الابتدائية دخل الحوزة العلمية في يزد، وأتم مرحلة المقدمات والسطح هناك (أشبه بمراحل الإعدادي في المدارس الدينية) ثم هاجر إلى مدينة النجف العراقية عام 1952، ودخل حوزتها العلمية.

بعد مضي عام على سفره، عاد إلى مدينة "يزد" الإيرانية ثانية فحضر دروس البحث الخارج في الفقه للخميني، وكذلك دروس المرجع الشيعي "محمد حسين الطباطبائي" في التفسير والفلسفة، إلى جانب بحوث الفقه العليا للمرجع "محمد تقي بهجت" لمدة 15 عاما.

مارس "يزدي" نشاطاته السياسية قبل الثورة على نظام الشاه في إيران عام 1979، وكان له دور فعال في المجال الثقافي إلى جانب عدد من رجال الدين أمثال "البهشتي، ومرتضى المطهري"، حيث شارك معهم في تطوير الحوزة العلمية، وتقريبها إلى الجامعة.

يزدي الذي وصل مرتبة "آية الله" وهي أكبر مرتبة علمية عند الشيعة، قام برفقة مراجع إيران جنتي، وبهشتي وقدوسي بإدارة مدرسة "المنتظرية" للعلوم الدينية في "قم" وألقى فيها دروسا في علم الفلسفة، علم الأخلاق، وعلوم القرآن لمدة 10 سنوات، وأسس "يزدي" مؤسسة "في طريق الحق" العلمية الثقافية، ثم أسس قسما تعليميا بها.

بعد الإطاحة بحكم الشاه ووصول "الخميني" إلى سدة الحكم، اختير "يزدي" عضوا فعالا في اللجنة الثورية الثقافية، وشارك في فعاليات تأسيس مكتب التنسيق بين الحوزة والجامعة، وبتشجيع من "الخميني" أسس مؤسسة "باقر" للعلوم العلمية التحقيقية، ثم مؤسسة "الإمام الخميني" للتعليم والبحث العلمي.

شغل "يزدي" حتى وفاته منصب رئيس مؤسسة "الإمام الخميني"، ورئاسة المجلس الأعلى للمجمع العالمي لأهل البيت، وعضوية جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بمدينة "قم" إلى جانب عضوية المجلس الأعلى للثورة الثقافية.

انتخب عام 1990. نائبا عن محافظة "خوزستان" في "مجلس خبراء القيادة"، كما انتخب فيما بعد نائبا عن أهالي طهران في المجلس ذاته، لكنه كان أحد أبرز الخاسرين في انتخابات "مجلس خبراء القيادة" في دورتها الأخيرة، بعدما أطلق الإيرانيون حملة للتصويت ضده.