الجزائر وفرنسا تحاولان طي صفحة الماضي الاستعماري.. العوائق والحلول

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة لوموند الفرنسية الضوء على قضية طي الماضي الاستعماري وفتح صفحة جديدة مع الجزائر التي لم تتحقق حتى اليوم بسبب عدم اعتراف "باريس" بجرائم الاستعمار.

وتطرقت الصحيفة في 28 ديسمبر/كانون الأول. إلى التصريحات الأخيرة التي أعلنت فيها الجزائر، أنها لن تطوي صفحة الماضي الاستعماري مع فرنسا، تزامنا مع اعتزام الأخيرة إعلان تقرير جديد بشأن هذا الملف.

وفي 21 ديسمبر/كانون الأول. قال "عبد المجيد شيخي"، مستشار الرئيس الجزائري لشؤون الذاكرة: "موقفنا مستقر نحن كجزائريين لن ننسى أو نطوي صفحة الماضي (في إشارة لفترة الاستعمار)، ونطالب باسترجاع الوثائق التي هربتها فرنسا خلال الحقبة الاستعمارية".

ولم يوضح المسؤول الجزائري سبب رفض بلاده لطي هذا الملف، خصوصا وأن ذلك يتزامن مع تحضير فرنسا لتقرير جديد لمعالجة ملف "الماضي الاستعماري" الشائك مع الجزائر. 

وقبل أسابيع أعلن الرئيسان الفرنسي "إيمانويل ماكرون" والجزائري "عبد المجيد تبون"، تعيين مؤرخين اثنين ممثلين عن كل منهما لبحث هذا الملف، إذ عُين عن الجانب الفرنسي "بنيامين ستورا" وعن نظيره الجزائري "عبد المجيد شيخي".

وقالت الرئاسة الجزائرية في بيان سابق: "إن ماكرون أبلغ تبون بأن تقرير بلاده بشأن هذه الملفات سيكون جاهزا في يناير/كانون الثاني 2021". 

فيما أوضحت وسائل إعلام فرنسية، أن "ستورا" رفع تقريرا لماكرون، يتضمن تصورا جديدا لمعالجة ملف الماضي الاستعماري مع الجزائر، دون الكشف عن محتواه وبنوده.

ومنذ ربيع عام 2019، توقفت المفاوضات بين "الجزائر وفرنسا" حول ملفات الذاكرة عقب رحيل الرئيس الجزائري السابق "عبد العزيز بوتفليقة"، إثر انتفاضة شعبية حاشدة في البلاد.

وتشهد العلاقات بين "الجزائر وفرنسا" توترا دائما، بسبب الحقبة الاستعمارية (من 1830 إلى 1962) إذ تطالب باعتذار رسمي عن جرائم الحقبة وحل ملفات مرتبطة باستعادة الأرشيف وتعويض الضحايا.

وفي مقابلة مع صحيفة "لوموند"، كرر "شيخي" المطلب الجزائري بإعادة "أصول" المحفوظات التي نقلت إلى "باريس" بعد استقلال عام 1962 "كاملة"، مع الاعتراف بأن بعض الوثائق المتعلقة بـ "أمن فرنسا" يمكن مناقشتها "على أساس كل حالة على حدة".

إدارة الذاكرة 

وتقول الصحيفة: "قرر البلدان من خلال كلا الرئيسين، طرح مشكلة الذاكرة هذه على الطاولة. إنها مبادرة جيدة للغاية، لا يمكننا إطالة أمد الأوضاع التي تمنع البلدين، الشعبين، من المواجهة".

ولفتت إلى أنه "يجب أن نحاول التغلب على هذا الوضع،  بغض النظر عن الألم الذي يشعر به كلا الجانبين. لا يزال يتعين عليك معرفة المقصود بالذاكرة وإدارة الذاكرة".

ويقول شيخي: "قد يكون موقفنا سياسيا ونفسيا بعض الشيء، لكن لا شيء في سلوكنا يسمح لنا بمحو التاريخ، ولا نستطيع ذلك وهنالك  يكمن "مربط الفرس"، فالتاريخ يتحدانا ويسائلنا".

 ومع ذلك، هناك طرق لإدارة هذا التراث، إذا تمكنا من استخدام المصطلح، بحيث يبدأ كلا البلدين رؤية جديدة للأشياء، أي مواجهة نفسيهما في المستقبل دون نسيان التاريخ ومحاولة إحيائه، وفق قوله.

وتابع: "لقد تم محو تاريخنا لفترة من الوقت، حاولوا إجبارنا على ارتداء عباءة ليست لنا، ومن البدهي أنه عندما نعود للطبيعة، فإننا نمتطي  الأحصنة. لقد تعرض الشعب الجزائري لسوء المعاملة والقمع وانتهاك لحقوقه، وقد خلف ذلك ندوبا، ولكن ما العمل؟".

وأردف: " لن نعود في كل مناسبة، لإظهار الأحقاد واستئناف القتال مرة أخرى عبر الكلمات والحملات الإعلامية، يجب أن نحاول مع "بنيامين ستورا" صياغة سبل للتفاهم والتعاون. لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به في فرنسا، ويجب أن يتم ذلك داخل المجتمع الفرنسي ككل". 

ولفت إلى أنه بسبب عدم حل تلك المعضلة، "نتعرض أحيانا لحملات شديدة القسوة، ترتكز على شعارات لم يعد هناك سبب لوجودها".

طوال فترة الاستعمار، كذبت المؤسسات الفرنسية على المواطنين، وقالت لهم: "إن الجزائر فرنسية. من الطبيعي جدا أن يشعر الشخص المولود هنا، والذي له جذوره هنا، بالإحباط" حسبما تقول لوموند. 

ويضيف شيخي: "أنا متفهم نفسيا لذلك جيدا، هذا سلوك طبيعي تماما، لكنه صادر عن كذبة. لو كانت "الجزائر" فرنسية لما قاومنا. لم نكن لنخوض حروب التحرير. على المواطن الفرنسي أن يفهم أن "الجزائر" كانت محتلة، ثم كتبت صفحة جديدة تعيد السيادة للجزائر وتتركها تشق طريقها منذ عام 1962".

 هذا ما لا يريد كثير من الفرنسيين أو الجزائريين سابقا أن يفهموه، والجزائر لا علاقة لها بذلك، بحسب قوله.

وأوضح أنه "يجب على وسائل الإعلام والطبقة المثقفة أن تقول الحقيقة للشعب الفرنسي: نعم، كان الاستعمار موجودا، هناك الكثير من العمل التربوي الذي يتعين القيام به، خاصة بين أولئك الذين ينشرون الأكاذيب طوال اليوم، مثل الذي يقدم نفسه كمؤرخ ويخبرك أن الجزائر لم تكن موجودة قبل عام 1830".

معذرة، هذا تهويل كبير، فالجزائر كانت هنا، كما هو معروف في جميع أنحاء العالم منذ وقت طويل حتى قبل قرطاج، بحسب شيخي.

وبين أنه "مع فرنسا، حافظنا على علاقات كانت في بعض الأحيان قوية جدا بعد عام 1962، وهذه العلاقات مثمرة للعديد من الفصول. فلماذا لا نستمر في هذا الاتجاه ولكن نقول الحقيقة للجميع؟".

ما المطلوب؟

ومع ذلك أوضح أن "الرئيس ماكرون اتخذ مواقف شجاعة بما يكفي لمحاولة بدء هذا العمل الأساسي، لكن هذه الأفكار في الوقت الحالي، لا تجد الكثير من الصدى في فرنسا. سوف يتطلب الأمر الصبر والشجاعة لمواجهة المواقف".

وبين أن "المصالحة الحقيقية يعيقها عدد من الخلافات، بما في ذلك أولئك الذين اختفوا من الحرب، واستعادة المحفوظات التي تطالب بها الجزائر، والعواقب الصحية والبيئية للتجارب النووية في الصحراء".

ولكن، ما هي المبادرات التي يجب أن تتخذها فرنسا؟، تقول "لوموند": "الأولوية هي المحفوظات (الأرشيفية). وفي هذا الصدد، تجري مباحثات مع السلطات الفرنسية على مختلف المستويات، وخاصة مع الأرشيفات الفرنسية".

وتابع شيخي: "نحن نقف مكتوفي الأيدي منذ ستين عاما، نسمع نفس الشيء ونقول نفس الشيء، نواجه مشكلة وهي متناقضة تماما: وحدها فرنسا، دون العالم كله تقريبا، هي التي تبنت موقفا يتعارض مع القانون الدولي".

 وتنص اتفاقية "فيينا" لعام 1983. على أن المحفوظات تنتمي إلى المنطقة التي تم إنشاؤها فيها. هذا هو المبدأ العظيم الذي يتبناه الجميع باستثناء فرنسا، حسبما يقول عبد المجيد شيخي.

وعن "الأرشيفات"، يرى أن بعضها قد تتعلق بأمن فرنسا وقد تكون ملكها، "لكن البقية تعود لنا، إذا كان هناك اتفاق على التفاهم، فنحن على استعداد لعمل نسخة وتقديمها لشركائنا الفرنسيين. لا توجد مشكلة، وقد ناقشنا ذلك مطولا".

وتطرقت "لوموند" في حوارها مع "شيخي" إلى التجارب النووية التي استمرت فيها فرنسا حتى عام 1966. في الصحراء بتفويض من الدولة الجزائرية المستقلة حديثا. 

وتطالب "الجزائر" الآن بالشفافية بشأن العواقب الصحية والبيئية لهذه الاختبارات، وحتى التعويض عن الآثار اللاحقة الكبيرة لهذه التجارب.

وقال شيخي: "لقد فهم المفاوضون الجزائريون أن هذه تجارب معملية وليست انفجارات. وعندما حزمت السلطات الفرنسية أمتعتها، لم تعد تتعامل مع تداعيات هذه التفجيرات، ولا ترعى الأفراد المتضررين. هذا ما هو محبط للجزائريين وخاصة لكل الضحايا".

لم يكن لدى "الجزائر" الوسائل العلمية لرعاية المتضررين، أما بالنسبة للتلوث المادي للأرض ، فهو أقل من ذلك. وقد تم تجاهل المشكلة.

مع ذلك، تستمر العواقب، وأحيانا تزداد، ويقول شيخي: "رأيت تشوهات خلال زياراتي للصحراء ورأيت الكثير من الأشياء، لا توجد لدينا الوسائل التقنية للتعامل مع حجم المشكلة".

بعد عام 1962، كانت الجزائر مهتمة بتقدمها، كان هذا هو برنامج الرئيس "هواري بومدين" وكان لا بد من مواجهة مطالب اجتماعية ضخمة. في ظل هذه الظروف، لم يتم اعتبار نتائج التجارب النووية من الأولويات، بحسب شيخي.

خاصة أنه في ذلك الوقت، في السنوات ما بين (1960 و1970 و1980)، لم تظهر الآثار اللاحقة بطريقة مهمة للغاية. ثانيا، لم تتمتع "الجزائر" بالاستقرار الذي كان من شأنه أن يسمح لها بالمضي قدما في هذه القضية.