في ظل أزمات استثنائية.. هل تحمي موازنة 2021 "العادية" الأردنيين؟
"خالية من أي جديد".. هكذا يستقبل الأردن العام الجديد بموازنة 2021، في ظل تفاقم المديونية العامة للمملكة، ومع "أزمة كورونا" التي اعتصرت الاقتصاد المحلي، وقيدت نشاطاته، وقفزت بمؤشر البطالة لتزيد من الأعباء الاجتماعية على المواطن.
ومطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلنت الحكومة الأردنية، مشروع موازنتها لعام 2021. بعجز متوقع 2.05 مليار دينار (2.89 مليار دولار) بعد المنح، مقارنة مع 2.1 مليار دينار (2.96 مليار دولار) لسنة 2020.
واعتمدت الحكومة موازنة توسعية بإجمالي إنفاق سيصل العام المقبل إلى 11.3 مليار دينار (12.1 مليار دولار)، موزعة على إنفاق بالموازنة المركزية بحجم 9.93 مليارات دينار (10.6 مليارات دولار).
كما اعتمدت لموازنات الوحدات الحكومية ما مقداره (1.5 مليار دينار)، والتي ستعتبر الأعلى في حال تحقيق هذا الزخم من الإنفاق، سعيا للخروج من نفق الانكماش في نمو الناتج المحلي الإجمالي البالغ نسبته 3 % إلى نمو مستهدف في الناتج نسبته 2.5 %.
فيما قال وزير المالية، "محمد العسعس"، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2020: إن "الحكومة لن تفرض ضرائب جديدة لسد العجز في الموازنة".
ومما يقيض موازنة المملكة هو الدين العام المستحق على الأردن، الذي شهد ارتفاعا في الشهور الثمانية الأولى من العام الجاري، على أساس سنوي، بنسبة 11%، إلى 26.54 مليار دينار (37.4 مليار دولار) بنسبة 85% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.
كما أظهرت بيانات رسمية، ارتفاع معدل البطالة في الأردن إلى (23.9%) في الربع الثالث من العام الجاري، وهو ما يحذر منه الخبراء الاقتصاديون في ظل "جائحة كورونا" وإغلاق للعديد من القطاعات.
موازنة عادية
وتأتي تلك الموازنة خارج التوقعات، في ظل ما تشهد البلاد من تحديات اقتصادية واجتماعية نتيجة "أزمة كورونا" التي ألحقت أشد الضرر بالفئات الفقيرة والأكثر احتياجا، وتنذر بسقوط ملايين من الناس في براثن الفقر بالبلاد.
وقال الخبير الاقتصادي، حسام عايش: إن "أزمة كورونا غيرت الكثير من المعطيات الاقتصادية والاجتماعية، وحولت الحكومات من مجرد مشاركة في الاقتصاد إلى مسؤولة عن الاقتصاد والحياة الاجتماعية، وبالتالي أصبح عاتق المسؤولية أكبر بكثير على كافة الحكومات بما فيها حكومة الأردن".
وأشار "عايش"، في حديث مع "الاستقلال"، إلى أن "موازنة الأردن لعام 2021. لم تعكس هذا التحول، فنرى موازنة عادية في ظروف غير عادية، في وقت يستدعي شكلا جديدا ومتطورا على مستوى ترتيب الأوليات والنفقات، بأن تكون واضحة في ما تخصصه للقطاع الصحي ومواجهة كورونا".
وتابع: "حتى لو أشارت الموازنة إلى تخصيص 165 مليون دينار للصحة فذلك غير صحيح، لأن الحكومة تعاملت مع الأمور في إطار الإنفاق، فيما كان يفترض أن تتعامل معه، باعتباره استثمارا في مواجهة كورونا يسرّع القدرة على التعافي، ويؤدي إلى استدامة قدرة القطاع الصحي على مواجهة مثل هذه الأزمات".
وبلغ إجمالي عدد الوفيات بالأردن بسبب "جائحة كورونا" نحو 3652 حالة، والإصابات إلى 281 ألفا و983، منذ بداية رصد الجائحة في مارس/آذار الماضي، فيما يبلغ عدد الحالات النشطة حاليا 26173.
وحول مخصصات الدعم، يرى الخبير الاقتصادي، أنه "على الموازنة أن تستوعب أيضا دورها الاجتماعي الجديد"، مشيرا إلى أنه "بدلا من تخصيص مزيد من النفقات للحماية الاجتماعية كزيادة صندوق المعونة الوطنية بنحو (38%) ليصبح حجمه نحو 200 مليون دينار".
في مقابل إيقاف الدعم المقدم للخبز، والذي كان يقدر بنحو 130 مليون دينار، كان يمكن أن يبقى هذا الدعم تحت مسمى آخر بدلا من الخبز على أن يلعب دورا في الحماية الاجتماعية، ليكون هناك إضافة حقيقية بجانب الزيادة الحاصلة في صندوق المعونة الوطنية، بحسب "عايش".
وأبلغ مسؤول أردني رفيع المستوى صحيفة "العربي الجديد"، أن الحكومة قررت إلغاء الدعم النقدي المباشر للخبز للفئات الفقيرة ومتدنية الدخل، اعتبارا من العام المقبل، بعد ثلاث سنوات متتالية من صرفه بسبب ارتفاع أسعار الخبز.
وكانت الحكومة الأردنية قد قررت منذ يناير/كانون الثاني 2018. رفع الدعم عن الخبز، وصرف دعم نقدي مباشر للفئات الفقيرة ومتدنية الدخل، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة تجاوزت 100% لبعض الأصناف.
وفيما يتعلق بالاستثمار، أوضح "عايش"، أن الإنفاق الاستثماري البالغ حوالي 1.2 مليار دينار، كان يمكن أن يوجه مباشرة لقطاعات الاقتصاد الحقيقي، مثل الزراعة والصناعة وبخاصة صناعات مستلزمات الوقاية الصحية، والصناعات الرقمية والتكنولوجية، للمساهمة في تسهيل أداء الأنشطة والأعمال حتى في ظل الإغلاق.
وأنه كان من المفترض، أن تكون الحكومة أكثر إدراكا لأهمية الأمن الغذائي والصناعة الغذائية، من خلال توجيه معظم المخصصات إلى القطاعات الحيوية، لا أن يتم التعامل مع باب النفقات على أنها مصروفات قائمة ومستمرة وقيد التنفيذ.
وبالنظر إلى ما يأتي تحت مسمى "المشاريع الجديدة" بالموازنة في كل الحالات السابقة، فإن هذه المشاريع لا تخدم الحاجة الحقيقية، فلا يمكن أن تأتي النفقات الاستثمارية لمثل تلك المشاريع على حساب عجز كبير في الموازنة يتجاوز 2.2 مليار دينار.
وأكد "عايش"، أن "موازنة 2021. كانت يجب أن تكون موازنة طوارئ للخروج من الأزمة"، مشيرا إلى أن "الحديث عن أنها موازنة توسعية غير دقيق، لأنها ليست توسعية بالمعنى الإستراتيجي، فالنفقات زادت لأن فوائد الديون ارتفعت والعلاوات أعيد العمل بها، وبالتالي هي موازنة تقل بشكل واضح عن التوقعات".
أسوأ ركود
ورغم العجز الحاصل بالموازنة إلا أن الحكومة تحدثت عن عدم فرض مزيد من الضرائب، ويتزامن ذلك مع عزم الحكومة اقتراض نحو (9.8 مليارات دولار) خلال العام المقبل 2021، لمواجهة الاحتياجات التمويلية المتزايدة.
ومن المتوقع أن تصل نسبة الديون إلى (111.7%) من الناتج المحلي الإجمالي للدولة بنهاية العام الجاري، لا سيما بعد أن بلغت حوالي 45 مليار دولار، بشقيها الداخلي والخارجي نهاية أغسطس/آب الماضي.
وأوضح "عايش"، أن عدم فرض ضرائب جديدة، ليس بالأمر الذي تفاخر به الحكومة الأردنية، مشيرا إلى أن دول العالم لم تفرض ضرائب في ظل ظروف كورونا، بل بعض الدول خفضتها أو أوقفتها ودول أخرى قامت بما يشبه تخفيض الضرائب، "مما يعني أنه أمر استثنائي قامت به الحكومة الأردنية".
وعدم فرض مزيد من الضرائب يستدعي سداد عجز الموازنة التقليدية بالمزيد من الديون التي يتوقع لها المحللون أن تتجاوز تقديرات الحكومة والمؤسسات الدولية على السواء.
ووفق تحليل الخبير الاقتصادي، فإن مديونية البلاد مرتفعة، وسترتفع أكثر بحجم عجز الموازنة، ومن ثم ستعود الفوائد والأقساط على هذه المديونية بمزيد من الارتفاع، مما يعني مزيدا من الاقتطاع من الإيرادات المحلية لسداد تلك الديون.
ومع استمرار عجز الموازنة الذي يتحول إلى ديون وانخفاض النمو الاقتصادي، فلن يكون هناك دور حقيقي لاستقطاب أو خلق استثمارات جديدة، وبالتالي سترتفع البطالة ومعدلات الفقر.
ويتوقع "البنك الدولي" أن يشهد الأردن أسوأ ركود له منذ عام 1989، إذ يتوقع أن يقفز الدين العام من (98.9%) من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 إلى (111.7%) من الناتج المحلي الإجمالي في 2020. وأن يصل إلى ذروته عام 2021، ثم يعود إلى مستوى عام 2020. بحلول عام 2024.
دور الحكومة
وفي خضم ذلك، يظل المواطن الأردني أسير تلك المعطيات الاقتصادية التي كشفتها "أزمة كورونا" وقادتها إلى مزيد من التدني، مما يتطلب من الحكومة ضرورة العمل على دفع النشاط الاقتصادي، لكبح معدلات البطالة حتى يستطيع المواطن تلبية احتياجاته الأساسية على أقل تقدير.
ويتوقع البنك الدولي، أن تؤدي حالات الإغلاق المحلية نتيجة "فيروس كورونا"، والتباطؤ الاقتصادي العالمي، واضطرابات التجارة، وتعليق السفر الدولي، وتراجع تحويلات العاملين في الخارج، إلى زيادة معدلات الفقر في المدى القصير بنسبة 11% في الأردن لتصل إلى نحو 27% من الأردنيين.
لذلك يرى "عايش"، أن "البطالة هي انعكاس لسوء تنظيم العملية الاقتصادية وأولوياتها، ابتداء من الموازنة".
وطالب الحكومة بـ"تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، لإتاحة الفرصة أمام الشباب، لخلق مشاريع تدعم البنية التحتية والتسويقية ودراسات الجدوى المتعلقة بها، من خلال تقديم التمويل الحقيقي لعشرات الآلاف من طلاب العمل والباحثين عنه سنويا، والذي يقدر بحوالي 100 ألف شخص".
وأوضح "عايش" في ختام تصريحه لـ"الاستقلال" أن "الفرص التي يخلقها الاقتصاد الأردني حتى قبل أزمة كورونا هي هامشية ولا تحتاج إلى مهارات ولا تخلق قيمة مضافة، لذلك نرى ارتفاع معدلات الفقر لدى حاملي الشهادات الجامعية، لذا وجب تغيير تلك السياسة والاتجاه إلى آليات الإنتاج الحقيقي".