الصادق المهدي.. 6 عقود من محاولة إعادة الديمقراطية إلى السودان

12

طباعة

مشاركة

ودع السياسي والمفكر السوداني الصادق المهدي الحياة، بعد أكثر من ثمانية عقود حافلة بالعطاء، ومليئة بالأحداث والاضطرابات السياسية.

ففي مساء 25 نوفمبر/تشرين الثاني، أُعلنَ عن وفاة الصادق المهدي زعيم حزب الأمة السوداني وآخر رئيس وزراء منتخَب ديمقراطياً، عن عمر ناهز 84 عاماً، بعد إصابته بفيروس كورونا.

شهد الصادق المهدي، منذ انخراطه في معترك السياسة، مطلع ستينيات القرن الماضي، فترات تأرجحت فيها السودان بين عقود من الديكتاتورية وسنوات معدودة من الحكم الديمقراطي، كان هو أحد أبرز الحاضرين فيها والشاهدين عليها.

ففي الستة العقود الماضية شهد السودان 4 انقلابات، و6 محاولات فاشلة، وقد كان الصادق المهدي أحد ضحايا تلك الانقلابات أو شاهدا عليها بشكل مباشر أو غير مباشر.

وأُطيحَ بالمهدي في انقلاب عسكري عام 1989، أوصل الرئيس السابق عمر البشير إلى السلطة ليقتاد إلى السجن.

وظلّ المهدي معارضاً لنظام البشير حتى الإطاحة به في أبريل/نيسان 2019، على يد الجيش، عقب أشهر من الاحتجاجات الشعبية.

وعاد الزعيم المعارض إلى الخرطوم نهاية 2018 بعد مكوثه نحو عام في منفاه الاختياري في بريطانيا. وجاءت العودة عقب اندلاع احتجاجات السودان، في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 بسبب الغلاء وسوء الأوضاع المعيشية.

وبالرغم من اقتحامه ميدان السياسة في وقت مبكر، وتقدمه في العمر، إلا أنه استمر في معركته ومواقفه حتى الأيام الأخيرة من عمره، مستفيدا من الخبرة والمكانة السياسية التي حازها خلال 6 عقود، والسلطة الدينية التي ورثها عن عائلته في ترؤس جماعة الأنصار، الطائفة الدينية الأشهر في البلاد.

عائلة ثورية

ينحدر الصادق المهدي من أسرة ثورية وسياسية بارزة، فقد ولد في 25 ديسمبر/كانون الأول 1935، في العباسية بأم درمان، لأب سياسي وقائد ثوري.

فقد كان جده محمد أحمد المهدي زعيما سودانيا وشخصية دينية نجح بتحرير الخرطوم عاصمة البلاد، بعد أن قتل الجنرال البريطاني تشارلز غوردون الذي حكم السودان في 1885، وقام بتحويل العاصمة إلى أم درمان.

في حين كان والده الصديق المهدي سياسيا مخضرما، حيث قاد وفد الجبهة الاستقلالية لمجلس الأمن في نيويورك عام 1947، وشارك في العمل السياسي لحزب الأمة حتى أصبح رئيسا للحزب عام 1949، وبموازاة ذلك فقد كان إماما لطائفة الأنصار في 1959، خلفا لإمام الطائفة عبدالرحمن مهدي.


ونتيجة لتلك التراكمات التي ورثها من عائلته، فقد حظى المهدي هو الآخر بخبرة سياسية واقتصادية واسعة، وأصبح من أهم السياسيين والمفكرين السوداني، وإماما لجماعة الأنصار.

وقد جمع بين السلطة الدينية و السياسية، فقد أصبح رئيسا "لحزب الأمة القومي"، بعد عامين من عمله في الحقل السياسي مطلع الستينيات، وكان آخر رئيس وزراء منتخب ديمقراطيا في السودان في نهاية الثمانينيات.

في نوفمبر/تشرين الثاني 1964، انتخب المهدي رئيسا لحزب الأمة، وقاد حملة لإصلاح الحزب، وعمل على تطوير العملية السياسية في السودان، وما لبث أن أصبح رئيسا للوزراء عام 1966، عن حزب الأمة.

لم تدم رئاسته للوزراء طويلا، فبعد نحو عام أي في مايو/أيار 1967، تم الإطاحة به من قبل ائتلاف حزبي معارض، غير أنه تبوأ منصب رئيس الوزراء مرة أخرى في 1986 ليمكث فيه 3 سنوات حتى الإطاحة به عبر انقلاب عسكري عام  1989 وهو الانقلاب الذي أوصل رئيس السودان السابق عمر البشير إلى منصب الرئاسة.

حياته العلمية 

لم تكن الخبرة السياسية التي حازها، نتاج توريث من العائلة الشهيرة بالسياسة، بل كانت نتاج جهد بذله الصادق في الدراسة في أهم الجامعات.

فقد بدأ حياته العلمية بالدراسة في الخلوة ثم الكُتّاب في طفولته، ثم تدرج في المراحل الدراسية، والتحق بعدها بعدة جامعات منها جامعة الخرطوم في عام 1952، ثم كلية القديس يوحنا بجامعة أوكسفورد ودرس الاقتصاد والسياسة والفلسفة منذ عام 1954 وحتى 1957، ثم حصل بعد ذلك على شهادة الماجستير من جامعة أكسفورد.

وكطالب درس الاقتصاد فقد ابتدأ حياته العملية كموظف في وزارة المالية، ثم استقال من مركزه في الوزارة بعد انقلاب 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1958.

وعمل بعد ذلك مديرا للقسم الزراعي بدائرة المهدي، وكان رئيسا لاتحاد منتجي القطن بالسودان، ومنذ مطلع الستينيات دخل المعترك السياسي، منخرطا في صفوف المعارضة.

وبعدها، ترأس الجبهة القومية المتحدة في الفترة من 1961 وحتى 1964، ثم انتخب رئيسا لحزب الأمة عام 1964، لينتخب بعد ذلك رئيسا للوزراء عن حزب الأمة في 25 يوليو 1966، ويتم الإطاحة به في مايو 1976، ليعود ويرأس الجبهة الوطنية في الفترة من 1972 وحتى 1977، قبل أن ينتخب مرة ثانية كرئيس لحزب الأمة القومي في مارس 1986.

كان الصادق المهدي مفكرا تنويريا وقد ألف عدة كتب منها "تحديات التسعينيات"، و"الديمقراطية عائدة وراجحة"، و"مسألة جنوب السودان"، و"الجهاد من أجل الاستقلال"، و"يسألونك عن المهدية"، وكتاب "العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الإسلام".

وبالرغم من تلك السيرة إلا أنه تعرض للاعتقال عدة مرات، وذلك في عام 1969 و1973 و1983 و 1989 ، وكان آخر اعتقال له في 2014 على خلفية انتقادات وجهها للسلطة في السودان. 

الديكتاتورية والتطبيع

امتدادا لنشاطه المعارض للأنظمة الديكتاتورية، فقد أيد الصادق المهدي ثورات الربيع العربي التي اندلعت في ديسمبر/كانون الأول 2010.

وفي إحدى ندواته في أبريل/نيسان 2014، قال المهدي: "إن الربيع العربي لم ينته، وقطاره ماض إلى محطته الأخيرة، وما تشهده المنطقة العربية من تطورات وأحداث ليس مؤامرة، أو مصادفة، بل نتيجة تطور طبيعي".

وأضاف أن "المنطقة العربية، شهدت، ولا تزال احتقاناً شعبياً بين الحكام والمحكومين، جرى التعبير عنه في ثورات الربيع العربي وكانت تلقائية"، مضيفا أنه "مهما تعرضت له الثورات  من تعقيدات، كما هو حاصل، فهناك حقيقة أن الشعب العربي، عموماً، أصبح موحد الوجدان، متطلعاً إلى العدالة والكرامة والحرية".

وعن أسباب عدم امتداد ثورات الربيع العربي إلى الدول ذات الأنظمة الوراثية، قال المهدي: "إن الوضع في هذه الدول كان أقل احتقاناً منه في الدول الثورية، والتي جاءت الأنظمة فيها بانقلابات عسكرية، والنظم الوراثية تنطلق من مفاهيم أبوية، وفيها درجة عالية من المراعاة والرعاية، فضلاً عن امتلاكها قدرات ماديةً قادرةً على إقامة نظم اجتماعية، وتخفيف المرارة الشعبية".

وقال: "ومع هذا فإن شعوب الدول ذات النظم الوراثية، وخصوصاً في الخليج العربي، تتطلع إلى المقاصد والأهداف نفسها، والأنظمة الحاكمة في هذه الدول تحتاج، في النهاية، إلى اتخاذ خطوات تؤدي إلى ملكيات دستورية، وهو ما حدث في أوروبا".

علاوة على ذلك، فقد عارض بشكل قاطع التطبيع مع إسرائيل، وقال إنه هو الاسم الناعم أو اسم الدلع "للاستسلام"، وأضاف أن تطبيع السلطات الانتقالية في بلاده مع إسرائيل "يناقض المصلحة الوطنية العليا، والموقف الشعبي.

وفي بيان أصدره المهدي في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعلن انسحابه من المشاركة في مؤتمر لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف بالعاصمة الخرطوم، احتجاجا على التطبيع مع إسرائيل.