منذ عام 2000.. كل ما تريد معرفته عن اليمين النيوليبرالي بأميركا اللاتينية

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "إندبندنت" البريطانية - النسخة التركية، الضوء على تاريخ أميركا اللاتينية، خاصة عام 2000، حينما هيمنت الحكومات التقدمية على تلك البلدان.

وقال الكاتب أوزغور أويانيك: "بالنسبة للثوار، كانوا أمثلة رائدة على اشتراكية القرن الحادي والعشرين. وبالنسبة لمناهضي الرأسمالية، كانوا بدائل شعبية للنيوليبرالية".

وأضاف: "سارت العملية بطريقة متضاربة ومتعرجة إلى حد ما، وقد شكل جميعنا شراكات مع هؤلاء القادة والحركات السياسية في نقطة ما، وخلال وقت قصير أصبحنا جزءا من هذا النضال، وقمنا بتقييم العملية من الداخل والخارج في كل مرحلة من مراحلها".

وتابع: "وقد بذلنا جهودا تتركز في محاولة تقريب هذه الهياكل والبنى من مشاريعنا الخاصة، لكن في النهاية، حددت القاعدة الاقتصادية مصير جميع هذه الهياكل والبنى متجاوزة جميع المشاريع".

ومع توقف هذا التيار "التقدمي" الذي كان مهيمنا في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، تغير المشهد السياسي في أميركا اللاتينية بسرعة.

ونوه قائلا: حاليا، يطلق الكثير منا على الحكومات التقدمية هذه وصف "الأنظمة الشعبوية"، لكن، لا ينبغي مساواة وخلط هذه التسمية بخطاب اليمين الأميركي الذي يستخدم مفهوم الشعبوية كغلاف أو علامة مهينة لتغطية جرائمه.

وأردف: إذن يجب أن نناقش ونشرح ماهية "الشعبوية التقدمية" بحسب أميركا اللاتينية وطريقة ممارسة السياسة والتحالفات وممارسات الحكومة مع المعارضين. لكن، أود أن أؤكد بداية أن هذه الدراسة تحاول إجراء تحليل ينحصر على خريطة تلك المنطقة.

وأوضح ذلك بالقول: الهياكل والبنى التي نراها هنا في حدود "الشعبوية" لا علاقة لها بالأحزاب اليمينية والنيوليبرالية والفاشية وكراهية الأجانب والعنصرية والسياسيين المرتبطين بالشعبوية في المراكز المالية العالمية في أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية. 

السياسة المتناقضة

وقال أويانيك: "كما نعلم جميعا، فإن الجدل الشعبوي هو تسمية عامة تعطى لبعض العمليات السياسية التي تعيد نفسها منذ القرن العشرين".

وعند فحص هذه العمليات، يقول الكاتب: "نرى أن الشعبوية لها طابع معقد ومتعدد الأبعاد وغير مستقر، فالحكومات الشعبوية هي ظاهرة سياسية متناقضة تحتوي على العديد من العناصر الديمقراطية والاستبدادية معا".

وشرح ذلك قائلا: "فهي تقسم المجتمع إلى قطبين من خلال تبسيط السياسة كأسلوب، حيث تزعم أنها تمثل جبهة شعبية ضد جبهة الأوليغارشية، وتبني سياساتها على إنكار مستمر لهذه الجبهة المضادة متظاهرة أنها لا يمكن أن تتفاهم معها".

 كما تضمن الرقابة الاجتماعية من خلال إخضاع الحركات الاجتماعية والفاعلين الاقتصاديين للرئيس تحت وصاية الدولة. وهكذا فهي مع هذه الجوانب، تعتبر ضد الديمقراطية التعددية بالمعنى المعروف لدينا، وفق الكاتب.

ويعتبر الكاتب أن فنزويلا هي الدولة التي يتم فيها تطبيق هاتين السمتين الشعوبية بشكل جذري. 

لكن هذا يتعلق بعدوان المعارضة بقدر ما هو متعلق بقيادة القائد هوغو شافيز (الرئيس الفنزويلي الراحل)، لأن المعارضة كانت ترد على كل تحركات الأخير بإثارة أعمال شغب ضخمة ومعارك في الشوارع.

وأضافت: "لقد قام بانقلاب عسكري بكل وضوح وخرب الموارد الاقتصادية للبلاد مثل آبار النفط وحرقها".

ويتابع: "أما السياسات الاقتصادية للحكومات الشعبوية فتعتمد على توسيع السوق المحلية وإعادة تنظيم توزيع الدخل عن طريق زيادة معدلات الائتمان والاستهلاك".

 بهذه السمات، فإن الشعبوية في أميركا اللاتينية في القرن الحادي والعشرين والتي يمثلها هوغو شافيز ونيستور كيرشنر وكريستينا فرنانديز ورافائيل كوريا وإيفو موراليس ولولا دا سيلفا، تشبه الشعبوية التي ظهرت بين ثلاثينيات وخمسينيات القرن الماضي.

ولكن على الرغم من كل تلك اللغة العدائية، فإن أسلوب إدارة الحكومات الشعبوية يعتمد في الأساس على التوصل إلى اتفاق مع الشرائح الاجتماعية المختلفة كل على حدة التي أصبحت في أقطاب متفرقة.

فهي تقوم بإضفاء الفقراء المهجورين إلى النظام من خلال الحديث عن الحقوق الاجتماعية والاستهلاك من ناحية، وتسعى إلى المصالحة مع رأس المال الكبير دون أن تفقد دورها في صنع القرار السياسي من الناحية الأخرى، بحسب الكاتب التركي. 

في أميركا اللاتينية

ويلفت أويانيك إلى أن الأوليغارشية المالية هي التي تهيمن على ثروة الأرض (الزراعة، المعادن) في أميركا اللاتينية في حالة خاصة بها. 

وقد ذهبت إلى مشاركة المصالح من خلال الشركات متعددة الجنسيات التي زادت من ثقلها في الاقتصاد الوطني مع "الشعبويين التقدميين" خلال العشرين عاما الماضية.

وشرح ذلك قائلا: "كان هذا ضروريا لاستدامة تراكم رأس المال والحفاظ على دور منتج المواد الخام الذي يعتمد على السوق الخارجية بشكل كبير".

 فعلى سبيل المثال، كان يمكن تحقيق دخل مرتفع من الغاز أو المناجم في فنزويلا وبوليفيا والإكوادور، أو من القطاع الزراعي والمالي في البرازيل والأرجنتين، من خلال هذه الشراكات فقط.

وتابع: "وكانت وفرة الأموال في السنوات الأولى للحكومات الشعبوية مرتبطة ارتباطا مباشرا بارتفاع أسعار المواد الخام في السوق الدولية. إن هذا نوع من الحداثة المحافظة". 

وقد أطلقوا على هذا النموذج اسم "ميثاق لولا" في البرازيل، حيث حقق حزب العمال (PT) رضا العمال والطبقات الوسطى من خلال الإصلاحات الاجتماعية التدريجية وتوسيع الاستهلاك. 

كما أنه كسب رضا رجال الأعمال من خلال زيادة الحوافز الحكومية. ومن أجل القيام بكل هذا، كان عليهم الذهاب إلى "اتفاقية سلع" مع القطاع المالي.

ويعتبر الكاتب أن استرخاء الطبقات الشعبية من خلال الاستهلاك غير العادي يعكس الصورة في كل بلد خاضع للحكم الشعبوي في أميركا اللاتينية في منتصف ألفي عام. 

لكن هذه الوفرة أدت أيضا إلى فساد سريع للأنظمة التي ذكرتها، وهذا ما حدث أيضا بالنسبة لحزب العمال في البرازيل، حيث ابتعد حزب العمال عن الإصلاحات الاجتماعية، وأصبح بيروقراطيا ومفلسا كلما تشبث باتفاقية السلع هذه. 

وأردف: "كما نسي الإصلاح الزراعي الذي كان عليه القيام به. وفي غضون ذلك، حصل الأغنياء الذين يمثلون 1 بالمئة من الشعب على 50 في المائة من الأراضي الزراعية في البلاد".

 واليوم، تساوي ثروة 6 أثرياء في بلد لولا دا سيلفا (رئيس البرازيل السابق)، ثروة 100 مليون برازيلي. وهكذا، فإن التناقضات والترددات التي تبنتها الإدارات "الشعبوية التقدمية" أصبحت غير مستدامة سياسيا.

التخلي عن الشعبوية

ويرى أويانيك أن الخروج من الأنظمة الشعبوية يعد عملية مؤلمة، حيث إنها عندما تضعف، تخلق فرصا سياسية جديدة للقطب المقابل. وتبدأ طبول الانتقام بالدق في كل مكان، مما يجعل المطالب أكثر تحفظا وسلطوية.

ويتابع: "في هذه المرحلة، يصبح القطب الشعبوي محافظا على نحو متزايد ويتمسك بالحجة القائلة بأن كل ما يجري هو هجوم من الإمبريالية ووسائل الإعلام، ليبدأ الجناح الانتهازي داخل الحركة في تمثيل القطاعات الأكثر تحفظا ورجعية. وبما أنها لا تقبل النقد، فإنها تنغلق على الشرائح التي كانت متحالفة معها من قبل".

والنتيجة هي أن تصبح المعارضة المحلية أو اليسارية أكثر فاعلية لـ "الجبهة اليمنى". وتعتبر عمليات الشرطة والملاحقات القضائية ضد شعب الأمازون الأصليين في الإكوادور خلال الفترة الأخيرة من حياة رافائيل كوريا مثالا على ذلك.

ويقول الكاتب: إن الحكومات التقدمية في أميركا اللاتينية لديها تطور شعبوي فريد في كل بلد، لأن رد الفعل تجاه هذه الإدارات في كل بلد يأتي من أحداث وشرائح مختلفة. 

ويضرب الكاتب مثالا بالقول: مثلا، إن بداية الصراع في الأرجنتين عام 2008، كان بسبب الضرائب المفروضة على المصدرين الزراعيين. 

ولذا كان للمصدرين الرئيسيين للبلاد، ملاك الأراضي الواسعة، علاقات وثيقة مع وسائل الإعلام والتمويل، لذلك نظموا بسهولة الطبقة الوسطى في المدن ضد الحكومة، ليكتمل الأمر بوقوف البيرونيين ضد المعادين لهم وللشعبويين ضد المناهضين للشعبوية في عاصمة تانجو.

وسرعان ما انقسمت البلاد إلى تنظيم شعبوي ديمقراطي وتنظيم جمهوري ليبرالي في فترة حكم كريستينا كيرشنر (2008-2016). 

وعلى عكس ما حدث في أي مكان آخر، أدت التجربة الشعبوية في الأرجنتين إلى انقسام الطبقة الوسطى منذ بدايتها. 

وكانت نقطة التحول في البرازيل هي أزمة 2013، حيث دخلت البلاد في أزمة مالية وانهارت "معاهدة لولا". وفي وقت لاحق، تم تنظيم المعارضة الاجتماعية ضد الحكومة، وفقا للكاتب.

وأضاف: وقد انضم للاحتجاجات من كل الأطياف، من دعاة حماية البيئة إلى الليبراليين ـ المحافظين، ومن الديكتاتوريات الموالية للجيش إلى الإنجيليين. 

ولفت إلى أن العمليات الصادمة التي أسقطت حزب العمال من السلطة في البرازيل جاءت من العمليات الإعلامية - القضائية. أشهرها وأولها كان ملف "Lava Jato".

وبحسب الكاتب، حكم على خوسيه ديرسو، المساعد الثاني للولا، والرئيس المؤسس لحزب العمال جوزيه جينوينو، و38 من المسؤولين التنفيذيين بالحزب بالسجن بتهم الفساد، وتبعها فضيحة بيتروبراس. كما دفعت الزلازل البرازيل إلى حالة من الفوضى، واحدة تلو الأخرى. 

أما اعتقال مارسيلو أودبريشت، صاحب إحدى أكبر شركات المقاولات في العالم، فقد قلب السياسة رأسا على عقب، ليس فقط في البرازيل ولكن في جميع أنحاء القارة. 

أما ألان جارسيا، الذي كان رئيس بيرو مرتين، فقد انتحر بسبب "فضيحة أودبريشت"، فيما سجن أولانتا هومالا، وهو أيضا رئيس بيرو السابق، بتهمة الفساد.

وقد اضطر الرئيس بابلو كوتشينسكي إلى ترك منصبه، فيما فر الرئيس البيروفي السابق، أليخاندرو توليدو، إلى الولايات المتحدة، حيث وضع تحت الإقامة الجبرية. 

ووصل الأمر إلى الإطاحة بالرئيسة ديلما روسيف في انقلاب برلماني في البرازيل. وفي عام 2018، لم تستطع الحركة الاجتماعية أن تفعل شيئا بشأن إدخال لولا إلى السجن ومنعه من المشاركة في الانتخابات العامة.

ولفت الكاتب التركي إلى أنه لم يكن هذا متعلقا بانقطاع الروابط بين حزب العمال والحركة الاجتماعية، ولكن الحقيقة أن الحركة العمالية فقدت ديناميكيتها وقوتها في ظل الحكم الشعبوي. كانت العملية تتطور من خلال عمليات قمع حزب العمل من جهة والحركة الاجتماعية من جهة أخرى.

وتم التعامل مع حركة المعدمين من الأراضي (MST)، التي تضم مئات الآلاف من الأعضاء، على أنها منظمة إرهابية، حيث تم سجن زعمائهم. 

وهكذا فتح اليمين المحافظ والليبرالي الجديد الذي هيمن على السياسة في برازيليا بانقلاب برلماني، الطريق أمام اليمين الأكثر راديكالية، من وجهة نظر الكاتب.

وتابع: "كان الاختلاف بين الأرجنتين والبرازيل هو أنها انتقلت إلى اليمين المحافظ والنيوليبرالي، من خلال الوسائل الديمقراطية، دون الحاجة إلى الانقلابات البرلمانية والقضائية".

 وفي الواقع، كان صعود ماوريسيو ماكري إلى السلطة في عام 2015 مختلفا عن صعود اليمين البرازيلي. وبالمثل، فقد كان هيكلا مستقطبا في بيئة من الإرهاق الاجتماعي والأزمة الاقتصادية التي تطورت مع نهاية الملحمة الشعبوية لتلك الفترة.

خطاب جديد

ووفقا لأويانيك فقد كان جزء كبير من المجتمع في حاجة إلى تحول من شأنه أن يؤمن حياة سياسية جديدة ويفتح في ذات الوقت إمكانية تحسين الفرص الاقتصادية. 

وقد أخذ يمين الوسط المناهض لكيرشنر هذا المطلب بالتغيير على عاتقه، لكنه أطلق على الجبهة الانتخابية اسم "Cambiemos”، الذي تعني "لنغير"، مستخدما الخطاب الشعبوي الذي يتهمه.

أضاف قائلا: "استفاد ماكري من هذه الشعبوية، التي أعطت روحا للسياسة الأرجنتينية، وكان يفترض ـ بناء على افتراض أنه يمثل رأس المال ـ أنه سيجلب الكثير من المال للبلد، ويستثمر جيدا لأنه كان على علاقة جيدة مع الرؤساء، ويدير الاقتصاد جيدا لأنه كان غنيا بالفعل".

 كما أنه سينهي نظام "العمل الخيري" القائم على المساعدة الاجتماعية من كيرشنر. وأنه لن يكون هناك أي تسامح مع الفساد.

كانت النتيجة كارثية، فلم يف ماكري بأي من وعوده، ووقع على سياسة الديون التي جرت البلاد إلى أزمة مالية كبيرة.

وخرج أكثر من 100 مليار دولار من الديون المستلمة لإنهاء قيود رأس المال التي فرضتها كيرشنر إلى الخارج، حتى أن أرقام البطالة تجاوزت أزمة عام 2001. وازداد الفقر بشكل كبير لدرجة أن المواطنين بدؤوا في تلقي المساعدة الاجتماعية أكثر مما كانوا في عهد كيرشنر، بحسب الكاتب.

ولخص ذلك قائلا: لقد كانت إدارة ماكري تمثل "عدم مسؤولية رأس المال" ضد "الشعبوية غير المسؤولة". وأصبح ماكري بمثابة خيبة أمل كاملة في نظر الطبقة الوسطى الأرجنتينية القوية. 

فالقضية ليست عدم قضائه على الفساد فحسب بل إنه جعل الاقتصاد أسوأ. فخلال فترة حكمه، ارتفع التضخم من 25٪ إلى 60٪. 

وعندما ارتفع الدولار عشرة أضعاف ما كان عليه، تحولت إصلاحات ماكري الليبرالية (إلغاء الرسوم الجمركية الحمائية، وتحرير العملات الأجنبية وتحركات رأس المال، إلخ) إلى كابوس، لأن كل هذه التوسعات خفضت بشكل مأساوي مستوى دخل الطبقة الوسطى في المقام الأول.

وبينما كان يمثل ماكري ومجلس وزرائه ثروة عقيمة، كانت الأرجنتين تغرق في وحل من البؤس.

ويذكر الكاتب التركي أنه لم يعد أحد مهتما بـ "أدب الحطام" أو أحلامه النيوليبرالية. وبينما كان من المتوقع أن يتدخل شخص ما، رشحت كريستينا كيرشنر، في خطوة غير مسبوقة، ألبرتو فرنانديز لمنصب الرئيس بدلا منه. 

واعتبر الكاتب أن ترشيح البيروني المعتدل والمحاور ألبرتو فرنانديز من الوسط دفع اليمين إلى خفض حذره، حيث سكتت طبول الانتقام وسحب الجميع نفسا عميقا.

وتابع: حققت صيغة "فرنانديز وفرنانديز" فوزا ساحقا على ماكري في الانتخابات، لكن هذا لم يكن يعني أن اليمين النيوليبرالي قد فقد سلطته، لأن ماكري وصل إلى السلطة بمهمة تدمير البنية الحكومية وحقق ذلك بشكل جيد للغاية.

وأردف: "لقد كانوا يعلمون جيدا أنه من غير المرجح أن يعمل اقتصاد السوق الحرة في الأرجنتين في ظل هذه الظروف".

واستطرد الكاتب قائلا: على النقيض من ذلك، فقد مشروع كيرشنر الشعبوي مصداقيته في المجتمع. لذلك، كان على كريستينا أن تظل في معارضة فكرية، حتى لو كانت في السلطة.

وبالنسبة للبرازيل، أدت نهاية الحقبة الشعبوية إلى أزمة متعددة الأبعاد، وظهرت أزمة سياسية كبيرة نتيجة للعمليات القضائية.

وأضاف: لم يتبق أي سياسي تقريبا لم يرفع ضده قضية بشأن الفساد، لدرجة أنه حتى ميشال تامر، الذي جاء بعد ديلما روسف، الذي أطيح به "بالإقالة"، تم اعتقاله من ملف لافا جاتو.

ومع "فضيحة أودربريشت، لم يدخل النظام في الأزمة فحسب، بل أدت هذه الأزمة أيضا إلى انهيار الطبقة التجارية.

جاير بولسونارو

وأشار أويانيك إلى أنه وفي بيئة الفوضى التي تم إنشاؤها، لقيت دعوة جاير بولسونارو الاجتماعية لإعادة إرساء القيم الأخلاقية التقليدية وتفكك التسلسلات الهرمية صدى في المجتمع.

وأدى ذلك إلى الرغبة في نظام رأسمالي استبدادي يمزج بين العناصر الفاشية المفتوحة وأيديولوجية العصور الوسطى. لقد كان هذا شبح الشعبوية اليمينية المتطرفة البرازيلية المتأصلة بشكل مرض في تقاليد العبيد.

وعلق قائلا: ربما كان الشعبوية اليمينية لبولسونارو مفضلة بشكل غريزي من قبل السكان على الانقلاب العسكري.

لكن هذا جعل الديمقراطية البرازيلية التي أصابتها بالفعل أوجه عدم مساواة هائلة إلى أسوأ. وأسس الكابتن المتقاعد جاير بولسونارو سلطته من خلال الانضمام إلى القوات المسلحة في الحكومة. وعين الجنرال هاميلتون موراو نائبا للرئيس.

كان تسعة من 22 وزيرا في حكومة بولسونارو من خلفية عسكرية، ويوجد حاليا أكثر من 6000 جندي في مؤسسات الدولة الفيدرالية البرازيلية.

وقد أعرب رئيس المحكمة العليا البرازيلية، لويس روبرتو باروسو، علانية عن قلقه قبل بضعة أشهر من أن "هذا شيء يحدث في فنزويلا"، وفقا للكاتب. 

وتابع: في الواقع، ما يحدث في البرازيل هو نسخة نيوليبرالية من النظام "المدني العسكري" في فنزويلا.

هناك أيضا وزراء الحكومة، مدراء المؤسسات الإستراتيجية، مؤلفون من جنود، لكن لا أحد يستطيع أن يتهم الحكومة الفنزويلية بأنها تمتلك أيديولوجية عنصرية وكراهية للأجانب وتحتقر السكان الأصليين وتهين النساء على الأقل.

كما نوه الكاتب إلى أن بولسونارو، وليس مادورو، الذي يهين أفراد مجتمع المثليين، ويدافع عن الديكتاتورية العسكرية والتعذيب في كل فرصة، والذي قال: "لن يحدث شيء إذا احترقت شجرتان" في حرائق الأمازون.

وبالمقارنة مع البرازيل، فإن اليمين الأرجنتيني أكثر ليبرالية. على الرغم من ذلك، فإن إصلاحات جبهة كيرشنر في عام 2010، مثل حقوق المثليين في "قانون الزواج المتساوي" وتشريع الإجهاض، قوبلت بمقاومة قوية من اليمين.

وتابع قائلا: تبخر فجأة "المعسكر الديمقراطي الليبرالي" على الجبهة اليمنى ضد التقدمية الشعبوية. وهيمن "المعسكر الرجعي المحافظ" على اليمين بالكامل. وفي مواجهة رد الفعل هذا، بقي "التقدميون الشعبويون" فقط من ذوي الروح النسوية القوية. 

تأثيرات عكسية

ويرى أويانيك أن روح الحركة التي يمكننا تعريفها على أنها "مناهضة للسلطة البابوية" في أميركا اللاتينية تعيش اليوم في الكيرتشنرية، والموراليسية، واللوليانية وحتى الشافيزم. ويتعاون اليمين النيوليبرالي الذي يعارض الشعبويين مع الإنجيليين والعناصر الأكثر رجعية في الكنيسة الكاثوليكية.

وباختصار، فإن إدارة ماكري المحاصرة بين المحافظة والليبرالية الثقافية لا تفعل شيئا سوى رفع اليمين المتطرف، على عكس حكومة بولسونارو، التي من الواضح أنها معادية للديمقراطية وهي حتى فاشية.

ويقول الكاتب: "من الواضح أن اليمين النيوليبرالي في أميركا اللاتينية ليس لديه القدرة على تحقيق أي إصلاحات، ناهيك عن إنهاء الفساد".

ويوضح ذلك بالقول: "لأن عدم المساواة الطبقية والعرقية والاجتماعية والجنسية تكمن في جذور عدم التوازن الاجتماعي والسياسي في القارة. إن التفاهم الذي لا يهدف إلى القضاء على هذه التفاوتات لا يمكن أن يضع أي إصلاح على جدول أعماله. ويقاتل اليمين النيوليبرالي أساسا ضد المساواة، لكنه يسوق نفسه على عكس الشعبوية".

ويضيف الكاتب: أن "الشعبوية التقدمية" تقع دائما في مستنقع اليمين عندما تقول إنني سأدير النظام. إنها تغرق في البيروقراطية والنخبوية والفساد ووهم السوق. إنها تحفز نفسها بانتصارات مؤقتة بدلا من إيجاد حلول شعبية جذرية ومؤسساتية".

وحتى بعد 14 عاما من السلطة، فإن مثال (حزب) MAS يقف أمامنا في بوليفيا، التي لم تتمكن من إضفاء الطابع الديمقراطي على قوة الشرطة.

ويردف قائلا: عندما ننظر إلى فنزويلا، يتبين أن اليمين النيوليبرالي ليس لديه مشكلة مع الاستبداد. على العكس من ذلك، فهو يكره النقابية والنسوية والموجة الخضراء أكثر، لأنهم يعتبرونها "ماركسية ثقافية". وبعبارة أخرى، يتغذى اليمين النيوليبرالي اليوم من نفس جذور اليمين المناهض للشيوعية في القرن العشرين.

وفي المقابل، تعتمد "التقدمية الشعبوية" على عناصر من حركة المساواة. حيث ستعطي حركات الشباب المناهضة للرأسمالية والنيوليبرالية والنقابات والفقراء الحضريين والفلاحين الذين لا يملكون أرضا والسكان الأصليين المحليين والحركة النسوية والبيئية شكلا جديدا لـ "التقدمية الشعبوية" في العصر الجديد.

ويلفت الكاتب التركي إلى أن الطلب وديناميكية التغيير لا تنقص في القارة، كما هو الحال في تشيلي، فإنه حتى في ظل حكومة يمينية، يمكن للنساء والطلاب والشباب والعاطلين عن العمل وضع مطالبهم الإصلاحية باستمرار على جدول الأعمال.

ففي بوليفيا، يمكن للسكان الأصليين والعمال والفلاحين الدفاع عن الأجهزة الدستورية وإجبار الزمرة الفاشية على إجراء انتخابات حرة والإطاحة بها من السلطة.

ويتابع: على الرغم من الحرب القذرة في كولومبيا، لا يمكن وقف تطور الحركة الاجتماعية. وقد يكون الخطر الأكبر الذي نواجهه هو أنه في حقبة ما بعد الشعبوية، كما هو الحال في البرازيل، سوف ينجر المجتمع إلى الخوف والفوضى ويدعم التطلعات الأصولية الدينية والديكتاتورية.

لذلك، ليس هناك ما يضمن أن ما يحدث في أميركا اللاتينية لن يتكرر على نطاق عالمي. حيث يمكن أن تظهر موجة مدمرة نتيجة تزايد التفاوتات الاجتماعية، واستقطاب المجتمع بسبب دعوات الانتقام، وأزمة الأحزاب السياسية، والعمل المشترك للجناح الرجعي للدولة والحركات اليمينية الجديدة، برأي الكاتب.

ويختم أويانيك مقاله بالإشارة إلى أن أكبر تهديد لتقدم المجتمعات اليوم ليس اليمين أو اليسار أو الشعبوية أو الدين، ولكن الحكومات التي تجعل الحقوق والحريات الديمقراطية مختلة عن الخطابات الفاشية بدعم من الجماهير.

هذا النوع من الإدارة يؤدي إلى إفلاس الشركات، وجروح يصعب إغلاقها في المجتمعات؛ كما يمكن أن يؤدي إلى نكسة سياسية واجتماعية وثقافية خطيرة.