صحيفة إسبانية: جو بايدن أفضل "أسوأ رئيس" للولايات المتحدة
قالت صحيفة "الكونفدنسيال" الإسبانية: إن جو بايدن توّج نحو نصف قرن من العمل السياسي بالفوز بالرئاسة الأميركية. وقد كانت هذه التجربة محاولته الثالثة للتربع على عرش بلاد العم سام؛ وربما الصراع السياسي الأكثر دراماتيكية في التاريخ الحديث.
وخلال هذه العملية الانتخابية، كانت أصوات الديمقراطيين تتقدم شيئا فشيئا خلال ثلاثة أيام على التوالي، في بعض مقاطعات الجنوب وداخل البلاد. وبشكل عام، لم تتنبأ صناديق الاقتراع بهذا السيناريو؛ الذي ربما لم يحسم بعد في ظل التحديات القانونية المستمرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن حصيلة ولاية بنسلفانيا، أكبر ولاية، منحت الفوز لدونالد ترامب حتى صباح الجمعة 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، لكن التدقيق في الأصوات عن طريق البريد، والتي عادة ما تكون أغلبية ديمقراطية، كان يلون الخريطة باللون الأرجواني ثم الأزرق، بشكل خجول ولكن حاسم. وأخيرا، جعل أعضاء المجمع الانتخابي العشرين في الولاية بايدن يتجاوز العتبة.
وتابعت: أما الولايات الثلاث الأخرى المتنازع عليها، جورجيا ونيفادا ونورث كارولينا، فقد تحولت أيضا إلى اللون الأزرق في نهاية العد. وبهذه الطريقة، توّج "جو الطبقة الوسطى"، كما أطلق عليه زملاؤه في الكونجرس بسبب طريقته البسيطة.
"مرشح سيئ"
وأوردت الصحيفة أن صعود بايدن كان غير متوقع من نواح كثيرة. وفي السابق، لم يتمتع بسمعة طيبة أبدا ولم يعرف بكونه مرشحا جيدا. وتحديدا في حملته الرئاسية الأولى، في عام 1988، اتُهم بالسرقة الأدبية لخطابات زعيم حزب العمال البريطاني نيل كينوك. وخلال تلك المناسبة، لم يكلف نفسه عناء تغيير التركيب اللغوي الويلزي للنص الأصلي.
من ناحية أخرى، كان الديمقراطي يميل إلى مواجهة الناس في تجمعاته، والخروج عن النص والدخول في جدالات غير ضرورية. وعندما جرب حظه مرة أخرى بعد عشرين عاما، في عام 2008، حصل على نسبة واحد في المئة فقط من الأصوات في المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا. وبعيون دامعة، أعلن بايدن أنه سيعود إلى حيث كان دائما: مجلس الشيوخ.
وأفادت الصحيفة بأن ملف بايدن الشخصي كرجل دولة مخضرم وكبير في السن ووسطي وأبيض وذي خبرة في السياسة الخارجية جعل منه المرشح المثالي في إدارة النجم الشاب لتلك السنة، السناتور باراك أوباما.
وفي سنة 2008، وافق بايدن على أن يكون نائب أوباما. وفي السنوات الثمان التالية كان ملفه الشخصي بارزا على مستوى الخط الجيوسياسي والوطني الأول. تبعا لذلك، أصبح، كما يقولون في الولايات المتحدة، "اسما مألوفا"، وشخصية تظهر كثيرا في المحادثات الأميركية.
ونوهت الصحيفة إلى أنه رغم الفرصة التي أتيحت أمام بايدن خلال ولاية أوباما، إلا أن زلاته استمرت بالحدوث. وخلال الحملة الانتخابية الأخيرة، أثير الجدل حول سن بايدن وطفولته وصحته العقلية، لتغذية حظوظ منافسيه. وقد استخدم الجمهوريون هذه الصورة لمحاولة إقناع الناخبين بأن بايدن سيكون مجرد دمية في أيدي أولئك الذين سيسيطرون حقا على الحزب: "اليسار الديمقراطي الراديكالي".
سلوك منضبط
وأوضحت الصحيفة أن مرشح المدرسة القديمة الذي لا يحب قراءة البيانات التي يعدها فريقه له والذي يدخل في جدالات لا فائدة منها؛ أظهر نوعا من الالتزام والانضباط أمام تفشي الوباء. وخلال هذه الفترة، أصبح بايدن مرشحا ينشط في الخفاء بينما حبس نفسه في قصره، وأعطى أوامر موجزة من ملجئه.
وبهذا الشكل، أصبح بايدن ما لم يطلق عليه من قبل: مرشحا منضبطا. كما بذل قصارى جهده لإظهار سلوك متناقض مع خصمه المحافظ. وبينما أقام دونالد ترامب تجمعات صاخبة ومزدحمة، دون مسافة اجتماعية وبأقنعة قليلة، تحدث بايدن من قبو منزله أو أقام مناسبات صغيرة مع الحضور في دوائر بيضاء منفصلة عن بعضها البعض. وبينما وقف ترامب مع الصحفيين، وأجاب على أسئلتهم وخضع لتحقيق بلا كلل من قبلهم؛ قضى بايدن قرابة شهرين دون استقبال المراسلين وأصبح يفتقر إلى الاهتمام الإعلامي.
وبينما كان أسلوب ترامب هجوميا، وأطلق وابلا من النار على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، كما لو أن التوقف لمدة خمس ثوان سيعطي المنافس ميزة؛ كان بايدن مثل أحد هؤلاء الإستراتيجيين ذوي الأعصاب الفولاذية، وممارس جيد لحرب الاستنزاف، التي بالكاد تتحرك الجبهات فيها وتترك الجوع والعطش والإرهاق يؤثران على الخصم في هذه الحالة، أظهرت إدارة ترامب ضعفها في مواجهة الجائحة والأزمة الاقتصادية، بينما ظهر بايدن بهدوء بنظارته الشمسية وقناع أسود كبير.
وذكرت الصحيفة أن حملة بايدن استفادت من استقطاب وكراهية الإعلام الوطني لدونالد ترامب. وبينما دار الجدل حول ضرائب الرئيس، مر الحديث عن الإتاوات المرتبطة باسم بايدن دون أن يلاحظه أحد تقريبا. في الآن ذاته، تلقى هنتر بايدن 59 ألف دولار شهريا من شركة غاز أوكرانية متهمة بالفساد، بينما كان والده يتفاوض مع كييف. كما استخدم جيم بايدن علاقات أخيه السياسية للتستر على بعض الانتهاكات المالية. وبشكل عام، أحيلت تفاصيل هذه القضايا إلى الهوامش أو تركت فقط لجولات معلقي "فوكس نيوز".
"رجل المرحلة"
وأوردت "الكونفدنسيال" أنه بمجرد أن يجري فريق بايدن بكلمة "اللياقة"، تبنتها وسائل الإعلام ذات التفكير المماثل، في كل من الولايات المتحدة وخارجها، بشكل آلي في عناوينها الرئيسية. وكان بايدن الرجل الذي فقد زوجته الأولى وابنته في حادث مروري؛ الرجل الذي رأى ابنه الأكبر، بو بايدن، يموت بسبب سرطان الدماغ؛ وأيضا كان الداعم الحديدي لابنه هنتر "المزعج".
وبهذا الشكل، أصبح "اللورد الكريم" الذي استكشف خصوصيات الحياة وعمومياتها حكيما ومحترما، يتمتع بالأدب، اللياقة والاحترام، وهي إستراتيجية يبدو أنها نجحت. كان تقدم بايدن في استطلاعات الرأي أوسع بكثير وأكثر استقرارا من هيلاري كلينتون في عام 2016، وقد تغلب على الرقم القياسي لباراك أوباما بنحو خمسة ملايين بطاقة اقتراع.
ونقلت الصحيفة أن بعض مؤيدي بايدن، خاصة التقدميين القدامى، اعتبروه "رجل اللحظة": الشخصية الوسطية التي تحتاجها دولة في حالة اجتماعية وسياسية سيئة. وأشيد بأنه المعالج الراعي للقيم البسيطة والأساسية التي جعلت من أميركا بلدا عظيما، التي يجب استردادها بشكل عاجل.
في هذا المعنى، كتب كاتب العمود ديفيد بروكس في صحيفة "نيويورك تايمز"، قائلا: "كنت أقرأ خطابات جو بايدن وبدأت أعتقد أن حتى أتباعه يستخفون به"، لافتا إلى أنه "يجتاز التضاريس الثقافية الغادرة، ويواجه صراعات تمزق الأمة، ويتقنها بسهولة". ووفقا لبروكس، فإن الديموقراطي يتنقل بحذر "في خضم حرب أهلية سياسية وثقافية".
ولفتت الصحيفة إلى أن ترشيح بايدن أمر غير مألوف واستثنائي في سياق عام 2020؛ حيث يعمل الاستقطاب دائما في كلا الاتجاهين. وتحديدا، لا يوجد يمين مستقطب دون يسار مستقطب، ولا العكس. وفي هذا السيناريو، من الطبيعي أن نشهد صعودا متساويا لدونالد ترامب وبيرني ساندرز، أو وصول أحد مؤيدي "مؤامرة كيو أنون" أو ناشط "حياة السود مهمة" إلى الكونجرس. لكن بشكل عام، ستكون حقيقة فوز جو بايدن بالرئاسة اليوم أمرا منعشا في بلاد العم سام.
الصحيفة الإسبانية، ذكرت أن الأميركيين ليسوا بحاجة في الوقت الحالي إلى موجة أمل في خضم الأزمة الحالية، أو لمصارع يهز النظام مثلما حدث قبل أربع سنوات. وفي واقع الأمر، هم بحاجة إلى شخص هادئ يريحهم ويدعوه إلى نسيان السياسة.
وفي ظل مساعي بايدن إلى تكوين حكومة معتدلة، وفي خضم التحديات التي تواجهه؛ يتمثل العامل الحاسم في معرفة أي، جو بايدن، سنراه من الآن فصاعدا: الأسوأ أم الأفضل من بين الرؤساء الأميركيين؟