صحيفة فرنسية: رئيس الجزائر يستفتي شعبه على دستور "صنعه لنفسه"
صوت الجزائريون مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، على تعديل الدستور لأول مرة منذ نحو ربع قرن، رغم وجود الرئيس عبد المجيد تبون خارج البلاد لتلقي العلاج.
ويرى تبون أن الدستور الذي عين لجنة لتعديله، ينسجم مع متطلبات بناء الدولة العصرية، ويلبي مطالب الحراك الشعبي، بيد أن كثيرين يختلفون معه في هذا الأمر.
ومساء الأحد، أعلنت "السلطة العليا المستقلة للانتخابات" بالجزائر، أن نسبة المشاركة في الاستفتاء على تعديل الدستور، بلغت 18.44 بالمائة، قبل ساعتين من إغلاق صناديق الاقتراع.
وقال رئيس السلطة، محمد شرفي، في مؤتمر صحفي بالعاصمة الجزائر، إن عدد المشاركين في التصويت، خلال الفترة المذكورة، بلغ 4 ملايين و347 ألف ناخب، من بين نحو 23 مليونا و500 ألف ناخب مسجل لدى سلطة الانتخابات.
وكان آخر استفتاء صوت فيه الجزائريون على تعديلات دستورية في عام 1996، خلال حكم لامين زروال، حيث إن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عدَّل الدستور أكثر من مرة، دون استشارة الشعب.
وأوضحت صحيفة لاكروا الفرنسية أن "هذا الاستفتاء الدستوري، الذي من المقرر أن يُعلِن الجزائر الجديدة ما بعد عهد بوتفليقة، يأتي في أسوأ فترة من حكم تبون"، حيث جرى نقل الرئيس (74 عاما) في 28 أكتوبر/ تشرين الأول إلى مستشفى ألماني في منطقة كولون لـ"فحص طبي شامل".
وقبلها كان تبون يقيم لمدة 48 ساعة في مستشفى عين النعجة العسكري بالجزائر العاصمة دون الإعلان عن أسباب ذلك.
وتشير الصحيفة إلى أن رئاسة الجمهورية كانت راضية عن ذكر عبارة "حالة مستقرة"، بعد أن أعلنت قبل نقله إلى ألمانيا بثلاثة أيام "حجرا طوعيا لمدة خمسة أيام" للرئيس، عقب اكتشاف إصابة مجموعة من حاشيته في قصر المرادية بكوفيد -19.
ويُعرف عبد المجيد تبون أنه ظل مدخنا شرها في حياته، والمدخن عادة هو "الناقل النموذجي للمخاطر" بالنسبة للأطباء.
يقول الدكتور سلمان (لم تذكر الصحيفة لقبه أو من يكون بالتحديد) عن أحد مراكز كوفيد-19 (كورونا) في الضواحي الشرقية للجزائر العاصمة وهو في حالة من التوتر: "إذا تأكدت إصابة رئتيه، فهناك أسباب جدية للقلق عليه، حتى لو خرج من حالة الوضع الحرج".
عدم ثقة
وترى لاكروا أن اجتماع الاستفتاء، تحول بالفعل إلى كارثة مع رئيس في المنفى الطبي، مساء عيد المولد النبوي، وفي تاريخ افتتاح الصرح المُهيب المثير للجدل بتكلفة 1.1 مليار يورو، وهو "مسجد الجزائر الأعظم" في قلب العاصمة.
وكما تذكر، فهذا الجامع مشروع شخصي لسلفه عبد العزيز بوتفليقة الذي أطاح به الحراك الشعبي في أبريل/نيسان 2019. وهذا الصرح هو ثالث أكبر مسجد في العالم والأكبر في إفريقيا.
وتشير الصحيفة، إلى أن الانفجار الحالي الملاحظ للملوثات في المستشفيات، وسط اختبارات قليلة جدا للمشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا، جعل من المناخ العام أكثر غموضا بالفعل، وبدأ خيار تأجيل الاستفتاء لأسباب صحية مطروحا بشدة في مكاتب صنع القرار في الجزائر.
وتقول لاكروا: إن الجزائريين الغائبين عن حملة استفتاء بنكهة عسكرية، يخشون قبل كل شيء العودة إلى الحجر الصحي كما فعلوا الربيع الماضي.
ويوضح جعفر لخضري من مجموعة الجزائر 2.0 الداعمة للحراك، أنهم ما زالوا يعيشون أيام حراك 2019، المختلطة بمشاعر عدم الثقة ورفض النظام الذي يحكم البلاد منذ الاستقلال.
بالنسبة لمحامي الحراك الشعبي مصطفى بوشاشي، ضاعت فرصة للتواصل مع الناس بعد "انتخاب" عبد المجيد تبون يوم 12 ديسمبر/كانون الأول، مضيفا بنبرة منتقدة: "لقد صنعت السلطة دستورا لنفسها".
الغضب الشعبي
وتقول لاكروا في حديثها عن عبد المجيد تبون الذي وصفته بالساكن الجديد لقصر المرادية: إنه كان قد وعد بشكل ملحوظ بتقليص الصلاحيات الرئاسية لصالح البرلمان.
لكن، حدث عكس ذلك، بحسب البرلماني ماسينيسا الشربي، الذي قال: "نحن أمام مشروع دستوري رئاسي مفرط".
ولفتت لاكروا أن الوعود بالإصلاحات المنسية ليست هي وحدها المسؤولة عن انعدام الثقة الشعبية تجاه الاستفتاء المرتقب. علاوة على ذلك، فإن الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، هو التاريخ المقدس لاندلاع حرب التحرير الوطنية عام 1954.
وتقول: "لم تنفذ حكومة عبد العزيز جراد أيا من إجراءات خطتها الطارئة تجاه الشركات والتجار والحرفيين المتضررين من أكثر من ثلاثة أشهر منذ التوقف النسبي عن النشاط الاقتصادي". وتذكر الصحيفة أن الغضب الشعبي قد بلغ أشده.
وتشير إلى أن مطاردة الوزراء في الشوارع وقطع الطرقات والمسيرات العفوية التي تذكي الحياة العامة المتوترة بشكل متزايد والتي بدا فيها التصويت شيئا قد عفا عليه الزمن تماما، كانت موجودة حتى قبل مغادرة الرئيس المريض.
مناخ سيئ
يتذكر رئيس الوزراء السابق بقوله: "لم يسبق لي أن عايشت مثل هذه اللحظة منذ انتهاء العملية الانتخابية في 11 يناير/كانون الثاني 1992، بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية (الانقلاب الذي فتح العقد الأسود أو الحرب الأهلية)، لم أشهد مثل هذه اللحظة من عدم اليقين السياسي في الجزائر".
تتساءل الصحيفة: "هل يستطيع الجيش الذي لا يزال يمسك بزمام السلطة الحقيقية في الجزائر، مواجهة الفوضى الناشئة، تغيير خارطة الطريق والتخلي عن الممر القسري الذي يهدف إلى إعادة البناء مهما كان الثمن، وهو واجهة مدنية متصدعة للغاية؟".
وتقول لاكروا: إن حملة التصويت نُفِدَت بنعم من قبل قاعدة نظام بوتفليقة مع جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي من الأغلبية البرلمانية الحالية، في الوقت الذي يوجد فيه 93 ممثلا عن الحراك، بمن فيهم الصحفي خالد درارني الذي قدم التغطية الصحفية، في السجن.
وتشير إلى أن ما يحدث عبارة عن فجوة كبيرة لا تطاق إلى حد ما خاصة مع أزمة في العهدة الرئاسية تبدو بالفعل وكأنها محاكاة لنهاية عهد عبد العزيز بوتفليقة.