تسحب البساط من فرنسا.. كيف تسللت الصين إلى السوق الجزائري؟

12

طباعة

مشاركة

في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وقعت الجزائر على اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتقني مع الوكالة الصينية للتعاون الدولي من أجل التنمية، على هامش زيارة وفد عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.

صحيفة "الشروق" المحلية، اعتبرت الاتفاقية "الخطوة الجزائرية الأولى في طريق الحرير الصينية الجديدة"، أو ما يعرف بمبادرة "الطريق والحزام".

التوقيع جاء بعد أشهر من إعلان الحكومة الجزائرية نيتها توطيد التعاون مع الدول التي تضامنت معها خلال جائحة كورونا، وكان الوزير الأول عبدالعزيز جراد، قد شدد على أنه يتوجب على الجزائر بعد أزمة كورونا، "ربط مصيرها بعلاقات دولية عادلة، تؤمن بأن الأولوية هي حماية الإنسان كإنسان".

ويأتي توطيد العلاقات مع بكين في وقت تعيش فيه الجزائر أزمة مع شريكها التقليدي، فرنسا. فهل تصبح الصين الشريك الأول للجزائر؟ وهل تستفيد الأخيرة من أخطائها السابقة، وتؤسس شراكة مبدؤها رابح رابح؟.

طريق الحرير

توالت خلال جائحة كورونا المساعدات الصينية على الجزائر، خصوصا المعدات الطبية والتجهيزات من كمامات وقفازات وأجهزة تنفس اصطناعي ومعدات تشخيص الوباء وغيرها، والتي تكفل أسطول الجيش الوطني الشعبي بنقلها على عدة دفعات من الصين.

تطمح الصين في إعادة إحياء طريق الحرير التاريخي عبر توقيع اتفاقات حول "مبادرة الحزام والطريق" مع العديد من الدول التي وصل عددها حتى الآن إلى 90 بلدا، وتهدف الصين من وراء تلك المبادرة إلى تعزيز التعاون الدولي وتحقيق تنمية عالمية شاملة.

خصصت الصين لهذا المشروع ميزانية تقدر بتريليون دولار، بينما نبه البنك الدولي في تقرير أصدره الأربعاء 19 يونيو/ حزيران 2019، من مسألة إسهام المشروع في الفساد وفي زيادة مديونية البلدان المشاركة فيه.

تهدف مبادرة طريق الحرير والمعروفة أيضا بـ"مبادرة الطريق والحزام" إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في المنشآت القاعدية والبنى التحتية على طول طريق الحرير القديمة وصولا إلى الجزائر والمغرب وإفريقيا، ويشمل ذلك بناء موانئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية ومشاريع للطاقة.

من المنتظر أن يكون للصين يد في بناء وإنجاز أكبر ميناء في الجزائر وهو ميناء الوسط بالحمدانية قرب شرشال بولاية تيبازة، الذي تصل تكلفته نحو 6 مليارات دولار.

مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وصف سفير جمهورية الصين الشعبية بالجزائر، لي ليان خه، التعاون الجزائري الصيني بالمثالي والنموذج الذي يحتذى به في العالم.

وحسب سفير بكين في الجزائر فإن البلدين قد عززا التعاون البراغماتي ووصلا به إلى أعلى مستوى رغم جائحة كورونا، ومعظم الشركات الصينية ما زالت تزاول نشاطها في الجزائر رغم الجائحة.

وشدد السفير الصيني على أن بكين تدعم بحزم جهود الجزائر لإحياء تنميتها الاجتماعية والاقتصادية في فترة ما بعد الوباء وتشجع الشركات الصينية على المشاركة بحيوية في البناء الاجتماعي والاقتصادي للجزائر، كما أنها ترغب في تعزيز التنسيق الإستراتيجي بين البلدين عبر البناء الصيني ـ الجزائري للحزام والطريق وبناء جزائر جديدة.

واعتبر أن الجزائر" شريك  طبيعي ومهم" في تجسيد مشروع الطريق والحزام مذكرا أن ميناء شرشال هو "مشروع  تعاون مهم للغاية بين البلدين" .

وأشار الى أن الجانبين "يعلقان آمالا كبيرة عليه" قائلا: "نأمل بصدق أن يساهم المشروع في أقرب وقت في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالجزائر".

سحب البساط

تعتبر الجزائر شريكا هاما بالنسبة لفرنسا التي هي أيضا الزبون الأول للجزائر، حيث بلغت الصادرات الفرنسية نحو الجزائر 4.925 ملايين يورو سنة 2019، وتراجعت بنسبة 7% مقارنة بسنة 2018، تغلب عليها الحبوب والمواد الصيدلانية والسيارات والوقود.

لا تتردد فرنسا في التعبير عن تضايقها من منافسها القوي (الصين) في مستعمراتها القديمة، الجزائر والمغرب، وأبدت دوائر أوروبية، خصوصا فرنسية، انزعاجها من انضمام الجزائر لمبادرة الطريق والحزام (طريق الحرير الجديدة).

وذكر تقرير سابق لمجلس الشيوخ الفرنسي بأن الصين بصدد استحداث طرق حرير بمفهوم جديد اقتصادي وتكنولوجي من باكستان، وصولا إلى الجزائر والمغرب، وهو ما يستدعي تحركا فرنسيا وأوروبيا لمواجهة هذا التمدد الصيني.

تصنّف الصين كأول مستثمر أجنبي في الجزائر، متجاوزة العديد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا التي كانت قبل سنة 2013 تعتبر المسيطرة إلى حد بعيد على الاستثمار والاقتصاد الجزائري، قبل أن تتربع بكين على عرش الاستثمار في الجزائر. 

صنفت الصين في المركز الأول كأهم مصدّر للجزائر في العام 2017 بحسب تقرير صادر عن المركز الجزائري للإعلام والإحصاء التابع للجمارك الجزائرية.

وذكر التقرير أن الصين صدرت للجزائر ما قيمته 8.31 مليارات دولار من السلع، أي 18.1% من إجمالي واردات الجزائر التي بلغت 45.95 مليار دولار، وجاءت فرنسا في المركز الثاني بواقع 3.75 مليارات دولار، ثم ألمانيا بـ3.21 مليارات دولار، وإسبانيا بـ3.13 مليارات دولار.

وتستحوذ الشركات الصينية العاملة في الجزائر على استثمارات فاقت 20 مليار دولار، ما يجعل الجزائر ثاني سوق للشركات المقاولاتية الصينية في إفريقيا بعد نيجيريا.

وتشمل هذه الاستثمارات البنية التحتية والمنشآت الكبيرة، وكانت الشركات الصينية قد حصلت على مجمل صفقات المشاريع الكبرى في مجالات البناء والأشغال العامة بالجزائر خلال السنوات الأخيرة.

واستفادت الصين من نمو الإيرادات الجزائرية بفضل ارتفاع أسعار النفط في تلك الفترة، كما تأمل عدة مؤسسات صينية ناشطة في صناعة السيارات وتكنولوجيات الإعلام والاتصال في الاستثمار بالجزائر.

مستودع البترول

يتطور التعاون الصيني الجزائري في مجال البترول، بفضل احتياطي الجزائر الكبير من البترول والغاز حتى أنه يقال عنها "مستودع البترول في شمال إفريقيا".

في نهاية 2003، بلغ احتياطي الجزائر من البترول والغاز 135 مليار برميل، منها 40 مليار برميل منها قابلة للاستخراج، 29% بترول، و56% غاز، و9% لناتج التكثيف، و6% لغاز البترول المسال. 

بعد أن فازت الشركة الصينية للبترول، صينوكيت، بمشروع إصلاح حقول زارزاتين في أكتوبر/تشرين الأول 2002، وقعت مجموعة الصينية للبترول "بترو تشينا" في يوليو/تموز 2003، اتفاقية مع الجزائر لبناء أول مشروع موحد للتعاون الجزائري الخارجي في مجال البترول.

ثم وقعت في ديسمبر/كانون الأول من نفس العام اتفاقيتين حول التنقيب المخاطر على منطقة 201A-112 بحوض الشريف ومنطقة أخرى، ما يشير إلى أن التعاون الصيني الجزائري في مجال البترول يتطور بخطى متسارعة.

وفى مجال العلاقات العسكرية تمكنت الصين من اختراق السوق الجزائرية بالعديد من أنواع الأسلحة، وفى مايو/أيار 2017 عرض الجيش الجزائري صورا لمدافع هاوتز ذاتية الدفع صينية الصنع من طراز LZ 45155.

كما تعاقدت الجزائر مع الصين من أجل تزويدها بـ 50 صاروخا مضادا للسفن من طراز CC – 802، وأيضا صواريخ أرض جو من طراز FM 90، وفي يوليو/تموز 2017 تسلمت البحرية الجزائرية ثالث وآخر طراد من طراز C28A، والتي تم التعاقد عليها منذ مارس/آذار 2012.

لم يتوقف التعاون الصيني الجزائري عند حد الصفقات العسكرية ليمتد إلى الفضاء، حيث أطلقت الجزائر عام 2017 أول قمر صناعى موجه للاتصالات السلكية واللاسلكية والبث الإذاعي والتلفزيون والإنترنت من قاعدة فضائية فى الصين، ويحمل القمر اسم "ألكوم سات".

ومن المتوقع أن يرتفع حجم الاستثمارات الثنائية بين الجانبين في السنوات القادمة خاصة في ظل سياسة الجزائرية الحالية التي بدأت تدير ظهرها أكثر فأكثر للأوروبيين.

تغيير الوجهة

"الصين من أولى الدول التي تتعاون اقتصاديا مع الجزائر، لكن المعادلة هي لصالح الصين في كل الأحوال"، وفق الخبير الاقتصادي، فارس مسدور: خاصة وأن حجم التبادل وصل إلى ما يزيد عن 5 مليارات دولار.

واعتبر البروفيسور مسدور في حديثه مع "الاستقلال"، أن الميزة في التعاون الصيني الجزائري، نقل حقيقي للخبرات، وهو ما يميز الصين عن باقي الشركاء - في إشارة إلى فرنسا-  لكن الميزان التجاري يكون دائما لصالح الصين نظرا لقوتها الاقتصادية.

وقال: "أتوقع أن يتطور التعاون الصيني الجزائري في السنوات المقبلة، إلى أكبر بكثير من مبلغ 5 مليارات دولار إلى استثمارات حقيقية على مستوى الأراضي الجزائرية".

وتابع: "يمكن أن تكون في المواد الخام التي تتميز بها الجزائر، خاصة الطبيعية، وتحديدا مادة اليورانيوم، حيث توجد اتفاقية تعاون صيني جزائري بشأن استغلالها.

وبالإضافة إلى ذلك التعاون في مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة، والصناعات الاستخراجية، توجد لدى الصينيين استثمارات مع الجزائر في مجال الفوسفات.

وواصل المتخصص حديثه عن الاستثمارات الصينية في الجزائر، وتحدث عن الطريق السيار شرق - غرب، والذي اعتبره إنجازا كبيرا، وأيضا إنجاز وحدات سكنية بعشرات الآلاف في كافة ربوع الجمهورية.

مضيفا: "هناك تعاون في المجال الفضائي، وهذا يبين أن هناك تعاونا أعمق في العلاقات الثنائية بين البلدين". وتوقع مسدور أن تكون الصين أول شريك اقتصادي للجزائر، قائلا: "خصوصا مع اكتشاف الخيانات التي تعرضت لها نتيجة وجود بعض العناصر في السلطة التي تدين بالولاء لفرنسا".

الخبير الاقتصادي يرى أن الجزائر ستتحول إلى الشرق، باتجاه الصين وكوريا الجنوبية، وغيرهما من الدول التي أبدت نية صادقة في تقاسم المنافع مع الجزائر لأن الأرقام تؤكد بأن التوجه نحو الصين وآسيا بشكل عام، هو الميزان الغالب بالنسبة للاقتصاد الجزائري.