بعد فشل أديب في تشكيل حكومة جديدة.. على ماذا يراهن سياسيو لبنان؟
ضربة قاضية وجهها رئيس الوزراء اللبناني المعتذر مصطفى أديب لخطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان باعتذاره عن تشكيل حكومة جديدة وقبول الرئيس ميشال عون اعتذاره.
الخطوة التي أقدم عليها أديب في 26 سبتمبر/ أيلول 2020، وضعت الشارع اللبناني أمام معضلة جديدة لم تكن متوقعة في الوقت الراهن، وأشعلت الساحة السياسية بعد فشله في تشكيل حكومة تحوز موافقة جميع الطوائف.
أديب برر اعتذاره عن تشكيل الحكومة الجديدة بتراجع عدد من القوى السياسية عن التزاماتها وتعهداتها بتسهيل مهمته، الأمر الذي جعل التوافق السياسي أمرا صعب المنال.
قبل 4 أيام من اعتذار أديب عن المضي في تشكيل الحكومة وجه أحد الصحفيين سؤالا للرئيس اللبناني ميشال عون عن الاتجاه الذي سيسير فيه لبنان إذا لم يتفق القادة السياسيون، ورد عليه عون بأن لبنان "ذاهبة إلى جهنم".
الجملة التي رد بها عون ربما أراد بها مداعبة الصحفيين إلا أنها لخصت المشهد الحالي الذي أصبح عليه لبنان في ظل صعوبة التوافق بين القوى السياسية للتوصل إلى تشكيل حكومة تعمل على إنقاذ البلاد من حافة الانهيار وترك القوس مفتوحا للتكهن بالسيناريوهات البديلة.
الصحفي اللبناني مجاهد الشاتي في حديثه لـ"الاستقلال"، اعتبر أن الأسباب التي دفعت أديب للاعتذار ما زالت جارية وقائمة ولاسيما إصرار الثنائي الشيعي المعروف بحركة أمل وحزب الله على حقيبة وزارة المالية.
إصرار أمل وحزب الله على حقيبة المالية له اعتبارات عديدة أهمها الإصرار على خلق ميثاق جديد يعرف بالإمضاء الثالث مستفيدين من فائض القوة لدى حزب الله وسيطرته وهيمنته على مفاصل الدولة فضلا عن أنها تمثل تحديا مباشرا للإدارة الأميركية بعد فرض العقوبات الأخيرة على حزب الله وسياسيين لبنانيين مقربين منهم.
سيناريوهات مطروحة
في هذا الإطار عبر الصحفي اللبناني عبد الرحمن صلاح في حديثه لـ"الاستقلال" عن صعوبة الجمع بين رؤيتين بعد اعتذار أديب، الرؤية الأولى الداعية إلى حكومة تكنوقراط كما يطالب الشارع وهي ذاتها مطالب الغرب واقتنعت بها أغلب القوى السياسية.
أما الثانية فهي حكومة سياسية أو مختلطة بين السياسي والتكنوقراط، وهي مطلب حزب الله وحركة أمل، أما الرئيس عون وحزبه -التيار الوطني الحر- فتبدلت مواقفهم مؤخرا نحو السير مع الطرح الغربي.
وأوضح صلاح أنه في ظل هذا الانقسام الحاد وصعوبة الجمع بين الرؤيتين على الأغلب ستتأخر عملية تسمية رئيس جديد للحكومة، وستبقى حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة حسان دياب تسير البلاد حتى حين.
وأمام هذا الواقع يرى الشاتي أن السيناريو الأقرب من وجهة نظره هو الضغط على رئيس الوزراء السابق سعد الحريري للعودة إلى تشكيل حكومة بوزير مالية يسميه حزب الله، والتماهي مع المبادرة الفرنسية قدر الإمكان برضى حزب الله من أجل تسهيل بعض القروض لبيروت ومنع انزلاقها إلى الهاوية أكثر وليس لانتشاله من الأزمة نهائيا.
أما السيناريو الآخر وهو مبني على بقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منصبه، وهنا يتوقع الشاتي أن لبنان ستكون أمام خيار أصعب ويرى أنه سيكون هناك مزيد من العقوبات الأميركية والضغط على الحكومة اللبنانية والعودة إلى الشارع والدخول في توتر أمني جديد.
الشاتي يرى أن حزب الله يجيد اللعب على هذه الورقة إما عبر 7 أيار / مايو جديد (أحداث جرت في 7 أيار/ مايو 2008، واجتاح فيها حزب الله، العاصمة بيروت وسيطر عليها بقوة السلاح)، أو اشتباكات متقطعة أو اللعب على ورقة تنظيم الدولة والإرهاب والتي بدأ فيها العمل فعليا على أرض الواقع من أجل الوصول إلى تسوية شاملة للأزمة تكون في صالح حزب الله.
عض الأصابع
يراهن الجميع على عامل الوقت في لبنان بالإضافة إلى بعض الرهانات الأخرى المرتبطة بكل فصيل على حدة لذلك يعمل البعض على تعطيل تشكيل الحكومة لحين حسم تلك الرهانات.
يقول الشاتي: إن تعطيل تشكيل الحكومة مصلحة إيرانية تولى حزب الله تنفيذها، وبالتالي فإن المشكلة معقدة تبدأ من اعتبارات حزب الله الطائفية والسياسية ولا تنتهي بالخلافات الأميركية الإيرانية ولعبة عض الأصابع بين العاصمتين حول الاتفاق النووي الإيراني ومسألة الانسحاب منه ومطالبة ترامب باتفاق جديد تحت ضغط المزيد من العقوبات.
ويؤكد الشاتي أنه مع استمرار هذه الأزمة فإن ملف تشكيل الحكومة اللبنانية سيظل يراوح مكانه بانتظار نتائج الانتخابات الأميركية، ويرى أنه لحين إجراء تلك الانتخابات (نوفمبر/تشرين الثاني 2020) فلن تكون هناك حكومة أو تكليف من الرئيس لحكومة جديدة، معتبرا أن الفرنسيين ومعهم الإيرانيون ينتظرون مصير ترامب والإدارة الأميركية الحالية.
وأوضح الشاتي أن هناك رهانا في طهران وبيروت على فوز الديمقراطي بايدن بتلك الانتخابات، وبالتالي فإن حكومة حسان دياب ستبقى حكومة تصريف أعمال لحين حسم ملف التشكيل. وأضاف: "وما مهلة ماكرون بالستة أسابيع كحد أقصى سوى دليل على تأجيل الملف إلى ما بعد الانتخابات الأميركية".
الوقت الضائع
ويتفق مع هذا الطرح الصحفي عبد الرحمن صلاح مؤكدا أن حزب الله والإيرانيين ينتظرون نتائج الانتخابات الأميركية على أمل خروج ترامب من البيت الأبيض وبالتالي فمن الصعب أن يسير حزب الله بأي صفقة قبل بيان نتائج تلك الانتخابات على أقرب تقدير.
واعتبر صلاح أن الدخول الفرنسي على الخط اللبناني أتى فيما يمكن تسميته بالوقت الضائع قبل الانتخابات الأميركية على أمل التوصل لحل وسط يعيد إظهار فرنسا كقوة فاعلة في المنطقة.
لكن الصراع الأميركي الإيراني، بحسب صلاح، بدا أكبر من أن تستطيع فرنسا استيعابه أو لعب دور فيه، لذا شاهدنا عقوبات أميركية على وزيرين لبنانيين سابقين قبل أيام.
ورغم أن هذا ساهم في خلق تباين بين الرئيس عون وحزب الله، فإنه قرب أكثر بين حركة أمل وحزب الله، ودفعهما إلى التمسك بشروطهما لتشكيل الحكومة وتحديدا شرط الحصول على وزارة المالية وشرط تسمية الوزراء الشيعة.
صلاح استدرك قائلا: "حزب الله يدرك أن المعركة أصبحت وجودية وحركة أمل لا تريد أن تدفع هي ثمن المواجهة مع الحزب، كونها تقتسم معه الشارع الشيعي وأي مواجهة بينهما ستؤدي لخسائر فادحة لا تتحملها حركة أمل".
وأضاف: "بالرؤية العامة نستطيع أن نقول إن الخطة الأميركية تهدف إلى نزع الغطاء الوطني المسيحي عن حزب الله عبر الضغط على الرئيس عون وصهره جبران باسيل لفك التفاهم مع حزب الله".
وأشار صلاح إلى أن السلاح الأميركي هنا هو العقوبات التي لوح بها الأميركيون بل وحتى الرئيس الفرنسي، وفي حال نجاح مساعي واشنطن فهذا يعني أن الحزب سيتجه أكثر للتمترس الطائفي بصفته خط دفاع أخير، وهذا ما يفسر إصراره على شروط تشكيل الحكومة.
وأوضح صلاح أنه في ظل ما يطلق عليه "ديمقراطية توافقية" و"ميثاقية طائفية" يبدو مستحيلا تشكيل حكومة دون رضا القوتين الشيعيتين الكبيرتين (حزب الله وحركة أمل) دون الذهاب إلى "حرب أهلية" أو نوع من الفوضى الأهلية.
شبح الحرب
تبدو المسألة اللبنانية في حيثياتها معقدة بسبب الحسابات المختلفة للفصائل السياسية ونظام المحاصصة الطائفي القائم على تقاسم السلطة في البلاد ومع تأزم الموقف عاد شبح الحرب الأهلية يخيم على الوضع اللبناني.
وتشير وكالة أسوشيتد برس الأميركية إلى تخوف عدد من المحللين من أن تتجه لبنان إلى حرب أهلية من جديد وأشارت الوكالة في تحليل لها في 29 سبتمبر/ أيلول 2020، إلى تصريحات ماكرون.
ماكرون عبر في تصريحاته عن شعوره بالخجل من الزعماء السياسيين اللبنانيين وحذر فيها أيضا من حرب أهلية إذا لم يتمكن الزعماء السياسيون من تنحية المصالح الشخصية والطائفية جانبا لفتح المساعدات الدولية التي وعدت بها الدول المانحة بعد انفجار مرفأ بيروت.
وشدد تحليل الوكالة الأميركية على حاجة لبنان الماسة إلى تلك المساعدات أكثر من أي وقت مضى كما حذر من أن اللبنانيين ينتظرهم ما هو أسوأ في حال انزلاق البلاد إلى القاع.
وتوقع التحليل أن ينهي البنك المركزي اللبناني دعم السلع الأساسية خلال أسابيع حيث إن البنك يستخدم احتياطياته المستنفدة منذ انهيار العملة المحلية لدعم واردات الوقود والقمح والأدوية.
وتشير التقارير إلى أنه بعد الأزمة المالية التي ضربت لبنان أصبح نصف السكان تحت خط الفقر وسيؤدي رفع الدعم إلى زيادة التضخم وقد يؤدي إلى أعمال شغب بسبب الغذاء.
وقالت أسوشيتد برس: إن الاضطرابات المدنية ستضع السكان في مواجهة مع قوات الأمن المحبطة التي شهدت مثل اللبنانيين الآخرين انخفاضا في رواتبهم بنسبة تصل إلى 80٪ بسبب انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار.
وأوضح مايك عازار، العضو السابق في مركز جونز هوبكنز في تصريحات لوكالة أسوشيتد برس أنه في حال استمر تشبث القوى السياسية بمواقفها مع استمرار غياب التغيير عن الحسابات السياسية ستشهد الأسابيع المقبلة حالة من الجمود المستمر، كما ستشهد حكومة انتقالية تفتقر إلى القدرة على تنفيذ أي إصلاحات جادة، وتسريع الانهيار الاقتصادي.