صحيفة روسية: لهذا تمد موسكو حرب أذربيجان وأرمينيا بالسلاح
نشرت صحيفة "أرغومنتي نيديليا" الروسية، مقالا لرئيس تحريرها أندريه أوغلانوف، سلط فيه الضوء على الصراع المستمر منذ فترة طويلة بين أرمينيا وأذربيجان، وأدى إلى اشتباكات مفتوحة نتج عنها عدد كبير من القتلى، بسبب استخدام المعدات العسكرية الثقيلة.
وطرح الكاتب في مقاله جملة من التساؤلات عن أسباب عدم منع وقوع الحرب بين أرمينيا وأذربيجان رغم أن الجميع رأى كيف اشتعلت؟ ومن أشعل هذه النار؟ وكيف تهدد هذه الشعلة روسيا؟
وفي مقابلة أجرتها الصحفية الروسية، أجاب الكولونيل جنرال ليونيد إيفاشوف، الخبير العسكري والجيوسياسي، ورئيس أكاديمية المشاكل الجيوسياسية، على جميع الأسئلة التي طرحها الكاتب.
ماهية الحرب؟
وبحسب أوغلانوف، فإن إيفاشوف وصف الصراع بأنه "محلي على نطاق جيوسياسي، وأن أرمينيا قد تكون هدفا للهجوم، لكن أذربيجان هي مجرد مجموعة أدوات للعبة أكبر، فإذا نظرنا إلى القوقاز، يجب أن نعترف بأن مناورات (القوقاز – 2020) لم تكن عرضية على الإطلاق. انظر إلى قائمة المشاركين وأهداف التدريب".
وأوضح الكاتب يبدو أن الصراع بين أرمينيا وأذربيجان قد تم افتراضه بالفعل، ونحن، كما يقولون، "بدون منظار" رأينا كيف تطور هذا الصراع على مدار عدة أشهر، وإن كان شخص ما يطبخها.
وفي حديث للكاتب مع الخبير العسكري ليونيد جريجوريفيتش عن الحرب التي بدأت بين أرمينيا وأذربيجان حول ناغورني كاراباخ، قال الأخير: إنه "قبل أسابيع قليلة، كان هناك بدايات لهذا الصراع، عندما اختلف التجار الأذريون مع الأرمن في أسواق الطعام في موسكو وكانت هناك صراعات كان على السلطات الفيدرالية إخمادها".
وأضاف: "لكن بحسب البيانات الرسمية، يوجد حوالي 600 ألف أذربيجاني في روسيا، وأكثر من مليون أرمني. ولا أحد يعلم كم عددهم في الواقع، وأن هذه جاليات ضخمة، يمكن للصراع بينها أن يؤثر على أمن روسيا.
وتساءل الكاتب: "كيف يمكن أن يتعايش الشتات من شعبين على أراضي روسيا، التي تعيش دولها في حالة حرب دائمة؟". وأجاب قائلا: "أولا، لديهم مصلحة مشتركة. هناك أشخاص أذكياء في أي مجتمع. قد يكون هناك عدد قليل منهم، ولكن هناك أذكياء، وهم يتفقون دائما حتى لا تؤثر النزاعات و الخلافات على السوق، لأن الحرب حرب والمال مال، وعادة يتم العثور على حلول مقبولة للجميع".
أما الأمر الثاني، بحسب الكاتب، فإن كل شيء يعتمد على صلابة الحكومة والسياسة التي تنتهجها، وفي روسيا، لدى جميع شرائح السكان، بما في ذلك الأوليغارشية (حكم الأقلية)، فهموا أن الحرب الأهلية ليست مقبولة على الإطلاق لأي شخص. في مكان ما وبحالات خاصة يمكنهم القتال وربما إطلاق النار، ولكن بشكل عام في روسيا هناك تفاهم على أن الجميع بحاجة إلى السلام والاستقرار، وذلك قد يستثني اللاعبين المنفذين لمصالح خارجية.
موردون رئيسيون
وبخصوص الموردين الرئيسيين للأسلحة في منطقة القوقاز الساخنة هذه، قال الكاتب: إن "الواقع هو أن روسيا تزود بالأسلحة والمعدات العسكرية لكلا البلدين، وهي تفعل الشيء الصحيح، لكن هذه منطقة دقيقة للغاية. هناك طرق مختلفة للحفاظ على السلام والأمن، إلا أن أكثر المبادئ فعالية هو ميزان القوى، ويجب الحفاظ على هذا التوازن من خلال الأساليب السياسية والاقتصادية والعسكرية والجمع بينها".
وتساءل الكاتب: "يعرضون على القنوات مكاتب تجنيد في أرمينيا، حيث توجد حشود من الناس على استعداد لخوض الحرب، وتظهر اللقطات من باكو نفس الشيء، فهل تعتقد أن أحد هؤلاء الأشخاص لديه قدرة أكثر على القتال؟ وأجاب الخبير العسكري، قائلا: "نوع من العدوانية الفطرية التي يمكن أن تساعد في الفوز، وكل الأشياء الأخرى متساوية".
وردا على سؤال بخصوص ما إذا كانت مناورات (القوقاز 2020) نوعا من التحذير لكلا الجانبين؟ قال الخبير العسكري: نعم تحذيرات مباشرة وليست مموهة تماما، وأن جميع أجهزة المخابرات الأجنبية ترى كل شيء بالطريقة نفسها "بدون منظار"، ولم يخف أحد شيئا، واليوم أصبح عميل هذا الصراع واضحا تماما، والمهتم بهذا الصراع واضح.
واتهم الخبير العسكري "تركيا في إعادة تسليح الجيش الأذربيجاني بسرعة وتدريب هيئة القيادة بنشاط"، لافتا إلى أن ما تقوم به أنقرة سياسة، والسياسة هي نتاج الجغرافيا السياسية. شاهد كيف تتصرف تركيا تجاه أوروبا بحزم، فهي تؤثر بشكل كبير على كل من تدفق إلى أوروبا وسلوك المهاجرين من أصل تركي، وكذلك تعاملها في سوريا وليبيا. وفي كل هذه النقاط تشير المواجهة مع روسيا".
وأوضح الخبير العسكري: "في ليبيا، نحن إلى جانب حفتر، والأتراك إلى جانب حكومة الوفاق الوطني المؤقتة، وليس هناك ما يقال عن سوريا، وكل هذا ليس مجرد مصالح تجارية - للحصول على مليون طن إضافي من النفط هناك، لكن هذا بالضبط هو الجغرافيا السياسية. هذا هو غزو الفضاء".
ولفت إلى أن "السُنة تركوا إلى حد كبير بدون زعيم، والآن تقوم تركيا بهذا الدور- زعيم العالم السني، وزعيم كل أتراك العالم-". وادعى الخبير أنه: "التقى قبل خمسة عشر عاما، بوزير الدفاع التركي في إحدى دول آسيا الوسطى. أعطاني خريطة توران (أرض التركمان) الكبرى. وحتى في ذلك الوقت، كان الأتراك قد شملوا فيها جميع شعوب شمال القوقاز".
واستطرد الخبير الروسي، قائلا: "في الواقع، كان الأتراك هم من حكموا باكو تحت قيادة علييف الكبير، ولم يستطيعوا ذلك، إلا بعد استبدال ناخيتشيفان بممر لاتشين، فقد ازداد نفوذ تركيا بشكل كبير، ورغبتها في الاختراق أكثر، لتوسيع نفوذها إلى كازاخستان وما بعده، إلى المناطق التركية في الاتحاد السوفيتي السابق".
علاقة واشنطن
وادعى الخبير العسكري أن "الولايات المتحدة تقف وراء خطط تركيا في التوسع، إذ يبدو أن الأتراك مستقلون، لكن الولايات المتحدة لها إصبعها على النبض وتنظم الوضع. لديهم قاعدة جوية عسكرية ضخمة في مدينة إنجرليك".
وأبدى الخبير تخوفا من فقدان خسارة أرمينيا للحرب وما يمثله ذلك لروسيا، بالقول: "الصراع المحلي على ما يبدو يسحب وراءه أثرا كبيرا. وبطبيعة الحال، إذا هُزمت أرمينيا، فستفقد روسيا تماما ما تبقى من سلطتها السابقة في القوقاز".
ردا على ذلك، طرح الكاتب تساؤلات على الخبير الروسي، مفاده: "تقول إن الولايات المتحدة تراهن على أذربيجان. في الوقت نفسه، تمتلك أرمينيا أكبر سفارة أميركية من حيث المساحة وعدد الموظفين بين جميع دول الاتحاد السوفيتي السابق. إذن هم يتخلون عن الأرمن؟ في البداية أخذتهم كأصدقاء، والآن يرمونهم؟".
وأجاب إيفاشوف على ذلك بالقول: "دعونا لا نخطئ في أن الولايات المتحدة قد اعتمدت على أرمينيا للقيام بنوع من الجسر هناك وما شابه. الأميركيون لا يقاتلون بأنفسهم، وإنما بأيدي شخص آخر. شاهدت موظفي السفارة الأميركية في أرمينيا، فهناك دبلوماسي ونصف الدبلوماسي، أما الباقون فهم من مشاة البحرية والقوات الخاصة".
وأضاف: "صحيح، مع جوازات السفر الدبلوماسية، لكنهم موجودون هناك لإجراء عمليات خاصة سرية وتحليل الوضع في المنطقة، وليس على الإطلاق لإجراء اتصالات سياسية مع الجانب الأرمني، وأن حقيقة وجود الكثير منهم هناك لا تعني أنهم جاؤوا ليكونوا أصدقاء للأرمن، بل العكس تماما"، زاعما أنه "مع العقوبات الأميركية، بدأ الأتراك في دفع أذربيجان لبدء صراع مفتوح مع أرمينيا".
وحول إمكانية أن تبدأ تركيا عمليات عسكرية ضد أرمينيا، في ظل وجود قاعدة عسكرية روسية في كيومري؟ قال الخبير العسكري: "لا تنسوا أنهم أعضاء في الناتو، وأنهم يقدمون تقارير عن الوضع إلى مقر الحلف كل ساعة وينسقون أعمالهم من أجل القيام بشيء ما، يجب أن يحصلوا على موافقة قيادة الناتو في مونس (شمال بلجيكا)".
وزاد قائلا: "نعم، الوضع هو أنه إذا انتصر أي من الطرفين، فسنكون المذنبين في هزيمة الآخر وفي الخسارة، وحتى الفائز سينتصر بشرط- على الرغم من مساعدة روسيا لعدونا- وهذا أيضا نتيجة دبلوماسيتنا غير الناجحة للغاية".
وزعم الخبير أن المخرج هو في "استدعاءات الواجب والنداءات يمكن إرجاعها، فهي لا تحمل أي معنى في حد ذاتها. لكن عند إجراء التدريبات العسكرية، يجب أن يرافقهم دبلوماسيون، وكان عليهم أيضا تطوير الخيارات. لن تساعد منظمة معاهدة الأمن الجماعي، إذ يقول الأذربيجانيون: إنهم لم يهاجموا أرمينيا، لكنهم يعيدون أراضيهم المحتلة".