صانع محتوى عربي لـ"الاستقلال": إسرائيل تستغل المؤثرين لترويج التطبيع
بالرغم من توقيع اتفاقيات التطبيع بين الكيان الإسرائيلي وكل من النظام الحاكم لدولة الإمارات والبحرين، إلا أن إسرائيل تواجه صعوبة في دفع الشعوب العربية لتقبل وجودها في المنطقة العربية.
فالرفض الشعبي للتعاون أو للتطبيع مع إسرائيل، الكيان الذي يحتل الأراضي الفلسطينية، ما زال هو الموقف الراسخ للشعوب العربية، وليس أدل على ذلك من الشعبين المصري والأردني، حيث مرت عقود على اتفاقات التطبيع التي وقعها بلداهما مع استمرار الرفض الميداني لها.
على الجانب الآخر، وفي سبيل الدفع بالشعوب العربية لاستيعاب إسرائيل وقبولها في الوجدان العربي، قامت أكاديمية ناس ديلي التابعة لصانع المحتوى نصير ياسين (فلسطيني - إسرائيلي الجنسية)، مؤخرا بمحاولة لاستقطاب آخرين، بغية صنع وعي عربي يسهم بتحقيق التطبيع على المستوى الشعبي.
يقدم نصير ياسين صاحب منصة ناس ديلي محتوى مترجما باللغة العربية، ويروج لإسرائيل في كونها صانعة سلام، ويدعو للتعايش معها، ويتابعه على الفيس بوك نحو 18 مليون متابع.
أقدمت الأكاديمية مؤخرا، وبشكل غير معلن إعلاميا، على إنشاء مشروع لتدريب نحو 80 شخصا من صناع المحتوى العرب.
يهدف المشروع إلى الاستحواذ على متابعي صناع المحتوى والذين يعدون بالملايين، واستخدامهم كقفازات لخلق وعي معين تجاه إسرائيل ودفع الشعوب العربية إلى القبول بها باسم التعايش، والترويج للمساواة بين الجاني والضحية.
كان صانع المحتوى اليمني المعروف والحاصل على عدد من الألقاب والجوائز عبد الرحمن الجميلي أحد أولئك الذين حاولت الأكاديمية استقطابه، لكنه رفض الانخراط في المشروع، ورآه توريطا ومحاولة لاستخدامه في خلق وعي عربي يستهدف الترويج لإسرائيل في الشارع العربي، كما يقول في حوار مع "الاستقلال".
طبيعة المشروع
- في البداية عرّفنا كيف علمت بالمشروع، وكيف تم التواصل معك؟
كانت البداية عندما وصلتني رسالة عبر الإيميل، ثم أخرى عبر الواتس أب الشخصي، من فريق أكاديمية ناس ديلي يقولون فيها: تم اختيارك ضمن 80 صانع محتوى في الوطن العربي للمشاركة ضمن برنامج تدريبي يستمر لمدة 6 أشهر، في الشهر الأول عبارة عن دورات، وبقية الأشهر عبارة عن برنامج لنشر الفيديوهات، وسيكون معك شريك لبناء الإستراتيجية.. وتفاصيل أخرى كثيرة.
- هل كنت قد تواصلت معهم مسبقا؟
في حقيقة الأمر أنا تفاجأت، كوني لم أقدم في هذا البرنامج، لكنهم كانوا مصرين أنني قدمت، وعلى أية حال فقد تجاوزت هذه المسألة، وأحببت أن أعرف طبيعة المشروع وفكرته وأهدافه.
وبعد الاتفاق على أول تواصل مباشر، قمت بتحضير وإعداد مجموعة من الأسئلة التي أعرف من خلالها عن طبيعة المشروع والبرنامج، برغم معرفتي المسبقة بسياسات ناس ديلي بشكل عام، أو بما يحمله هذا البرنامج من خفايا.
- هل قلت لهم أنك لم تسجل ولم تقدم لهذا المشروع أو أنك تستغرب إقحامهم لك في هذا البرنامج؟
كما قلت لك، لقد شكلت هذه الخطوة بالنسبة لي علامة استفهام كبرى، لكني على كل حال تجاوزتها، رغبة مني بالتعرف على طبيعة المشروع الذي أثار فضولي، كونه يستقطب 80 من صناع المحتوى في العالم العربي، من بينهم أصدقاء أعرفهم جيدا، وهذا أمر خطير، نظرا لحجم التأثير الذي يمكن أن يقدمه هؤلاء الصناع من خلال ما يقدمونه من محتوى.
الأمر الآخر الذي فاجأني أن لديهم معرفة كاملة بتفاصيل أعمالي ومحتوى قناتي على اليوتيوب وأنشطتي، وبكوني أقدم محتوى من تركيا ، كما يعلمون الجوائز التي حصلت عليها، يعرفون أيضا أني حصلت على يوتيوب نيكست أب للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكان لديهم معرفة كاملة بالمحتوى الذي أصنعه، وكانوا مصرين على انضمامي للبرنامج.
- هل تمكنت بعد ذلك من التعرف على طبيعة المشروع؟
بعدها تم التواصل وعقدنا لقاء عبر منصة زووم، كان الشخص الذي عقد معي المقابلة من أميركا، فسألتهم مجموعة أسئلة عن طبيعة البرنامج وأهدافه، وما هي الخطوط الحمراء لهذا البرنامج، فكانوا مصرين جدا أن أقوم في بداية الأمر بتوقيع عقد السرية، كي يضمنوا أن الكلام الذي سيقولونه لن يتسرب.
رفضت أن أوقع معهم أي عقد إلا بعد معرفة تفاصيل المشروع بشكل كامل، فرفضوا إعطائي أي تفاصيل إلا بعد توقيع عقد السرية، لكنهم حاولوا تطميني بأنه بإمكاني نشر أي محتوى في قناتي بالطريقة التي أريد، لكن يجب أن أمتنع عن مدح أو ذم أي دولة، ورفض الإفصاح عن بقية التفاصيل إلا بعد توقيع عقد السرية.
أهداف المشروع
- ما المقابل الذي كنت ستحصل عليه مقابل التوقيع؟
سألتهم عن المبالغ المالية التي ستصرف لصناع المحتوى المستهدفين خلال الستة الأشهر، وما هي الفائدة التي ستجنيها الأكاديمية مقابل هذه المبالغ التي تدفعها لهم، وكذلك مقابل التدريب.
أجابوا أنه بعد الستة الأشهر سوف نوقع عقدا مع صناع المحتوى المميزين والذين يستمرون بشكل جيد، بالإضافة إلى أن هناك أكاديمية اسمها" نيوميديا" هي التي ستدير قنواتكم بعد ذلك، وبإمكانكم فتح حسابات جديدة إذا رغبتم، وسوف تتشارك معكم الأرباح الأكاديمية الأرباح مناصفة بينها وبينكم.
كانت أسئلتي حادة وقد تسببت له بالإرباك، وكان الارتباك باديا عليه، بعد طرح الأسئلة، وكان حريصا على توقيع عقد السرية قبل أي شيء.
وعلى أية حال، حاولت أن آخذ منهم قدرا كبيرا من المعلومات قبل أن ألتزم لهم بأي التزام، لأني كنت متأكدا بنسبة مائة بالمائة أني لن أنضم لهذا المشروع، لما له من مخاطر على صناعة الوعي العربي.
- ماذا تعني بأن هذا يمثل خطرا على الوعي العربي؟
برأيي هذا المشروع الذي يستهدف 80 من أهم صناع المحتوى من الوطن العربي، يسعى بشكل أو بآخر للسيطرة عليهم ثم خلق وعي معين تجاه بعض القضايا من خلالهم، وكلنا نعلم هؤلاء دورهم كبير ومؤثر وفاعل.
هذا المشروع يتغلف بغلاف التعايش والقيم، لكني أرى أن له مخاطر كبيرة، كلنا نريد التعايش، لكن ليس ذلك التعايش الذي تريده دولة تظلم وتحتل وتهجّر الشعوب، وفي نفس الوقت تريد أن يتم القبول بممارساتها باسم التعايش.
لا يمكن أن أتعايش مع طرف بهذا الشكل، كما ليس من المقبول التخلي عن القضية التي تربينا عليها، وأدركنا مآسيها، وعرفنا أن مئات الآلاف بل الملايين تم تشريدهم، أنا كصانع محتوى لدي وعي تجاه هذه القضية، وأفترض أن الآخرين لديهم وعي كاف تجاه هذه القضية أيضا.
- هل ترى أن القائمين على هذا المشروع قادرون على إقناع الآخرين بالاستمرار فيه؟
يجب على جميع صناع المحتوى أن يكونوا واعين بهذه القضية، التي لا تحتمل المداهنة، من خلال ترديد بعض العبارات على شاكلة ننظر إلى النصف المليان أو إلى الجانب المشرق، فالخطر أكبر من فكرة نصف مليان أو جانب مشرق، بمعنى أن سيطرة هذه الجهة على جمهور ثمانين صانع محتوى، وخلق وعي تجاه هذه القضية يعد أخطر شيء، وهو يشبه السيطرة على وعي شعب بالكامل، بل أخطر من ذلك.
إذا لم يستطيعوا السيطرة على صانع المحتوى ودفعوه لإلقاء رسائل مباشرة لجمهوره ومتابعيه تخالف مبادئه وقضيته، فيمكنهم السيطرة عليك باسم الحياد، ولا حياد في القضايا المصيرية، وهي واحدة من الإشكالات والمغالطات في صناعة الوعي.
لسنا للبيع
- ما هي نصيحتك لصناع المحتوى الذين استمروا في هذا المشروع؟
أنا كصانع محتوى أدعو كل زملائي الذين اشتركوا في هذا المشروع أن ينسحبوا.
قد يكونون اشتركوا بحسن نية وبدون قصد، أو لاعتبارات أخرى ، لكني أنصح أي صانع محتوى اشترك بهذا البرنامج أن يعدل عن قراره وينسحب من هذا المشروع، مع معرفتي بأن الفرصة كانت كبيرة من حيث التدريب والمنح المالية والإستراتيجية والمتابعة، وهذا حلم أغلب صناع المحتوى ولكن لسنا للبيع ولن نبيع.
ويجب على كل صانع محتوى أن يكون حرا، فصناعة المحتوى هي حرية أتاحتها لنا الميديا والثورة المعلوماتية والتقنية، واستطعنا من خلال الإعلام الرقمي أن نوصل أصواتنا وآراءنا بحرية، فلماذا نبيع أصواتنا وتأثيرنا لخصمنا؟ وإذا بعت مبادئك فلن يستمر تأثيرك بشكل فعلي!
- بدلا من هذه المؤسسات المشبوهة، ما المطلوب لاستثمار صناع المحتوى بشكل جيد دون شبهات؟
أتمنى من كل صناع المحتوى الذين اشتركوا بهذا المشروع أن ينسحبوا منه، وأتمنى من القادرين سواء من الشركات أو المؤسسات الإعلامية أن يكون لهم دور فاعل في تدريب وتأهيل هؤلاء، والاستفادة منهم في صناعة رأي ووعي ينسجم مع المبادئ والقيم الحقيقية، والاستفادة من ذلك حتى تجاريا وتسويقيا.
بلا شك صناع المحتوى يحتاجون لموارد لصناعة محتوى، وهناك شركات تحتاج لصناع محتوى، فلماذا لا يتم عمل تأسيس برنامج تأهيلي وتبني هؤلاء المواهب في الوطن العربي، لماذا ننتظر أن يأتي آخرون للسيطرة علينا واستغلال حاجتنا في التخديم على محتواهم وتقديمه بشكل لائق.