النور السلفي بمصر.. كيف تحول من منصة انقلاب السيسي لـ"صفر الشيوخ"؟
سقوط مروع لحزب النور السلفي في مصر بانتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) الأخيرة، وخروجه "صفر اليدين" بدون أي مقعد، في دلالة قوية على رفع رئيس النظام عبد الفتاح السيسي يده عن الحزب، ونبذ المصريين له وانصرافهم عنه.
تدني شعبية الحزب وخروجه من حسابات الشارع المصري بدأت مع حضور جلال المرة ممثل حزب النور في مشهد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، الأمر الذي مثل صدمة كبيرة للكثيرين خاصة الإسلاميين.
دعم ثاني أكبر الأحزاب الإسلامية وجودا على الساحة، لانقلاب عسكري على رئيس مدني منتخب ديمقراطيا (الراحل محمد مرسي) لم يكن بالأمر السهل الذي تقبله الجموع، حتى من بعض السلفيين أنفسهم.
نظام السيسي أوهم حزب "النور" أنه سيحل محل حزب "الحرية والعدالة" الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، لكن بعدما وصل السيسي لغرضه وثبت أركان حكمه ألقى بـ"النور" في أقرب سلة للمهملات، فكيف تدنت شعبية الحزب السلفي؟ ولماذا هجره المصريون؟ وماذا عن مستقبله السياسي بعد هزيمته المدوية في الانتخابات الأخيرة؟.
النور صفر
في 16 سبتمبر/ أيلول 2020، أعلنت الهيئة العليا للانتخابات المصرية، نتيجة جولة الإعادة لانتخابات مجلس الشيوخ، والتي شهدت هزيمة مدوية غير مسبوقة لحزب النور السلفي، الداعم للسيسي، والذي خرج من المعترك الانتخابي "صفر اليدين"، ولم ينجح أحد من مرشحيه في سائر محافظات القطر.
تلك الهزيمة أكدت ما ذهب إليه مراقبون أن دور حزب النور انتهى بشكل قاطع، بعدما لعب دورا رئيسيا كأحد أحزاب التيار الإسلامي، الداعمة للانقلاب العسكري الذي قاده السيسي في يوليو/ تموز 2013.
الآن أصبحت السلطة الحاكمة زاهدة فيه، بعد فشله شعبيا، وانفضاض معظم التيار الإسلامي عنه، وكذلك عدم رغبة بقية الأحزاب القليلة العاملة في الساحة السياسية في التحالف معه.
حصاد المداهنة
تأسس حزب النور في مارس/ آذار 2011، عقب ثورة 25 يناير، عندما قررت الدعوة السلفية بالإسكندرية، الانخراط في العملية السياسية، ثم خاض التيار السلفي تحت مظلة حزب النور، أول انتخابات برلمانية بعد الثورة، محملا بقيم دينية مثالية بالغة التأثير في وجدان المصريين.
استطاع الحزب تحقيق انتصارات كبيرة في انتخابات البرلمان 2012، وحل تحالفه الذي ضم حزبي البناء والتنمية، والأصالة، ثانيا بـ 123 مقعدا بنسبة 24% من إجمالي المقاعد (498 مقعدا)، منها 108 مقاعد لحزب النور فقط، متفوقا على أحزاب عريقة مثل الوفد والتجمع، ومنافسا لحزب الحرية والعدالة، الذي تصدر تلك الانتخابات.
في انتخابات مجلس الشيوخ 2020، تنافس نحو 787 مرشحا بنظامي الفردي والقائمة، في 27 محافظة، صوت فيها نحو 8 ملايين من 63 مليونا لهم حق الانتخاب بنسبة مشاركة 14.23%.
خاض الحزب السلفي انتخابات الشيوخ، على مقاعد الفردي بـ16 مرشحا في 9 محافظات، هي: الإسكندرية، والبحيرة، ومرسى مطروح، وكفر الشيخ، ودمياط، والفيوم، وبني سويف، وقنا، وجنوب سيناء، لم يتمكن أحدهم من الفوز وجاءت النتائج مخيبة للآمال ومُعلنة سقوط جميع مرشحي "النور" بلا استثناء.
مواقف مخزية
لم ينس المصريون مشهد الانقلاب العسكري يوم 3 تموز/يوليو 2013، بحضور جلال المرة مبعوث حزب النور السلفي ولم يكن الأمر سهلا على كثيرين، بمن فيهم أبناء التيار السلفي أنفسهم.
دعم ثاني أكبر الأحزاب الإسلامية وجودا على الساحة، لانقلاب عسكري (دموي) على رئيس منتخب يمثل اتجاها إسلاميا محافظا (الإخوان المسلمين) مثل صدمة هائلة للكثيرين.
وقتها أعلن الحزب، أنه تحرك بدافع "حقن الدماء"، لكن الدماء سالت بعدها بحورا في سائر الميادين، وقتل الآلاف من أبناء الشعب، في فض الاعتصامات يوم 14 أغسطس/ آب 2013.
بعدها لم يبد الحزب أي موقف جاد لوقف نزيف الدماء، وهو ما قد يفسر التراجع الكبير، للحزب سياسيا وشعبيا، فلا حاضنته الإسلامية تقبلته، ولا من اصطف معهم قبلوه بخلفيته الأيديولوجية المخالفة لأجندتهم.
لا يمكن إغفال تحمل الحزب مسؤولية الفشل السياسي والاقتصادي للنظام الحاكم، الذي استعدى ونكل بشرائح واسعة من طبقات الشعب، لأن حزب النور اصطف مع السيسي، وأعلن دعمه المطلق له لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية 2018.
حينها قال يونس مخيون، رئيس الحزب، في مؤتمر صحفي غربي العاصمة القاهرة: "الرئيس عبد الفتاح السيسي هو أقدر من يقوم بهذه المهام الجسيمة، بما يحقق الاستقرار، ويجنب البلاد الكثير من الأخطار".
في 17 سبتمبر/ أيلول 2020، ترجم الصحفي المصري أبو بكر خلاف، مقالا من إحدى الصحف العبرية ونشره على فيسبوك بالعربية قائلا: "تشير خسارة حزب النور لكافة المقاعد إلى غضب السيسي على أنصار هذا التيار ورغبته في خروجهم من الحياة السياسية فلم يعد يرى منهم أية فائدة الآن، رغم كل التضحيات التي قدموها لإرضائه".
المقال العبري أكد أن "موقف السيسي من كراهية التيار السلفي لا يقتصر على حزب النور فقط وإنما على كافة التيارات الإسلامية بالدولة، حيث أنشأت المخابرات المصرية أقساما خاصة لتوجيه الشعب ضد كافة التيارات الإسلامية".
الحزب المنبوذ
الباحث المصري أحمد فريد مولانا علق على الخسارة الفادحة لحزب النور في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة بقوله: "الحزب فقد قاعدته الأساسية التي بني عليها عند تأسيسه".
وأضاف في حديثه مع "الاستقلال": "التيار السلفي بعمومه، ومنذ دعمه للانقلاب العسكري، وعبد الفتاح السيسي، انفضت عنه تلك القاعدة، وتقلص إلى مجموعة من الأفراد الملتفة حول بعض المشايخ، وخاصة ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية".
الباحث في الشؤون الأمنية والحركات الإسلامية أضاف: "المواقف المخزية المتتابعة لحزب النور، دفعت كل مسؤولي الدعوة في جميع المحافظات إلى مغادرته، وقد حدثت بالفعل انشقاقات واسعة شملت كثيرا من كوادر الدعوة والحزب".
وتابع: "على رأس هذه القيادات التاريخية الدكتور سعيد عبد العظيم، الذي انشق، حتى قبل وقوع الانقلاب، بسبب التوجهات السلبية غير الواضحة لياسر برهامي وبعض المسؤولين، حيث كان هؤلاء من المؤثرين والجاذبين للأفراد وشرائح المجتمع، وبمغادرتهم بدأ الحزب طريق السقوط الشعبي".
مولانا أوضح: "يجب أن نذكر كذلك أن السقوط المدوي لحزب النور في الانتخابات الأخيرة، لعوامل أخرى تتجاوز الانشقاقات، فكان الحزب في الإسكندرية تحديدا، يعتمد على العصبيات القبلية والعائلات الكبرى".
مضيفا: "هذه العائلات المنتشرة على طول الساحل الشمالي من العامرية إلى مرسى مطروح، كانت توفر للحزب قاعدة تصويتية ثابتة، إلا أنهم انصرفوا عنه، بعد الانقلاب، وذهب جزء منهم إلى الأحزاب ورجال الأعمال الموالين للنظام".
الباحث المصري شدد أن "حزب النور ككيان أصبح منبوذا من جميع الأطراف، بمن فيهم النظام الحاكم وأجهزته الأمنية، فهو غير مقبول عندهم، ولا عند الأحزاب العلمانية والليبرالية بطبيعة الحال، لنظرتهم إليه نظرة رجعية، أما النظام فيعلم تماما أن الحزب فقد ميزته الكبرى وهي القاعدة الشعبية واستمالة المواطنين، فأصبح لا حاجة إليه".
واختتم حديثه بأن "حزب النور بتاريخ ومواقفه المخزية أصبح جزءا من تاريخ المرحلة السابقة، ولن يكون له وجود في مستقبل مصر السياسي بأي شكل من الأشكال".
اندثار مؤكد
الأكاديمي المصري، وأستاذ الفقه الإسلامي، الدكتور عطية عدلان، قال لـ"الاستقلال": "هزيمة حزب النور في انتخابات الشيوخ الأخيرة تعكس الشعبية الحقيقية لهذا الحزب وكذلك خلفيته الدعوية، وأما ما حققوه سابقا في برلمان الثورة فقد كان له سببان أولهما رغبة الشعب في رؤية وجوه جديدة، والثاني حب الشعب بطبيعته للخطاب الإسلامي وانجذابه اليه بغض النظر عن مصدره".
وأضاف: "فإذا استصحبنا الواقع الأخير لأداء حزب النور ورأيناه واقعا لا يرتقي لفهم المصريين ومعاناتهم علمنا أن سقوطه في هذه الانتخابات له دلالات عميقة وآثار أعمق على مستقبل الحزب والجماعة في السياسة والدعوة والتأثير في الجماهير".
وأردف: "كان من الطبيعي أن يتم نبذ حزب النور على كل المستويات فلا هو يلبي طموحات الشعب ويسعى لدفع السوء عنه، ولا هو يملك من القاعدة الشعبية ما يحقق به للنظام الذي يتزلف إليه منفعة حقيقية".
وأوضح: "أتوقع للحزب والجماعة السلفية المحتضنة له اندثارا لا اجتماع بعده.. ولا ريب أن هذا سيؤدي إلى خلاص كثير من الشباب المخلصين من ربقة الحزب والجماعة ومن أسر وقيود الزعماء الفاشلين، وهذا ما سيحدث لكثير من الجماعات والأحزاب وإن اختلفت الأسباب".
عدلان ختم حديثه بالقول: "ربما يكون في ذلك الخير، حيث انتهى دور المكونات المغلقة بما لها وما عليها وصار اللعب على المكشوف وصار الصراع أمميا مفتوح الجبهات، ما يستلزم بالضرورة تغيير الخرائط الانتمائية".
المصادر
- هل انتهى دور حزب النور بعد خسارته بانتخابات "شيوخ السيسي"؟
- حزب النور السلفي... عندما يمارس الشيوخ السياسة ويفشلون في الخروج منها
- “صفر” حزب النور يثير سخرية واسعة.. السيسي شد على برهامي وصبيانه “السيفون” بعدما انتهى دوره!
- انتخابات مجلس الشيوخ في مصر تخرج السلفيين من جلباب النظام
- شاهد: حزب النور يعلن دعمه للسيسي في انتخابات الرئاسة
- لا جديد.. الأمن المصري يختار مجلس النواب القادم وسط غضب أحزاب الموالاة