"تعاملهم كالحيوانات".. هكذا تحتجز السعودية آلاف الأفارقة بظروف مروّعة
نشرت صحيفة "الصنداي تلغراف" البريطانية، تحقيقا كشفت فيه عن احتجاز المملكة العربية السعودية للمئات إن لم يكن الآلاف من المهاجرين الأفارقة في ظروف مروعة شبيهة بـ"معسكرات العبيد" في ليبيا، كجزء من حملة تتخذها لإيقاف انتشار وباء كورونا.
وأوضحت الصحيفة أن "صور الهواتف المحمولة التي أرسلها مهاجرون محتجزون داخل أحد مراكز الاحتجاز إلى الصحيفة، تظهر عشرات الرجال الهزالا المستقلين بلا قمصان بسبب دراجة الحرارة المرتفعة، في صفوف مكتظة في غرف صغيرة ذات نوافذ بقضبان".
"يعاملون كالحيوانات"
وتظهر إحدى الصور ما يبدو أنه جثة مغطاة ببطانية أرجوانية وبيضاء في وسطهم، إذ يؤكد المحتجزون أنها جثة مهاجر مات بسبب ضربة شمس، وأن الآخرين بالكاد يحصلون على ما يكفي من الطعام والماء للبقاء على قيد الحياة.
كما تظهر صورة أخرى، شابا إفريقيا معلقا من نافذة في جدار داخلي من البلاط. وقد قرر المراهق الانتحار بعد أن فقد الأمل- حسبما أفاد أصدقاؤه للصحيفة- وكثير منهم محتجز منذ أبريل / نيسان 2020.
وبحسب الصحيفة، فقد أكد المهاجرون، الذين ظهرت على ظهورهم العديد من الندوب، أنهم تعرضوا للضرب على أيدي الحراس الذين يوجهون لهم شتائم عنصرية، حيث يؤكد شخص يدعى "أبيبي" وهو إثيوبي محتجز: "نعامل كالحيوانات ونتعرض للضرب كل يوم".
وأضاف "أبيبي" عبر وسيط تمكن من التواصل مع الصحيفة البريطانية عن طريق هاتف مهرّب: "إذا رأيت أنه لا مفر، سأنتحر بنفسي". وتابع: "جريمتي الوحيدة هي مغادرة بلدي بحثا عن حياة أفضل، لكنهم ضربونا بالسياط والأسلاك الكهربائية وكأننا قتلة".
وأثارت الصور والشهادات غضبا بين ناشطي حقوق الإنسان ، وكان لها صدى خاص في ضوء الاحتجاجات العالمية التي تقوم بها حركة "بلاك ليفز ماتر".
وعلى ضوء ما نشرته "صنداي تلغراف" علق آدم كوغل، نائب مدير "هيومن رايتس ووتش"، قائلا: "تُظهر الصور الصادرة من مراكز الاحتجاز في جنوب السعودية أن السلطات هناك تُخضع مهاجري القرن الإفريقي لظروف مزرية وغير إنسانية دون أي اعتبار لسلامتهم أو كرامتهم".
وأضاف كوغل: "مراكز الاعتقال المزرية في جنوب السعودية لا ترقى إلى مستوى المعايير الدولية بالنسبة لدولة غنية مثل المملكة، ليس هناك أي عذر لاحتجاز المهاجرين في مثل هذه الظروف المؤسفة".
وأوضح تقرير الصحيفة البريطانية أن "السعودية الغنية بالنفط طالما استغلت العمالة المهاجرة من إفريقيا وآسيا. وفي يونيو/حزيران 2019، كان ما يقدر بنحو 6.6 مليون عامل أجنبي يشكلون حوالي 20 في المائة من سكان هذه الدولة الخليجية، حيث يعمل معظمهم في وظائف منخفضة الأجر وغالبا ما تكون شاقة بدنيا".
ويعمل المهاجرون بشكل أساسي في أعمال البناء والوظائف المنزلية اليدوية التي يفضل المواطنون السعوديون عدم القيام بها بأنفسهم. ويأتي الكثير منهم من جنوب آسيا، كما تأتي مجموعة كبيرة من القرن الإفريقي.
وبحسب "صنداي تلغراف"، فإن مركز الاعتقال فيه بشكل رئيسي محتجزون إثيوبيون، الذين قالوا إن هناك مراكز أخرى مكتظة بالنساء.
وعلى مدى العقد الماضي، شق عشرات الآلاف من الشباب الإثيوبي طريقهم إلى الدولة الخليجية، في كثير من الأحيان بمساعدة وكلاء التوظيف السعوديين والمهربين، في محاولة للهروب من الفقر في وطنهم. لكن هؤلاء حوصروا جزئيا نتيجة لتفشي الوباء وأيضا بسبب "سعودة" القوى العاملة في المملكة، وهي السياسة التي أدخلها محمد بن سلمان، ولي العهد الذي تولى السلطة قبل ثلاث سنوات.
دفع للانتحار
ونقلت الصحيفة عن أحد السجناء، قوله: "الكثير من النزلاء ينتحرون أو يعانون من أمراض عقلية نتيجة بقائهم لمدة خمسة أشهر في هذه الأوضاع"، مضيفا: "الحراس يسخرون منا، ويقولون لنا: "حكومتكم لا تهتم، ماذا يفترض بنا أن نفعل بكم؟".
وأكدت الصحيفة أن الشهادات التي جمعتها صحيفة "صنداي تلغراف" مباشرة من المهاجرين عبر القنوات المشفرة، حول الظروف التي يجدون أنفسهم فيها الآن، بأنها "مروّعة".
وأوضح أحد المحتجزين "أقدم صبي صغير، في السادسة عشرة من عمره، على الانتحار من خلال شنق نفسه الشهر الماضي، فيما قال محتجز آخر: "كان الحراس يرمون الجثث في الخلف كما لو كانت قمامة".
وذكت الصحيفة: عندما تفشى الوباء في مارس/ آذار 2020، خشيت الحكومة السعودية من أن يكون المهاجرون، الذين يقيمون في كثير من الأحيان في ظروف مزدحمة، بمثابة ناقل للفيروس، لذلك تم ترحيل ما يقرب من 3 آلاف إثيوبي من قبل أجهزة الأمن السعودية إلى إثيوبيا في الأيام العشرة الأولى من أبريل/ نيسان 2020، وقالت مذكرة الأمم المتحدة المسربة: إن العملية ستشمل 200 ألف آخرين، قبل أن يتم تعليق عمليات الترحيل بعد الضغط الدولي على الرياض.
ووجدت صحيفة "صنداي تلغراف" أن العديد من المهاجرين الذين كان من المقرر ترحيلهم قبل خمسة أشهر قد تُركوا للتعفن في مراكز الاحتجاز الموبوءة بالأمراض، حيث أكد أحدهم أنه محتجز في غرفة بحجم فصل دراسي لم يغادرها منذ مارس/ آذار 2020: "لقد تُركنا لنموت هنا". وأضاف: " كورونا!! من يدري؟ هناك الكثير من الأمراض هنا، الجميع مريض هنا، كل محتجز مصاب بمرض ما".
وتظهر الصور المهربة للصحيفة البريطانية أن العديد من المحتجزين يعانون من التهابات وتشوهات جلدية، حيث يؤكدون أنهم لم يتلقوا أي علاج طبي، إذ نقلت عن شاب إثيوبي آخر، قوله: "نأكل قطعة صغيرة من الخبز في النهار والأرز في المساء، لا توجد مياه تقريبا والمراحيض تفيض، وتمتد الفضلات البشرية إلى حيث نأكل، لقد تعودنا على روائحها"، مضيفا: أن "هناك أكثر من مئة منا في غرفة واحدة ..الحرارة تقتلنا".
وأشارت الصحيفة إلى مقطع فيديو قصير تم تهريبه، إنه يظهر عدة غرف مغطاة بالقاذورات من مرحاض ممتلئ. ويمكن سماع رجل إثيوبي يصرخ: "المراحيض مسدودة. لقد حاولنا تسريحها، لكننا لم نتمكن من ذلك. لذلك نحن نعيش في هذه القذارة، وننام فيها أيضا".
وأضاف الرجل: "إلى السعوديين أو حتى لآبي، (في إشارة لرئيس الوزراء الإثيوبي الحائز على جائزة نوبل للسلام، آبي أحمد)، يبدو الأمر كما لو أننا نملة.. عندما نموت، يبدو الأمر كما لو أن نملة ماتت، لا أحد يهتم أو ينتبه".
وفي سياق متصل، يؤكد التقرير أن المهاجرين الأفارقة يتمتعون بحقوق قانونية قليلة في السعودية ويشكو الكثير منهم من الاستغلال والاعتداء الجنسي والعرقي من قبل أرباب العمل.
وقد تم سن قوانين جديدة تحد من حقوق العمال الأجانب وفرصهم في العمل في عام 2013، كما استمرت حملات القمع تحت حكم ولي العهد الشاب محمد بن سلمان، الذي تولى السلطة في عام 2017.
مركزان للاعتقال
وتمكنت صحيفة "صنداي تلغراف" من تحديد الموقع الجغرافي لاثنين من المراكز. أحدهما في الشميسي، بالقرب من مدينة مكة المكرمة والآخر في جازان، وهي مدينة ساحلية بالقرب من اليمن. وتعتقد الصحيفة أن هناك مراكز أخرى يتم فيها احتجاز آلاف الإثيوبيين.
ونقلت عن عدد من المهاجرين، قولهم: إن هناك المئات منهم في كل غرفة. وتظهر صور الأقمار الصناعية أن هناك العديد من المباني في كلا المركزين، مما يعني أنه قد يكون هناك عدد أكبر بكثير من المهاجرين في كل مركز حددته الصحيفة، التي لم تتمكن من الاتصال بهذه المراكز.
وقال العديد من المهاجرين أيضا: إنه تم إلقاء القبض عليهم في منازلهم في مدن سعودية مختلفة قبل وضعهم في المخيمات، فيما تضم هذه المراكز أيضا لاجئين أفارقة من اليمن الذي مزقته الحرب.
وفي وقت سابق من شهر أغسطس/آب 2020، أفادت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بأن قوات الحوثيين استخدمت أزمة كورونا كذريعة لطرد آلاف المهاجرين الإثيوبيين إلى المملكة العربية السعودية المجاورة.
وتشير الشهادات التي جمعتها المنظمة غير الحكومية إلى أن الحوثيين قتلوا عشرات الإثيوبيين وأجبروا آخرين تحت تهديد السلاح على عبور الحدود السعودية، لترد قوات حرس الحدود السعودية بإطلاق النار على المهاجرين الفارين مما أسفر عن مقتل العشرات.
وفي هذا السياق، قال كوغل مدير المنظمة: إن "المملكة العربية السعودية، تحتجز منذ فترة طويلة مهاجرين غير موثقين بما في ذلك العديد من المهاجرين القرن الإفريقي في ظروف غير صحية مروعة لدرجة أن المهاجرين غالبا ما يظهرون مصدومين أو مرضى".
وأضاف: "من العدل التساؤل عما إذا كانت السلطات السعودية تسمح عمدا بأن تكون ظروف الاحتجاز بهذه البشاعة، من أجل معاقبة المهاجرين".
ونوه التقرير إلى أن صحيفة "صنداي تلغراف" اتصلت بالسفارة السعودية في لندن للتعليق، لكنها لم تتلق أي تعليق. إضافة إلى أنها تواصلت بممثل الحكومة الإثيوبية في الشرق الأوسط دون الحصول على أي تعليق.