إجهاض وهجرة.. لماذا فشل خامنئي في إقناع الإيرانيين بالإنجاب؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

أطلق مسؤولون إيرانيون تحذيرات من تراجع سريع في النمو السكاني قد يزيد من نسب الشيخوخة في المجتمع الإيراني، في ظل توقعات بانخفاض حاد في نسبة الخصوبة يصل إلى -0.01 و0.32 بحلول عام 2050، ما أثار قلق المرشد الإيراني علي خامنئي.

تراجع النمو السكاني، يعبر عن فشل النظام الإيراني، وتحديدا المرشد علي خامنئي في إقناع الشباب بالإنجاب، بعدما طالبهم بذلك أكثر من مرة، كان آخرها في أغسطس/ آب 2019، وسط ركود اقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، إضافة إلى ارتفاع نسبة الهجرة.

خامنئي مرعوب

في 23 أغسطس/آب 2020 قالت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية: إن خامنئي، ممتعض من تقدم سريع بمعدل العمر في إيران، بالقول: "هذه أنباء مرعبة وسيئة، إذا استمر هذا الوضع فإننا لن ننجو"، مشيرة إلى أن الأزمة الاقتصادية التي تواجهها إيران، في ظل الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، ما تسبب في وجود أزمة ديموغرافية مع تراجع معدلات المواليد.

وقبل ذلك، أكد رئيس السلطة القضائية الإيرانية، إبراهيم رئيسي، في 20 أغسطس/آب 2020 أهمية موضوع النمو السكاني بالنسبة للنظام الإيراني، قائلا: "المرشد علي خامنئي لديه حساسية خاصة بهذا الخصوص".

وأشار إلى أن "المرشد يؤكد على موضوع النمو السكاني مع حساسيات خاصة، وأن اتخاذ القرارات بهذا الخصوص ليست قضية معقدة أو صعبة"، لافتا إلى أن النمو السكاني يتطلب "إرادة جدية من جميع الجهات".

من جهته، قال عضو البرلمان أمير حسين بانكي بور، في 6 يونيو/ حزيران 2020: "السنوات الست الماضية، شهدت انخفاض معدل الزواج في البلاد بنحو 40 في المئة"، مضيفا: "معدل النمو السكاني في بلادنا انخفض إلى أقل من واحد في المئة، وهو أمر خطير للغاية، والأزمة السكانية واضحة تماما في الوقت الراهن".

وشدد بانكي بور، في تصريحات نقلتها وكالة "تسنيم" الإيرانية، على ضرورة تشكيل "لجنة خاصة بالسكان والأسرة في البرلمان" ، قائلا: "إحدى القضايا الخطيرة في البلاد هي قضية السكان، لدينا إحصائية غريبة في هذا الصدد، وهي معدل نمو أقل من واحد في المائة".

ورأى النائب الإيراني أن "الوصول إلى معدل نمو أقل من واحد بالمائة يشكل خطرا كبيرا على سكان البلاد، والآن فإن الأزمة السكانية ملموسة للغاية، في هذه الأثناء، من واجب المشرعين والمسؤولين توقع الأزمات قبل وقوعها واتخاذ الخطوات اللازمة لمنعها.

وفي إطار حث المسؤولين الإيرانيين على زيادة النمو السكاني، فإن رئيس منظمة التوجيه السياسي العقائدي في الجيش عباس محمد حسني، كان قد دعا إلى زيادة الإنجاب التي يصر عليها المرشد خامنئي، واصفا ذلك بأنه "جهاد في سبيل زيادة عدد الشيعة في العالم.

وقال حسني الذي يحمل صفة ممثل المرشد خامنئي في الجيش الإيراني، أثناء اجتماع حضره مسؤولو الجيش في 15 أغسطس/ آب 2020: "العدو يتآمر على تقليل عدد الشيعة في العالم".

وطالب المرشد علي خامنئي بنفسه الإيرانيين، بزيادة عدد السكان من خلال الإنجاب إلى 150 مليون نسمة، في حين أن عدد سكان البلاد الحالي بلغ 84 مليونا حتى عام 2020.

وقال خامنئي في 15 أغسطس/ آب 2019 في خطبة نشرت على موقعه الإلكتروني: "الأمة الإسلامية التي تكون مكتظة بالسكان، ستكون أمة مقتدرة ومتقدمة، وعلى المسؤولين الإيرانيين تهيئة الأرضية المناسبة لزيادة عدد سكان إيران".

واستشهد خامنئي في حديثه بدول الهند والصين والتي يفوق عدد سكانها المليار نسمة، قائلا: "اليوم في العالم، تنعم الدول التي لديها عدد كبير من السكان بالكثير من الفرص، ومثال على ذلك الصين، والهند، فهذا العدد الضخم من السكان يمثل قيمة اجتماعية وسياسية ودولية، وبالتالي ستجلب لهم النجاح".

"صفر بالمئة"

تخوفات إيران ذهبت إلى مديات بعيدة، إذ حذر رئيس لجنة السياسات السكانية في المجلس الأعلى للثورة الثقافية في إيران، محمد جواد محمودي من أن البلد سيواجه أزمة سكانية عاصفة بحلول العام 2030.

وتوقع محمودي خلال تصريحات صحفية نقلها موقع "راديو فردا" في 12 يونيو/ حزيران 2020 أن "تصل نسبة النمو السكاني في إيران بين عامي 2030 و2035 إلى صفر بالمئة".

وبخصوص الأسباب، أرجع محمودي ذلك إلى تزايد معدلات الهجرة إلى الخارج، وجنوح المجتمع إلى إنجاب عدد أقل من الأطفال، بجانب شيخوخة نسبة كبيرة من السكان.

ونوه محمودي في محاضرة بعنوان "أسباب تقلص التعداد السكاني الإيراني" إلى هجرة 100 ألف إيراني من البلاد بشكل سنوي، ما يؤدي إلى انخفاض معدل النمو عن المعدل الطبيعي، لافتا إلى أن توقع الأمم المتحدة بلوغ التعداد السكاني الإيراني 95 أو 96 مليون نسمة، عند وصول معدل النمو مستقبلا إلى صفر بالمئة.

وتقيم الأوساط الرسمية والأكاديمية والإعلامية نقاشات متواصلة بحثا عن حلول لوقف هذا الهبوط في النمو السكاني، والتي باتت تُسجل مخاوف في إيران على خلفية تراجع نسبة المواليد فيها.

وتفيد بيانات رسمية أخيرة بأن تراجع نسبة المواليد في البلاد يتواصل على أن يبلغ 14.5 مولودا لكل ألف نسمة، وهي النسبة الأدنى منذ 50 عاما، حسبما أفاد بيان صادر عن المجلس الأعلى للثورة الثقافية المعني برسم سياسات البلاد في المجالات الثقافية والمجتمعية والتعليمية.

وأوضح المجلس خلال تقرير نشره، في مايو/ أيار 2019 حول واقع النمو السكاني والولادات في إيران خلال الشهور الستة الأولى من العام الإيراني (1398 بالتقويم الفارسي) الذي انتهى في 20 مارس/ آذار 2020، أن الأرقام الحديثة حول المواليد تظهر أن معدل المواليد الذي يتراجع منذ عام 2015 يواصل مساره هذا بوتيرة متسارعة تقريبا، إذ هبط في العام الماضي بنسبة 8 في المائة مقارنة بعام 2017، وسُجل بالتالي 16.7 مولودا لكل ألف نسمة.

ولفت إلى أن التقديرات تشير إلى تراجع النسبة في العام الإيراني ذاته إلى 14.5 مولودا لكل ألف نسمة، علما بأن معدل الولادات في الشهور الستة الأولى من العام ذاته يظهر هبوطا بنسبة 13 في المائة بالمقارنة بالفترة نفسها من العام الذي سبق، مع 92 ألف مولود.

وتابع التقرير نفسه أن عدد المواليد سيبلغ بحسب التقديرات مليونا و205 آلاف و954 مولودا مع نهاية العام الإيراني.

وما يزيد من قلق إيران بشأن تراجع نموها السكاني هو تصدرها الدول التي تسجل تراجعا حادا في نسبة الخصوبة حول العالم، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة "فارس" الإيرانية نشرته في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2018.

وأكدت الوكالة الإيرانية شبه الرسمية أن "إيران فقدت خلال 20 عاما أكثر من 70 في المائة من نسبة الخصوبة"، مشيرة إلى أن "هذا التراجع وصل إلى حد يشير إلى توقع هبوط عدد سكان البلاد إلى أقل من 60 مليون نسمة في عام 2041".

تزايد الإجهاض

وفي سياق آخر من تصريحاته التي أدلى بها إبراهيم رئيسي في 20 أغسطس/آب 2020، أعرب خلالها عن قلقه إزاء "زيادة إحصاءات الإجهاض" في إيران، رافضا الخوض في مزيد من التفاصيل حول هذه الظاهرة، داعيا إلى "المراقبة والانتقاء الجدي" فيما يخص قضية توظيف الطواقم العلاجية.

وحسب تقارير صحفية، فإن آلاف النساء في إيران يجرين عملية الإجهاض سنويا بطرق قانونية وغير قانونية، كما تختلف الأرقام الرسمية المعلن عنها عن الأرقام الحقيقية نسبة للأعداد التي تقوم بالإجهاض سرا والذي لم تعرف نسبته تحديدا.

ونقل تقرير صحفي في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 عن الدكتور محمد مهدي آخوندي مؤسس مركز "ابن سينا" ​​لعلاج العقم رئيس "الجمعية العلمية لعلم الأجنة" في إيران، قوله: "ليست لدينا إحصائيات دقيقة عن عدد حالات الإجهاض التي تحدث في المجتمع نظرا للجوء البعض إلى إجراء الإجهاض بسرية تامة وبشكل مخالف للقانون، أما الأعداد المعلنة لحالات الإجهاض فهي بناء على التقديرات والقرائن الموجودة".

وأوضح آخوندي أنه في عام 1995 أعلنت وزارة الصحة عن 80 ألف حالة إجهاض في السنة، ليصل العدد عام 2013 إلى 250 ألفا، وأعلن الدكتور محمد باقر لاريجاني المساعد التربوي لوزير الصحة عام 2017 أن أعداد حالات الإجهاض (القانونية وغير القانونية) تتراوح بين 300 و500 ألف، أي 1000 حالة إجهاض في اليوم تقريبا، 10 منها فقط تتم بشكل قانوني.

وأضاف آخوندي -وفق مصادر مؤكدة لديه- أن عدد حالات الإجهاض ارتفع إلى 700 ألف حالة في السنة، داعيا لمعالجة الأمر وسد الفراغ القانوني الموجود، للحد من انتشار هذه الظاهرة.

وفي السياق ذاته، أعلن مدير عام مكتب صحة السكان والأسرة والمدارس في وزارة الصحة سيد حامد بركاتي في يوليو/تموز 2019 بأنه من المتوقع وصول عدد حالات الإجهاض في إيران إلى 250 ألفا (685 حالة في اليوم)، 7 آلاف منها تتم بشكل رسمي.

ومن الناحية القانونية، تجرم إيران عملية الإجهاض وتنزل العقوبة بالفاعل وكل من ساهم بإتمام العملية، إلا في حال توافر 3 شروط، هي: إصابة الجنين بنقص النمو، أو التشوه الخلقي، أو المخاطرة بحياة الأم في حال استمر الحمل، ولا تتم العملية بدون موافقة الأم على الإجهاض واستكمال الأوراق المطلوبة في الطب الشرعي، على أن تجرى العملية قبل إتمام الجنين شهره الرابع.