الكيل بمكيالين.. هكذا يخضع القضاء العراقي إلى سلطة المليشيات

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

طالت السلطة القضائية في العراق اتهامات بالتسيس والخضوع لإرادة المليشيات المسلحة بسبب أحكام يصدرها على أساس طائفي، وذلك بعد الإفراج عن مرتكبي "مجزرة" جامع مصعب بن عمير، التي أودت بحياة 34 مصليا كانوا يقيمون صلاة الجمعة في 22 أغسطس/ آب 2014.

أما عن مجريات "المجزرة"، فقد أقدمت مجموعة من المليشيات المسلحة، على اقتحام جامع مصعب بن عمير، في محافظة ديالى، شرقي بغداد، وقتلت 34 مدنيا، وأصابت نحو 40 آخرين، فيما صدرت مذكرات قبض بحق 13 متهما، نُفذ منها 6 فقط، فيما بقي 7 آخرون طلقاء رغم أوامر القبض الصادرة بحقهم.

قضاء مسيّس

القضية هذه أعادت الجدل بخصوص خضوع القضاء العراقي للإرادة السياسية وترهيب المليشيات في البلاد، ودفعه لاتخاذ قرارات ذات صبغة طائفية والكيل بمكيالين في الأحكام الصادرة عنه، ولا سيما فيما يتعلق بتلفيق التهم وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب.

المحلل السياسي العراقي يحيى سنبل، قال في تصريحات صحفية في 18 أغسطس/ آب 2020: إن "القضاء العراقي مسيّس ويخضع للمليشيات، وهذا ما صرح به الكثير من المسؤولين بالدولة العراقية، وأن القرار مجحف ومدان لأنه قد أضاع حقوق هؤلاء الشهداء الذين قتلوا داخل مسجد عزل من السلاح وهم يؤدون صلاتهم بلا أسباب مشروعة".

ولفت إلى أن "المنطقة التي جرت فيها المجزة تقع تحت سيطرة مليشيات معروفة، ومن ارتكب الجرائم معروفون بالنسبة لأهالي المنطقة ذاتها بالأسماء، وقد اعترفوا في حينها بالجريمة، دون أن تمارس عليهم أي ضغوط لأنهم أساسا من المليشيات. المجزرة كانت إبادة جماعية مع سبق الإصرار والتعمد".

وبخصوص حديث القضاء عن مؤشرات تعذيب أدت إلى اعترافهم بارتكاب الجريمة، قال سنبل: إن "المعتقلين السنة هم من طالهم التعذيب، وهذا معروف بالنسبة للوضع العراق، لأنه يُحكم بحكم طائفي مليشياوي وليس ديمقراطي نزيه".

واتهم سنبل، رئيس مجلس القضاء الأعلى بالعراق فائق زيدان بالخضوع لسلطة إيران، معللا ذلك بالقول: "أي مسؤول إيراني يزور العراق، يذهب للقاء رئيس السلطة القضائية بالعراق، وهذا غير متعارف عليه بجميع دول العالم، ما يدل على تبعية هذا القضاء بشكل طائفي إلى المليشيات والأجندة الإيرانية".

وشدد على أن "المشكلة بالعراق تكمن في سلطة القضاء الذي يخضع للمليشيات وتوجيهاتها، من أجل السيطرة عليه بشكل عام وعلى ترتيب وسير المحاكمات، ومحاولة السيطرة على سلطة وزارة العدل بشكل كامل".

الكيل بمكيالين

من جهته، قال عمر الفرحان مدير "المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب" في مقابلة تلفزيونية: إن هذه الإجراءات غير عادلة، وأن السلطة القضائية باتت بشكل أو بآخر منظومة سياسية تتبع للأحزاب والمليشيات، وقد صنفتها المنظمات الدولية بأنها "خارج نطاق التصنيف الدولي للقضاء".

وأكد الفرحان: لم نستغرب مثل هذه القرارات، لأن هناك قرارات مماثلة وقعت سابقا، وأفرج عن كثير من المجرمين، وقضية جامع مصعب بن عمير واحدة منها، وبكل برود واستخفاف وعدم مراعاة شعور ذوي الضحايا تعمل المحكمة على تبرئة المجرمين.

وتابع: إذا كانت الأدلة غير كافية، فهناك شهود يمكن الاستماع إليهم مباشرة، لكن الأدلة كانت واقعية وكافية لتكون أداة قضائية تحقق العدالة، إلا أن هذه المحاكم لا تمت إلى العدالة بشيء، لافتا إلى أن الكثير من الجنايات وقعت ولم يحاسب فيها القاتل ولا يزال طليقا، وذلك بمثابة ضوء أخضر لهم من هذه المحاكم للاستمرار بالقتل وارتكاب الجرائم.

ونوه الفرحان إلى أنه رغم الأدلة الكافية وقضائهم بالسجن مدة 5 سنوات، فإن القضاء برأهم وأفرج عنهم، وفي المقابل هناك الكثير من الأشخاص اعتقلوا بسبب وشاية مخبر سري ولا توجد أي أدلة على ارتكابهم جرائم، لكن لم يفرج عنهم، بل أعدم الكثير منهم مباشرة.

وأشار إلى أن "سياسة الكيل بمكيالين في القضاء تقتل الضحية مرتين، ويجب العدول عن هذه القرارات لأن ذلك يستهدف السلم المجتمعي، وبالتالي لا نلوم أهالي الضحايا بأي ردة فعل على هذه القرارات الجائرة".

فضيحة كبرى   

وبخصوص الاستمرار في نهج القضاء المسيس بالعراق، وغياب الإصلاح الذي نادت به قوى سياسية بعد الاحتلال الأميركي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003، قال المحلل السياسي يحيى الكبيسي: إن "القضاء العراقي لم يستطع أن يحافظ على استقلاليته وظل خاضعا طوال تاريخ الدولة العراقية الحديثة منذ عام 1920".

ورأى الكبيسي خلال مقابلة تلفزيونية في 18 أغسطس/ يوليو 2020 أن القضاء كان دائما خاضعا للسلطة التنفيذية ولإرادة الفاعل السياسي الأقوى، وكانت دائما الأحكام مسيسة،.

وبين أن المشكلة في العراق أن الأحكام تطلق على أساس هوية الفاعل وليس على الفعل نفسه، فإذا كان من هوية أخرى نرى الحكم يختلف، وهنا الازدواجية.

وأوضح أن جريمة جامع مصعب بن عمير، حصلت في عام 2014 وحكم فيها بإعدام مدانين اثنين في 2015 ثم جرى تمييز القرار وإعادة هؤلاء إلى محكمة التحقيق، "لكن تفاجأنا أنه صدر حكم المؤبد عليهما في يناير/ كانون الثاني 2020، ثم جرى تبرأتهما وما يجري فضيحة كبرى لما أسميه بالدولة الطائفية".

وأكد الكبيسي أن "القضاء في العراق مسيس، ويخضع لشروط الفاعلين السياسيين وهو غير قادر على الالتزام باستقلاليته الواردة في نصوص الدستور والقانون".

وأردف: لكن لدينا تقرير للأمم المتحدة صدر في بداية عام 2020 يتحدث عن قضية، المتهمين فيها من قضية أخرى عندما قالوا للقاضي بالنص: إن "اعترافاتهم انتزعت بالتعذيب، وأحدهم أخبر القاضي بأنه لم يقل شيئا من الكلام المدون في السجل، أجابه القاضي: إن شرف المهنة لا يسمح لقاضي التحقيق في التزوير، وهذه ازدواجية".

غياب الثقة

وبخصوص كيفية التصدي لازدواجية القضاء، قال الكبيسي: لو عدنا إلى تقارير الأمم المتحدة سنجد جملة تتكرر دائما مفادها بأنه "لا يمكن ضمان محاكمة عادلة في ظل القضاء العراقي"، ودائما الأمم المتحدة تعطي نماذج عن المحاكمات الظالمة في تقاريرها.

وبيّن الكبيسي أن مشكلة الدولة العراقية حاليا هي أزمة القضاء، لأنه فشل في أن يكون مستقلا وأن يقيم معايير المحاكمة العادلة، وأن يعطي نوعا من الثقة للجمهور بهذا القضاء، مشيرا إلى أنه "في استبيان شهير للأمم المتحدة قبل سنوات قالت فيه: إن القلة القليلة من العراقيين هي التي تثق بالقضاء العراقي، وأن الأغلبية لا يثقون به مطلقا".

وفي السياق ذاته، رأى الكاتب والباحث في الشأن العراقي مجاهد الطائي أنه "عندما يُفرج القضاء عن قتلة طائفيين - بتبريرات سخيفة - قتلوا وأصابوا عشرات المصلين في ديالى، لأن زعيمهم ينتمي لميليشيا بدر؛ فهذا يعني أن القضاء قد تمكن منه حلفاء طهران وقد خضع للسلاح بشكل محكم وأصبح أحد أدواته، بدل أن يكون أداة لتحقيق العدالة وسيفا مسلطا على الظالمين".

وأضاف الطائي في سلسلة تغيرات على "تويتر" في 18 أغسطس/ آب 2020: أنه "كل يوم يؤكد حلفاء طهران الممسكون بمؤسسات الدولة ومنها القضاء، أنهم ليسوا رجال دولة، ولن يستطيعوا بناء أي مؤسسة مهما صغرت، وأقصى ما يستطيعون بناءه هو عصابة أو تنظيم للجريمة المنظمة".

ولفت إلى أن "القضاء يطلق سراح المجرمين لمرتين وليس مرة واحدة، مرة في حكم الإعدام بحقهما في 2015 وأخرى في حكم المؤبد 2020، وقد اعتمد على لون جلد المجرمين وتحسس من أن يكونوا قد تعرضوا للتعذيب في استجوابهم، لكنه لم يتحسس من رؤية الدماء على جدران مسجد مصعب بن عمير، فأي مهزلة هذه؟".

وشدد على أنه "عندما نصمت جميعا على القضاء المسيس والحكم المتواطئ مع المجرمين المدانين بمجزرة ديالى، لا تنتظروا من الجناة عدم تكرار جريمتهم، فلو تحدثنا وضغطنا ضد أي جريمة ترتكب من أول لحظة، لما قتل أي متظاهر، ولما اغتيل هشام الهاشمي ولا تحسين أسامة، وربما لم يظلم أحد".

ظلم طائفي

وعلى نحو مماثل، قال النائب في البرلمان العراقي ظافر العاني عبر تغريدة على "تويتر" في 16 أغسطس/ آب 2020: إنه "عندما يصدر توضيح من مجلس القضاء بأن الاعتراف بوسائل الضغط وعدم تطابق أقوال شهود العيان ليست سببا للتجريم رغم أن قتلى مسجد مصعب بن عمير 34، فإننا لا يسعنا إلا أن نطالب بنفس المعاملة للحالات المماثلة لمن انتزعت منهم الاعترافات بالقوة وبتقرير المخبر السري".

وفي يوليو/ تموز 2019، كشف نائب رئيس مفوضية حقوق الإنسان في العراق، علي ميزر الجربا، عن وجود أكثر من 35 ألف محكوم داخل السجون وموقوفين قيد التحقيق، لافتا إلى أن 200 شخص داخل السجون فارقوا الحياة خلال الثلاث سنوات الأخيرة.

وقال الجربا في مقابلة تلفزيونية: إن "هناك أكثر من 35 ألف محكوم وموقوف في العراق وهذا العدد كبير جدا، ويدل على أن مستوى الجريمة في العراق كبير والمخالفات القانونية كبيرة ويحتاج هذا إلى رؤية لمعرفة الأسباب وراء ذلك".

أما السياسي والنائب السابق مشعان الجبوري، فقد أكد خلال مقابلة تلفزيونية في أغسطس/ آب 2019، أن النظام الشيعي في العراق يظلم السنة ويعتقل الآلاف منهم ولا يزال يعدم فيهم، هل هناك دولة في العالم تعتقل آلاف الرجال ولا تسمح أحدا من مقابلتهم، وجعلها فقط للنساء، حتى صدام (حسين) لم يفعلها؟، وفق تعبيره.