نظام السيسي "المتحرش".. كيف جرأ أفراد المجتمع على جريمة الاغتصاب؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

مطلع يوليو/ تموز 2020، انتشر على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سيل تدوينات عن التحرش الجنسي والاغتصاب تتهم بشكل مباشر الطالب بالجامعة الأميركية في القاهرة أحمد بسام زكي، بأنه تحرش بعشرات الطالبات والقصر "جنسيا ولفظيا"، واتهمته أخريات باغتصابهن".

خلال ساعات ظهر هاشتاج "المتحرش أحمد بسام زكي"، و"المغتصب أحمد بسام زكي"، وتبنى حساب باسم "Assaultpolice"، وترجمته "بوليس الاعتداءات الجنسية"، على موقع الصور والفيديوهات "إنستجرام"، نشر شهادات المعتدى عليهن، موجها أصابع الاتهام لزكي، بكونه استغل جنسيا عددا من النساء والفتيات دون السن القانونية.

في 5 يوليو/ تموز 2020، تم القبض على الشاب المتهم وإحالته للتحقيق. وأعلنت النيابة العامة أن وحدة الرصد والتحليل بإدارة البيان بمكتب النائب العام تابعت ما تم تداوله بمواقع التواصل بشأن الشاب وتعديه على عدد من الفتيات بالقول والفعل، وإكراههن على ممارسات منافية للآداب.

القضية الصادمة للرأي العام، فتحت الباب على مصراعيه عن أسباب انتشار واستفحال ظاهرة التحرش والاغتصاب في السنوات الأخيرة، خاصة وأن رصدها تم في مواقع مختلفة، وطبقات مجتمعية متنوعة.

نظام متحرش

الأفدح أن هذه الظاهرة تمارسها عناصر في مؤسسات الدولة بحق المعارضين، لا سيما الأجهزة الأمنية والشرطية، وهو ما لاقى انتقادات واسعة من المنظمات الدولية والحقوقية.

نظام السيسي مسؤول بشكل مباشر عما وصل إليه المجتمع، وليس الأفراد وحدهم من يحملون على عاتقهم تلك الخطيئة.

في أبريل/ نيسان 2017، كشف مركز "هشام مبارك لحقوق الإنسان" عن وقوع 50 حالة اغتصاب داخل السجون وأقسام الشرطة.

وفي يوليو/ تموز 2016 بحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس مونيتور الحقوقية، أن عدد الأطفال المعتقلين بقضايا سياسة منذ 30 يونيو/ حزيران 2013 بمصر وصل إلى أكثر من 4 آلاف طفل، وأكدت تعرض  نحو 78 طفلا لجرائم عنف جنسي أثناء حبسهم.

وفي 3 أغسطس/ آب 2014، أعلن تحالف دعم الشرعية المعارض للانقلاب العسكري، عن تعرض 45 فتاة للاغتصاب عدا التعذيب البدني والنفسي والحبس في ظروف بالغة السوء.

وذكر أن من بين المغتصبات داخل مقار الاحتجاز فتيات حملن نتيجة ذلك، وقد تعرض بعضهن للإجهاض، في حين لم يسمح الوضع الصحي لبعضهن بذلك.

وجاءت تلك الممارسات، كجزء خاص من مشهد عام للحالة المصرية، التي انتشرت فيها جرائم التحرش والاغتصاب، في ظل عجز عن معالجة الجريمة المروعة. 

قصة زبيدة 

من أبرز قصص الانتهاكات الجسدية والنفسية التي ارتكبها نظام السيسي بحق النساء، ما حدث مع المعتقلة "زبيدة"، ووالدتها، ففي 28 فبراير/ شباط 2018، " اعتقلت أم زبيدة على خلفية ظهورها في تقرير تلفزيوني بثته بي بي سي باللغة الإنجليزية تحت عنوان (سحق المعارضة في مصر)، تحدثت فيه عن تعرض ابنتها للتعذيب وانتهاكات جسدية وصلت للتحرش والاغتصاب، وإخفائها منذ أبريل/نيسان 2017".

وروت أم زبيدة تاريخ أسرتها مع الاعتقال والاختفاء القسري، وقالت: إنها تعرضت للاعتقال مع ابنتها الشابة عام 2014 بسبب وجودهما قرب إحدى المظاهرات، ثم اختفت ابنتها قسريا لنحو شهر عام 2016، قبل أن تختفي مجددا في أبريل/نيسان 2017، وتتعرض لاعتداءات جسدية متعددة داخل أقسام الشرطة والسجون.

وفي أغسطس/ آب 2019، دخلت أم زبيدة في إضراب كلي عن الطعام، كما قامت بحلق شعرها، احتجاجا على إعادة حبسها للمرة الرابعة بعد استئناف النيابة على قرار إخلاء سبيلها.

اغتصاب "رجل"

حوادث الاغتصاب والتحرش من قبل الأجهزة الأمنية، لم تقتصر على النساء والأطفال، بل طالت عددا من الرجال أيضا، ففي 9 أغسطس/آب 2019، دعت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، ومبادرة الحرية المستقلة بـ (الولايات المتحدة)، نظام السيسي إلى إجراء تحقيق مستقل بشأن وضع معتقل مصري-أمركيي في سجن طرة، بعد محاولته الانتحار نهاية تموز/يوليو 2019.

كانت أجهزة السيسي قد احتجزت خالد حسن (42 عاما)، وهو سائق سيارة أجرة يحمل الجنسيتين المصرية والأميركية، بتهمة الانضمام إلى جماعات إرهابية.

وذكرت المنظمة الحقوقية، أنه خلال أيلول/سبتمبر عام 2018، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات عن بعد مع حسن، أكد خلالها أنه "تعرض في الأسابيع التي تلت اعتقاله لضرب مبرح على يد قوات الأمن، وصدمات كهربائية، بعضها على أعضائه التناسلية (الشرج والخصيتين)، واغتصاب شرجي في حادثين، على الأقل، مرة بعصا خشبية ومرة أخرى من رجل آخر".

وأضاف: "كانوا يجردوني من ملابسي أثناء الاعتداء، وعلقوني من ذراعيّ لأيام، متسببين بخلع كتفيّ".

وكشفت المنظمة أنه بسبب تلك الممارسات، فإن المعتدى عليه "حاول الانتحار بقطع شريان معصمه وتناول كميات كبيرة من حبوب ارتفاع ضغط الدم، وأن سلطات السجن نقلته إلى مستشفى استقبال سجن طرة بعدما عثر عليه السجناء فاقدا للوعي". 

وحسب المنظمة الحقوقية، فإن عائلة حسن أفادت أنه زار طبيبا نفسيا في اليوم الذي حاول فيه الانتحار وقُدم إليه الدواء، قبل إعادته إلى زنزانته، معربة عن تخوفها من عدم تلقيه رعاية طبية مناسبة".

ممارسات حقيرة

الحقوقي المصري، علاء عبد المنصف، مدير منظمة السلام الدولية لحقوق الإنسان، قال لـ"الاستقلال": "الأمر المتعلق بمسألة التحرش والاغتصاب لا نستطيع أن نقول إنها أداة من أدوات النظام داخل المجتمع، لكنها نتيجة لغياب دولة القانون، والمحاسبة والمحاكمة، لأي فرد مسؤول داخل أجهزة الدولة، وحتى الأجهزة الأمنية على وجه الخصوص".

مضيفا: "من المفترض أنه وفقا للدستور المصري الحالي، والدساتير السابقة، فإن الدولة هي الحامية لفكرة الأسرة، والتقاليد والعادات، التي من المفترض أن تكون ثابتة في المجتمع". 

وتابع: "لذلك فإن حالات التحرش والاغتصاب، داخل السجون والأقسام، هي ممارسة نابعة عن غياب المساءلة والمحاسبة، وعدم وجود مراقبة للقائمين على تنفيذ القانون".

وشدد الحقوقي المصري: "ولعل هذه الممارسات لها شواهد متعددة، وليست وليدة اللحظة، بل منذ ثورة 25 يناير، وما قبلها، وتحديدا قضية كشوف العذرية الشهيرة، المتورط فيها المجلس العسكري، وكذلك ما كان يحدث في الأقسام، وجهاز أمن الدولة، وهناك القضية المعروفة لعماد الكبير، السائق الذي تم اغتصابه داخل أحد الأقسام، وكان من الأسباب المهمة لاندلاع الثورة". 

وذكر: "ما بعد الانقلاب العسكري في 2013 كانت هناك حالات تحرش واغتصاب كثيرة، من قبل أفراد تابعين للأجهزة الأمنية في مقار الاحتجاز المختلفة، سواء أقسام شرطة أو سجون، أو مقار جهاز الأمن الوطني، وهي ليست من الأدوات المعتمدة للدولة، لكنها ممارسة حقيرة، تتم من أفراد تابعين لتلك الأجهزة، مع عدم وجود المراقبة الإدارية أو القضائية اللازمة".

ثقافة سائدة

وأردف: "وبالتالي مسألة الإفلات من العقاب أصبحت ثقافة سائدة، كما هو التعذيب، الذي أصبح ثقافة داخل مؤسسات وأجهزة الأمن، تطورت على مدار عقود طويلة، في عقلية أفراد المؤسسة الأمنية والشرطية والعسكرية، ودعم هذا التقرير الأممي الصادر عن التعذيب في مصر للعام 2017، و2018، الذي ذكر أنه عقيدة ثابتة لدى أفراد الشرطة والجيش، ومن ضمن أشكال التعذيب الانتهاكات الجسدية الناجمة عن التحرش والاغتصاب". 

وقال عبد المنصف: "العجيب في الأمر أنه لا توجد شريحة مستثناة، من هذه الممارسة الدنيئة، سواء كانوا أطفالا أو نساء، وكثيرا ما رصدت المنظمات الحقوقية، حالات اغتصاب لتلك الشرائح بأشكال متعددة، وبدرجات مختلفة، داخل المؤسسات الأمنية". 

وتابع الحقوقي المصري حديثه: "المنظومة الحاكمة تحمي الأفراد والمجتمع، من ناحية النصوص القانونية فقط، والفجوة واسعة ما بين النص والتطبيق، وهو ما أدى إلى إفلات كل أولئك المجرمين من العقاب".

وختم عبد المنصف كلامه بالقول: "حتى الآن لا توجد قضية واحدة، تمت فيها محاكمة فرد من أجهزة الأمن، بل للأسف الشديد لم يفتح حتى تحقيق، من قبل النيابة العامة، المسؤول الرئيسي عن مراقبة السجون ومقار الاحتجاز، وبالتالي فالحماية حماية ورقية، وحماية نصية، وليست حماية تطبيقية، وهو ما يؤثر بشكل مخيف على المجتمع وعلى منظومة العدالة". 

حد الحرابة

الداعية الإسلامي عصام تليمة، قال: "إغفال الشرع والقانون، ساهم بشكل كبير في تفشي ظاهرة التحرش والاغتصاب داخل المجتمع المصري، خاصة وأن عقوبة اغتصاب امرأة أو طفل، هي الإعدام بحسب الشرع والقانون، ولا فرق هنا بين مواطن ومسؤول، موظف أو ضابط، وتلك الجريمة إفساد في الأرض، وتدخل في الإسلام تحت باب حد الحرابة". 

وأضاف لـ"الاستقلال": "أذكر أنه في الكويت، وقعت قضية رأي عام كبرى، حيث ارتكب مقيم مصري هناك، حوادث اغتصاب متسلسلة بحق أطفال، وعرف على وسائل الإعلام بـ (وحش حوالي) وحوالي منطقة بالكويت، وبعد أن تم القبض عليه، حكم عليه بالإعدام، واتفق على ذلك علماء الأمة، وحاولت الدبلوماسية المصرية في ذلك الوقت التدخل لإنقاذه، لكن ثبوت الجريمة واهتزاز الرأي العام لها، حال دون ذلك".

وأوضح تليمة: أن "وجود الإكراه والإجبار أثناء ارتكاب الجريمة يجعل عقوبتها مغلظة في الإسلام، فمثلا السرقة العادية حدها في الشريعة قطع اليد، لكن السرقة مع السلاح، تدخل في دائرة الحرابة، وكذلك في الأحكام العسكرية، أن الضابط الذي ينفذ انقلابا، عقوبته المباشرة الإعدام، وكذلك اغتصاب امرأة أو رجل أو طفل، الحكم فيها الإعدام بلا جدال، وبالمناسبة حتى لو تنازل الضحية، فتنازله لا يعتد به، ولا يملكه من الأساس، لأن تلك الجريمة اعتداء على المجتمع بأسره".

وعن جرائم الاغتصاب التي تحدث على يد بعض ضباط الشرطة والأجهزة الأمنية، داخل السجون والأقسام، قال الشيخ تليمة: "المجلس العسكري نفسه، بعد ثورة يناير في أبريل 2011، أصدر قرارا أن كل من يغتصب امرأة في حوزته يتم إعدامه، وبناء عليه فالضابط في قسم الشرطة الذي يغتصب امرأة، يعدم بموجب القانون".

وشدد الداعية، أن "غياب الوازع الديني، ومحاربة نظام السيسي للمظاهر الدينية، وتحجيمه لدور الأزهر، والمساجد، ومراكز الدعوة، ساهم بشكل كبير في زيادة معدلات الاغتصاب والتحرش، وتهديد الأسرة والمجتمع في بنيتهم الأساسية، وهم الأفراد".