تركيا ليست الأولى.. ما سر شراء واشنطن أسلحة روسية لن تحارب بها؟

12

طباعة

مشاركة

تبدي الولايات المتحدة الأميركية، حرصا كبيرا للحفاظ على علاقتها مع تركيا، وهو ما ترجمته محاولة الحزب الجمهوري في إيجاد مخرج من أزمة منظومة "إس 400" الروسية، والذي يذكّر بنهج أميركي تاريخي في اتخاذ كل سبيل من شأنه منع انتشار السلاح الروسي.

ورغم مرور نحو عام على استلام تركيا لأول دفعة من صفقتها مع روسيا، وقيام البنتاغون بمنع الطيارين الأتراك من مواصلة التدريب على طائرات "إف 35"، فالعقوبات المقرر فرضها بموجب "برنامج مكافحة أعداء أميركا عن طريق العقوبات" لم تطل أنقرة رغم عزمها المضي قدما في صفقتها مع موسكو، وتجهيزها عرضا إضافيا للولايات المتحدة بالحصول على صفقة صواريخ "باتريوت"، وفقا لصحيفة "خبر ترك" التركية.

بند جديد

جاءت مسودة ميزانية عام 2021 الدفاعية للولايات المتحدة الأميركية مختلفة هذه المرة، إذ احتوت على اقتراح من نواب جمهوريين بإضافة مادة من أجل شراء إدارة الرئيس ترامب للصواريخ الروسية التي حصلت عليها أنقرة من روسيا، وأثارت جدلا كبيرا مع واشنطن.

وفي مقال نشرته صحيفة "خبر ترك"، 5 يوليو/ تموز 2020، يحدد الكاتب فتحي ألتايلي، مناط الخلاف حول صواريخ "إس 400"، حيث يرى أن المسألة متعلقة بالمال وحسب، في عرض أميركي جاد يعيد أنقرة إلى إنتاج الطائرات الشبحية "إف 35" ويبقي العلاقات بين الدولتين قائمة.

في المقابل، يرى كثير من المراقبين المطلعين على سير العلاقات التركية الأميركية أن العرض المالي ينصب في بوتقة ضرب علاقة أنقرة وموسكو وإنهائها إلى الأبد.

ردة الفعل الأميركية على الصفقة "التركية-الروسية" تتمثل في عمل كل شيء يمنع حصول أنقرة على منظومة الصواريخ، والطائرات الشبحية التي تشارك تركيا في إنتاجها مع ثمان دول من خلال خطوط إنتاج منتشرة في كل منها.

تحريم الجمع بين السلاحين، ظهر في قرار إيقاف تدريب الطيارين الأتراك على مقاتلات "إف 35" في قاعدة "لوك" الجوية بولاية أريزونا، قبل حتى أن تنتهي المهلة التي أعلنتها الإدارة الأميركية وقتها.

في المقابل، جاء الرد قاطعا من وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في يناير/ كانون الثاني 2020، قائلا: "الزعم هو أن منظومة إس-400 وطائرات إف -35 غير متوافقتين، هذا هو الزعم وهذا هو اقتراحنا، دعونا نشكل مجموعة عمل ويمكن للحلف أن يرأسها، ولنترك الخبراء يجرون التقييم ويعودون إلينا".

وجاء في تقرير قدمه البنتاجون للكونجرس حول العلاقات العسكرية بين البلدين، أن تركيا استثمرت أكثر من 1.25 مليار دولار في إنتاج الطائرات الشبحية، كما تعاقدت على شراء مئة قطعة منها، كما أنها تستضيف مركز الصيانة والتطوير الأهم، حيث تنتج تركيا أجزاء مختلفة تدخل في صناعة الطائرة الأكثر تقدما في العالم.

سيف "كاتسا"

تجارة السلاح بالنسبة لروسيا ليست مجرد وسيلة لجلب مليارات الدولارات لخزينة البلاد، بل أيضا وسيلة لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، ووراثة الولايات المتحدة في بعض المناطق، بحسب تقرير لمجلة "نيوز ويك" الأميركية.

وفي 15 يونيو/ حزيران 2017، صوت مجلس الشيوخ الأميركي على 98 صوتا مقابل صوتين لصالح مشروع "قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات" والمعروف باسم "كاتسا"، وهو قانون اتحادي يتيح فرض عقوبات على إيران وكوريا الشمالية وروسيا والدول التي تتعامل معهم، خصوصا في مجال تجارة الأسلحة.

جاء ذلك لتأصيل مشروع قانون تم تقديمه في يناير/ كانون الثاني من نفس العام، بشأن استمرار مشاركة روسيا في الحروب في أوكرانيا وسوريا، وتدخلها في انتخابات عام 2016. لكن –وفيما يتعلق بروسيا- فإن مشروع القانون تم تصميمه لتوسيع التدابير العقابية التي فرضتها الأوامر التنفيذية سابقا وتحويلها إلى قانون.

وفقا لذلك، فإن تركيا لن تكون الدولة الوحيدة المعرضة للعقوبات وفقا لـ "كاتسا"، بل سينضم لها دول غيرها اشترت منظومة الصواريخ الروسية، ودول أخرى تعتزم الانضمام إلى نادي "إس 400".

ولهذا جاء رد الرئيس الأميركي دونالد ترامب قاسيا على تساؤل صحفي بشأن صفقة الهند مع روسيا في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، حيث قال: "الهند ستعرف، سترى في وقت أسرع مما تظن".

لم يلبث أن جاء رد رئيس أركان القوات البرية الهندية، رافات بيبين، الذي قال: "نعم، قد تقوم الولايات المتحدة بفرض عقوبات علينا، لكن لدينا سياسة مستقلة، ولا أحد يملي علينا أوامره"، وفقا لصحيفة "ذا نيو إنديان إكسبرس" الهندية.

وفي بيان نشره في 3 أغسطس/ آب 2018، عبر وزير الدفاع الأميركي السابق جيمس ماتيس، عن تأييده التخلي عن العقوبات المفروضة على دول تشتري الأسلحة الروسية، معبرا عن مخاوف من أن فرض هذه العقوبات، خصوصا في حالة الهند، وحلفاء آخرين في آسيا، من شأنه تهديد العلاقات الودية التي تعمل الولايات المتحدة على توثيقها وتعميقها خلال السنوات الأخيرة.

وبالعودة إلى مقال الصحفي فتحي ألتايلي الذي ترجمته "الاستقلال"، فإن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، صرح بأن بلاده ستمضي قدما فيما هو مقرر بشأن منظومة الصواريخ الروسية وتفعيلها.

استخدام التهديد

في حين أن الهند أبرمت عقدا لشراء منظومة "إس 400"، وكذلك عزمت السعودية على شراء تلك الصواريخ، إلا أن الدولة الوحيدة التي اشترت المنظومة وتعرضت للعقوبات الأميركية بسبب ذلك، كانت الصين، التي اشترت أيضا بعض مكونات طائرة "سو 35" الروسية.

ووفقا لوكالة "تاس" فإن هيئة الخدمة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري والفني، ذكرت أن موسكو أكملت المرحلة الأولى من تسليم دبابات من طراز "تي 90" إلى العراق، رغم علاقته الوثيقة مع الولايات المتحدة.

وفي معرض دبي للطيران الذي أقيم في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أبدت مصر اهتمامها بشراء المقاتلات الروسية "سو 35"، لكن خطوتها تلك دفعت وزير الشؤون السياسية والعسكرية في وزارة الخارجية الأميركية، إلى تحذير مصر من احتمالية تعرضها لعقوبات، وخسارة عمليات استحواذ مستقبلية"، وفقا لصحيفة "وول ستريت جورنال".

وجاءت مصر في المرتبة الثالثة عالميا ضمن قائمة أكثر الدول استيرادا للسلاح، بنسبة 4.6 بالمئة من واردات السلاح العالمية، بصفقات بلغت أكثر من 40 مليار دولار، منذ الانقلاب العسكري في 2013 حتى عام 2017.

"سلاح العدو"

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال أحمد مولانا، الباحث في الشؤون الأمنية: إن "الولايات المتحدة عرف عنها شراء المقاتلات الروسية القديمة والمستهلكة من دول أخرى، واستخدامها –بعد صيانتها- في تدريب طياريها باعتبارها مقاتلات العدو"، في إشارة لمقاتلات "ميغ" الروسية، التي اشترتها شركة أميركية من أوكرانيا.

وكانت شركة "إير يو إس إيه" اشترت مقاتلتين من طراز "ميغ 29 أو بي" من إحدى دول الاتحاد السوفيتي السابق، حسب مجلة "ناشونال إنترست". وأكدت المجلة أن الشركة الأميركية "داركن إنترناشونال" اشترت مقاتلات "ميغ 21" التي تفوق سرعة الصوت، كما أن شركة "برايد اير كرافت" افتخرت بشرائها طائرات "سو 27" الروسية، من أوكرانيا.

في عام 1997، حصلت وزارة الدفاع الأميركية على 21 مقاتلة من طراز "ميغ 29" من مولدوفا، والتي بقيت لديها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ونقلت تلك الطائرات على متن طائرة نقل عسكرية من طراز "سي 17" إلى قاعدة "دايتون" في أوهايو، في المقابل حصلت "مولدوفا" على 40 مليون دولار من المساعدات الإنسانية، إضافة إلى شاحنات الجيش وغيرها من المعدات، وفقا لموقع "وار إز بورينغ".

وكتب الموقع: "لا تستطيع مولدوفا الحفاظ على أسطول جوي عسكري، والأسوأ من ذلك، كانت في حالة ركود عميق. كانت الولايات المتحدة تخشى أن تبيع مولدوفا تلك الطائرات لإيران، لئلا تستخدمها في تعزيز قواتها الجوية".

وجرى توزيع تلك الطائرات بين أسراب الاختبار ومراكز الاستطلاع والمراكز الخاصة التابعة لسلاح الجو الأميركي، حيث أجريت عليها دراسة مفصلة.