بمواجهة ضم الضفة.. لماذا يفضل عباس تسليم السلاح لإسرائيل؟ 

12

طباعة

مشاركة

منذ تأسيسها قبل 26 عاما، لا تملك السلطة الفلسطينية في صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي، سوى سلاح المفاوضات المتعثرة منذ 2014 والتي لم تؤت أُكلها، ثم كثير من بيانات وتصريحات التهديد، والتي لم تلق "تل أبيب" لها بالا أيضا.

فكم من مرة لوّحت السلطة على مدار السنوات الماضية، بإنهاء اتفاق "أوسلو" الذي أبرمته مع إسرائيل في 1993 وكان السبب في وجودها وسلاحها وكيانها على أجزاء من فلسطين؟ وكم من مرة هددت بحل نفسها وإعلان الأراضي الفلسطينية واقعة تحت احتلال؟ 

ولم تنفذ السلطة تهديداتها إلا بعد مضي الوقت، بحسب ما يرى مراقبون فلسطينيون، كرد فعل على تغول الاحتلال في قراراته المصيرية التي باركتها الإدارة الأميركية، بدءا بالقرارات التي طالت القدس المحتلة، وليس انتهاء بتلك المتعلقة بضم أجزاء من الضفة الغربية.

لكن التهديد الذي قد يكون الأقوى في جعبة السلطة هو ما كشفت قناة "كان" الإسرائيلية، بأن مسؤولين في السلطة نقلوا رسائل إلى إسرائيل بأنه في حال تم تنفيذ الضم، فستبدأ بسحب سلاحها وذخيرتها من أجهزتها الأمنية وتسليمها للسلطة.

وعند الخوض في تفاصيل قضية سلاح السلطة التي برزت بعد تقرير "كان"، فإن علامات استفهام كثيرة تحتاج إلى إجابات حول كمية السلاح ونوعيته، وكيف سيتم تسليمه إذا ما نفذت السلطة تهديدها؟، وما هي العواقب المترتبة على هذا القرار؟

سلاح التنسيق

وبدلا من أن تُشهر سلاحها في وجه الاحتلال، كما يطالبها فلسطينيون، لمواجهة خطة الضم التي يراها مسؤولون في السلطة بمثابة "تدمير لها وعودة إسرائيل قوة احتلال"، تلوح السلطة برمي السلاح الذي حصلت عليه بموجب اتفاقية "أوسلو".

وبحسب القناة الإسرائيلية، فإنه في حال أقدمت "تل أبيب" على ضم 30% من أراضي الضفة، "سيتم نقل أسلحة السلطة بشاحنات إلى مستوطنة بيت إيل (مقر الإدارة المدنية) وتسليمها هناك لتتحمل إسرائيل المسؤولية الأمنية ميدانيا".

وكما أن سلاح السلطة ظل معلقا على أكتاف رجال الأمن دون أي استخدام، إلا في أحداث محدودة تكاد لا تذكر، فإن السيناريو ذاته اتبع خلال سنوات من التنسيق الأمني بين الاحتلال والسلطة، والذي استفادت منه إسرائيل في حماية أمنها.

الكاتب الصحفي الفلسطيني، سهيل كيوان، يقول في مقال نشره موقع "عرب 48" المحلي: إن "التنسيق الأمني والسلاح شوّه الصورة الحقيقية للصراع (بين الفلسطينيين والإسرائيليين)، فمن ينظر إلى الصراع من خارجه لن يستطيع فهم المعادلة".

ويضيف كيوان: "السلاح في يد السلطة لن يكون، ولا مكان له إلا في قمع الشعب المقاوم، وإذا استخدم ضد الاحتلال، فإن مجازر سوف ترتكب"، في إشارة إلى سيناريوهات غير آمنة ستخرجها إسرائيل في صورة الصراع التاريخي مع الفلسطينيين.

ذخيرة "السلام"

وأعدت لوائح بكل قطع الأسلحة والذخيرة التي بحوزة الأجهزة الأمنية، وفق ما جاء في تقرير "كان"، فضلا عن تقديرات بأن لديها نحو 26 ألف قطعة سلاح "كلاشينكوف"، إضافة إلى مئات المسدسات.

ومن الأسلحة الثقيلة التي كانت السلطة تمتلكها في غزة قبل عام 2007، مدرعات BTR70 وعددها 50، ومدرعات BRDM2 وعددها 45، إضافة إلى جيبات عسكرية، وفق ما ذكرت وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا".

وبموجب "أوسلو" زُودت أجهزة الأمن بأسلحة كلاشينكوف ومسدسات فقط، وكلها مسجلة لدى إسرائيل لمتابعة نشاطها، فضلا عن أنها منعت تزويد السلطة بأسلحة أتوماتيكية أخرى، خاصة بعد مواجهات مسلحة عام 2000.

وتضمنت الاتفاقية ماهية أنواع السلاح وعددها لدى أفراد الأمن، في حين رفضت "إسرائيل" في حينه جميع أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وأبقت على الخفيف المتمثلة في 4 آلاف بندقية ونحو 4 آلاف مسدس و15 مركبة خفيفة غير مسلحة.

وبحسب "صفا"، فإن "إسرائيل" سمحت بزيادة عدد الأسلحة التي قد توافق على أن تمتلكها السلطة، تحت مبرر أن إصلاح قطاع الأمن الفلسطيني وتطويره يعتبر وسيلة ترفع من مستوى التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي.

وقطع السلاح التي تنوي السلطة تسليمها، مسجلة بالأرقام لدى إسرائيل، ويجري معرفة انطلاق كل رصاصة منها، ومحاسبة الضباط والجنود عليها بالسجن المؤبد أو العقوبات التي تكشف ظهر أي مجند يريد استخدام هذا السلاح ضد الاحتلال.

تهديد بارد

لا يتوقع مراقبون أن تسمح إسرائيل للأجهزة الأمنية الفلسطينية بالاحتفاظ بسلاحها إذا تم بالفعل حل السلطة، وهو قرار ينضوي تحت إصرار الاحتلال على ضم الأراضي الفلسطينية.

وفي حال رمت السلطة سلاحها بشكل جدي، فإن الوضع الأمني في الضفة سيدخل في حالة عدم استقرار، في ظل إشارة ضمنية بانهيار الكتلة الحاكمة الفلسطينية، بحسب ما يرى المحلل السياسي شرحبيل الغريب.

ويقول "الغريب" في تصريح لـ"الاستقلال": "إن تسليم سلاح السلطة يترتب عليه غياب الاستقرار الأمني أولا، ثم إنها تحمل إشارة بانهيار السلطة بشكل فعلي في الضفة".

ويعرب عن اعتقاده بأن "تنفيذ التهديد يمثل انتهاء لمهمة السلطة وانفلات الأمور بشكل ميداني وأمني"، معتبرا أن لدى السلطة خيارات أقوى عليها أن تلجأ إليها.

وعن هذه الخيارات، يوضح "الغريب" أن عليها "تفعيل المقاومة الشعبية والدبلوماسية والمسلحة ضد الاحتلال، لأنه لم يتبق هناك شيء يمكن المراهنة عليه وخسارته في مسيرة المفاوضات".

ويؤكد المحلل السياسي أن "تهديد السلطة في غير محله، بل إنه يظهرها كأنها تعمل لدى الاحتلال، وهو لا يشكل ورقة ضغط لوقف خطة الضم الإسرائيلية".

ويرى أن الحل الحقيقي لإبطالها يتمثل في تحقيق الوحدة بين حركتي المقاومة الإسلامية "حماس" والتحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وتطبيق قرارات المجلس الوطني والمركزي، وعقد الإطار القيادي لمنظمة التحرير.

على محمل الهزل

بالنسبة للموقف الإسرائيلي من تهديدات السلطة، فإنها لن تؤخذ على محمل الجد، قياسا بالإجراءات المشابهة التي اتخذها الرئيس محمود عباس، خلال السنوات القليلة الماضية.

المختص بالشأن الإسرائيلي سعيد بشارات، يقول: إن إسرائيل تتبع سلوك السلطة السياسي في مثل هذه الأحداث، كما حصل حين هددت بوقف التنسيق الأمني، فالاحتلال يقيس على ذلك.

ويضيف بشارات في حديث لـ"الاستقلال": أن "الاحتلال غالبا وفي معظم الأوقات، لا يأخذ هذه التصريحات على محمل الجد"، معتبرا أنها تمثل "حقنا للجمهور الفلسطيني".

وعن أثر التهديد الفلسطيني على قضية الضم الرائجة في هذه الأوقات، يؤكد أن فشلها لن يكون انطلاقا من مواقف السلطة، "لأنها آخر شيء يمكن أن يذكر في نقاشات الحكومة الإسرائيلية".

ويشير بشارات إلى أن ما يؤثر هو "مواقف الأردن ودول الخليج العربي، وتصريحات المقاومة في قطاع غزة وخاصة حركة حماس، إضافة إلى حالة الاحتقان الداخلي في الضفة، والخوف من اندلاع انتفاضة أخرى".

ويرى المتخصص في الشأن الإسرائيلي، أن السلطة غير جادة في هذا الموضوع، فمن وراء الكواليس تطرح عروضا قديمة تحاول إحياءها من جديد، تتعلق بإعادة المفاوضات مع الاحتلال الذي يدرك ذلك.