باعتقال الأطباء.. هكذا واجه نظام السيسي تفشي كورونا في مصر
قالت صحيفة واشنطن بوست الأميركية: إن الحكومة المصرية دائما ما تُصرح بأنها تخطت فيروس كورونا الذي ضرب العالم بأسره، إلا أن الواقع "يعكس كذبها" حيث تشير التقارير أن المستشفيات المصرية مكتظة بالمرضى، للدرجة التي لا تستطيع استقبال مصابين جدد.
وذكر سودرسون راجيفان مدير مكتب واشنطن بوست في القاهرة أن عبده فتحي شاب مصري نشر، مثله مثل عدد لا يحصي من المصريين فيديو استغاثة على فيسبوك مطالبا بتوفير سرير في إحدى أقسام الرعاية المركزة في أي مستشفى جراء إصابة والدته البالغة من العمر 57 عاما.
تعاني والدة هذا الشاب من أمراض ضغط الدم والسكري، مما تسبب لها في ضيق شديد للتنفس، الأمر الذي يوجب نقلها إلى قسم الرعاية المركزة، ووضعها على جهاز التنفس الاصطناعي.
وأكد تقرير واشنطن بوست أن الحكومة المصرية، ولمدة 3 أشهر تحاول التقليل من الأعداد التي أُصيبت بكوفيد 19، إلأ أنه في الأسابيع الأخيرة زادت وتيرة الإصابات اليومية بالفيروس التاجي في مصر ليصل معدل المتوسط اليومي للإصابات حوالي 1500، مما أدى إلى تصاعد الضغط على نظام الرعاية الصحية الذي كان مرهقا بطبيعة الحال قبل وقت طويل من تفشي الوباء.
وأعلنت مصر يوم في 15 يونيو/حزيران عن 97 حالة وفاة، وهو أكبر عدد في يوم واحد منذ بدء تفشي المرض، في الوقت الذي يقول فيه بعض المسؤولين المصريين وخبراء الصحة إن عدد الحالات ربما يكون أعلى بكثير مما تم الإبلاغ عنه رسميا.
واللافت للنظر أن المصريين ينشرون الآن رسائل رهيبة على وسائل التواصل الاجتماعي تبحث عن أسرة المستشفيات النادرة وتطلب المساعدة بالمال لدفع تكاليف العلاج، في الوقت الذي يتهم الأطباء الحكومة بالإهمال، ويلومونها على نقص معدات الحماية الشخصية والافتقار إلى تدابير السلامة المناسبة.
وقد ثبت إصابة عدة مئات من الأطباء والممرضات عن طريق مسحات اختبار الإصابة بالفيروس التاجي كوفيد 19، وتوفي العشرات، كما حذرت نقابة الأطباء من أن النظام الصحي في مصر قد ينهار.
وقال طبيب يبلغ من العمر 32 عاما في مستشفى الحجر الصحي في مدينة إسنا جنوب مصر، حيث كان المستشفي مليئا بمرضى كوفيد 19: "يتزايد عدد المرضى بسرعة كبيرة، لكنك لا تملك أسرة في المستشفيات، إنه أمر مرهق حقا للعاملين".
انتهاكات كورونا
ومثل الأطباء الآخرين الذين تمت مقابلتهم، تحدث واحد بشرط عدم الكشف عن هويته لأن "حكومة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي سعت لتكميم أفواه المنتقدين لسياستها في التعامل مع الوباء".
ومن المعلوم أن قوات الأمن المصرية كانت قد اعتقلت العديد من الأطباء والصحفيين، وناشطي حقوق الإنسان، وقال الأطباء في المقابلات ومواقع التواصل الاجتماعي: إن مديري المستشفيات التي تديرها الحكومة هددوا بطرد الموظفين الذين ينتقدون الحكومة أو بإبلاغ مسؤولي الأمن عنهم.
وقال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: إنه جرى القبض على 15 شخصا في أبريل/نيسان بتهمة نشر أنباء كاذبة عن الفيروس وتم القبض على طبيب و صيدلاني بسبب نشرهم فيديو على فيسبوك يشكون من ندرة أقنعة الوجه.
وقال جمال عيد، المحامي في حقوق الإنسان: إنه تم اعتقال صحفيين على الأقل بسبب ما وصفته الحكومة بنشر أخبار كاذبة عن الوباء.
وقال السيسي في تغريدات له: "إن الدولة تحاول مواجهة الوباء بينما تسعى للحفاظ على استقرار الاقتصاد". وحذر من أن أعداء الدولة يحاولون التشكيك في جهودها وإنجازاتها.
ومع ذلك، يتزايد عدد المصريين الذين يتحدثون كل يوم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت طبيبة في العشرينيات من عمرها تعمل في إحدى المستشفيات التعليمية الرائدة في القاهرة في مقابلة: "هناك نقص في وحدات العناية المركزة، وفي أجهزة التنفس، ونقص في الأطباء والممرضات، حتى أقل ضغط يمكن أن يؤدي إلى انهيار النظام الصحي المصري".
وأضافت أنها احتجاجا على إجراءات السلامة السيئة لمنع انتشار الفيروس، خططت هي وآخرون للإضراب، لكن مديري المستشفى اتهموهم بأنهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وتخلوا عن الاحتجاج بدافع الخوف.
وقال أيمن سبع، الباحث في الحقوق الصحية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في مناقشة عبر الإنترنت منتصف يونيو/حزيران: إنه يعتقد أن نظام الرعاية الصحية في مصر لديه البنية التحتية والقدرة اللازمة للقضاء على الوباء، وقال: إن المشكلة هي سوء الإدارة.
ولم يرد رئيس الهيئة العامة للاستعلامات والمتحدث باسم وزارة الصحة المصرية على أربعة طلبات منفصلة للتعليق.
تدابير منقوصة
وأشار التقرير إلى أن الملايين من المصريين الفقراء يعيشون في مناطق مكتظة، في جميع أنحاء مصر، حيث يتمكن الفيروس من الانتشار بسهولة وسرعة، ويصعب على الناس العزل الذاتي.
وعلى الرغم من إغلاق المدارس والمقاهي ووجود حظر للتجوال، إلا أنه لم يتم تطبيق حظر كامل، في حين تتصاعد دعوات النقابات الطبية وخبراء الصحة البارزون بشأن تطبيق الإغلاق.
وكما هو الحال في دول أخرى، لم تطبق السلطات متطلبات المسافة الجسدية أو ارتداء الأقنعة.
لكن عدد الإصابات المعلن عنها لا يزال منخفضا نسبيا، فحتى يوم 16 يونيو/حزيران، كان هناك ما يقرب من 48 ألف حالة مؤكدة و1766 حالة وفاة في بلد يقطنه 100 مليون شخص.
وقال خبراء صحة ودبلوماسيون غربيون: إن أحد أسباب العدد المتواضع هو أن اختبارات الفيروس كانت محدودة. وأوضح الخبراء في الوقت نفسه أن العديد من المصريين يجدون صعوبة في الحصول على الرعاية الطبية، فضلا عن أن بعض المصريين قد لا يبلغون عن مرضهم خوفا من الوصم.
وفي الأول من يونيو/حزيران، قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي خالد عبد الغفار: إن مصر كان يمكن أن يكون لديها بالفعل أكثر من 100 ألف حالة.
وأوضح في بيان متلفز: "نحن نقدم نظرة أكثر تشاؤما من الحصيلة الرسمية، حيث من المحتمل أن نكون أعلى بخمس أو عشرة أضعاف".
وفي أوائل أبريل/نيسان، بدأ الأطباء في المعهد القومي للسرطان في النشر على وسائل التواصل الاجتماعي أن العديد من الزملاء أصيبوا ولكن إدارة المستشفى لم تتخذ التدابير المناسبة لحجر المرضى أو الموظفين.
وقالت أخصائية التخدير ماجي موسى في ذلك الوقت: "لقد تحول المعهد إلى وسيلة لنشر الفيروس بيننا وبين المرضى وعائلاتنا، هذه غطرسة وإهمال مطلق".
ونشر طبيب آخر، يُدعي أرميا محسن شفيق، في فيسبوك أن إدارة المستشفى هددت بفصله لأنه تحدث علنا عن النقص في معدات الحماية الشخصية والمطالبة بإغلاق المستشفى وتعقيمه.
احتجاجات ومطالبات
علاوة على ذلك، أعلنت جامعة القاهرة، التي تدير مستشفى قصر العيني، أن 17 طبيبا وممرضا على الأقل أثبتت إصابتهم بالفيروس، وقالت الجامعة: إنها ستفتح تحقيقا في إهمال محتمل من قبل المستشفى.
ومنذ ذلك الحين، أصيب العشرات من العاملين الطبيين في المستشفيات على الصعيد الداخي، وقالت منظمة الصحة العالمية في مايو/أيار: إن 11% من المصابين في مصر هم من العاملين في المجال الطبي بينهم 124 طبيبا.
في الوقت ذاته، اضطر مستشفى النجيلة، الواقع خارج مدينة مرسى مطروح شمال غرب مصر، إلى التوقف عن استقبال مرضى جدد بعد أن أُصيب نصف موظفيه البالغ عددهم 79 بالفيروس، وفقا لموقع مدى مصر.
وبحلول أوائل شهر مايو/أيار، أبلغ مسؤول في وزارة الصحة المشرعين أن 17 مستشفى مخصصا للحجر الصحي كان ممتلئا.
وجراء عدم قدرة مستشفي النجيلة قررت الحكومة المصرية تخصيص مستشفى منشية البكرى بالقاهرة للعزل وقبول مرضى الفيروس التاجى، ولكن 29 من طاقمه قد أثبت بالفعل إصابتهم بالفيروس.
أضرب أطباء المستشفى وطالبوا بإجراء اختبارات للموظفين وتدابير السلامة الأخرى، وفي بيان لهم، قال الأطباء: إن إدارة المستشفى هددت بإبلاغ الأمن الوطني عنهم، ما لم يعودوا إلى العمل، وبالفعل نجح تهديد الحكومة في إيقاف الإضراب، ولم تستجب أماني عاطف، مديرة المستشفى للطلبات المتكررة من الصحيفة للتعليق.
من ناحية أخري، لم تلتزم نقابة الأطباء الصمت حيال الأداء المترهل للحكومة المصرية جراء الجائحة، فبعد وفاة طبيب في مايو/أيار، ألقت النقابة باللوم علنا على وزارة الصحة في الوفيات بين الأطباء والممرضات، قائلة: إنها "تقصر" في حمايتهم.
وحذرت النقابة من أن "النظام الصحي يمكن أن ينهار بالكامل، مما يؤدي إلى كارثة تؤثر على البلد بأكمله إذا لم يتم تصحيح إهمال وزارة الصحة وعدم اتخاذ إجراءات تجاه الطاقم الطبي".
ردا على ذلك، قالت وزارة الصحة: إنها خصصت أسرة كافية للموظفين المصابين وأن هناك تدابير وقائية مناسبة. إلا أنه من الواضح أن صفحة نقابة الأطباء المصرية على فيسبوك تحولت إلى صفحة تعازي الوفيات في الصحف اليومية.
وقالت النقابة: إنه حتي منتصف يونيو/حزيران بلغ عدد الوفيات بين الأطباء 65 طبيبا.
وكان من بين آخر من ماتوا الطبيب نادي كامل الذي تطوع لعلاج مريض يبلغ من العمر 72 عاما خوفا على زميلة حامل كانت تشرف عليه مما أدى إلى وفاته بعد إصابته بالفيروس، حسبما كتبت زوجته على صفحتها.