السيسي يرفع سعر الخبز 300 بالمئة.. هل يعجل بثورة جياع في مصر؟

12

طباعة

مشاركة

يطلق المصريون لفظ "عيش" على الخبز، ويسمون العمل "أكل عيش"، ويصفون صعوبته بالمرارة (أكل العيش مر)، والعشرة عندهم "عيش وملح"، ومن علامات الظلم "قطع عيش" أي مواطن.

لهذا ظلت أنظمة الحكم المختلفة تعتبر رفع أسعار الخبز المدعم "خطا أحمر"، تخشى الاقتراب منه لأنه يمثل "قنبلة موقوتة"، تجنبها غالبية حكام مصر خشية انفجارها في وجوههم، فظل السعر طيلة 33 عاما ثابتا.

وكان الخبز هو الكلمة الأولى في شعار المطالبة بإسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك في ثورة 2011 التي حملت شعار "عيش، حرية، عدالة اجتماعية".

وبعد قيام ثورة يناير/ كانون ثان 2011 على شعاري "العيش والحرية"، وغابت الحرية وجرى وأدها، بقي العيش يسد به المصريون جوعهم في ظل غلاء فاحش وفقر مدقع.

وفي خطوة لجس النبض حول السعر الجديد، أعلن مسؤولون باتحاد غرف تجارة مصر، 5 أغسطس/آب 2021، عن مقترح لرفع سعر رغيف الخبز المدعم 300 بالمئة من 5 إلى 20 قرشاً.

وزعم رئيس الاتحاد إبراهيم محمود العربي أن تحريك سعر رغيف الخبز المدعم لن يكون له أي أثر على سعر الخبز السياحي الذي يباع بخمسين قرشا (3 سنتات)، وجنيه للمستهلكين (6 سنتات).

انفجار قريب؟

أستاذ علوم سياسية بجامعة مصرية رفض ذكر اسمه، قال إن إصرار رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي على تحدي المصريين وإعلانه رسميا رفع سعر العيش يعجل بانفجار هذه القنبلة الموقوتة في وجهه.

أو على الأقل "تشغيل عدادها الرقمي لثورة جياع محتملة"، منوها لسعى السيسي للانتقال الى مرحلة جديدة من جمهورية العسكر (الجمهورية الجديدة)، أشد قسوة بعد جس نبض الشارع بالخبز إذا قوبل الأمر بالسكوت.

أوضح لـ"الاستقلال" أن هذه قد تكون "الضربة القاصمة" للسيسي بعدما نجا من توقعات سابقة بثورات ضده بعد موجات غلاء متتابعة منذ تعويم الجنيه عام 2016 وتطبيق برنامج صارم لصندوق النقد الدولي أفقر 32 بالمئة من المصريين.

لكن فريقا آخر متشائم من المصريين يرى عبر مواقع التواصل، أن رفع أسعار الخبز قد يمر بهدوء مثلما مرت ارتفاعات سابقة بسبب أجواء القمع والقيود الشديدة، وسيطرة النظام على كل أدوات القوة والقمع.

ما لفت أنظار المصريين هذه المرة هو "الجبروت" الذي تحدث به السيسي وهو يعلن إصراره على قرار رفع أسعار الخبز المدعم في 3 أغسطس/آب 2021.

وقال السيسي: "محدش يقولي متقربش لسعر الرغيف.. هقرب .. مفيش حاجة بتفضل على حالها لمدة 30 سنة، مينفعش يكون ثمن 20 رغيفا يساوي سيجارة"؟!.

ولم يكترث السيسي في قراره الأخير لما جرى في مصر 18-19 يناير/ كانون ثاني 1977 حين اندلعت "انتفاضة الخبز" التي أجبرت الرئيس السابق أنور السادات على التراجع.

وكما حدث في تونس في يناير/ كانون ثان 1984، حيث اندلعت انتفاضة شعبية ضد مضاعفة أسعار الخبز، أسفرت عن 84 قتيلًا، وكما جرى في السودان 2018.

رغم أن السيسي ذاق بعضا من غضب المصريين على تقليل عدد أرغفة الخبز – وليس رفع سعره- في 7 مارس/آذار 2017 حين تظاهر أهالي 3 محافظات مصرية ضده، فإنه لا يأبه اليوم لرفع سعره.

متابعون يرون أن سيطرة السيسي على الجيش والشرطة والاستخبارات والقضاء والمؤسسات الدينية والنقابات والأحزاب وغيرها، وقمعه الحريات وتأميمه الإعلام، وقتله السياسة، سر تجرؤه على المساس برغيف الخبز.

وسبق أن توقع دليل بلومبيرغ المتشائم لعام 2019 حدوث مظاهرات خبز في مصر أعنف من مظاهرات 1977 بعد أن يدفع الارتفاع الكبير في أسعار القمح الحكومة إلى إلغاء دعم الخبز، بجانب الرفع المستمر لباقي السلع والوقود والمياه والكهرباء.

أشار تقرير بلومبيرغ إلى أن السيسي أوصل المصريين إلى حافة الفقر، والشعب وصل إلى مرحلة "لا تفهم فيها كيف يتمكن الناس من البقاء على قيد الحياة".

وقال: "نتجه نحو الأوقات العصيبة للغاية، بعدما تم دفع ملايين الناس إلى حافة المجاعة".

وفي 31 مارس/آذار 2017 توقع تقرير نشرته "فورين بوليسي" ثورة جياع قادمة في مصر، مشيرا إلى "استغلال نظام السيسي لاتفاق صندوق النقد الدولي للضغط على الطبقات الدنيا وإثراء زمرة صغيرة من الجنرالات السابقين".

أكد التقرير أنه: "رغم الثقة الكبيرة التي يمتلكها النظام العسكري في إحكام قبضته على مقاليد الأمور بعد إضعاف الأحزاب السياسية ووضعه النشطاء والمعارضين في السجون".

إلا أن الطبقة الوسطى، التي تحولت لـ "دنيا" و"الدنيا" أصبحت "معدومة" لا تحتاج إلى تشجيع من الناشطين السياسيين المحترفين لإثارتهم للنزول إلى الشوارع، فيكفي الجوع لإثارة تلك الاضطرابات، وفق التقرير.

وارتبط الفقر بالثورات والثورات بالخبز، لذا يتوقع خبراء مصريون ألا تمر قرارات السيسي برفع سعره بهدوء، وأن يعقبها هبات شعبية تلقائية كتلك التي جرت في مارس/آذار 2017.

تحايل إلغاء الدعم

قبل قرار السيسي رفع سعر الخبز تحايل نظامه لرفع ثمنه بطرق ملتوية، ضمن أساليب مخططة لإلغاء الدعم بالكامل.

فقد بدأ الأمر بما سمي "منظومة الخبز الجديدة" خلال عامي 2017 و2018 برفع الدعم عنه بطرق غير مباشرة في صورة قرارات ببيع الحكومة الدقيق والسولار للمخابز بسعر السوق الحر.

أعقب هذا محاولة تقليص عدد أرغفة الخبز من 5 إلى 3 عام 2017، ما نتج عنه مظاهرات غاضبة في 3 محافظات اضطرت السلطة للتراجع مؤقتا.

لاحقا بدأت خطة إعطاء المصريين مقابل مادي للدعم مع إجبارهم على شراء الخبز بسعر السوق (60 قرشا للرغيف بدلا من 5 قروش حاليا) وخصم فارق الدعم من هذا الدعم المالي.

تبع هذا السعي لتقليص أعداد المستفيدين من الخبز المدعم والتموين، بحذف 1.2 مليون مصري من بطاقات التموين خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران 2018، بدعوى أن من لديه سيارة أو أكثر من خط موبيل لا يستحق الدعم.

لذلك نقص عدد المستفيدين من البطاقات التموينية عام 2020 إلى نحو 71 مليون مواطن بتكلفة تقدر 87.2 مليار جنيه (5.6 مليار دولار) مقابل 84.4 مليار جنيه (5.3 مليار دولار) عام 2019.

وفي 18 أغسطس/آب 2020 جرى رفع سعر الخبز ضمنيا، عبر تقليص وزن الرغيف من 110 إلى 90 غراما، وكان من قبل 130 غرام في يناير/ كانون ثان 2011.

ويتم حاليا صرف 5 أرغفة لكل بطاقة تموين بإجمالي 150 رغيفا شهريا بسعر 5 قروش للرغيف.

 وتتضارب أرقام الحكومة بين إعلان السيسي أنه يكلف 65 قرشا وإعلان وزير التموين علي مصيلحي تارة أنه يكلف 55 قرشا وتارة أخرى أنه يكلف 67 قرشا.

وبموجب توصيات صندوق النقد، فرضت مصر سياسات صارمة لرفع الدعم عن السلع الأساسية والمحروقات، رغم غياب خدمات ومشاريع حقيقية يلمسها المواطنون مقابل الارتفاع الهائل والمتزايد في تكاليف المعيشة.

برغم سعي صحف السلطة الموجهة لامتداح قرار السيسي برفع سعر الخبز إلا أنه أثار غضب المصريين.

تساءلوا عبر مواقع التواصل: كم يساوي سعر عجلة السيسي التي يتفسح بها في منتجعات الرئاسة والمدن الساحلية؟ كم تشتري أرغفة خبز؟ وكم رغيف عيش كلف بناء القصور الرئاسية الجيدة في العاصمة الإدارية والعلمين؟.

تساءل الإعلامي المعارض عماد البحيري: "أيهما أهم للمواطن رغيف العيش ولا القطار السريع، رغيف العيش ولا العاصمة الإدارية، رغيف العيش ولا قصور انتصار (زوجة السيسي)".

 

قال المحامي طارق العوضي إن دعم رغيف الخبز يكلف الموازنة العامة 8 مليار جنيه سنويًا، بينما تكلفة القطار الكهربائي 360 مليار جنيه، أي أن تكلفة القطار وحده (بخلاف القصور الرئاسية وعجل السيسي وغيره) تعادل 45 سنة دعم.

وتتكلف المرحلة الأولى من القطار الكهربائي من العين السخنة حتى العلمين الجديدة، والتي تخدم 5 بالمئة من أثرياء المصريين فقط، 6.3 مليار دولار، أي تغطي تقريبا 18 عاما من تكلفة دعم الخبز الذي يخدم 80 بالمئة من الشعب المصري.

الخبز والقصور

وتساءل الفنان عمرو واكد عن القصور التي بناها السيسي "تجيب كام مصنع عيش؟"، وعن "عمولات المعونة الأميركية وصفقات السلاح التي يحصل عليها السيسي تجيب كام رغيف؟!".

وزعم موقع "المصري اليوم" في 3 أغسطس/آب أن الفلاحين سعداء برفع سعر الخبز، وأن ذلك كان استجابة من السيسي لهم، في حين نقلت مواقع أخرى، مثل "أخبار اليوم"، ما سمّته بـ "فرحة المواطنين"، ثم نفت أنها قالت ذلك.

وذكّرت البرامج الحوارية ومذيعي السلطة أحمد موسى ونشأت الديهي بـ "الإنجازات" التي لا يشعر بها "أعداء الوطن" و"الطابور الخامس"، من وجهة نظرهم.

وعقب تصريحات السيسي تصدر هاشتاج #إلا_رغيف_العيش الأكثر تداولاً في مصر على تويتر بقرابة 40 ألف تغريده، ووردت لجان السيسي كالعادة بالتدخل بهاشتاج مضاد هو #معاك_ياريس الذي لم يحصد سوى أقل من ألفي تغريدة.

ومرت رحلة رفع أسعار الخبز في مصر خلال 44 عاما منذ 1977 حتى 2021، بخمس محطات.

المحطة الأولى يناير/ كانون ثان 1977 كان سعر رغيف الخبز المدعم وقتها "تعريفة" أي "نصف قرش"، وتسبب رفعه إلى قرش كامل حينئذ في ثورة الشعب المصري فتم التراجع عن القرار. 

المحطة الثانية في يونيو/ حزيران 1980، خلال حكم الرئيس السابق حسني مبارك، حين تم رفع السعر من تعريفة إلى قرش.

المحطة الثالثة أول أكتوبر/ تشرين أول 1984 حينما صدر قرار ثان من مبارك بزيادة سعر الرغيف إلى قرشين، ضمن خطة خادعة لتصنيع نوعين من الخبز للفقراء بقرش والأغنياء بقرشين.

وكانت المحطة الرابعة عام 1988 حين تم رفع سعر العيش إلى 5 قروش ضمن سياسة التحايل بالحديث عن "خبز طباقي مميز".

وجاء المحطة الخامسة والأعنف بعد بقاء سعر الخبز دون زيادة خلال 33 عاما، بقرار عبد الفتاح السيسي رفع ثمنه إلى رقم لم يحدده (قال إنه سيقل عن 63 قرشا).

وبحسب تقرير لمركز المعلومات واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء عام 1984، تعتمد 90 بالمئة من الأسر المصرية على الخبز البلدي المدعم في غذائهم بشكل عام، و60 بالمئة يعتمدون عليه بشكل أساسي.

تبلغ فاتورة الدعم التمويني في الموازنة المصرية لعام 2020 -2021 نحو 84 مليار جنيه (حوالي 5.2 مليار دولار) تشمل 42.5 مليار جنيه (نحو 2.5 مليار دولار) لدعم رغيف الخبز.

لكن بحسب إحصاءات وزارة التموين مايو/ أيار 2021، يستفيد من الخبز المدعم 71,5 مليون مصري من 100 مليون، وتصل تكلفة دعم الخبز بالموازنة المصرية الحالية إلى 50,6 مليار جنيه (3.21 مليار دولار).

ووفق بيانات وزارة المالية، يبلغ دعم السلع التموينية خلال العام المالي الحالي (2021 – 2022) نحو 87.222 مليار جنيه (5.583 مليار دولار) منها 50.622 مليار جنيه (3.240 مليار دولار) لدعم الخبز.

ولأن الدعم مرتبط بالفقر الذي تتزايد معدلاته في مصر، تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يوليو/ تموز 2018 لارتفاع معدلات الفقر بين المصريين إلى 32.5 بالمئة في 2018/2017، مقارنة بـ 27.5 بالمئة في 2015.

فيما تؤكد أحدث إحصاءات وزارة التخطيط المصرية 26 أبريل/ نيسان 2021 تسجيل معدل الفقر تراجعا للمرة الأولى منذ نحو 20 عاما ليسجل 29,7 بالمئة في العام المالي 2020/2019.

وتتوقع الوزارة أن يتقلص الفقر أكثر إلى 28.5 بالمئة في نهاية العام المالي 2021/2022 (نهاية يونيو/حزيران 2022) مقارنة مع 32,5 بالمئة في العام المالي 2017/2018.