بين نقص المعدات والقمع.. هكذا يتعايش الأطباء مع كورونا في مصر

12

طباعة

مشاركة

في حين ألقي القبض على أكثر من 500 شخص لانتقادهم إدارة الحكومة المصرية لوباء كورونا المستجد، وفقا للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فإن الأطباء أيضا أصبحوا هدفا للنظام.

تحت هذه الكلمات نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، تقريرا عن الظروف الصعبة التي يعمل فيها الأطباء المصريون في مواجهة فيروس كورونا.

وقالت الصحيفة: في مستشفى مخصص لعلاج ضحايا كوفيد-19 في إحدى ضواحي القاهرة، تحدث أحمد (تم تغيير الاسم) عن الحالة المروعة للأطباء.

وأوضح الطبيب الغاضب لرؤيته قيام الحكومة بالتبرع بالأقنعة لبلدان أخرى مثل الولايات المتحدة في ظل نقص الإمكانيات "يفتقر الأطباء إلى أدوات الوقاية، ولا توجد اختبارات فحص لنا، لا يوجد حجر صحي إذا كنت مصابا، ويتم إرسالك إلى المنزل، لا نحصل على أي مكافأة على العمل الذي نقوم به والناس تنظر إلينا على أننا نمثل خطرا عليهم".

وأشارت "لوموند" إلى أن غضب الأطباء المصريين تجاه نظام الرعاية الصحية بشأن وباء "كوفيد 19"، تضاعف على وسائل التواصل الاجتماعي منذ شهر مايو/ أيار 2020، عندما ارتفع عدد الإصابات والوفيات.

وذكرت أنه مع تسجيل البلاد 1126 حالة وفاة وما يقرب من 30 ألف حالة إصابة حتى 5 يونيو/ حزيران، وفقا للأرقام الرسمية، فإن البلد الذي يبلغ عدد سكانه 100 مليون نسمة لا يزال بمنأى نسبيا، لكنه يسجل الآن أكثر من ألف إصابة وعشرات الوفيات كل يوم.

ورأت "لوموند" أن الأطباء دفعوا ثمنا باهظا، حيث توفي 32 شخصا على الأقل، وفقا لنقابة الأطباء، إضافة إلى عدة مئات من المصابين.

استقالة جماعية

وبينت أنه منذ بداية شهر مايو/ أيار، نبهت النقابة إلى خطر تشبع المستشفيات، وطالبوا بتقييد صارم للسكان وتحسين ظروف عمل طواقم التمريض، غير أنه في مواجهة الانتقادات المتزايدة، شدد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي اللهجة.

كما نوهت الصحيفة إلى أن وسائل الإعلام التابعة للسلطة، لم تتردد في تشويه سمعة أولئك الذين كانت إلى وقت قريب تشيد بهم وتطلق عليهم "الجيش الأبيض المصري"، مشيرة إلى أن الأطباء بدورهم أصبحوا هدفا للقمع.

واستشهد أحمد بقضية زميلين ألقي القبض عليهما لتحدثهما علانية على صفحة فيسبوك قائلا: "الأمن الوطني يهدد باعتقالنا إذا تحدثنا في وسائل الإعلام أو على الشبكات الاجتماعية، أو إذا استقلنا".

وأكد المحامي محمد عيسى، الذي سمع بعشر حالات اعتقال على الأقل أنه "من الصعب جدا تحديد عدد الأطباء الذين تم اعتقالهم"، لافتا إلى أنه تتم مقاضاتهم جميعا بتهمة نشر معلومات كاذبة والانتماء إلى جماعة إرهابية، وهو اتهام يشير إلى جماعة الإخوان المسلمين يكثر استخدامه في المحاكمات السياسية.

ووفقا للصحيفة الفرنسية فإن مصارعة الذراع بين الدولة والطاقم الطبي ازدادت بعد وفاة وليد يحيى، طبيب يبلغ من العمر 32 عاما، في 25 مايو/أيار، بسبب الفيروس دون التمكن من الحصول على سرير له في مستشفى الحجر الصحي، ونشر العشرات من الزملاء في مستشفى المنيرة العام بالقاهرة خطاب استقالة جماعية على فيسبوك.

ومن جهتها، حمّلت نقابة الأطباء وزارة الصحة، المسؤولية الكاملة عن ازدياد الحالات بين الأطباء "نتيجة تقاعسها وإهمالها في حمايتهم"، مشيرة إلى أنها قررت اتخاذ كل الإجراءات القانونية والنقابية لحماية أرواح الأعضاء، وستلاحق جميع المتورطين عن هذا التقصير "الذي يصل لدرجة جريمة القتل بالترك".

كما حذرت من "انهيار شامل محتمل للنظام الصحي يمكن أن يؤدي إلى كارثة صحية (...) إذا استمرت الوزارة في سلبيتها وإهمالها".

وأكدت الصحيفة أنه في مواجهة ضغوط النقابة وتهديدات الأطباء بالاستقالة، تتأرجح وزارة الصحة بين الحوار والحزم، وقد أسفرت المحادثات التي بدأتها في أواخر مايو/ أيار عن بعض التنازلات، حيث أشار إيهاب الطاهر، الأمين العام للنقابة، إلى تحقيق تقدم بشأن معدات الوقاية.

وأضاف: "لكن بعد ذلك كان من الضروري إقناع مديري المستشفيات الذين احتفظوا بمخزون من أدوات الوقاية خوفا من مواجهة النقص، بتوزيعها على طاقم التمريض". 

ومع ذلك، لم تحصل النقابة بعد على اختبارات الفحص لمقدمي الرعاية، حيث أكد الطاهر "يحجز مديرو المستشفيات الاختبارات لأنفسهم، بينما يواجه مقدمو الرعاية المرض يوميا. الوضع خطير للغاية".

تدابير تأديبية

وقد وعدت الوزارة بحجز وحدة حجر صحي في كل مستشفى لمقدمي الرعاية، وقالت الدكتورة منار الخولي من مستشفى القصر العيني بالقاهرة: "طلب غرف مستشفى لهم يقلل عدد الغرف المتاحة للمرضى"، كما أعرب اتحاد الأطباء عن أسفه لعدم وجود ممارسين وتدريب لعلاج كوفيد-19. 

وبسبب نقص الأطباء في مصر (1 لكل 1000 نسمة) "جرى استدعاء الأطباء المسنين أو الحوامل أو الشابات للعمل في عيادات الحجر الصحي، وهو أمر خطير بالنسبة لهم" يوضح إيهاب الطاهر .

في المقابل، أمر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إدارة المستشفيات باتخاذ إجراءات تأديبية ضد أي طبيب يغيب عن العمل، ومنع مقدمي الرعاية من الحصول على إجازة خلال الشهرين القادمين.

وبينما لا تزال ذروة الجائحة بعيدة، تقول لوموند، فقد اعترف وزير البحث العلمي خالد عبد الغفار، في 1 يونيو/ حزيران، أن عدد الإصابات أعلى بالتأكيد من عدد الاختبارات التي تم إجراؤها، ولم يستبعد أن يصل عدد الإصابات في مصر إلى مائة ألف أو حتى مليون حالة.

ونوهت الصحيفة الفرنسية إلى أن النظام الصحي، الذي أضعفه عقود من نقص التمويل - في 2019/2020، تم تخصيص 1.2 ٪ فقط له من الناتج المحلي الإجمالي، أو 4.3 مليار يورو - اقترب من نقطة الانهيار. 

ونقلت عن أيمن سبع الباحث في قانون الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية القول: "الوضع لا يزال تحت السيطرة لكن الأسابيع المقبلة ستكون الاختبار الحقيقي للنظام الصحي".

وعلى الشبكات الاجتماعية، تتزايد مقاطع الفيديو وشهادات المرضى التي رفضتها المستشفيات.

ويشير مدير أحد المستشفيات بالقاهرة طلب عدم ذكر اسمه إلى أنها "ممتلئة لأن العديد من الأشخاص الذين يعانون من أعراض معتدلة، والذين كان بإمكانهم عزل أنفسهم في المنزل، يهرعون إلى هناك".

وتابع: "هناك ضعف تواصل من قبل وزارة الصحة حول ما يجب فعله، ونتيجة لذلك، لا يوجد مكان في بعض الأحيان لأولئك الذين يحتاجون حقا إلى دخول المستشفى".

ويؤكد أيمن سبع أنه "تم رفض بعض المرضى لأنهم ذهبوا إلى مستشفى غير المخصص لهم حسب القطاع".

ورغم إعلان وزارة الصحة أنها سترفع عدد المستشفيات المسؤولة عن كوفيد-19 إلى 376، علق سبع على ذلك بالقول: "البعض لا يعمل بعد أو حتى تم تشييده". 

وفي ظل هذا الوضع، لا تبدو الحكومة مستعدة بعد للتخلي عن طموحها في تخفيف الحظر المفروض للحد من انتشار الفيروس، منتصف يونيو/ حزيران 2020. 

وتبين "لوموند" أنه بعد الحصول على قرض عاجل بقيمة 2.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي في مايو/ أيار، تريد مصر إنعاش اقتصادها، وخاصة قطاع السياحة، الذي يمثل 12٪ من حجم الناتج المحلي الإجمالي. 

وبهدف معلن هو "التعايش مع الفيروس"، بدأت السلطات المصرية بالفعل في إعادة فتح الفنادق والمصانع والإدارات العامة، مع الحفاظ على تدابير المسافات بين الأفراد، وكذلك إلزام المواطنين بارتداء الكمامات، وهي إجراءات لم يعد البعض يلتزم بها.