رغم توسع السيسي بالاقتراض.. لماذا تراجعت قيمة الجنيه المصري؟
يشهد الجنيه المصري حالة من التراجع في ظل انخفاض مصادر الدخل الأجنبي في مصر نتيجة تفشي جائحة كورونا، بالإضافة إلى تراجع حجم الاحتياطي الأجنبي للبلاد إلى 36 مليار دولار مع مطلع يونيو/حزيران 2020، مقابل 45.5 مليار دولار في نهاية فبراير/ شباط.
وتراجعت العملة المصرية إلى قاع سبعة أشهر عند 16.23 للدولار، يوم 4 يونيو/حزيران، وهو خامس أيام هبوطها على التوالي بعد شهرين من تداولها دون تغيير تقريبا.
ولم تنخفض العملة المصرية إلا بشكل طفيف منذ بداية العام. ويتناقض هذا بشكل كبير مع عملات أسواق ناشئة أخرى، والتي تأثرت بالأزمة، إذ نزل الريال البرازيلي بحوالي 20 ٪ في 2020.
وقال صندوق النقد الدولي، في 5 يونيو/حزيران إنه توصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر بشأن قرض استعداد ائتماني بقيمة 5.2 مليار دولار، لمدة عام لمساعدة البلد الشمال إفريقي على التعامل مع جائحة فيروس كورونا المستجد وتداعياتها الاقتصادية.
ويتوقع اقتصاديون أن صندوق النقد الدولي سيتطلع على أقل تقدير إلى خفض معتدل لقيمة العملة.
وكثفت الحكومة من الاقتراض خلال الأسابيع الأخيرة، حيث طرحت سندات دولية بقيمة 5 مليارات دولار في وقت سابق من مايو/ أيار وذلك بعد أيام من موافقة صندوق النقد الدولي على منحها قرضاً طارئاً بقيمة 2.77 مليار دولار للتعامل مع تأثير وباء كورونا، بينما تسعى للحصول على قروض إضافية من مؤسسات دولية.
إلا أن القروض الكبيرة التي حصلت عليها الحكومة في الأيام الماضية لم تحد من هبوط العملة الوطنية، التي يتوقع مصرفيون ازدياد حدتها في الفترة المقبلة.
الأثر الاقتصادي
يتزايد الطلب على الدولار من قبل الأجانب في ظل انحسار موارد النقد الأجنبي وتوقف السياحة وتراجع تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وتراجع عائدات قناة السويس والتصدير.
وبحسب الخبير الاقتصادي، أحمد ذكرالله، فإن تراجع العملة هو أمر منطقي بل ومتأخر إلى حد كبير نتيجة تناقص إيرادات مصر من النقد الأجنبي خلال الفترة الماضية وخروج معظم الأموال المستثمرة في أدوات الدين المحلية بنحو 21 مليار دولار،.
وبالتالي كان لابد للبنك المركزي أن يستجيب من خلال خفض سعر العملة الوطنية لكي لا يتحمل المواطن المصري تبعات وخسائر خروج الأموال بسعر صرف ثابت.
وأضاف ذكر الله، في حديث لـ"الاستقلال"، أن تأخر البنك المركزي، دفع إلى تحرك الجنيه المصري وأصبح الآن لازما حتى لا تخرج كثير من الأموال في ظل هذه الظروف والتي من المقدر لها أن تستمر خلال الـ 6 أشهر القادمة على أقل التقديرات.
وأشار إلى أن مصر تعتمد اعتمادا كليا على الاستيراد من الخارج لا سيما السلع الأساسية والإستراتيجية "فلا بد أن يتبع انخفاض قيمة الجنيه زيادة أسعار السلع المستوردة من الخارج".
وبلغ حجم واردات مصر السلعية نحو 20.8% خلال العام 2019؛ لتسجل 71.9 مليار دولار، مقابل 59.5 مليار دولار خلال 2018.
وتابع: "مصر تستورد حوالي أكثر من 50% من القمح و80% من الزيوت النباتية و80% من اللحوم وغير ذلك من السلع الأساسية وبالتالي كل هذه الأسعار ستقفز مرة أخرى وسترتفع معدلات التضخم مما سيؤدي إلى زيادة معدلات الفقر في مصر".
ولكن هذا الوضع في معدلات الفقر سيكون مختلفا عن الأوضاع السابقة، حيث أن الاقتصاد المصري مثله مثل كل الاقتصادات العالمية التي عانت من جائحة كورونا التي جاءت على مستوى كلاً من العرض والطلب في وقت واحد.
وبالتالي، فإن انخفاض الطلب في مصر كان مستمرا منذ فترة طويلة فيما يسمى بالانكماش الاقتصادي الكبير منذ حوالي 4 سنوات ثم استمر بعد جائحة كورونا، بالإضافة إلى حدوث مزيد من الانخفاض في الطلب نتيجة عدم قدرة الشركات على الاحتفاظ بالعمالة والموظفين لديها،.
كل هذا، بحسب ذكر الله، سيؤجج عملية انخفاض الطلب خلال المرحلة الحالية، كما أنه سيؤدي إلى تراجع العرض، وإلى مزيد من إشعال شرارة الفقر بين المواطنين المصريين.
وأضاف أن ثلثي المصريين إلى الثلث تحت خط الفقر وثلث يحوم حول خط الفقر، متوقعا بنهاية عام 2020 أن يكون الثلثين بالكامل تحت ذلك الخط.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، أن التداعيات التي سيخلفها تراجع الجنيه المصري ستتمثل في ارتفاع معدل التضخم وانتشار السوق السوداء بمعدل كبير والذي بدأ في الانتشار في مصر مع بداية أزمة كورونا.
كما أن تراجع الاحتياطي الأجنبي أثار مخاوف المواطنين ودفعهم نحو الدولرة من خلال تحويل مدخراتهم من الجنيه المصري إلى الدولار.
وكان محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر أعلن أن عملاء البنوك في السوق المحلية، سحبوا 30 مليار جنيه (1.91 مليار دولار) خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة من شهر مارس/آذار مع تسارع تفشي فيروس كورونا المستجد.
وأشار الصاوي، في حديثه لـ"الاستقلال"، إلى أنه على الرغم من قدرة الحكومة على السيطرة في مسألة الواردات إلا أنه على أي مستوى من مستوى الواردات سيتم تنفيذه فسيكون هناك ما يسمى بالتضخم المستورد، الناتج عن ارتفاع سعر الواردات للعملة المحلية.
وبالتالي سترتفع أسعار السلع والخدمات، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج التي تعتمد على مستلزمات الإنتاج أو قطع الغيار من الخارج، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار النفسي لدى المواطنين وتخوفهم على مدخراتهم.
المستقبل والحلول
تشير تقديرات محللين ببنك أوف أميركا إلى أن الجنيه المصري يزيد على قيمته الفعلية مقابل الدولار بنحو 15%. وتتحرك العملة داخل نطاق ضيق جدا منذ منتصف مارس/ آذار.
وقال كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس، جيسون توفي إنه "إذا حاول صنّاع السياسة دعم الجنيه لفترة طويلة، فإن هذا يهدد بتكرار المشكلات التي أدت في 2016 إلى هبوط بنسبة 50% للعملة"، متوقعا أن ينخفض الجنيه 7.5% هذا العام.
فيما قال الصاوي إن سير الجنية المصري نحو مزيد من الانخفاض خلال الفترة القادمة هو أمر طبيعي جدا نتيجة افتقاد مصر لجزء كبير من موارد النقد الأجنبي لديها مثل إيرادات قناة السويس والسياحة وتحويلات العاملين بالخارج، مشيرا إلى أن أحد شروط صندوق النقد الدولي لمنح مصر القرض البالغ 5.2 مليار دولار هو خفض قيمة العملة.
وقال أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس، إن إيرادات القناة تراجعت 9.6 ٪ في مايو/أيار مقارنة بالشهر نفسه من العام 2019، بفعل تأثير تفشي فيروس كورونا على حركة التجارة العالمية.
وانتقد ذكر الله، سياسة البنك المركزي في التعامل مع سعر صرف العملة المحلية، مشيرا إلى أنه أعلن منذ برنامج صندوق النقد الدولي في عام 2016 عن تعويم الجنيه كليا، ثم تراجع فعليا عن ذلك بعدما فشل في السيطرة على الصعود والهبوط لينتقل إلى ما يسمى بسعر الصرف المدار من خلال وضع قيمة عليا وصغرى ينتقل بينهما السعر إلى حد كبير.
وتابع: "البنك المركزي للأسف ليس مستقلا وإنما تابعا بالكلية للسلطة التنفيذية، والتي أملت عليه تثبيت سعر الصرف حتى في أحلك الظروف وخروج أموال الاحتياطي والأموال المستثمرة في أدوات الدين المحلية".
وأردف: "بالتالي البنك المركزي في اعتقادي يتعامل مع سعر الصرف بصورة غير احترافية ومتحيزة إلى المستثمرين الأجانب والعرب في أدوات الدين المحلية والذين ربحوا ربحا مزدوجا خلال الفترة الماضية نتيجة انخفاض سعر الصرف الذي اشتروا أو ساهموا به في السوق المصري أو من خلال الفوائد التي حصلوا عليها خلال الأشهر الماضية".
وبحسب ذكر الله، فإن سعر الصرف الجمركي هو أحد الحلول المهمة ولكنه ليس الوحيد، مضيفا أن مشكلة مصر تتمحور حول أن الحلول تأتي فرادى بمعنى أنه يوجد ما يسمى في الاقتصاد بحزمة القرارات المتكاملة مع بعضها البعض للوصول إلى الأثر المرجو منها.
وأشار إلى أن الحزمة المتكاملة لا بد أن يأتي على رأسها قرار من البنك المركزي بتثبيت سعر صرف الدولار الجمركي من أجل تثبيت قيمة الواردات من الخارج خلال الفترة القادمة.
وأوضح ذكر الله، أنه تكميلا لهذه الحزمة يجب أن تقوم الحكومة والسلطة التنفيذية بدورها في الرقابة على الأسواق، وأن لا يتم تسعير الأرباح على أساس سعر صرف الدولار المنخفض نظرا لما يمنحه من أرباح تدخل في جيوب المستوردين فقط وليس إلى الشعب المصري، مما ساهم في زيادة معدلات الفقر خلال الفترة الماضية.
وكانت قد ألغت وزارة المالية الدولار الجمركي على جميع المنتجات والسلع الرئيسية طبقًا لسعر الدولار بالبنك المركزي يبدأ في أوائل شهر سبتمبر/ أيلول 2019.
وسعر الدولار الجمركي كانت تحدده وزارة المالية للدولار أمام الجنيه بشكل شهري، وتستخدمه في تحديد قيمة السلع التي يتم استيرادها من الخارج، وقيمة الرسوم الجمركية المفروضة عليها.
بينما يرى الصاوي، أنه على البنك المركزي العمل من خلالة سياسته النقدية على تخفيض معدل التضخم واتخاذ إجراءات حقيقية للحد من ظاهرة الدولرة وظاهرة التعاملات في السوق السوداء على الدولار و"الغيرة" من العملات الأجنبية.
وأكد أنه يجب على الحكومة أن تعمل من خلال أدواتها المختلفة على زيادة الإنتاج في المجتمع المصري بشكل عام وتقليل الاعتماد على الخارج كاستيراد الكثير من السلع، وبالتالي ستوفر قاعدة إنتاجية حقيقية في مصر تعتمد على السلع المحلية ولا تتأثر بالأسعار الدولية أو التقلبات الاقتصادية الخارجية على المستوى المحلي.
المصادر
- الجنيه المصري يهبط لأدنى مستوى في سبعة أشهر
- تراجع احتياطي النقد الأجنبي لمصر إلى 36 مليار دولار في مايو
- موديز تتوقع تراجع الاحتياطي الأجنبي لمصر دون أرصدة الذهب لـ30 مليار دولار بنهاية 19/2020
- توقعات بتراجع مناعة الجنيه المصري في مواجهة فيروس كورونا
- الواردات المصرية تقفز 20% لتسجل 71.9 مليار دولار خلال 2019