هجوم "البرث" كما عرضه "الاختيار".. كيف فضح فشل السيسي في سيناء؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"أنت مش متصور، وانت ضابط جيش، آجي على رفح والشيخ زويد، وأقوم محاصرها، ومطلع السكان اللي منها، واروح مفجر المباني اللي موجوده فيها.. رفح والشيخ زويد ممكن نخرج السكان، ونعمل حصر، ونقول الـ 100 بيت دول يتقصفوا.. ممكن نعمل كده، ولو حد ضرب نار، طلع قدام النار دي 100 نار، فمات 2 أو 3 أبرياء.. في الآخر انت بتشكل عدو ضدك وضد بلدك".

ما سبق هو ملخص رؤية رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، عندما كان وزيرا للدفاع، أثناء لقائه مع ضباط بالقوات المسلحة، قبل أن يقود الانقلاب على رئيسه المدني المنتخب ديمقراطيا الراحل محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013.

كأن السيسي كان ينطق بما تحدثه به نفسه في المستقبل القريب داخل سيناء، عندما ساهم في تشكل عدو في تلك المنطقة، التي تحولت إلى ميادين من المعارك، وساحات من الدماء، لا تفرق بين عسكري ومدني.

اليوم يحاول نظام السيسي، تجاوز مسؤوليته عما يحدث في سيناء، من خلال الأعمال الدرامية، وآخرها مسلسل "الاختيار" الذي أثار جدلا واسعا، بعد عرض حلقاته في رمضان، والتي تناولت استهداف كمين البرث، ومقاومة ومقتل أفراد الكتيبة 103 صاعقة، بقيادة العقيد أركان حرب أحمد المنسي.

تلك الكتيبة التي جاءت ضمن صف عريض من العسكريين، والمدنيين الذين استهدفوا في سيناء، دون إجراء تحقيقات وإعلان نتائجها، ومحاسبة المقصرين، وطمأنة الشعب. 

خصوصية الكتيبة

لمعرفة سر اهتمام نظام السيسي بالكتيبة "103 صاعقة"، وخصها عن سائر الكتائب، لإقامة عمل درامي كبير، متعلق بها، لا بد من معرفة جزء من تاريخ وأهمية تلك الكتيبة.

تعد الكتيبة "103 صاعقة" من أقوى الكتائب على الإطلاق، وهي من الوحدات الأشهر داخل القوات المسلحة المصرية، ولها تاريخ عسكري عريض، بداية من المشاركة في حرب الاستنزاف (1968 - 1970) ثم مشاركتها الفعالة في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، حتى أن قائدها إبراهيم الرفاعي استشهد أثناء المعارك ضد العدوان الإسرائيلي.

ونظرا لتطور الكتيبة وقوتها الخاصة، تم فصلها عن أسلحة المشاة والصاعقة التقليدية، وأصبحت تابعة لجهاز المخابرات الحربية، ورئاسة الجمهورية مباشرة لتنفيذ المهام العسكرية الأكثر صعوبة.

وبداية من العام 2013 انتقلت الكتيبة إلى سيناء، ولعبت دورا بارزا في مهاجمة بؤر العناصر المسلحة، في أعقاب استشراء العمليات القتالية ضد وحدات الجيش والكمائن المرتكزة هناك. 

وتمركزت الكتيبة في كمين البرث، الذي يقع في منزل أهلي واسع مكون من طابقين بقرية البرث جنوب رفح. 

عملية صادمة

فجر 7 يوليو/ تموز 2017، وقع هجوم واسع من قبل تنظيم ولاية سيناء، بواسطة 150 مسلحا و12 عربة كروز محملة بالسلاح، بالإضافة إلى أسلحة خفيفة ومتوسطة وقذائف آر بي جي، وقذائف هاون ومدافع جرينوف، وقنابل يدوية ومفخخات، على كمين البرث، مقر الكتيبة 103 صاعقة.

وقامت إحدى السيارات المفخخة التي تم تدريعها جيدا وتمويهها داخل إحدى المزارع، بالدخول إلى الكمين وانفجرت قربه، مخلفة آثارا تدميرية هائلة. 

وفي الوقت نفسه قامت بعض العناصر بتطويق الكمين بالكامل وزرع عدد من الألغام لصد محاولات الدعم البري، وقامت عناصر الكتيبة بصد الهجوم وتبادل إطلاق النار وتمكنت من الصمود طوال 4 ساعات كاملة، دون وجود دعم جوي، أو وصول وحدات برية لإنقاذ الموقف. 

قتل 26 فردا من القوات المسلحة، في هذه المعركة، على رأسهم العقيد أحمد المنسي، قائد الكتيبة 103 صاعقة، قبل أن يصل الدعم المنتظر. ومثلت عملية كمين البرث، واحدة من أكبر حوادث الهجوم على الكمائن، وأفدحها أثرا، وواجه نظام السيسي بسببها حرجا على جميع المستويات.

جاء بيان المتحدث العسكري للقوات المسلحة، العقيد تامر الرفاعي، عن أحداث كمين البرث، مثيرا للجدل، حيث قال بعد ساعات من العملية: "نجحت قوات إنفاذ القانون بشمال سيناء فى إحباط هجوم إرهابى للعناصر التكفيرية على بعض نقاط التمركز جنوب رفح".

مضيفا: "أسفرت العملية عن مقتل أكثر من عدد (40) فردا تكفيريا وتدمير عدد (6) عربات وتعرض قوات إحدى النقاط لانفجار عربات مفخخة نتج عنها استشهاد وإصابة عدد (26) فردا من أبطال القوات المسلحة وجاري تمشيط المنطقة ومطاردة العناصر الإرهابية".

وهو البيان الذي دعا للتساؤل عن أي نجاح يتحدث المتحدث العسكري، مع هذا الكم من الخسائر المادية والبشرية؟.

الأسئلة الممنوعة

بعد انفجار السيارة المفخخة، أرسلت الكتيبة إشارة استغاثة للقيادة العسكرية لكي يرسلوا قوات دعم وإنقاذ، وبالفعل تم إرسال وحدة دعم عسكري لإنقاذ الكمين بشكل سريع، لكن مسلحي التنظيم دفعوا بسيارة مفخخة أخرى تجاه قوات الدعم لتنفجر بهم، ثم خاضوا قتالا لتعطيلهم مع ما تبقى من القوات لحين انتهائهم من الهجوم الرئيسي على كمين البرث.

لم يظهر الطيران الحربي بشكل فعال إلا بعد ساعات من بدء الهجوم. والمثير للتساؤل في تلك العملية، هو تصويرها وإذاعتها بالكامل، من خلال فيديو لوكالة أعماق الإخبارية التابعة لتنظيم الدولة، فيما عجز النظام عن امتلاك أدلة توثيقية مصورة لذلك الهجوم وأفراده.

أسئلة كثيرة ثارت عقب الهجوم فمثلا أين المعدات والكاميرات الخاصة بالسلطة، في هذه الأماكن المعرضة دائما للهجوم؟. وكيف يتم وضع أفراد كتيبة كاملة، داخل منزل سكني مكشوف من جميع الجوانب؟ ولا يضم أي تجهيزات عسكرية من أسوار وأبراج؟.

سؤال آخر أثير عن حجم الذخيرة لدى القوات العسكرية المقاتلة، كيف نفدت؟ وفي المقابل كان حجم تسليح الطرف الآخر أكبر، واستمر في الاشتباكات لساعات طويلة؟. وفي ظل المعركة أين كان سلاح الجو، وطائرات F-16، والأباتشي؟ ولماذا تأخر وصولها إلى الميدان؟.

والأهم أين معلومات المخابرات الحربية والأمن الوطني، الذين ينشطون في تعقب المعارضين المدنيين؟. وأين محاسبة كبار القادة داخل القوات المسلحة؟ المسؤولين بشكل مباشر عن العمليات والخسائر الواقعة، بين الضباط، وضباط الصف والعساكر.

هذه الحوادث باتت متكررة بشكل مستمر في سيناء، حتى أصبحت منطقة غير مستقرة، ويدفع فيها أبناء الوطن من جميع الأطراف المدنية والعسكرية حياتهم، ثمنا للفشل الذريع في إدارة ذلك الملف.

حروب الكمائن

حسب البيانات الرسمية للقوات المسلحة، بلغت حصيلة الخسائر البشرية للهجمات على الكمائن في شمال سيناء 150 قتيلا ومئات الجرحى من أفراد الجيش والشرطة، منذ الهجوم على كمين الريسة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2013، وحتى الهجوم على كمين الأبطال 14 فجر 5 يونيو/ حزيران 2019.

يوجد في شمال سيناء نحو 14 كمينا، يتم توزيعهم على المستوى الجغرافي، بحيث تتبع 6 من الكمائن، مركز العريش، وهم (الريسة - المطافي - الكيلو 17 - الصفا - جودة 3 - الأبطال 14) وتتبع 6 من الكمائن الأخرى مركز الشيخ زويد، وهم (كرم القواديس- العبيدات- أبو رفاعى- السدرة- قبر عمير- البوابة)، بينما يقع كمين البرث في مركز رفح، ويقع كمين زقدان في مركز بئر العبد.

وتهتم عناصر تنظيم الدولة في سيناء، بجعل تلك الكمائن هدفا ثابتا ومستمرا لهجماتهم المتكررة.

ومن أشهر الأكمنة، كمين الريسة بالعريش، حيث تعرض للهجوم أكثر من 55 مرة منذ عام 2014، وكان الهجوم الأكبر على الكمين في 10 أكتوبر/ تشرين أول 2013، حيث ذكرت عدة صحف مصرية أن سيارة هيونداي طراز فيرنا مفخخة اقتحمت كمين الريسة صباحا وانفجرت، ما أدى إلى مقتل 4 وإصابة 5 من قوات الجيش والشرطة الموجودة بالكمين.

كذلك تعرض كمين كرم القواديس  جنوب شرقي مدينة الشيخ زويد في عصر الجمعة 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، لواحدة من أعنف هجمات عناصر تنظيم ولاية سيناء، عندما هاجموا الكمين، عبر سيارة مفخخة انفجرت في الكمين، ثم الهجوم المباشر بعدها بالأسلحة الرشاشة مخلفا 26 قتيلا.

  • في 2 أبريل/نيسان 2015 هاجم تنظيم ولاية سيناء 5 كمائن مختلفة، منها كمين قبر عمير، الواقع بقرية قبر عمير بجوار الطريق الدولي بين الشيخ زويد والعريش، وكمين العبيدات غرب الشيخ زويد، ما أسفر عن قتل 10 مجندين.
  • في 1 يوليو/ تموز 2015، جاء الهجوم الأخطر من قبل تنظيم ولاية سيناء، على عدة كمائن أمنية في مركز الشيخ زويد وحاول احتلال المدينة، حيث شن بسلسلة هجمات على 5 كمائن وتدمير كميني أبو رفاعي والسدرة بشاحنتين مفخختين وأعلنت القوات المسلحة عن مقتل 17 عسكريا بينهم 4 ضباط.
  • في 19 مارس/ آذار 2016، أعلنت وزارة الداخلية مقتل 13 شرطيا، بينهم ضابطان بعد استهدافهم بقذيفة هاون، خلال هجوم على كمين الصفا. 
  • في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، هاجمت مجموعة من عناصر تنظيم ولاية سيناء كمين زقدان العسكري جنوب مركز بئر العبد، ما خلف 12 قتيلا، من قوات الجيش.
  • في 9 يناير/ كانون الثاني 2017، هاجمت عناصر تنظيم ولاية سيناء كمين المطافي التابع لقوات الشرطة بحي المساعيد في مدينة العريش، وأسفر الهجوم عن مقتل 9 ضباط.
  • في 25 أغسطس/ آب 2018 هاجمت مجموعات مسلحة، كمين الكيلو 17 غرب مدينة العريش على الطريق الدولي، ما أسفر عن مقتل 8 أفراد شرطة. 
  • في 16 فبراير/ شباط 2019 نفذ عناصر تنظيم ولاية سيناء هجوما على كمين جودة 3 جنوب حي الصفا، قرب مطار العريش بواسطة مجموعات مسلحة، ما أسفر عن مقتل 15 جنديا بينهم ضابط.
  • في 28 أغسطس/ آب 2019، أعلن تنظيم ولاية سيناء، في بيانٍ نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تمكنه من قتل قائد عمليات الجيش في مدينة رفح بمحافظة شمال سيناء، المقدم أركان حرب محمود جمال عبد الفتاح منتصر، بالقرب من أحد الأكمنة في حي الرسم بالعريش.
  • في 1 مايو/ آيار 2020، قال المتحدث باسم القوات المسلحة: إن "عبوة ناسفة انفجرت بأحد المركبات المدرعة بمدينة بئر العبد بشمال سيناء ما أسفر عن مقتل وإصابة ضابط وضابط صف و8 جنود". ولم يوضح المتحدث على وجه الدقة أعداد كل من القتلى والمصابين.

خراب سيناء

رغم أن السيسي أطلق "العملية الشاملة سيناء 2018"، منذ 3 أعوام، مستخدما ما أطلق عليه "القوة الغاشمة في مواجهة المتطرفين"، ومع ذلك مازالت هجمات المسلحين تتصاعد، ويسقط ضحايا من أفراد الجيش والشرطة، غير المآسي المتعلقة بالمدنيين، دون وجود كشف حساب أو إحاطة برلمانية، تتعلق بقادة النظام، فيما يتعلق بالإخفاق المستمر، وعدم الاستقرار في هذه المنطقة.

لم تمر على أرض مصرية ما مرت به سيناء، من أعوام الحروب والإهمال والتردي، التي أودت بها إلى وضع كارثي، فشمال سيناء التي يقطنها قرابة المليون و400 ألف نسمة حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، عاشت أوضاعا متأزمة وتقلبات حادة، خاصة في سنوات حكم السيسي.

وحسب تقرير المرصد المصري للحقوق والحريات فإن قوات الجيش والشرطة ارتكبت الجرائم الآتية بحق المدنيين في سيناء، حيث بلغ القتل خارج إطار القانون  (1374 حالة)، والاعتقال التعسفي (11906 حالة)، وبلغ عدد الأفراد المهجرين  26 ألفا و992 فردا ما بين طفل وشاب وامرأة وشيخ، من مناطق رفح المصرية، والشيخ زويد.

أما نيران الإخفاق والفشل في مواجهة المسلحين، لم تتعلق بالعسكريين فقط، ففي 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قام تنظيم ولاية سيناء بالهجوم الإرهابي المأساوي على مسجد الروضة بمنطقة بئر العبد غرب مدينة العريش. وهو الهجوم الذي استهدف أحد أكبر المساجد في سيناء أثناء صلاة الجمعة، وأوقع أكثر من 300 قتيل، ونحو 120 جريحا.

ولم تتحرك قوات من الجيش أو الشرطة لنجدة الضحايا بينما استمر المسلحون في حصد أرواحهم لأكثر من نصف الساعة. ورغم بشاعة الهجوم، الذي صُنف كأكبر مذبحة إرهابية في تاريخ مصر الحديث، لم تتغير السياسات الأمنية والعسكرية في سيناء.

بقي نظام السيسي، يواري إخفاقاته، ونكباته في سيناء بالأعمال الدرامية، والخطابات العنترية، من دون مراجعة حقيقية عميقة للأسباب والسياقات الاجتماعية والسياسية التى تسهل على جماعات مسلحة كداعش وغيرها تجنيد الشباب في أتون تلك المحارق التى لا تنتهي.

ووفق خبراء، فإن الإخفاق سيستمر طالما بقينا من دون تقييم للمسارات الفاشلة لعلاج مشكلة بهذا الحجم في إقليم إستراتيجي للأمن القومي المصري كسيناء، ومن دون حتى محاسبة للقيادات العليا المقصرة في توفير الوسائل التكنولوجية والأمنية والعسكرية اللازمة لحماية المجندين الذين يلقى بهم في هذا الأتون اللعين.