خارج سلطة الدولة.. من يدير أكبر منظومة للسجون السرية في العراق؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من توجيهات رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للسلطة القضائية بالإفراج عن جميع معتقلي المظاهرات الشعبية التي انطلقت مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2019، فإن الكثير من الناشطين المغيبين قسريا لا يزال مصيرهم مجهولا ولم يطلق سراحهم.

لكن رد مجلس القضاء الأعلى على الكاظمي في 13 مايو/ أيار 2020 بعدم وجود أي موقوف أو محكوم من المتظاهرين السلميين، أثار من جديد قضية السجون السرية التي يعتقد أن الآلاف من المختطفين العراقيين محتجزون فيها، وتدار من مليشيات مسلحة خارج سلطة الدولة.

هذا الأمر دفع سياسيين أيضا للتعليق على الموضوع، إذ قال رئيس "حزب الحل" جمال الكربولي في تغريدة على "تويتر": إن "رئيس الوزراء يطالب بالإفراج عن معتقلي التظاهرات، والقضاء يستجيب للطلب ويعلن خلو السجون من المعتقلين. والمعتقلون لم يرجعوا لبيوتهم، فمن يكشف هذا اللغز".

مغيبون بالآلاف

قضية السجون السرية تعود إلى سنوات الحرب ضد تنظيم الدولة من عام 2014 وحتى 2017، والتي جرى خلالها اختطاف الآلاف من أبناء المحافظات الغربية والشمالية ذات الغالبية السنية، والتي أكدت جهات سياسية في حينها أن مليشيات شيعية منضوية في "الحشد الشعبي" هي من اختطفتهم.

القوى السياسية العراقية، اتهمت المليشيات المسلحة بتغييب المختطفين في سجون سرية ضمن مناطق سيطرتهم بالعاصمة بغداد ومحافظات أخرى، لا تسطيع القوات الأمنية الوصول إليها أو الحديث عنها، وسط دعوات منظمات دولية ومحلية للكشف عن مصير المغيبين قسريا.

وتصل أعداد هؤلاء إلى 12 ألف مختطف ومغيب قسريا، منهم 1800 شخص اختطفوا من الرزازة، و673 من الصقلاوية بالأنبار، و500 من جرف الصخر في بابل، و400 من سامراء، و400 من مناطق حزام بغداد، إضافة إلى أعداد أخرى، مجموعها يصل إلى الرقم المذكور آنفا، حسبما وثقت مفوضية حقوق الإنسان بالعراق.

وبث ناشطون فيما سبق مقاطع فيديو تظهر مليشيات مسلحة، تسوق المئات من الأشخاص على شكل طوابير، وسط كل من الإهانات والشتائم والاتهامات لانتمائهم إلى تنظيم الدولة، حيث قال معظم الناشطين: إنهم من المكون السني الذي اختطفوا من محافظة الأنبار ولم ترد أنباء عن مصيرهم.

يضاف إلى تلك الأعداد، نحو 150 معتقلا مغيبا من الناشطين المشاركين في الاحتجاجات الشعبية، التي انطلقت في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وفقا لما كشفه الصحفي حسن نبيل في مقابلة مع قناة "الحرة" الأميركية. ورغم غياب الإحصائيات الرسمية، لكن نبيل أكد أنه توصل إليها من خلال تنسيقيات الحراك الشعبي وذوي المختطفين.

لكن مدير "المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب" عمر الفرحان، قال خلال تصريحات صحفية في 19 مايو/ أيار 2020: "بلغ عدد معتقلي المظاهرات التي تشهدها بغداد ومدن الجنوب منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وحتى الآن أكثر من 25 ألف معتقل".

"سجون سرية"

يحتجز آلاف المختطفين، في سجون سرية تتوزع على رقعة جغرافية من العاصمة بغداد إلى محافظات وسط وشمال العراق،  ضمن مناطق نفوذ المليشيات الشيعية المنضوية في الحشد الشعبي.

وكشفت تقارير صحفية، ومختصون في مجال حقوق الإنسان عن أبرز السجون السرية منها الواقعة في بغداد وتحديدا في مطار المثنى، وسجن آخر بمنطقة القناة في الرستمية، وسجن سري داخل سجن أبو غريب، وفي منشأة القعقاع بمنطقة اللطيفية، وسجن آخر خلف جامع النداء بمنطقة القاهرة.

وفي بغداد أيضا يوجد سجن في مزرعة شبل الزيدي زعيم مليشيا "كتائب الإمام علي" بمنطقة الزعفرانية، إضافة إلى سجن الحشد الشعبي في منطقة صدر القناة الذي كان مقرا للشرطة الاتحادية في السابق، وسجن أمن الحشد في منطقة الجادرية، إضافة إلى سجون عدة في مقرات مليشيات بدر وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وسريا الخراساني في منطقتي شارع فلسطين والحسينية.

كما توجد سجون أخرى في قاعدة "سبايكر" بمحافظة صلاح الدين، أما محافظة نينوى فتحتضن عددا من السجون السرية منها منشأة جابر في مدينة الموصل وسجن قلعة برطلة العسكرية في سهل نينوى، ويقع سجن فرناس السري محافظة ديالى، والمحاويل في بابل، وسجون أخرى في بلدة جرف الصخر شمال محافظة بابل.

وما يؤكد أن هذه السجون تديرها المليشيات المسلحة، رسالة الصحفية أفراح شوقي إلى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عبر حسابها في "تويتر" قائلة: إن "سجني الذي اعتقلت فيه يبدو أنه مقر لفصيل مسلح متنفذ، وقريب لجهة رسمية، بدءا من كلمات (سيدي) التي تدور على لسان منتسبيه والهويات والسيارات، وجودهم كما يدعون هو لحماية المذهب من البعثية والصدامية وعملاء السفارة طبعا بطريقة الاختطاف".

وكانت الصحفية العراقية قد اختطفت في ديسمبر/ كانون الأول 2016 وأفرج عنها بعد عشرة أيام تحت ضغط شعبي واسع، لتلتزم الصمت بعدها طويلا، ثم تحدثت بعد ذلك عن تعرضها للتعذيب، والسجن الانفرادي لأيام، وتهديدا بالقتل إذا تحدثت لوسائل الإعلام عما جرى لها.

وعما يثبت أيضا أن السجون السرية هذه تدار من مليشيات نافذة، هو تحد أكثر من سياسي ونائب سني في البرلمان لرئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، بالدخول إلى منطقة جرف الصخر والكشف عن مصير آلاف السنة المختطفين، والذين تؤكد المعلومات وجودهم في سجون سرية بهذه المنطقة.

موقف الحكومة

في 14 مايو/ أيار 2020 تداولت وسائل إعلام كثيرة، وثيقة صادرة عن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، يقرر فيها تشكيل لجنة عليا لتقصي الحقائق حول وجود سجون حكومية سرية، يحتجز فيها متظاهرون.

ووفق الوثيقة المتداولة، فقد شكل الكاظمي لجنة برئاسة وزير الداخلية عثمان الغانمي، لتقصي الحقائق عن وجود سجون حكومية سرية يحتجز فيها متظاهرون". وأجاز الكاظمي للجنة "إرسال فرق تفتيشية يسمح لها بالدخول إلى أي مؤسسة أمنية أو مبنى يشتبه بوجود سجن سري داخله".

لكن بعد ساعات من انتشار الخبر وتناقلته صحف ووكالات عديدة، من بينها وكالة "الأناضول"، نفى العميد يحيى رسول، الناطق العسكري باسم القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي، صدور وثيقة حملت جملة توجيهات إلى وزير الداخلية عثمان الغانمي.

ويشير نفي رسول إلى وثيقة جرى تداولها على نحو واسع في مجموعات "واتساب" مغلقة وقنوات "تلجرام" تضم مسؤولين حكوميين ونوابا تضمنت أمرا ديوانيا للكاظمي يقضي بالتحقيق بالسجون السرية.

وفي هذه النقطة تحديدا، يرى المحلل السياسي العراقي الدكتور أحمد الأبيض خلال مقابلة تلفزيونية في 16 مايو/ أيار 2020 أن "التسريبات هذه التي تنفى فيما بعد يراد منها النيل من الكاظمي، وتشكيك في موقفه وإبعاده عن الشارع العراقي".

وعلل ذلك، بالقول: إن "السجون السرية والتي هي بيوت يحتجز فيها المختطفون، عناوينها معروفة والأمر يحتاج إلى مباغتة وليس إعلان، وهذا خطأ تكتيكي أساسي، ولذلك لا يجب الإعلان عنها، وإنما مداهمتها بقوة الدولة والقانون، وعندها ستهرب المليشيات".

أما عمر الفرحان، فقد أكد أن معتقلي المظاهرات في عهد عبدالمهدي يتعرضون للتعذيب وإلصاق التهم بهم كارتباطاتهم بجهات خارجية وكمخربين واستهداف الأجهزة الأمنية والمال العام وغيرها من التهم التي وقعوا عليها تحت الضغط والتعذيب والإكراه،  لافتا إلى أن هناك بعض المعتقلين مهددين باستهدافهم بشكل مباشر إذا واصلوا التظاهر مرة أخرى.

وأشار إلى أن حكومة الكاظمي تحاول إثبات أن هناك دولة قانون وأنها تريد إخراج المعتقلين من المتظاهرين، منوها إلى أنه حال إطلاق سراح البعض سيكون فقط لذر الرماد في العيون لأنها ستطلق سراح المتظاهرين العاديين وتبقي على الناشطين المؤثرين في المجتمع.

واعتبر الفرحان تصريحات الكاظمي في هذا الشأن بأنها "دعاية إعلامية" لأن القضاء أصدر بيانا بعدم وجود معتقلين من المتظاهرين في السجون وهذا يعني أن المعتقلين كلهم مغيبون من قبل المليشيات التي لا تأتمر بأمر الكاظمي.

وحذر مدير "المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب" من خطورة هذه السجون وما يجري بداخلها من إرهاب وتعذيب، مطالبا بضرورة التعامل معها وفق القانون الدولي الخاص ووفق المحكمة الجنائية الدولية وآليات حقوق الإنسان الدولية بما يضمن حماية أبناء الشعب العراقي من خطر المليشيات ومن استهداف حياتهم بشكل مستمر.