أداة بيد إسرائيل.. هكذا يحارب "فيسبوك" المحتوى الفلسطيني

12

طباعة

مشاركة

"لقد تم تعطيل حسابك لأنك تخالف معايير فيسبوك"، رسالة وصلت إلى عشرات الفلسطينيين، وأخذت معها آلاف التدوينات على موقع التواصل الشهير، بزعم أنها تتعارض مع سياسات المنصة العالمية.

ومع ذلك، فإنها ليست المرة الأولى التي يُقدم فيها "فيسبوك" على إغلاق حسابات صحفيين وناشطين فلسطينيين، والذين تفاجؤوا بدورهم من هذا الإجراء الذي وصفوه بـ "غير المبرر"، ومن دون إشعارهم بذلك.

وفي منتصف العام الماضي، أقدمت الشركة الأميركية على إغلاق عدد لا بأس به من حسابات الفلسطينيين، وكررت الأمر بعدها بأشهر قليلة، قبل أن تعاود الكرة في مايو/أيار 2020.

لكن المرة الأخيرة اختلفت عن سابقاتها، فهي لم تكن لمجرد حظر من نشر المحتوى، وإنما بإغلاق نهائي من دون عودة، وهو ما أشعل موجة غضب واسعة في صفوف الناشطين الذين أعادوا التدوين من حسابات جديدة.

خوارزمية إسرائيلية

في كل موجة من تلك الموجات كان الناشطون المستهدفة حساباتهم يتهمون الاحتلال الإسرائيلي بالوقوف وراء الأمر، إذ يرجحون أن السبب هو استخدامهم كلمات لا تروق لإسرائيل، وفق ناشطين سبرت "الاستقلال" آراءهم. 

وكانت مؤسسة "إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان"، قد اتهمت إسرائيل العام الماضي بـ "توظيف علاقاتها مع شركة فيسبوك لمحاربة المحتوى الفلسطيني في الفضاء الإلكتروني الأزرق".

الاتهام هذا يطرح سؤالا لم يغب منذ بدء الأزمة حول علاقة إسرائيل بإغلاق الحسابات، وهل تتدخل في رسم سياسات فيسبوك فعلا؟ أم أن الموقع الأزرق يتواطأ معها لنفس الهدف؟

يعتقد فلسطينيون أن الأمر عائد إلى نشرهم تدوينات قصيرة تتضمن كلمات من قبيل "المقاومة، كتائب القسام، عملية فدائية، حماس، صواريخ المقاومة، وشهداء، ويحيى عياش" وغيرها من المفردات التي تزعج إسرائيل.

وسبق لفيسبوك أن بنى خوارزمية يُحذَف بناء عليها عدد كبير من منشورات الفلسطينيين إذا جاء فيها مصطلحات معينة دون النظر حتى إلى السياق الذي ترد به هذه المصطلحات.

وبناء على تلك الخوارزميات تُحظر المنشورات والصور والبث المباشر للناشطين لفترات متفاوتة، بزعم أنها تنتهك معايير الموقع، بحسب بعض الإشعارات التي وصلت إلى الأشخاص المحظورين.

ومنذ 2019، بدأ الصحفيون والناشطون بالتحايل على خوارزميات "فيسبوك"، من خلال نشر الكلمات التي تعتبرها إدارة الموقع مخالفة لسياسات النشر، منقوصة الحروف أو تتضمن حروفا باللغة الإنجليزية.

لكن يبدو أن هذه الحيلة لم تجد نفعا، إذ أكد ناشطون تحدثوا لـ "الاستقلال" أنهم تعرضوا للحظر وحذف حساباتهم على الرغم من اتباع حيلة تقطيع الكلمات المقصودة.

وأوضح هؤلاء أن "هذه الكلمات تتكرر في صفحات (ناشطين) آخرين، لكن في سياقات مختلفة، ومع ذلك لا يتم حظر أصحابها"، مشيرين إلى تعامل إدارة فيسبوك مع الأمر بقصد أشخاص محددين.

إغلاق دون رجعة

وسبرت "الاستقلال" آراء عدد من الفلسطينيين الذين تعطلت حساباتهم في الموجة الأخيرة، إذ أكدوا وقوف إسرائيل وراء الأمر انطلاقا من محاربتها محتوى يعبر عن آرائهم الداعمة للمقاومة والقضية الفلسطينية.

الصحفي الفلسطيني "أحمد الكومي"، قال: إنه تفاجأ الأسبوع الماضي برسالة من فريق "فيسبوك: تفيد بتعطيل حسابه؛ بذريعة مخالفة "معايير مجتمعنا (فيسبوك)".

وعن أثر ذلك عليه، أكد "الكومي" أنه تضايق جدا من هذا الإجراء؛ "لأنني أملك حساب فيسبوك من 2009 (...) وكان صعبا تقبل فكرة أن أفقد كل ذلك لسبب غير مبرر وفضفاض، يمثل تقييدا لحرية الرأي والتعبير".

وأضاف: "لا يوجد سبب رئيسي سوى تقييد حرية الفلسطيني ومنع وصول صوته وتلبية لرغبات الاحتلال وهذا الأهم"، مشيرا إلى أن "فيسبوك يقول ذلك، لكن دون إيضاح أي تفاصيل أو إثباتات، وهذا ينفي ادعائها".

أما الصحفي الفلسطيني "أحمد منصور"، فقال: إن إغلاق عشرات الحسابات يأتي "في إطار الحرب ع الرواية الفلسطينية"، مضيفا: أن "حروب اليوم باتت صامتة بقتل رواية الضحية وإعلاء صوت الجلاد".

وأكد "منصور" في حديث لـ "الاستقلال" أن إغلاق الحسابات جاء متزامنا مع ترويج الأعمال الدرامية التطبيعية الأخيرة مثل  مسلسل "أم هارون "، ومسلسل "مخرج 7"، اللذين تعرضهما قناة "MBC" المملوكة سعوديا.

وبالنسبة للمصور الصحفي "عطية درويش"، فهو فقد حسابه المُنشأ قبل 11 عاما، بمجرد نشره صورا عن الواقع الفلسطيني مرفقة بأخبار محلية.

واعتبر "درويش": أن "هذه حرب ضد المحتوى الفلسطيني بحذف الحسابات من قبل الاحتلال"، مشيرا إلى أنه "تعرض للحظر عدة مرات من دون وجود سبب مقنع".

الناشط الفلسطيني "محمود منصور"، ذهب إلى ناحية أخرى، معتقدا بأن إسرائيل توظف أشخاصا لمراقبة حسابات الفلسطينيين وما يكتبونه، وهو ما يستخدمه الاحتلال كذريعة لتنفيذ سياساته.

مقاومة إلكترونية

المختص في الإعلام الاجتماعي، "سائد حسونة"، قال: إن إدارة "فيس بوك" تغلق حسابات الصحفيين دون إشعارهم بذلك، بينما يجب أن يتم إغلاق الصفحات بعد المرور بثلاث مراحل من الإشعار.

ونقلت وكالة "الأناضول" التركية عن "حسونة" قوله: إن "إسرائيل وضمن اتفاقية بينها وبين فيسبوك، قدمت خوارزمية فيها بعض المصطلحات والإشارات للمحتوى الفلسطيني، وإدارة الموقع تعاملت معها بإيجابية وبناء عليه يتم إيقاف الحسابات".

هذا القول تؤكده مؤسسة "إمباكت" الدولية لسياسات حقوق الإنسان، التي اتهمت إسرائيل بأنها توظف علاقاتها مع شركة فيسبوك في “محاربة” المحتوى الفلسطيني في الفضاء الإلكتروني الأزرق.

وربطت المؤسسة في تقرير لها، بين شكاوى الفلسطينيين من "قيود تفرضها فيسبوك" على المحتوى الخاص بهم ووجود ارتباط مصالح اقتصادية بينها وبين إسرائيل.

وقالت: "إن العمل في فيسبوك شهد مؤخرا نموا، حولها إلى شركة ضخمة توظف عشرات الآلاف من الأشخاص، الأمر الذي تطلب من الشركة مع توسيع أعداد عملائها، السعي إلى التوسع خارج حدودها الوطنية".

وأكدت المؤسسة أن "استضافة إسرائيل مقرا إقليميا لشركة فيسبوك، أتاح لها التأثير بشكل متصاعد على المحتوى الفلسطيني ووصل حد اعتقال عشرات الفلسطينيين بسبب ممارستهم لمجرد حقهم في حرية التعبير".

وما يدلل على تدخل إسرائيل في عمل فيسبوك، أن الأخيرة أعلنت حذف المئات من الصفحات والحسابات المزيفة التي كانت تديرها شركة إسرائيلية بهدف التدخل في انتخابات دول إفريقية، من بينها تونس.

وكشف بيان للشركة أن شركة "أرخميدس" الإسرائيلية أنفقت أكثر من 800 ألف دولار أميركي على إعلانات في فيسبوك، مؤكدا أن حساباتها كانت تضم نحو 3 ملايين متابع.

أحد الفلسطينيين المعطلة حسابهم، ويدعى "علي خاطر"، أخذ على عاتقه الأمر من ناحية قانونية، معلنا عن اعتزامه رفع قضية على شركة "فيسبوك".

وقال "خاطر" الذي أنشأ مجموعة يديرها من حسابه الجديد، في حديث لـ "الاستقلال": "أريد أن أجمع أشخاصا لديهم قصة مشابهة لقصتنا كخطوة أولى، لكون الإغلاق يشكل ضررا نفسيا وماديا على صاحب الحساب".

أما الخطوة الثانية، فتتمثل بتوثيق الأضرار على الصعيد المادي والمعنوي بالكتابة، من خلال صياغة عريضة للمشكلة مرفقة بمقاطع فيديو تعريفية لكل شخص تعرض حسابه للإغلاق.

وتركز الخطوة الثانية أيضا على توثيق نشاطات الأشخاص المحذوفين على الفيس، بما يوضح عمل صاحب الحساب، ومدة وجوده على الفيس، وشرح تأثير خطوة الإغلاق.