رغم بطء الاستجابة.. لماذا تفوقت الدول الديمقراطية في محاربة كورونا؟

12

طباعة

مشاركة

لطالما اعتقد الناس أن المستبدين والديكتاتوريين يتمتعون بأفضلية في الأيام العادية، وحتى في أثناء خوض الحرب ضد فيروس كورونا المستجد الذي انتشر في أغلب دول العالم. 

وينبع ذلك الشعور من أنه "يمكن للمستبدين فرض أوامر الحظر ومنع التجول بشكل أكثر فعالية، واستخدام قدرات المراقبة الخاصة بهم لتتبع أفضل للاتصال مع الحالات المصابة"، بحسب ما تقول مجلة فورين أفيرز الأميركية.

ولكن دراسة أجرتها المجلة، فندت هذه "الادعاءات" بالقول: "إنها مزاعم لا أساس لها، بل على عكس المعتقدات الشائعة، فإن الديمقراطيات أكثر فعالية في الاستجابة للأزمات المختلفة".

وقال كل من "دانرايتر"، أستاذ العلوم السياسية في جامعة إيموري، و"ألان ستام" أستاذ السياسة العامة والباحث بمركز ميللر في جامعة فيرجينيا، في الدراسة المشتركة التي نشرتها فورين أفيرز: "وجد بحثنا في العلوم السياسية أن الديمقراطيات أكثر احتمالا من الاستبداديات للفوز في حروبها".

فمنذ عام 1816 إلى 1987، فازت الديمقراطيات بحوالي 76 في المائة من حروبها، بينما فازت الدكتاتوريات بحوالي 46 ٪ من حروبها. 

والأكثر إثارة للانتباه أن الديمقراطيات نادرا ما تخسر عندما تكون هي البادئة في الحرب، فتبلغ نسبة فوزها في هذه الحالة 93 بالمائة. وما يصح في الحروب ضد الجيوش ينطبق أيضا على الحرب ضد الوباء، وفق الدراسة.

وتوضح بالقول: "وجدت الدراسات السابقة أن المواطنين في الديمقراطيات أكثر صحة من أولئك الذين يعيشون تحت الاستبداد وأن الديمقراطيات واجهت معدلات وفيات أقل من الديكتاتوريات في الأوبئة".

فلقد وجدت تحليلات الاستجابة للوباء الحالي أنه بمجرد الإبلاغ عن حالة الإصابة العاشرة، كانت الديمقراطيات أسرع من الديكتاتوريات لإغلاق المدارس. 

وتتابع الدراسة: "هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن السمات التي تجعل الديمقراطيات تؤدي بشكل أفضل في الحروب - خاصة القادة الذين يخضعون للمساءلة وتدفقات المعلومات المتفوقة - تجعل الوضع أكثر فعالية في محاربة الفيروس التاجي أيضا".

الفوز في المعركة

وجدت المجلة في بحثها أن الديمقراطيات تكسب الحروب غالبا، ويرجع ذلك جزئيا إلى قلق القادة من إمكانية عدم إعادة انتخابهم. 

وتوضح الدراسة ذلك بالقول: "يحفز ذلك القادة المنتخبين ديمقراطيا على تجنب خوض الحروب الخاسرة؛ لأنهم يعرفون أن السياسات التي لا تحظى بقبول شعبي غالبا ما تؤدي إلى إزالتهم من منصبهم".

كما فعل الرئيسان الأميركيان باراك أوباما ودونالد ترامب، على سبيل المثال، فقد قاموا بالحد من مشاركة القوات في سوريا لهذا السبب. 

صحيح أن القادة المنتخبين في بعض الأحيان يبدؤون أو يصعدون حروبا قد تنتهي بخسائر فادحة، كما فعل الرئيس ليندون جونسون في فيتنام وجورج دبليو بوش في العراق، لكن التراجع في حظوظ هؤلاء القادة السياسيين. بمثابة توصية دائمة بالحذر لحلفائهم.

 ونتيجة لذلك، يبدأ القادة المنتخبون حروبا غير مدروسة بشكل أقل من الزعماء الآخرين، وفق الدراسة. 

وتتابع: "إن الديكتاتوريين ليس لديهم مثل هذه المخاوف من إعادة الانتخاب، وهم أكثر ثقة في أنهم قادرون على قمع المعارضة الشعبية من أجل البقاء في مناصبهم". وبالتالي هم أكثر عرضة لبدء حروب محفوفة بالمخاطر قد لا يفوزون بها. 

على سبيل المثال، تمكن الرئيس العراقي صدام حسين من سحق المعارضة الداخلية بعد غزوه الكارثي لإيران عام 1980 وغزو الكويت عام 1990، وفق الدراسة. كما توضح أنه: "يساعد تدفق المعلومات بشفافية الديمقراطيات على كسب الحروب".

فيمكن ذلك القادة الديمقراطيين من اتخاذ خيارات أفضل بشأن الحروب؛ لأن وسائل الإعلام المستقلة تسهل النقاش المفتوح، فتكشف الأفكار السيئة وتعزز نظيرتها الجيدة. 

كما أن بيئة النقاش المفتوح هذه تزيد من احتمالية اختيار القادة الديمقراطيين للمستشارين المؤهلين والضباط العسكريين الذين يقدمون بدورهم نصائح أفضل، وفق الدراسة.

وتتابع: "فعلى سبيل المثال، أرجأت رئيسة الوزراء الهندية أنديرا غاندي مهاجمة باكستان بحكمة في عام 1971 حتى أصبح لديها خطة عسكرية واعدة للغاية (وناجحة في نهاية المطاف) وكان الطقس مواتيا".

كما أجرى الرئيس hgHldv;d جورج دبليو بوش مناقشات موسعة بين مستشاريه في عام 1990 للتخطيط للحرب ضد العراق، والتي أسفرت عن أحد الانتصارات الأكثر حسما في التاريخ العسكري، وفق الدراسة.

وفي الجانب الآخر توضح الدراسة أن الديكتاتوريين يرفضون النقاش المفتوح لأنهم يخشون التهديدات السياسية الداخلية، فهم مهتمون باختيار وتعيين رجال "موافقة"، ليس لديهم الحافز لتزويد قادتهم بالحقيقة غير المنمقة، أو غير المؤهلين لتقديم المشورة الثاقبة. 

ويعد الهجوم السوفيتي السيئ التخطيط على فنلندا في عام 1939 مثالا صارخا على انتصار باهظ الثمن، تاركا أكثر من 100 ألف قتيل سوفيتي. 

كذلك فإن الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979 أسوأ بكثير بالنسبة لموسكو، فقد يكون هناك 15 ألف قتيل، ولكن بدون تحقيق أي مكاسب على الإطلاق، وفق الدراسة.

الحرب على المرض

نفس الخصائص التي تساعد الديمقراطيات على كسب الحروب يمكن أن تقويها في معالجة تحديات مثل الوباء. 

وتوضح الدراسة: "يمكن للقادة الديمقراطيين الذين يسيئون التعامل مع الوباء أن يتوقعوا عواقب أكثر من مجرد طردهم من منصبهم؛ وبالتالي فإنهم أكثر حرصا على اتخاذ إجراءات فعالة".

ومن المرجح أن يستمر الديكتاتوريون في مناصبهم على رغم الاستجابة الفاشلة، وبالتالي لا يواجهون ضغطا لإصلاح إستراتيجياتهم. ويمكن أن يكون لذلك تأثير مدمر خلال الأزمات الصحية، وفق الدراسة.

وتتابع: "في الجائحة الحالية، عانت إيران ما يقدر بـ 900 ألف حالة إصابة بالفيروس لأن الحكومة الإيرانية اتبعت سياسات سيئة للمواجهة". ومع هذه الاستجابة الفاشلة للوباء، لن يهدد ذلك النظام، لأن الرئيس الإيراني حسن روحاني لديه أدوات استثنائية تحت تصرفه لقمع أي تهديد لسلطته، وفق الدراسة. 

وأضافت: "في روسيا، حجب الرئيس فلاديمير بوتين المعلومات المتعلقة بالفيروس، حتى أنه عمد إلى اعتقال أو تخويف الأفراد الذين يتحدثون عنه". فقد اعتدت الشرطة الروسية على أحد الأطباء بعد أن نشر مقاطع فيديو تتحدث عن إخفاء السلطات الحقيقة بشأن شدة الوباء. 

أيضا فإن الصين، الدولة الأولى التي واجهت COVID-19، حجبت أي معلومات عن مصدر وخصائص الفيروس.

وألقى النظام القبض على أطباء في ووهان في أواخر ديسمبر/كانون الأول لإطلاق ناقوس الخطر، ورفضت المساعدة من المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، كما أعاقت توزيع البيانات حول كيفية انتشار الفيروس بين المصابين الذين لا تظهر عليهم أعراض.

كل ذلك تسبب في عدد ضحايا تجاوز الـ 40 ألف أسرة، فقط في ووهان، مطلع فبراير/شباط 2020، وفق الدراسة. وتتابع: "وبالمقارنة، ساعد تدفق المعلومات المفتوحة في الديمقراطيات على مكافحة تفشي المرض".

فقد أنشأت ديمقراطيات مثل الولايات المتحدة وألمانيا مختبرات سياسية ساعدت على استكشاف طرق. 

ولكن الأهم من ذلك أن المجتمعات المنفتحة أنتجت سيلا من المعلومات المهمة حول الفيروس، مما أدى إلى تعزيز الفهم العام ومساعدة صانعي السياسات والمواطنين على تطوير وتوزيع تدابير الحماية. 

أيضا، تقول الدراسة: "ساعد توفر المعلومات على كشف الأخبار الوهمية، ونظريات المؤامرة، والعلاجات الكاذبة، مما يحد من هيمنتها على الوعي العام تجاه مقاومة الفيروس".

وذكرت أن "العديد من الديمقراطيات أحرزت تقدما كبيرا في تجنب أو احتواء تفشي المرض، بما في ذلك كوريا الجنوبية وتايوان وألمانيا وأستراليا ونيوزيلندا والدنمارك".

ومع ذلك، فإن الاستجابة السيئة للولايات المتحدة للوباء مثلت طعنا في فكرة أن الديمقراطيات أفضل في مكافحة الأوبئة، حيث تعرض ترامب لانتقادات شديدة بسبب تعامله مع الأزمة، مقللا من التحذيرات المبكرة من عدد القتلى المحتملين، وتحركه ببطء لبدء اختبار واسع النطاق. 

وعلى الرغم من أدائه هذا، إلا أن استجابة ترامب للفيروس توضح كيف تتفوق الديمقراطيات في احتواء المرض، وفق الدراسة.

وتوضح ذلك بالقول: "إدراكا منه بأن هذا الفشل سيكون له تأثير سيئ على نتائج انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبلة، بدأ ترامب في التعامل مع الأزمة بجدية أكبر، وفرض قيودا على السفر، ودعم الإغاثة الاقتصادية الهائلة، واستخدم قانون الإنتاج الدفاعي لتعزيز تصنيع مواد الاختبار".

على عكس الديكتاتوريين الذين يستطيعون سحق المعارضة، يتعرض القادة المنتخبون ديمقراطيا مثل ترامب للضغوط للرد على الانتقادات، والتي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى تدابير احتواء أكثر فعالية، وفق الدراسة.

اقتلوا الفيروس

ولا يمكن لأحد أن يتنبأ على وجه اليقين بمسار هذا الوباء، لكن بحث المجلة الأميركية حول الديمقراطية والحرب يشير إلى أن هناك إجراءات حاسمة يجب على صناع السياسات والأفراد اتخاذها لمكافحة الفيروس. 

وتوضح الدراسة هذه الإجراءات بالقول: "يجب على الناخبين الاستمرار في الحفاظ على النار تحت أقدام قادتهم المنتخبين لتحفيزهم على محاربة الفيروس بأكبر قدر ممكن من الفعالية والاستجابة بمرونة للظروف المتغيرة".

يجب أيضا على الديمقراطيات رعاية تدفق المعلومات داخل الحكومة وخارجها لتحفيز النقاش المفتوح حول أفضل مسار إلى الأمام.

وكما هو الحال في زمن الحرب، فإن التحدي الذي يلوح في الأفق للديمقراطيات هو توسيع سلطة الدولة دون تقويض الديمقراطية نفسها، وفق الدراسة. 

وتتابع: "على سبيل المثال، خنقت كوريا الجنوبية الفيروس التاجي من خلال جمع معلومات شخصية واسعة النطاق حول المرضى وإبلاغ الأفراد الذين اتصلوا بالحالات المصابة".

وبرأي الدراسة، قد تحتاج الحكومة الأميركية إلى توجيه الإنتاج الضخم إلى السلع الأساسية مثل أجهزة التنفس الصناعي، والتحكم في الأسعار لمنع التلاعب. 

يمكن أن يكون هذا توازنا صعبا، بحسب المجلة التي ضربت مثالا على استيلاء رئيس الوزراء فيكتور أوربان على السلطة في المجر، أو ممارسات الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بتوسيع سلطات جمع البيانات.

وتستدرك: "لكن استطاعت الديمقراطيات إدارة هذا التوازن من قبل، وكسبت الحروب دون تدمير الحرية، ويمكنها أن تفعل الشيء نفسه في محاربة الفيروس التاجي الجديد".

كما هو الحال في الحروب، ستكون الديمقراطية مصدر قوة لا ضعف في محاربة وباء كورونا، وفق الدراسة.