بعد أسبوع من تخفيف حجر كورونا.. هل نجحت تونس في تجاوز الأزمة؟
كغيرها من دول العالم، سجلت تونس إصابات بفيروس كورونا، كان أولها في 2 مارس/آذار 2020، ليرتفع بعدها نسق العدوى، لكن بشكل ضعيف مقارنة بغيرها من الدول.
فرضت الحكومة حجرا صحيا شاملا، سمحت بموجبه فقط للقطاعات الأساسية بمزاولة نشاطها ومنعت البقية من العمل، كما منعت الخروج من البيوت إلا للضرورة، وأغلقت الحدود، وفرضت حظر التجول العام من السادسة مساء إلى السادسة صباحا يوميا.
وبعد نحو شهرين، من ظهور أول إصابة، عقد وزراء الصحة والتربية والداخلية مؤتمرا صحفيا، أعلنوا فيه عن مرحلة جديدة من إستراتيجية الحكومة لمواجهة جائحة كورونا، انطلاقا من 4 مايو/ أيار 2020.
وزير الصحة عبداللطيف المكي، اعتبر أن هذه المرحلة الجديدة تأتي بناء على ما تحقق من انحسار موجة كورونا في البلاد، "فكان من الواجب تخفيف بعض الحجر والاحتفاظ بأغلبية إجراءات الحجر الشامل".
وأكد المكي ضرورة هذا التخفيف من أجل "تنشيط الحياة الاقتصادية بالحد الأدنى الضروري للبلاد وبعض القطاعات الحيوية والأفراد".
عدد من المتابعين يرون أن القرار الأخير جاء تحت وطأة التداعيات الاقتصادية للأزمة، والتي تشتد مع زيادة فترات الإغلاق، حيث لا تجد الدولة مفرا من استعادة أنشطتها التجارية، ولو بشكل جزئي وتدريجي مع اتخاذ التدابير الوقائية الممكنة.
فيما يبدي آخرون تخوفاتهم من خسارة الإنجاز الذي حققته تونس في تجنب سيناريوهات مماثلة لما يقع في دول أوروبية قريبة، تسبب الفيروس فيها في وفاة الآلاف.
نجاح نسبي
في 10 /مايو 2020، سجلت تونس إصابتين فقط، ليصبح إجمالي عدد الإصابات المسجلة في تونس 1032، بينها 660 حالة شفاء، و45 وفاة.
هذه النتائج التي تعتبر إيجابية، جاءت بعد أكثر من شهر من دخول البلاد تحت إجراء الحجر الصحي العام، حيث قال الطبيب بقسم طب الاستعجالي وعضو لجنة مجابهة فيروس كورونا، سمير عبد المؤمن: "معدل العدوى بالفيروس قد انخفض في تونس إلى 0.9، أي أن كل مصاب بالفيروس يمرر العدوى إلى أقل من شخص واحد في المعدل، مقابل معدل يتراوح بين 4.5 و5 أشخاص خلال الفترة الماضية".
وفسر عبد المؤمن، خلال تصريحه لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية)، هذا التراجع في نقل العدوى وحصر عدد الإصابات إلى "النجاح في الالتزام بالحجر الصحي ووسائل السلامة والوقاية على غرار التباعد الجسدي وغسل اليدين وتعقيم الأماكن العمومية بما ساهم في تفادي العديد من الإصابات المحتملة"، وفق تقديره.
هذه النتائج الإيجابية لم تعف وزير الصحة من التعبير عن تخوفه من حصول انتكاسة في صورة عدم الانضباط لإجراءات الحجر الصحي الموجه الذي انطلق في 4 مايو/آيار 2020.
تخوفات مشروعة
وزير الصحة عبداللطيف المكي، أعرب في تدوينة على فيسبوك، عن أمله في أن يواصل الجميع احترام مقتضيات الحجر الصحي، قائلا: "خوفي له مبرراته في ما نراه من انفلات هنا وهناك تجاهلا أو تحت ضغط الحاجة، وفي هذه الحالة لا قدر الله فإن السلطات العمومية ستتحمل مسؤوليتها بحماية المجتمع بما في ذلك العودة إلى الحجر العام".
المكي أضاف: "هذه المرحلة (الحجر الصحي الموجه) بُنِيت على ما تحقق سابقا من انحسار موجة كورونا فكان من الواجب تخفيف بعض الحجر والاحتفاظ بأغلبية إجراءاته. هذا التخفيف أملته ضرورة تنشيط الحياة الاقتصادية بالحد الأدنى الضروري للبلاد وبعض القطاعات الحيوية والأفراد ولم تُملِه ضرورة الترفيه أو تحقيق الكماليات فذلك لم يحن وقته بعد فالوضع الصحي لا يسمح بذلك".
من جهته يرى الطبيب المختص في برامج الصحة ياسين الكلبوسي أن قرار الحجر الموجه جاء في وقته، لأن عدد الحالات في تونس ضعيف ومستقر، وقال الكلبوسي لـ"الاستقلال": "لكن القرار لا يجب أن يكون قرارا جامدا ومراجعته في أي وقت يجب أن تكون ممكنة، وكذلك تقييمه كل أسبوع أو 10 أيام".
كما اعتبر الكلبوسي أن "عودة انتشار الفيروس لن تكون مرتبطة بالحجر الموجه فقط، لكن إذا كان الفيروس موسميا مثل الإنفلونزا الموسمية، يعني أنه سيعود بوجود الحجر الصحي أو بعدمه، لذلك يلزم استمرار إجراء التحاليل، وكذلك المتابعة الوبائية الدقيقة".
خطة الحكومة
في 29 أبريل/ نيسان 2020، وقبل أيام قليلة من انتهاء الحجر الصحي العام، قدمت الوزيرة المكلفة بالمشاريع الوطنية الكبرى، لبنى الجريبي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزراء الصحة والتربية والتعليم العالي، خطة الحكومة للحجر الصحي الموجه.
الجريبي أوضحت أن معادلة الحجر الصحي الموجه تقوم على مواصلة التحكم في الوباء من جهة، وإعادة الحياة الاقتصادية تدريجيا من جهة أخرى.
وأوضحت أن هذه الإستراتيجية قائمة على 3 مبادئ، الأول يتمثل في التدرج والمرحلية والمرور من مرحلة إلى أخرى شريطة التحكم في الوباء، والتقييم والتأقلم حسب التقييم، والذي سيؤدي إما إلى مواصلة الفتح التدريجي أو العودة إلى الحجر الصحي الشامل.
وأوضحت الحكومة في بيانات أن الحجر الصحي الموجه سيمر بـ 3 مراحل بداية من 4 مايو/آيار 2020، وينتهي في 14 يونيو/ حزيران 2020.
ويستثنى من الحجر الصحي الموجه وينبغي مواصلتهم الحجر الصحي الشامل: الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاما، والأشخاص ذوو المناعة الضعيفة وحاملو الأمراض المزمنة، والحوامل، والأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاما.
عودة حذرة
في المرحلة الأولى تعود قطاعات الصناعة والقطاعات الغذائية وقطاع الصحة، إلى جانب المهن الصغرى والحرفيين، (ما عدا الحلاقة والتجميل التي ستعود لسالف نشاطها يوم 11 مايو/آيار 2020)، والنشاطات التي لا يوجد فيها تباعد جسدي.
ويشترط على جميع العائدين لمزاولة نشاطهم خلال هذه المرحلة التي ستستمر حتى 24 مايو/آيار 2020، الحصول على تراخيص مسبقة للعمل والتنقل، بالإضافة إلى أخذ الاحتياطات الصحية اللازمة للحفاظ على سلامة العاملين.
كما أن هذه القطاعات ستلتزم بالعمل بالتناوب (يوم عمل ويوم راحة)، وبطاقة تشغيلية 50% من العاملين بها، وهو ما سيشمل القطاعات العمومية والموظفين أيضا.
وسيزيد نشاط المؤسسات التي فتحت أبوابها إلى 75 في المائة في المرحلة الثانية، ليتم في المرحلة الثالثة تدريجيا الرجوع لبعض الأنشطة الثقافية وفتح المساجد ودور العبادة.
وفي المرحلة الثانية، ستكون عودة الأسواق الأسبوعية وأسواق الدواب، على أن يعود نشاط المحاضن ورياض الأطفال في المرحلة الثالثة (أي ابتداء من 4 يونيو/ حزيران 2020).
وفيما يتعلق بالنقل، أكدت الجريبي أن وسائل النقل يجب أن تحترم التباعد الجسدي والأماكن المخصصة للجلوس والأماكن المخصصة للوقوف، على أن يقع تخفيض عدد الركاب بـ50 %، والتطهير والتعقيم المستمر لوسائل النقل، والالتزام بارتداء الكمامات.
ويمكن للتاكسي الفردي أن يحمل شخصين بتركيب متقاطع (شخص من الأمام وشخص في الخلف) ويخفض التاكسي الجماعي عدد الركاب إلى النصف، علما أن التنقل مازال ممنوعا ويقتصر على الأشخاص الحاملين للتراخيص.
أما في المرحلة الثالثة التي تنطلق في 4 يونيو/حزيران 2020، وتنتهي يوم 14 يونيو/حزيران 2020، فستجري الامتحانات الوطنية للبكالوريا (الثانوية العامة) ومناظرات السادسة أساسي (ابتدائي) والتاسعة إعدادي.
كما سيتم خلال هذه المرحلة إعادة فتح المساجد وإقامة الصلوات الجماعية تدريجيا، وعودة الأنشطة الثقافية والرياضية بشكل تدريجي، ليتم في نهاية هذه المرحلة العودة بنسبة 100%.
إلأ أن وزير الصحة أكد أن احتمال التراجع عن الحجر الصحي الموجه وارد في أي وقت إذا عاود الفيروس انتشاره.