بدعم إفريقي.. هكذا ورّط حمدوك السودان في طلب الوصاية الأممية
الطلب الذي بعث به رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك، إلى مجلس الأمن الدولي لدعم بلاده بقوات للمراقبة وحفظ السلام، وإسناد مجموعة من الوظائف لها أثار ردود فعل غاضبة في الشارع وعلى الصعيد السياسي، ووصفه البعض بـ"الاستعمار الجديد" للسودان.
أخطر ما تضمنه طلب حمدوك تمثل في أن هذه البعثة الدولية تقوم بـ "تقديم الدعم التقني في وضع الدستور والإصلاح القانوني والقضائي، وإصلاح الخدمة المدنية، وقطاع الأمن".
الغريب أن طلب حمدوك لم يدم طويلا حتى جاءت موافقة مجلس الأمن عليه سريعا، ودعمه الاتحاد الإفريقي، وكأن الأمر قد بيت بليل، واتفق عليه مسبقا.
كثير من السياسيين في السودان اعتبروا طلب حمدوك انتهاكا للسيادة الوطنية، لبلد ما زال يعيش اضطرابات واسعة منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.
موقف متداخل
في 29 أبريل/ نيسان 2020، أعلن مبعوث الاتحاد الإفريقي لدى السودان، السفير محمد بلعيش، أن "الاتحاد مستعد لدعم طلب رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، إنشاء بعثة سياسية أممية في بلاده".
حمدوك، أرسل في 27 يناير/ كانون الثاني 2020، خطابا إلى الأمين العام للأمم المتحدة، قال فيه: "يطلب السودان من الأمم المتحدة أن تسعى إلى الحصول على ولاية من مجلس الأمن لإنشاء عملية لدعم السلام بموجب الفصل السادس في أقرب وقت ممكن، في شكل بعثة سياسية خاصة تضم عنصرا قويا لبناء السلام وينبغي أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي السودان".
وشدد حمدوك في خطابه أن "الحكومة على استعداد للترحيب بالبعثة في أقرب وقت ممكن، على أن يُنشر وجود أولي تحت قيادة الممثل الخاص للأمين العام الذي يتخذ من الخرطوم مقرا له".
تضمن طلب حمدوك أيضا "إعادة بناء قدرات قوة الشرطة الوطنية بطرق، منها نشر مستشارين من شرطة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي".
وفي 24 أبريل/ نيسان 2020، قالت وزارة الخارجية السودانية في بيان: إن "بعثة الأمم المتحدة التي طلبها السودان وفقا لخطاب رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الثاني إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يجب أن تُنشأ بشكل شفاف وتشاوري يضمن المِلكية الوطنية للبعثة وتكون وفقا لمقتضيات الفصل السادس من الميثاق طبقا للبيان".
مظاهرات احتجاجية
وبناء على تلك التطورات، اندلعت مظاهرات بالعاصمة الخرطوم في 3 مايو/ آيار 2020، احتجاجا على طلب حمدوك، وردد المتظاهرون شعارات مناوئة للحكومة الانتقالية، معلنين رفضهم ما أسموه بـ"التدخل الأممي" في البلاد.
نهاية مايو/آيار 2020، ينتظر حسم مجلس الأمن قراره بخصوص البعثة الجديدة، وإن كان سيتم إرسالها تحت الفصل السابع الذي "يجيز استخدام القوة العسكرية"، أو الفصل السادس الذي يتضمن "تقديم الاستشارات السياسية والفنية" فقط.
مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة عمر محمد صديق شدد في كلمته بالجلسة التي عقدها مجلس الأمن للتشاور بشأن التقرير المشترك للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، على أن "أي نقاش حول الفصل السابع، أو نشر عناصر أمنية أو عسكرية وفقا له، لن يكون مقبولا لدى الحكومة السودانية، كما ذكرت أن مندوبها دعا لرفع العقوبات المفروضة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1591، إلى جانب دعوته لإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب".
رفض مطلق
حزب الأمة القومي، اعتبر أن طلب حمدوك يعد خرقا للوثيقة الدستورية، و"ليس من مهام الحكومة الانتقالية، ويتنافى مع التفويض الشعبي لها المتمثل في تحقيق مقاصد الثورة".
كذلك أعلن المؤتمر الشعبي السوداني المعارض رفضه طلب حمدوك رفضا باتا مدينا "أي تدخل أممي أو محاولة تقويض السيادة الوطنية"، مطالبا رئيس الوزراء بسحب خطابه فورا والاعتذار للشعب السوداني".
كما أصدر حزب دولة القانون والتنمية بيانا صحفيا، ممهور بتوقيع رئيس الحزب الدكتور محمد علي الجزولي وعنوانه "وانكشف القناع فماذا ينتظر الوطنيون".
البيان قال: "إنه استمرارا في حالة السيولة السياسية بعد انقلاب 11 أبريل/نيسان 2019 (إزاحة البشير وتولي المجلس العسكري الحكم) يصبح شعبنا كل يوم على مصيبة أنكى من التي قبلها تبعد النجعة كل البعد عن الأهداف الرئيسة التي رفعها شعبنا العظيم في ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 المجيدة ليصبح شعار الحرية دعوة إلى وصاية دولية على البلاد ويصبح شعار السلام تقسيما حادا للمجتمع ومسارات خمسة للتفاوض تمهيدا لتقسيم البلاد ويصبح شعار العدالة توظيفا سيئا لسن القوانين وتسييس النيابة العامة والقضاء".
وأضاف: "بلادنا لم تشهد تهديدا جديا يتعلق بوجود السودان الهوية والسودان الأرض والسودان الدولة كما تشهده على يد حملة الجوازات الأجنبية وموظفي المنظمات الدولية".
وذكر أنه: "في خطوة صدمت الرأي العام المحلي والدولي طلب رئيس وزراء قحت (قوى إعلان الحرية والتغيير) في خطاب إلى الأمين العام للأمم المتحدة من مجلس الأمن وضع السودان تحت وصاية بعثة أممية سياسية أسند إليها ما يزيد عن 10 مهام في دقة متناهية لأداء الدور المرسوم".
وشدد البيان أنه "تعليقا على هذه الخطوة الجريمة والخطاب الخيانة نقول: "أولا: الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة يتحدث عن النزاع المسلح الذي يؤثر على الأمن والسلم الدوليين وهو يعطي البعثة خيارات متدرجة صعودا إلى نقل الأوضاع إلى الفصل السابع واستخدام القوة المسلحة الأممية".
وأردف: "ثانيا: الفصل السادس المتعلق بالصراع المؤثر على الأمن والسلم الدولي يعطي البعثة حق دعوة أطراف النزاع لحل الصراع بالتفاوض المباشر أو التفاوض عبر وسيط إقليمي أو التفاوض عبر وسيط أممي أو الاستجابة إلى تصور تضعه البعثة لحل الصراع فإن رفضت الأطراف أو طرف واحد واستمر الصراع جاز للبعثة نقل الوضع من الفصل السادس إلى السابع ودعوة الجيوش الأممية للتدخل".
تاريخ البعثات
أول بعثة دولية وطأت أرض السودان لحفظ السلام كانت في عام 2005، حينما أنشأ مجلس الأمن بعثة عقب التوقيع على اتفاق السلام الشامل بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، لمراقبة تنفيذ الاتفاق الذي انتهى بانفصال جنوب السودان في 2011، ثم غادرت البعثة البلاد.
وفي عام 2007، ومع اضطراب الأوضاع الأمنية في إقليم دارفور، أسست بعثة ثانية مختلطة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الإقليم وحماية المدنيين، ولا تزال البعثة تعمل، وقبل عزله خطط نظام البشير لخروجها، وبدأت فعليا في تفكيك بعض معسكراتها، وكان يتوقع إجلاؤها كليا بنهاية 2020، وسط معارضة من الحركات المتمردة في الإقليم.
وكذلك أُنشئت في عام 2011 بعثة ثالثة، بقرار من مجلس الأمن الدولي ومجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، انتشرت في منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان ودولة جنوب السودان.
لكن المختلف في طلب حمدوك هذه المرة أنه لا يأتي في ظل مناطق نزاع، أو تشهد حربا أهلية وقبلية، إنما شمل الطلب عموم السودان.
وفي 21 أغسطس/آب 2019، بدأ السودان مرحلة انتقالية تستمر 39 شهرا، تنتهي بإجراء انتخابات يتقاسم خلالها السلطة كل من المجلس العسكري، وقوى إعلان الحرية والتغيير قائدة الحراك الشعبي.
المصادر
- الاتحاد الإفريقي "مستعد" لدعم طلب حمدوك إنشاء بعثة أممية
- الحكومة الانتقالية بالسودان تحدد شروط قبولها لبعثة أممية طلبتها
- الأمم المتحدة تتفق مع الخرطوم على تواجد بعثة لها بالسودان
- الإعلان عن دور أممي بالسودان خلال الفترة الانتقالية
- السودان: بيان خطير من محمد علي الجزولي بشأن طلب حمدوك للوصاية السياسية
- "الأمة القومي" السوداني: طلب حمدوك بعثة أممية يعد خرقا للوثيقة الدستورية
- انتقادات واسعة لطلب حمدوك إنشاء بعثة أممية تشمل كل السودان: استعمار جديد