منذ انقلاب "25 يوليو".. ما أسباب تأخر قيس سعيد في إعلان خريطة طريق؟
دخلت تونس الأسبوع الثاني من "القرارات الاستثنائية" التي اتخذها رئيس البلاد قيس سعيد، والتي جمد بموجبها البرلمان المنتخب شرعيا وأعفى رئيس الحكومة هشام المشيشي ليتولى بنفسه إدارة كل السلطات.
ولم تتضح حتى الآن الرؤية السياسية كما لم يفعل سعيد ما تعهد به من تعيين رئيس للحكومة لتسيير شؤون البلاد أو وضع خريطة للطريق.
هذا التأخر والتعثر طرح تساؤلات عديدة حول الغموض الذي يكتنف خطوات سعيد التي نفذها في 25 يوليو/تموز 2021 ووصفها كثيرون بـ"الانقلاب"، والسيناريوهات المحتملة التي قد يذهب فيها الأخير بالفترة المقبلة.
ويرى مراقبون أن تونس ما بعد قرارات سعيد مقبلة على عدة سيناريوهات، منها أن يدعو إلى استفتاء شعبي لتنقيح القانون الانتخابي وتعديل الدستور بتغيير نظام الحكم من برلماني معدل إلى رئاسي، ثم الدعوة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها.
ويشير سيناريو ثان، إلى إمكانية خضوع سعيد لعديد الضغوطات الداخلية والخارجية التي تمارس تجاهه حاليا للعودة إلى المسار الديمقراطي ورفع التجميد عن البرلمان والتسريع بتشكيل حكومة يكون الملف الاقتصادي أكبر أولوياتها.
ويطرح سيناريو ثالث، وهو أن يمضي سعيد في تعيين رئيس للوزراء يضمن ولاءه وتمديد تجميد عمل البرلمان بعد انقضاء مدة ثلاثين يوما إلى حين إحكام قبضته على كل السلطات والذهاب بذلك نحو الحكم الفردي بلا رجعة.
قانون الانتخابات
وتعليقا على تأخر سعيد في إعلان خريطة طريق وتعيين رئيس للحكومة، قال المحلل السياسي محمد ضيف الله، إنه رغم الدعوات بهذا الشأن إلا أنه لم تصدر عن رئاسة الجمهورية أي استجابة.
وإلى حد الآن لم يصدر عن رئاسة الجمهورية ما يشير إلى الخطوة التي سيتم اتخاذها بعد الإجراءات التي أعلنها سعيد.
وتوقع ضيف الله في حديث لـ"الاستقلال" أن تكون الخطوة القادمة لقيس سعيد هي القيام باستفتاء شعبي لتغيير النظام الانتخابي ثم الذهاب إلى انتخابات مبكرة.
واعتبر أن هذا الأمر يتطلب وقتا غير منظور، خاصة وأن رئاسة الجمهورية لم تفصح إلى حد الآن عن الخطوات القادمة.
وأضاف ضيف الله: "أعتقد أن سعيد لا يؤمن بالانتخابات كما كانت تجري سابقا، إذ إن له نظرة أخرى لطريقة الاقتراع (الانتخاب) عبر التصويت على الأفراد لا على القائمات الانتخابية الحزبية والمستقلة مثلما ينص عليه القانون الانتخابي الحالي".
وهذه النظرة تتطلب وقتا طويلا لتعديل القانون الانتخابي ليقنع بها الأطراف السياسية الأخرى، وفق ما يقول.
ويرى أن "قيس سعيد يريد أن يطبق ما هو مقتنع به، وهو على قناعة تامة ومتمسك بآرائه ويحاول فرضها دون حوار أو نقاش ودون أي اعتبار للآخرين".
ومنذ توليه السلطة، عبر سعيد في أكثر من مناسبة، عن عدم رضاه عن تكبيله بالدستور، الذي لا يتيح للرئيس سلطة مباشرة، سوى على الجيش وفي الشؤون الخارجية، في حين تظل الإدارة اليومية في يد حكومة مسؤولة أمام البرلمان، كما لم يخف سعيد رغبته في وضع دستور جديد للبلاد.
أما بشأن ما يمكن أن يقدم عليه سعيد على المدى القريب، قال ضيف الله: إن الإجراء الأقرب هو تعيين رئيس حكومة باعتبار أن البلاد لأكثر من أسبوع دون حكومة.
وحتى الحكومة السابقة برئاسة هشام المشيشي كانت تعمل بنصف الأعضاء فقط، باعتبار أن هناك 11 وزيرا لم يوافق سعيد على أدائهم اليمين الدستورية منذ شهر يناير/كانون الثاني 2021، رغم المصادقة عليهم ومنحهم الثقة من قبل البرلمان.
واعتبر ضيف الله أن "تونس اليوم في مرحلة اللاحكومة فمن كلفهم سعيد بتسيير الأمور يؤدون أدوارا داخل الوزارات، ولكن لا يعني ذلك أنهم قادرون على الاضطلاع بأدوارهم كما هي، وأعتقد أن الخطوة الأولى هي تعيين رئيس حكومة وأعضاء حكومة".
ورأى أن سبب التأخير في تعيين رئيس حكومة من طرف سعيد أحد أمرين، إما أن الرئيس لم يكن مستعدا لاتخاذ القرارات الأخيرة يوم 25 يوليو/تموز 2021، وهو في حد ذاته فوجئ بها، وكان متسرعا والدليل على ذلك أنه لم يعين إلى الآن حكومة.
أما الأمر الثاني الذي ذهب إليه فهو أن سعيد يتفاوض حاليا مع أطراف أخرى داخلية أو خارجية لتعيين رئيس حكومة مقبول بصفة عامة من قبل الأطراف السياسية والمنظمات الاجتماعية خاصة الاتحاد العام التونسي للشغل.
ضغوط خارجية
في نفس السياق، أوضح ضيف الله أن هناك حاليا مرحلة تفاوض مع أطراف داخلية ومع أطراف خارجية، لأن ما جرى يوم 25 يوليو/تموز لا يمكن فصله عن المحيط الخارجي وعن السياسة الإقليمية والدولية.
وحول إمكانية ذهاب سعيد في تمديد مدة تجميد البرلمان بعد انقضاء 30 يوما، شدد على أن عملية التجميد لم تكن دستورية منذ البداية.
وبين أنه "لم ينص عليها الدستور بل على العكس لأن الفصل (البند) 80 يقول: إن البرلمان والحكومة يبقيان في حالة اشتغال دائم ويبقى البرلمان في حالة انعقاد دائم وليس تجميده وغلق أبوابه".
ويضيف محدثنا: "أعتقد أن تجميد البرلمان أعطى صورة سلبية للخارج لما قام به قيس سعيد باعتبار أن البرلمان مهما كانت الصراعات داخله فإن الخارج ينظر للبرلمان دائما على أنه رمز من رموز الديمقراطية وهو جوهر الحياة الديمقراطية".
وأكد أن "إعادة فتح البرلمان يعتبر تنفيسا لهذه الصورة السلبية، خاصة وأن هناك ضغوطات خارجية من أجل إعادة الحياة الديمقراطية أي إعادة الحياة للبرلمان".
وهذه الضغوطات الخارجية تعني أن تونس ليست بمعزل عن العالم، بل أحداث 25 يوليو/تموز جعلت تونس في قلب الاهتمامات الخارجية، كما قال.
وأردف قائلا: "من أجل تحسين الصورة السلبية ليوم 25 يوليو/تموز، لا بد للبرلمان أن يعود إلى عمله".
من جانبه، يرى رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية حول المغرب العربي والمؤرخ التونسي عدنان منصر أن "الذهاب إلى انتخابات مبكرة هو الحل الذي يمكن أن يتم حوله نقاش بين الرئيس قيس سعيد والائتلاف البرلماني الحاكم".
وذلك في إشارة إلى أحزاب النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة التي كانت تدعم حكومة المشيشي.
ويقول منصر، لـ"الاستقلال": إنه "من المفترض اليوم أن يكون قيس سعيد أحد الضمانات للعودة إلى وضعية الفصل بين السلطات، أي وضعية ما قبل قرارات 25 يوليو/ تموز 2021.
وتابع أنه "على سعيد أن يعطي التزاما بتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة ولو تطلب الأمر إجراء استفتاء شعبي لوضع قانون انتخابي جديد واستفتاء على تعديل الدستور وما إلى ذلك".
وأكد أن الخروج من النفق الحالي لا يتم إلا بالالتزام بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في أجل معقول.
خطوات مفترضة
وحول ما سيقدم عليه سعيد من خطوات في الفترة المقبلة، تابع منصر أن "من المفترض أن يشكل الرئيس الحكومة، لأنه بالإضافة إلى موضوع الأزمة الصحية فإن البلاد مقبلة على جولة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وهذا يتطلب وجود حكومة؛ لأن الصندوق يتفاوض مع الحكومات".
والمطلوب أيضا، بحسب المتحدث، أن يسرع رئيس الجمهورية بتقديم خارطة طريق، مشيرا إلى وجود بعض الضغوط على سعيد في هذا الاتجاه.
وشدد على أنه يجب أن تتضمن خريطة الطريق العودة إلى المسار الطبيعي والعودة إلى حالة الفصل بين السلطات، ويجب أن تضمن الخارطة ذلك، وإجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
وحول إمكانيات التمديد في تجميد عمل البرلمان، استبعد أن يتم رفع التجميد عنه بعد 30 يوما، مضيفا أن سعيد لم يقدم على مثل هذه المغامرة ليعيد نشاط البرلمان بعد هذه المدة.
في المقابل، يرى الباحث والأكاديمي التونسي سامي براهم أن سعيد ينوي الذهاب في اتجاه الانفراد بالسلطة.
وقال براهم، في تدوينة عبر صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك": "حصيلة أيام قليلة من الحكم الفردي: مداهمات ليلية للمنازل دون استظهار بأذون قانونية ... انتهاك لحرمة المساكن وساكنيها، ترويع للأطفال والنساء وكبار السن، إيقافات عشوائية دون احترام للإجراءات الجزائية المنصوص عليها في القانون، التجاء بعض المطلوبين إلى الاختفاء القسري".
ويضيف: "عودة الخوف والترهيب من جديد وتلقي تهديدات من أنصار المشهد الحالي، عودة فلكلور المناشدات والتزلف، انقلاب كلي في المشهد الإعلامي الذي تحول في أغلبه إلى منصات لنشر الكراهية والشحن والتحريض على فئات من المواطنين".
ويتابع: "كل ذلك وأكثر منه في أيام معدودة سقطت فيها المؤسسات الدستورية وتركزت السلطات بيد فرد وانفلتت الأمور من الرقابة القانونية... إذا كانت أيام قليلة فعلت هذا فكيف بنمط حكم يراد له أن يكون رئاسويا شموليا مطلقا".
ويترقب التونسيون إعلان سعيد خريطة الطريق التي ينوي تنفيذها وتكليف رئيس حكومة جديد، وسط تصاعد دعوات منظمات المجتمع المدني التونسي وخاصة اتحاد الشغل التونسي لسعيد من أجل التسريع بتشكيل حكومة ووضع خارطة طريق.