كارنيجي: هذه الأسباب أفقدت مصر القدرة على محاربة كورونا

12

طباعة

مشاركة

وصف مركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط، التدابير التي اتخذتها مصر لمواجهة فيروس كورونا بأنها "هشة ولا تصلح للتعامل مع مثل هذا النوع من الأزمات".

وأكد المركز في تقرير له أن أوجه القصور الهيكلية في نظام الرعاية الصحية في مصر وسوق العمل والسياسات الاقتصادية والاجتماعية، تحد من جهود الحكومة لمعالجة تفشي الفيروس.

وفي 24 مارس/آذار، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن سلسلة من الإجراءات لمواجهة خطر جائحة كوفيد-19، وشمل ذلك حظر التجول لمدة أسبوعين من الساعة 7 مساء حتى السادسة صباحا، ويعاقب بغرامة قدرها أربعة آلاف جنيه مصري كل من يخالف هذا الحظر.

حوافز واستثناءات

وسبق حظر التجول قرارات بإغلاق جميع أماكن العبادة والمدارس والجامعات، فضلا عن اتخاذ تدابير لقصر موظفي القطاع العام على الموظفين الأساسيين، إلا أنه في الثاني من أبريل/نيسان 2020، أعلن المتحدث باسم وزارة الإسكان عن البدء باستثناء قطاع البناء الذي يعمل فيه أربعة ملايين عامل، ابتداء من 4 أبريل/نيسان.

وقال الباحث في "كارنيجي" ماجد مندور: إن "مثل هذا الاستثناء يقلل إلى حد كبير من فعالية القيود المفروضة للحد من انتشار الوباء".

وكانت الحكومة قد أعلنت في 22 مارس/آذار 2020 مجموعة من الحوافز الاقتصادية، بما في ذلك تخفيض أسعار الفائدة بنسبة 3 بالمائة، والإعفاءات الضريبية على أرباح رأس المال للأجانب، وتأجيل دفع ضريبة الأرباح الرأسمالية للسكان حتى بداية عام 2022، وتوفير مائة مليار جنيه لدعم القطاع الصناعي الخاص.

ومع ذلك، فشلت هذه المبادرات في معالجة نقاط الضعف الهيكلية الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل مصر عرضة بشكل خاص لانتشار الفيروس، وفق ما يقول مندور.

ويضيف: "تنبع أوجه القصور هذه من تنامي أولويات الإنفاق العسكري في عام 2015، وخلال هذا العام، كانت مصر ثاني أكبر مستورد للأسلحة بين البلدان النامية، حيث بلغت الواردات 11.9 مليار دولار أميركي، واستمر هذا الاتجاه حتى عام 2020".

وتعكف مصر حاليا على التفاوض بشأن صفقة أسلحة بقيمة 9.8 مليار دولار أميركي مع إيطاليا من المقرر أن يعلن عنها في 25 أبريل/نيسان 2020، الذي يوافق الذكرى السنوية لتحرير سيناء.

الإصلاح الاقتصادي

جدير بالذكر أن الإصلاح الاقتصادي الذي أجرته الحكومة كان مدفوعا بالانضباط المالي وخفض الإنفاق الحكومي، الأمر الذي أدى إلى زيادة مستويات الفقر وضعف الطلب المحلي، ومثل هذه التأثيرات على المستهلكين تقيد آفاق نمو القطاع الخاص بشكل سلبي، الأمر الذي يجعل الاقتصاد أكثر عُرضة للصدمات، وفق المركز.

وفيما يخص القطاع الصحي في مصر، ذكر التقرير أنه "علاوة على ذلك، أصبح نقص التمويل المزمن وهشاشة نظام الرعاية الصحية في مصر واضحا إلى حد كبير، فعلى سبيل المثال، شهد الإنفاق على الرعاية الصحية انخفاضا ثابتا من 6.7% عام 2000 إلى 4.2% في 2016".

ففي العام المالي 2018-2019، بلغ إجمالي نفقات الرعاية الصحية 25 دولارا عن كل مواطن، وهو مبلغ منخفض إلى حد خطير مقارنة بالمتوسط العالمي الذي بلغ ألف دولار.

ومن المرجح أن يؤدي هذا الخفض إلى الحد من قدرة نظام الرعاية الصحية على التعامل مع التدفق الضخم من المرضى المتوقع في حالة حدوث وباء، بل وأكثر من ذلك، هناك نقص حاد في أسرة وحدة العناية المركزة.

فمصر لديها سرير واحد فقط لكل 813 مواطنا، بينما إيطاليا التي يوشك نظامها الصحي على الانهيار، لديها سرير واحد لكل 363 مواطنا، ويتفاقم هذا العجز بسبب النقص الحاد في العاملين في القطاع الطبي.

ففي عام 2019، بلغ النقص في ممرضات العناية المركزة 55 في المائة، وبالنسبة للأطباء، غادر 120 ألف طبيب من أصل 220 ألف طبيب (مدرب ومتعلم محليا) للعمل خارج البلاد نتيجة الظروف السيئة التي يعاني منها النظام الصحي وقلة الدخل الممنوح لهم.

الرعاية الاجتماعية

ويؤكد التقرير أن من بين العقبات الأخرى التي تواجه استجابة الحكومة المصرية للأزمة هي قوة العمل وسياسات الرعاية الاجتماعية، في حين شهد القطاع غير الرسمي مستوى من الهيمنة لم يسبق له مثيل، قدّره نائب رئيس اتحاد الصناعات طارق توفيق أنه يمثل أكثر من 50% من الاقتصاد في أبريل/نيسان 2019.

كما أن انخفاض مستوى المشاركة في الضمان الاجتماعي، الذي بلغ 48,1% في الاقتصاد الكلي، يعمق من التحديات التي تواجه الاقتصاد، حيث انخفضت نسبة المشاركة في الضمان الاجتماعي بشكل ملحوظ في القطاع الخاص، حيث بلغت 9.6% في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

وأكثر من ذلك، فإن 29.2% من القوى العاملة تعمل بشكل مؤقت، ومن أجل معالجة بعض هذه المخاوف، أقر البرلمان قانونا ينص على استحقاقات البطالة التي تبلغ 75% من الراتب الأصلي للفرد في الأشهر الثلاثة الأولى.

إلا أنه خلال الأسابيع اللاحقة، انخفضت المستحقات إلى 45%، غير أن هذا القانون لن ينطبق على أغلبية القوى العاملة المصرية، لأن معظمها يعمل في القطاع غير الرسمي الذي لا يساهم في الضمان الاجتماعي، أو يعمل أغلبها في وظائف مؤقتة.

وبالتالي فإن قدرة الحكومة على توفير الدعم لأولئك الذين من المرجح أن يخسروا وظائفهم محدودة للغاية، وعلى هذا النحو، فإن قرار فرض إغلاق كامل من شأنه أن يؤدي إلى صعوبات اقتصادية كبيرة واضطرابات محتملة.

وفي محاولة لدعم العاملين المؤقتين وسط أزمة كوفيد 19 العالمية، أصدرت الحكومة قرارا بدعم العمالة المؤقتة بدفعة واحدة قدرها 500 جنيه (ما يعادل 32 دولارا أميركيا) ويعتبر ذلك مبلغا زهيدا في مواجهة جائحة طويلة الأمد.

القطاع الخاص

وفي 28 مارس/آذار 2020، نفت الحكومة شائعات تقول إنها ستأمر بإجازة إلزامية لكلا القطاعين العام والخاص ودفع أجور موظفي القطاع الخاص للمساعدة في مواجهة الأزمة.

ويوضح التقرير أن "الحكومة المصرية دأبت على انتهاج سياسات اقتصادية أدت إلى إضعاف القطاع الخاص، الأمر الذي جعل الاقتصاد غير مجهز على النحو اللائق للتعامل مع هذا الوباء".

فقد عملت السياسات الحكومية على خفض الطلب المحلي، وبالتالي أثرت سلبا على قوة القطاع الخاص، لأن انخفاض الطلب يعني تضاؤل فرص نمو القطاع الخاص.

كما تسبب برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي ينفذه النظام، ويشمل تخفيض الدعم الحكومي وفرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 14%، في خلق تأثيرات اقتصادية سلبية.

وأدى تعويم الجنيه إلى ارتفاع مستويات التضخم، التي ارتفعت من 6.9% عام 2013 إلى 23.5% عام 2017، حيث أدى نمو التضخم هذا إلى زيادة معدلات الفقر وضعف السوق المحلية.

ففي مايو/أيار 2019، أصدر المركز المصري للتعبئة والإحصاء، وهو جهة حكومية، تقريرا بعنوان "الدخل، النفقات، والاستهلاك"، وأشارت النتائج إلى ارتفاع حاد في مستويات الفقر النسبي والمطلق مقارنة بعام 2015.

مستويات الفقر

وذكر التقرير الرسمي أن معدلات الفقر النسبية ارتفعت من 27.8% إلى 32.5% في عام 2018، وارتفع مستوى الفقر المدقع من 5.3% إلى 6.2% خلال الفترة نفسها.

وباستخدام أسعار عام 2015، كان انخفاض مستوى استهلاك الأسرة مصحوبا بارتفاع مستويات الفقر المذكورة أعلاه بنسبة 9.7%، وكان الانخفاض أكثر حدة في المناطق الحضرية حيث وصل إلى 13.7% مقابل 5.1% في المناطق الريفية.

وهذه الزيادة في معدلات الفقر لا تؤدي إلى زيادة في مستوى الحرمان الاجتماعي فحسب بل تؤدي أيضا إلى خفض الدخل المتاح. وهذه الظروف يمكن أن تقلل من نمو القطاع الخاص، وكما هو متوقع، تقلص القطاع الخاص غير النفطي بأسرع معدل منذ ثلاث سنوات في يناير/كانون الثاني 2020.

ويؤكد التقرير أنه يمكن تعويض انخفاض الطلب المحلي عن طريق زيادة الصادرات، إلا أن الصادرات انخفضت بنسبة 1.66 مليار دولار أميركي بين عامي 2013 و2018.

واستنادا إلى بيانات البنك المركزي في عام 2018، جرى الحصول على 41,1% من قيمة الصادرات من النفط الخام والمنتجات ذات الصلة، ويُعد سعر النفط الحالي الذي انخفض بنسبة 24%، مؤشرا على انخفاض متعدد السنوات، وهو ما سيتسبب في تقليص مصدر حيوي للدخل القومي.

ومن المتوقع أن تصل الخسائر المتوقعة في قطاع السياحة التي أعلن عنها وزير السياحة خالد عناني في 16 مارس/آذار 2020 إلى مليار دولار شهريا. وهذه الخسارة في العائدات تعوق قدرة الحكومة على توفير الدعم الاقتصادي لأكثر الفئات ضعفا أو تعزيز خدمات الرعاية الصحية في غضون فترة قصيرة من الوقت.

ويخلص التقرير إلى أن استعدادات الحكومة المصرية لمواجهة الوباء تتقلص بسبب نقاط الضعف الهيكلية التي تعززت وتفاقمت بسنوات من السياسات الحكومية.

ويأتي هذا في وقت سمح فيه غياب المساءلة العامة للنظام المصري بتنفيذ سياسات تعتمد على إنفاق المليارات على الأسلحة وتزيد من الفقر، في حين انهار نظام الصحة والضمان الاجتماعي.

وأدى الانزلاق التدريجي الذي نتج عنه ديكتاتورية عسكرية إلى محو متعمد للعملية السياسية وهيمنة النخب العسكرية في مصر، مما سمح للنظام باتباع سياسات تعزز المصالح الضيقة لهذه النخب. وهذا التحول في سياسات الحكومة المصرية، ترك الدولة غير قادرة على أداء إحدى وظائفها الأساسية لحماية السكان في أوقات الأزمات، وفق المركز.